فى التكافل الاجتماعى وأمن المجتمع
الفصل الختامى فى موضوع الزكاة ( 4 ) أثر حق أولى القربى

آحمد صبحي منصور في الخميس ٢٨ - يوليو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

أثر حق أولى القربى فى التكافل الاجتماعى وأمن المجتمع  

 

مقدمة

كتابات كثيرة تعرضت لهذا الموضوع ، بحيث يمكن القول بأنه لا جديد يمكن أن يقال فيه ، ولكن عطاء القرآن متجدد يدعو الى المزيد الى التدبر حتى لو كان الموضوع تم قتله بحثا. وهنا نحدد حديثنا عن أثر الزكاة فى التكافل الاجتماعى من ناحية جديدة لم يتعرض لها أحد من قبل ـ على قدر علمنا ، وهى حق ذوى القربى ، وأثر الزكاة فى الأمن المجتمع وحمايته من الانفجار والهلاك .

 أولا  ـ مفهوم ذوى القربى

1 ـ ذوو القربى ليسوا آل البيت:

يعتقد البعض أن مصطلح ( ذوى القربى ) مقصود به ( آل بيت النبى ) من ذرية (على بن أبى طالب )،وهم يستدلون بقوله جل وعلا:( قُل لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى )( الشورى 23 ) أى أقارب النبى . ولكن لو كان هذا هو المقصود وجاء تشريعا فالمنهج التشريعى القرآنى يقتضى التفصيل والتحديد ، كأن يقال ( إلا المودة فى أقاربى ) ويأتى إستثناء أبى لهب ومن هم على شاكلته ، هذا فى السياق الخاص بالآية وفى داخلها. ثم يأتى التفصيل والتأكيد والتكرار فى السياق القرآنى العام . لم يحدث هذا ،بل حدث العكس ، وهو تكرار نفس المصطلح  فى مخاطبة المؤمنين بما يدل على أن أن المصطلح يعنى الأقارب داخل المجتمع المسلم فى دولة اسلامية ، لها قوانينها المالية وحقوق ومستحقون منهم الأقارب .

وباستعراض الآيات المتعلقة بالموضوع فى سياقها العام فى القرآن الكريم نجد الآتى :

1/1 : إن الحكم الأساس والعام هو أنه عليه السلام وكل الأنبياء عليهم السلام لا يأخذون أى اجر مقابل الدعوة ، وتكرر هذا فيما يخص خاتم النبيين :(قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا )( الانعام 90 ).

1/2 : بل يشمل هذا كل داعية للحق ،إذ لا يجوز أن يطلب من الناس أجرا (اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ) ( يس 21 )

1/3 : إن رب العزة جل وعلا كرّر فى تأنيبه للمشركين أنه عليه السلام لم يطلب منهم أجرا بأى كيفية :

 (أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ ) ( الطور 40 )(أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ )(القلم 46 ) (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) ( المؤمنون 72  )

1 / 4 : إن الأجر هو لهم وليس للنبى ، وذلك حين يهتدون فينالون الأجر :(قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا )(الفرقان 57)

1/ 5 : ومن ضمن الهداية مودتهم للقربى ،أى أقاربهم : (قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) ( سبأ 47 )، أو بتعبير سورة الشورى : (قُل لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ).

1/ 6 : ليس فى الاسلام مميزات لأسرة ما أو عائلة توجب على بقية المؤمنين دفع اموال لهم ، فهذا ينافى العدل الالهى كما ينافى تشريع الاسلام فى الزكاة و الأمور المالية والذى يعمل على عدم تركيز الثروة فى فئة او طبقة فتتحول الى الترف وتسبب هلاك المجتمع ، كما سيأتى فى هذا المقال .

2 ـ ذووالقربى هم الأقارب داخل المجتمع المسلم:

2/1 : نفهم هذا من التلازم بين الوالدين وذوى القربى ، وعطف الأقارب على الوالدين بالواو مباشرة ، لأن الأقارب هم الذين يتبعون الأب والأم ، من الأخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات وابنائهم وبناتهم . وإلحاق ذوى القربى بالوالدين فى موضوع الاحسان اليهم جاء حتى فى الشريعة السابقة للقرآن الكريم والتى ذكرها رب العزة عن الميثاق الذى أخذه على بنى اسرائيل :(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ) ( البقرة 83 ). وتكرر هذا وصية لنا فى قوله جل وعلا : (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) ( النساء 36 )، فجاء ترتيب ذوى القربى بعد الوالدين مباشرة. وجاء فى الصدقة الفردية للوالدين والأقربين (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ )( البقرة 215  ). وجاء أيضا فى فرض الوصية قبل الموت للوالدين والأقربين:( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) (البقرة 180 )،

2/ 2 : وأحيانا يتم الاكتفاء بمصطلح ذوى القربى ومعناه دون ذكر الوالدين ليضمن الوالدين حيث ان المفهوم هو ان الوالدين هما أول درجة فى الأقارب ، يقول جل وعلا فى صفات الأبرار المتقين : (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ  ) ( البقرة 177 ). لم يرد هنا ذكر للوالدين لدخولهما ضمن (ذوى القربى ) . ولا نتصور البر ببقية الأقارب واهمالهما. كل هذا طبعا يعنى وجودهما ـ أو وجود أحدهما على قيد الحياة.

2/ 3 : وليس كل الأقارب يرثون ، فمنهم من لا يرث ، ومنهم من يرث ، ومنهم من يرث وله حق مفروض فى الوصية عند الموت ، كالوالدين : :( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) (البقرة 180 )، خلافا لاكذوبة الدين السّنى القائلة بانه لا وصية لوارث . وجاء النّص على الوالدين فقط فى الوصية عند الموت ، وبعدهما يكون اختيار بعض الأقربين من اختصاص الموصىّ وفق القواعد التى بينها رب العزة فى الآيتين اللاحقتين ( البقرة 181 : 182 ).

2 / 4: هناك فرق دقيق بين مصطلحى ( ذوو القربى أو أولو القربى ) و ( الأقربون ). الأول ( ذوو القربى أو أولو القربى )عام يشمل كل الأقارب ، أما الثانى ( الأقربون )فهو خاص بأقرب الأقارب . وتأسيسا على ذلك فليس كل الأقارب يرثون بل الأقربون وأولهم الوالدان ، نفهم هذا من قول رب العزة جل وعلا فى مقدمة تشريع الميراث:(لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ) فللرجال والنساء نصيب يرثونه مما تركه الوالدان والأقربون ، وهو نصيب مفروض بشرع الله سبحانه وتعالى . أما عموم الأقارب الذين لا حق لهم فى الميراث فقد تحدثت عنهم الآية التالية:( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا )(النساء 7،8  ).أى إذا حضر قسمة الميراث الأقارب (أولو القربى ) الذين لا حق مفروضا لهم فى الميراث  ـ وإذا حضر أيضا اليتامى والمساكين ـ فلهم عطايا من الميراث ـ قبل التوزيع ـ مع قول حسن .

2/ 5 : ويلاحظ أن للأقربين ـ أو أقرب الأقارب ـ حقا مفروضا فى الصدقة الفردية والوصية عند الموت والميراث ، وكلها فرائض واجبة النفاذ . أما الاحسان العام فقد جاء لعموم (ذوى القربى ) كقوله جل وعلا (  إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ  )( النحل 90  )(وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ) ( الاسراء 26 ) ( وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (  النور 22) (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)( الروم 38 ). كما يكون لذوى القربى عموما حقوق فى العطاء الرسمى للدولة الاسلامية ، سنتعرض له فيما بعد .

2 / 6 : يلحق بالوالدين وأقرب الأقارب أو ( الأقربين ) أتباع الوالدين والأقربين من حيث الاحسان الى أولئك الأتباع أو الموالى ، ويجوز الوصية لهم ، ويجب تنفيذها ، يقول جل وعلا :(وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا )( النساء 33  )

 

3 ـ الاحسان لذوى القربى حق بشرى يجب ألّا يتعدى على حق الله جل وعلا :

3 / 1 : بمعنى يجب أن تحسن الى أقاربك وفق شرع الله جل وعلا ، ولكن ليس على حساب العدل ، فهنا حق الله جل وعلا . فلا تحابى أقاربك عند الشهادة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ )( النساء 135) (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ) ( الانعام 152 )

3 / 2 : ويحرم الاستغفار للمشركين المعتدين المجرمين الذين تبين عداؤهم لله جل وعلا من جرائمهم العلنية :( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُولِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ) (  التوبة 113 : 114)

3 / 3 : كما تحرم موالاة أولئك الأقارب المعادون لله تعالى ورسوله بسلوكياتهم الارهابية (بتعبير عصرنا) التى تستهدف المسالمين ، وتحرم موالاتهم ضد المؤمنين المسالمين ، يقول جل وعلا (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُم ) ( المجادلة 22 ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إِنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ )( التوبة  23 : 24)

3/ 4 : وفى النهاية سيؤاخذ كل فرد بعمله ، ولن تجدى قرابة حيث سيفر المرء من أخيه وأمه وأبيه  وصاحبته وبنيه ( عبس 34 ـ  )، وحيث لا أنساب ولا هم يتساءلون (المؤمنون 101  ) وحيث لا يجدى والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ( لقمان 33 )،وحيث لا تملك نفس لنفس شيئا لأن الأمر كله يومئذ لله جل وعلا ( الانفطار 19 ) وهذا ما يتحسب له المؤمن الذى يريد أن تتزكى نفسه ـ ولا زلنا فى موضوع الزكاة ـ يقول جل وعلا عن يوم الحساب : ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) ( فاطر 18 ).

 

ثانيا :حقوق ذوى القربى :

الحديث هنا ليس مجرد الأقربين أو أقرب الأقارب بل يشمل جميع الأقارب ،أو (ذوى القربى ) أو ( أولى القربى ) : رسميا لهم حق فى الغنائم وفى الفىء :

1 ـ لهم حق فى الغنائم التى تحصل عليها الدولة الاسلامية إن انتصرت فى حرب دفاعية ، وعن مصارف الغنائم يقول جل وعلا :(وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) ( الانفال 41 )

2 ـ وفى الفىء ،أى ما يفىء ويدخل الى بيت مال الدولة الاسلامية هو نفس التوزيع : (مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )( الحشر 7 )

3 ـ وفرديا لهم حق فى الصدقة الفردية : ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ )( البقرة 215  ).

4 ـ ولهم حق فى الصدقة التطوعية التى يتطوع بها الابرار، وهم من يريد الوصول الى درجة عليا من الايمان والتقوى ، يقول جل وعلا عن صفات الابرار: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ  ) ( البقرة 177 ).

 

 

 

ثالثا : صلة إعطاء ذوى القربى بالتكافل والأمن الاجتماعى

1 ـ سبق تحديد ذوى القربى بأنهم الأقارب داخل المجتمع المسلم . والمعنى هنا أن كل فرد فى هذا المجتمع المسلم له إعتباران : الأول بصفته فردا أصيلا مطالبا بالصدقة بانواعها ، والثانى بصفته قريبا لفرد آخر. وبصفته قريبا يأخذ حق ذوى القربى ،أو سهم ذوى القربى لفلان ، وفلان هذا يأخذ بدوره عنه سهم ذوى القربى ، أى يشمل سهم ذوى القربى عموم أفراد المجتمع ، فكل فرد له سهم فى الغنائم و الفىء أى ما يدخل الى بيت المال من خراج وغنائم وصدقات ، يعاد توزيعه على عموم الأفراد . بل ويشمل سهم ذوى القربة المحتاجين أيضا من الفقراء والمساكين و اليتامى والغارمين و العاملين عليها لأن كلهم أفراد داخل المجتمع ، وكل فرد هو من ذوى القربى لآخر . وليس هذا فى الفىء والغنائم بل أيضا فى الصدقة الفردية و الصدقة التطوعية التى يقدمها الابرار. يضاف الى ما سبق وجوب الوصية عند الموت للأقربين والوالدين ، وكل أولئك شرائح ممتدة فى عمق المجتمع وشرائحه وطبقاته .

2ـ وبهذا يتحول المجتمع الى شبكة مترابطة يعطى بعضها بعضا وبتلقى بعضها من بعض تحت بنود مختلفة من الصدقة الرسمية و الفردية والصدقة التطوعية و الفىء و الغنائم . وبهذه الشبكة التى تتخلل المجتمع من اعلى الى اسفل طولا وعرضا واتساعا وعمقا يدور مال الأفراد أخذا وعطاءا فيعم الرخاء و يزداد ترابط المجتمع .

3 ـ وسرعة دوران رأس المال تمنع تركزه فى أيدى الطبقة الغنية . احتكار الأغنياء للثروة يحولهم الى طبقة مترفة على حساب الفقراء ، فيزيد الفقر حدة من حيث الكيف ويزداد الفقراء عددا من حيث الكمّ، كما تتضاءل وتنكمش الطبقة الوسطى وهى صمام امن المجتمع. ولأن الثروة تتبع السلطة والسلطة قرينة الثروة فإن وجود طبقة مترفة يعنى وجود نظام حكم استبدادى يمثلها ويدافع عنها ، يتحلى بالفساد والظلم . ولكى يتأكّد الظلم ويسير مرفوع الرأس دون وجل أو خوف فهو يحتاج فى تبريره وتسويغه وتشريعه و تخدير الشعب الى تسيد دين أرضى يتحكم فيه رجال الدين فى الناس يتبولون فى عقولهم بثقافة الخنوع والخضوع والرضى بالمقدور فيتحول الشعب الى قطيع يمتلكه المستبد بعد أن قتل حيوية المجتمع ، ويتأهّل هذا المجتمع الى مرحلة الهلاك والانفجار من الداخل .

4 ـ ويتضح هذا أكثر حين نعرض فى المقال التالى لبقية أوجه توزيع الفىء والغنائم والصدقة الرسمية و الفردية والصدقة التطوعية ، ونصيب كل مجموعة منها ، وأثر ذلك على سرعة دوران المال بما يمنع من احتكار الأغنياء الثروة ويقى المجتمع مغبة الهلاك ، بل وفى نفس الوقت يعود عليهم بالرخاء.

اجمالي القراءات 20405