سورة المدثر
سميت بهذا الاسم لذكر المدثر بقوله "يا أيها المدثر ".
"بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر "المعنى بحكم الرب النافع المفيد يا أيها المزمل تيقظ فأبلغ وإلهك فأطع ونفسك فزكى والكفر فاجتنب ولا تفتخر تستعظم ولإلهك فأطع ، يخاطب الله المدثر وهو المزمل أى النبى (ص)الملفوف فى الغطاء فيبين له أن اسم الله الرحمن الرحيم أى أن حكم الرب النافع المفيد هو :قم فأنذر أى اصحو فأخبر أى فحدث الناس بالوحى وهو نعمة الله مصداق لقوله بسورة الضحى "وأما بنعمة ربك فحدث"،وربك فكبر والمراد وحكم إلهك فأطع وفسر هذا بقوله وثيابك فطهر أى ونفسك فزكى والمراد وذاتك فأصلح وفسر هذا بقوله والرجز فاهجر والمراد والكفر فخالف حكمه ولا تمنن تستكثر أى لا تفخر تستكبر والمراد ألا يكفر بحكم الله مستكبرا على طاعته وفسر هذا بأنه لربك فاصبر أى لحكم إلهك أطع مصداق لقوله بسورة القلم "فاصبر لحكم ربك"والخطاب وما بعده للنبى(ص)
"فإذا نقر فى الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير"المعنى فإذا نودى فى الصور فذلك يومذاك يوم صعب على المكذبين غير سهل ،يبين الله لنبيه (ص)أن إذا نقر فى الناقور والمراد إذا نفخ فى الصور وهو آلة النداء مصداق لقوله بسورة الزمر"ونفخ فى الصور"فذلك يومئذ يوم عسير أى صعب على الكافرين غير يسير والمراد على المكذبين بحكم الله غير سهل .
"ذرنى ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا "المعنى اتركنى ومن أنشأت فردا وأعطيت له ملكا عظيما وأولاد حضورا وهيئت له تهيئة ثم يريد أن أكثر حقا إنه كان لأحكامنا عاصيا،يطلب الله من نبيه (ص)أن يذره والمراد أن يتركه يتعامل مع الكافر دون أن يطلب منه رحمته ،والكافر هو من خلق الله وحيدا من أنشأ الله فردا وجعل له مالا ممدودا أى وأعطى له متاعا كثيرا أى ملكا عظيما وبنين شهودا أى وأولاد أحياء وفسر هذا بأنه مهد له تمهيدا أى هيىء له أسباب الغنى تهيئة ثم يطمع أن أزيد والمراد ويتمنى أن أكثر له وهذا يعنى أنه كان يتمنى النبوة ويبين له أنه كلا أى الحقيقة هى أنه كان لآياتنا عنيدا والمراد أنه كان لأحكامنا مخالفا وهذا يعنى أنه كافر بحكم الله والخطاب وما بعده حتى نهاية قصة الرجل للنبى(ص)ومنه للناس
"سأرهقه صعودا إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر "المعنى سأذيقه نارا إنه فهم وحسب فلعن كيف حسب ثم لعن كيف حسب ثم فكر ثم قطب وغضب ثم ولى واستعظم فقال إن هذا إلا مكر يخدع إن هذا إلا حديث الناس ،يبين الله لنبيه (ص)أنه سيرهق الوحيد صعودا والمراد سيدخل الوحيد نارا والسبب هو أنه فكر أى قدر والمراد فهم الوحى ومع ذلك قتل أى لعن كيف قدر أى عقل وكرر الله ذلك فقتل كيف قدر أى فلعن كيف فهم وهذا يعنى أن لعنة وهى عقاب الله أصابته رغم أنه فهم الوحى فلم يصدق به ولم يعمل به ويبين له أن الوحيد نظر أى فكر والمراد عقل الأمر ومع ذلك عبس أى بسر والمراد قطب أى أظهر الغضب وفسر الله هذا بأنه أدبر أى تولى عن الحق الذى فهمه وفسر الله ذلك بأنه استكبر أى استعظم على طاعة حكم الله الذى فهمه فقال عن الوحى :إن هذا إلا سحر يؤثر أى إن هذا سوى مكر يخدع ،إن هذا إلا قول أى حديث البشر وهذا يعنى أنه اتهم الرسول (ص)بأنه ساحر وبأنه مؤلف الوحى لأنه من البشر .
"سأصليه سقر وما أدراك ما سقر لا تبقى ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر "المعنى سأدخله النار والذى عرفك ما النار لا تدع أى لا تترك معذبة للخلق عليها تسعة عشر ،يبين الله لنبيه (ص)أنه سيصلى الوحيد سقر أى سيرهقه صعودا والمراد سيدخله النار وما أدراك ما سقر والذى عرفك ما النار إنها لا تبقى ولا تذر والمراد إنها لا تترك أى لا تدع كافرا إلا آلمته ،لواحة للبشر أى مؤلمة للخلق الكافرين عليها تسعة عشر ملكا يعذبون كل الكفار الكثيرو العدد .
"وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين فى قلوبهم والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدى من يشاء وما يعلم جند ربك إلا هو وما هى إلا ذكرى للبشر "المعنى وما جعلنا خزنة جهنم إلا ملائكة وما جعلنا عددهم سوى بلاء للذين كذبوا ليؤمن الذين أعطوا الوحى ويستمر الذين صدقوا فى تصديقهم ولا يكذب الذين أعطوا الوحى والمصدقون وليقول الذين فى نفوسهم علة والمكذبون ماذا شاء الرب بهذا معنى ؟هكذا يعاقب الله من يريد ويرحم من يريد وما يعرف أنصار إلهك إلا هو وما هى إلا بلاغ للناس ،يبين الله لنبيه (ص)أنه جعل أصحاب النار ملائكة والمراد أنه جعل حراس جهنم وهم خزنة الجحيم ملائكة من ضمن الملائكة وجعل عدتهم فتنة للذين كفروا والمراد وجعل عدد الخزنة وهو تسعة عشر بلاء أى اختبار للذين كذبوا بدين الله فسقطوا فيه فقد حسبوا أن كثرة عدد الكفار تفوق قوة الملائكة رغم قلتهم ويبين له أن السبب فى ذكره عددهم أيضا هو أن يستيقن الذين أوتوا الكتاب والمراد أن يصدق الذين أعطوا الوحى من قبل أن القرآن هو حكم الله لأنه ذكر هذا فى وحيهم السابق وأن يزداد الذين آمنوا إيمانا والمراد وأن يستمر الذين صدقوا بحكم الله فى تصديقهم بالقرآن وحتى يقول الذين فى قلوبهم مرض والمراد وحتى يقول الذين فى نفوسهم علة هى النفاق والكافرون وهم المكذبون بحكم الله:ماذا أراد الله بهذا مثلا والمراد ماذا قصد الرب بهذا معنى ؟فهم يبحثون عن المعنى الحق حتى يحرفوه إلى الباطل ويبين أن كذلك أى بتلك الطريقة وهى التكذيب بحكم الله يضل من يشاء أى يعذب من يريد وهو الكافر أو المنافق ويهدى من يشاء أى ويرحم من يريد وهو المؤمن مصداق لقوله بسورة العنكبوت"يعذب من يشاء ويرحم من يشاء"ويبين لنبيه (ص)أنه لا يعلم جنود ربه إلا هو والمراد لا يعرف أنصار خالقه إلا الله وحده وما هى إلا ذكرى للبشر والمراد أن الآيات المذكورة فى السورة ليست سوى بلاغ للناس والخطاب للنبى(ص)
"كلا والقمر والليل إذا أدبر والصبح إذا أسفر إنها لإحدى الكبر نذيرا للبشر لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر "المعنى الحق والقمر والليل إذا زال والنهار إذا أنار إنها لإحدى الآيات رسولا للناس لمن أراد منكم أن يثاب أو يعاقب ،يقسم الله بالقمر والليل إذا أدبر أى زال والصبح وهو النهار إذا أسفر أى أنار على أن كلا وهى الحق أن النار هى إحدى الكبر أى إحدى الآيات العظام وهى نذير للبشر أى وعيد للخلق فى الدنيا لمن شاء منهم أن يتقدم أو يتأخر والمراد لمن أراد منهم أن يثاب أى يدخل الجنة أو يعاقب أى يدخل النار والخطاب للناس وما بعده
"كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين فى جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم فى سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين "المعنى كل فرد بما عمل معاقب إلا أهل السعد فى حدائق يستفهمون عن الكافرين ما أدخلكم فى النار قالوا لم نك من المطيعين ولم نك نعطى المحتاج وكنا نكذب مع المكذبين وكنا نكفر بيوم الحساب حتى جاءنا الموت ،يبين الله لنبيه (ص)أن كل نفس بما كسبت رهينة والمراد أن كل فرد بما عمل مجازى أى معاقب إلا أصحاب اليمين وهم أهل السعادة الذين هم فى جنات أى حدائق يتساءلون أى يستخبرون عن المجرمين وهم الكافرين بدين الله فيقولون لهم ما سلككم فى سقر أى ما أدخلكم النار أى ما سبب سكنكم الجحيم؟فأجابوا لم نك من المصلين أى لم نكن من المطيعين لحكم الله ولم نك نطعم المسكين والمراد ولم نكن نعطى المحتاج حقه وكنا نخوض مع الخائضين أى وكنا نكذب مع المكذبين بالدين وكنا نكذب بيوم الدين والمراد وكنا نكفر بيوم الحساب حتى أتانا اليقين والمراد حتى حضرنا الموت الذى عرفنا الحقيقة وهى أننا الخاسرون .
"فما تنفعهم شفاعة الشافعين فما لهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة"المعنى فما تفيدهم كلمات المتكلمين فما لهم للحق مخالفين كأنهم حمير هاربة هربت من صاحبها ،يبين الله أن الكفار لا تنفعهم شفاعة الشافعين والمراد لا تفيدهم أحاديث المتحدثين وهذا يعنى أن كلمات المناصرين لهم لا تمنع عنهم عذاب الله،ويسأل فما لهم عن التذكرة معرضين والمراد فما لهم عن طاعة العدل متولين ؟والغرض من السؤال إخباره أن سبب كفرهم هو حبهم للدنيا ويشبههم بالحمر المستنفرة التى فرت من قسورة والمراد الحمير الهاربة من صاحبها ووجه الشبه هو أن صاحب الحمير يريد لها الخير وهى تهرب منه والله يريد للكفار الرحمة ولكنهم لا يريدونها بكفرهم بحكمه .
"بل يريد كل امرىء منهم أن يؤتى صحفا منشرة كلا بل لا يخافون الآخرة "المعنى إنما يحب كل إنسان منهم أن يعطى أوراقا منشورة ،الحقيقة أنهم لا يخشون النار،يبين الله أن كل امرىء من الكفار يريد أن يؤتى صحفا منشرة والمراد أن كل واحد من الكفار يحب أن ينزل عليه الرب كتبا منثورة وهى آيات الوحى فكل منهم يريد أن يكون نبيا وهو أمر مستحيل ،ويبين أن كلا وهى الحقيقة هى أنهم لا يخافون الآخرة والمراد لا يخشون عذاب القيامة وهو النار والخطاب وما قبله وما قبله للناس
"كلا إنه تذكرة فمن شاء ذكره وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة "المعنى حقا إنه بلاغ فمن أراد أطاعه وما يطيعون إلا أن يريد الرب هو صاحب الطاعة وصاحب الرحمة ،يبين الله لنبيه (ص)أن كلا وهى الحقيقة هى أن القرآن تذكرة أى بلاغ للناس فمن شاء ذكره والمراد فمن أراد من الناس أطاع حكم القرآن ،وما يذكرون إلا أن يشاء الله والمراد وما يطيعون حكم القرآن إلا أن يريد الله طاعتهم فى نفس الوقت والله هو أهل التقوى أى مستحق الطاعة أى مستحق الخوف من عذابه بطاعة حكم قرآنه وهو أهل المغفرة أى صاحب الرحمة لمن يطيع حكمه والخطاب للنبى(ص)