كليوبترا كانت ملكة على مصر
عندما تشتد الحرارة والرطوبة اشتدادا كبيراً بسكان القاهرة بفصل الصيف وبالأحرى في شهر يوليو وأغسطس ، ويصبح الفرار من تلك الحرارة والرطوبة أمرا لا غنى عنه لمن يقطنون القاهرة . و ذلك لمن في وسعهم تغيير نمط الحياة والذهاب إلى إحدى المدن الساحلية .. وقد جرت العادة أن أسافر إلى عروس البحر الأبيض المتوسط مدينة الأسكندرية تلك البقعة الساحرة التي بناها الإسكندر الأكبر والتي تمتد على الشواطئ الصخرية للبحر الأبيض المتوسط ، وإلى الخلف منها النيل العظيم وكل ما حوته مصر من ثروة وفخامة قديمة .. مدينة الاسكندرية ..
ومن العجيب أن من يسافر إلى الاسكندرية ولو لمرة واحدة يجد نفسه ومعه أسرته يرتبطوا بهذه المدينة الساحرة بتاريخها وشوارعها وأسواقها وآثارها القديمة قدم الزمان .. ارتباطا يدوم بدوام العمر.
ومن بين الأماكن الساحرة العديدة قلعة قايتباي ومكتبة الاسكندرية الحديثة ،ومنارة الإسكندرية التي بناها جد الملكة كليوبترا بطليموس فيلادلفوس قبلها بمائتي سنة لترشد السفن وهى داخلة أو خارجة من الميناءين. وحمام كليوباترا تلك البقعة البحرية العجيبة ، وجلست فترة زمنية في هذا المكان الساحر الذي سحر خيالي حتى صار الخيال والصحو متداخلان واختلط الماضي بالحاضر . فإذا بتلك الفتاة والمرأة الملكة واقفة أمامي بلحمها وعقلها .. ودار بيننا هذا الحوار .
من أنتِ أيتها المرأة وما أتى بكِ إلى هنا ..؟ ... كان هذا هو السؤال الذي وجهته لي الملكة كليوباترا..
_ فأجبتها أنا إمرأة مصرية من حفيداتك وقد وُلِدْتُ بعد مولدكِ بألفي عام.. تقريباً!
_ وما أتى بكِ إلى هذا المكان..؟
سمعت وقرأت عنك الكثير والكثير وكنت أريد أن أسمع منك الحقيقة كما كانت
_ وجئتُ أنشد المعرفة منكِ عنكِ وأكتب مثلا لبنات عصري يبعث فيهن الأمل والثقة والرجاء بعدما طغى الفكر السلفي الوهابي على تفكير نسبة غير قليلة منهن ..
_ كم هو هدف نبيل تسعين إليه وكان حقاً عليّا أن أشد من أزرِكِ..
_ ماذا تريدين ان تعرفي عني منيِ؟
أريد أن أعرف نبذة عن حياتك وطبيعة تفكيرك ، كيف وصلتي إلى حكم مصر وما هى طبيعة علاقتك بيوليوس قيصر وأنطيونيوس
أنا كليوبترا السابعة ملكة مصر ووُلدت في الإسكندرية في شهر يناير 69 ق.م.
وكانت فترة حكمي 51 ق.م. -إلى 12 أغسطس 30 ق.م.
وتُوفيت في الإسكندرية أيضا 12 أغسطس 30 ق.م. (39 سنة)
وأبي بطليموس الثاني عشر
ووالدتي كليوبترا الخامسة.
وكان عندى أربعة من الأخوة والأخوات هم على الترتيب من الإناث (برنيكي) و(أرسينوي) وأخوان صغيران كان كل منهما يسمى بطليموس
وكنت اعتبرت نفسي مصرية وتحت حماية إيزيس لأن المصريين كانوا يجلون ويحترمون نسائهم اللائي كن تحت حماية الإلهة إيزيس مع انني اغريقة مقدونية الأصل ولكنني ولدت في مصر وتحديدا في مدينة الإسكندرية وعشت فيها وتررعت
و قد كنت ملكة مصر الشهيرة في التاريخ بعلاقتي بيوليوس قيصر ثم ماركوس أنطونيوس ووالدة بطليموس الخامس عشر (قيصرون).
سألتها قائلة أود معرفة بعض المعلومات التاريخية عن منارة الإسكندرية ومكتبة الإسكندرية ، وكيف كانت طبيعة الحكم البطلمي في مصر؟
أجابتني قائلة سوف أحكي لك بكل سرور عن منارة الإسكندرية لما لها عندي من معزة خاصة
" منارة الإسكندري"
بناها جدي بطليموس فيلادلفيوس قبل عصري بمائتى عام لترشد السفن وهى داخلة وخارجة من المناءين.
وبما أن هذه المنارة قد أنشئت تكريما للألهة الذين يحمون الناس فقد قامت هناك شامخة من اجل مساعدة أولئك الذين يسافرون عبر البحار وكانت ترفع في طبقات إلى ما يقرب من ستمائة قدم ، قاعدتها السفلى مربعة ولكنها تصبح إسطوانية الشكل عند القمة حيث يضيء المصباح في الليل ، وكان يمكن رؤية ضوئه الذي ينعكس بمرآة ضخمة على بعد ثلاثين ميلا في البحر.
وكان هناك منحدر حلزوني بداخلها لتصعد عليه الحمير حاملة الخشب الراتنجي الذي كان يستخدم في الوقود.
إنها أول منارة في العالم وإحدى عجائب الدنيا السبع!
ولم تكن تعني بالنسبة لي انا كليوبترا الفخر لما أنجزته أسرتي من الأعمال العظيمة فحسب بل كانت تعني الوطن أيضا، كما كانت تعني العزاء في بعض الأحيان . والسبب في ذلك أنه بالرغم من كل مظاهر الترف والجمال والقيم الحضارية في حياتي فقد كان من الأمور الخطيرة الحمقاء أن أٌولد كفرد في أسرة البطالمة .لأنه إذا حدث أن كنت بريئا وتعترض طريق منافس مطالب للعرش، أو سمحت للمربيين السيئين والأصدقاء أن يؤثروا عليك في لعبة مؤامرات القصر فقد تختفي تماما في إحدى الليالي دون أن يسمع لك صوت أو تخلف أثرا وتقتل في فراشك بأيدي اقاربك أو مأجوريهم !
وقد كنت أحسد تلك الطمأنينة المرحة التي كانت تظهر على الإسكندريات التي كنت أراهن حولي عندما كنت أمر محمولة فوق محفتي خلال الشوارع المزدحمة وحولي العبيد ووصيفاتي فقد كنت أراهن أكثر راحة بال مني هذا عن منارة الإسكندرية وما حوته من ذكريات بعضها مؤلم والبعض الآخر حلو.
نأتي بعد ذلك لمكتبة الإسكندرية فبعد أن شيد جدي بطليموس الأول سوتر أكاديمية العلوم الشهيرة "الميوسيون "
بعدها شيد مكتبة الإسكندرية التي كانت تضم نصف مليون بردية ، لقد كانت مكتبة الإسكندرية منذ 2200 سنة أشبه شيء بمكتبة المتحف البريطاني في أهميتها وكثرة ما فيها من كتب ، وهنا كان الفلاسفة والعلماء والجغرافيون والمؤرخون وعلماء الرياضيات يدرسون ويٌدرسون للطلاب .
وكان من بينهم يوقليدس الشهير
وفي هذه المكتبة تعلمت أنا كليوباترا التي كنت من نسل بطليموس سوتر الذي شيد هذه المكتبة تعلمت الحكمة والأدب الإغريقي ، وأتقنت عدة لغات بما فيها لغة مصر الهيروغليفية ، فكنت أول حاكم من أسرة البطالمة يتيسر له تلك المعرفة . هذا عن مكتبة الإسكندرية
أما عن طبيعة الحكم البطلمي على مصر فمن الممكن القول أن بعضه خيرا وبعضه شر
كان الملوك والملكات من البطالمة أجانب على البلاد وكانوا يتكلمون الإغريقية فقط ، وبالرغم من أنهم لم ينهبوا البلاد ويخربوها كما فعل الفرس ، بل جمعوا بين عبادة ألهتهم وعبادة آلهة مصر وحموا كهنتها ، فقد ظلوا إغريقا مقدونيين وكانت عاصمتهم الإسكندرية "على مقربة من مصر " وليست في مصر نفسها كما كانت منف وطيبة وكالقاهرة العاصمة الإسلامية الحالية.
وقد حفر البطالمة القنوات وضبطوا فيضان النيل السنوي حتى يتيسر ري مساحات أكبر من الأراضي حتى يزداد المحصول ،
وأصلحوا المعابد القديمة وبنوا معابد جديدة جميلة لأنفسهم على طول مجرى النيل في المناطق المقدسة .
كما زادوا من تجارة مصر مع العالم الخارجي زيادة عظيمة وخاصة مع الشرق وبلاد البحر الأبيض، وفتحوا نافذة على عالم وادي النيل القديم المغلق لتهب من خلالها التيارات الجديدة لفكر وحضارة الإغريق .
على أنهم قد أثقلوا كاهل البلاد بالضرائب وعينوا موظفين من الإغريق في المناصب الهامة في طول البلاد وعرضها ، وكان ذلك سببا في قيام ثورات ضد حكمهم وخاصة في الصعيد
وكان من الممكن أن يعيش المصريون والإغريق جنبا إلى جنب ، ولكنهم ظلوا متباعدين نتيجة للريبة والإزدراء نتيجة لموقف الملوك البطالمة الذين لم يستطيعوا أن يصبحوا مندمجين في البلاد اندماجا تاما .
وكان الإغريق يزدرون المصريين وانزوى المصريين منطوين على عبادتهم السرية وأسرارهم الغامضة .
وبالرغم من أن الكهنة كانوا يلقبون أسلافي بلقب الفراعنه ويبتهلون إليهم بخشوع في الاحتفالات المقدسة ، إلا أنني كنت البطلمية الوحيدة التي آمنت في إخلاص بآلهة البلاد ، أما الآخرون فكانوا يكتفون بالقول فقط دون أن يؤمنوا بما يقولون !
وللحديث بقية عن طبيعة حكمي وعلاقتي بالملوك والأسباب التي أودت بحياتي وكيف كانت نهايتي
المراجع
1- كتاب كانت ملكة على مصر تأليف (وينيفرد هولمز)
ترجمة سعد أحمد حسين
2- الشبكة العنكبوتية