قشة الانفجار النرويجي
لقد ظن المجتمع الغربي أن المعرفة الديمقراطية وصلت في نموها إلى سقف الرقي البشري بالعلوم الاجتماعية والنظم السياسية والحقوق الإنسانية، وما على الدول إلا الصعود على سلم التجربة الديمقراطية، لتحقيق المجتمع الدولي الموحد لذا كانت مرحلة العولمة ضرورية ابتداء في الاقتصاد والثقافة للأخذ بيد الدول تمهيداً لمرحلة توحيد البشر في منظومة واحدة على لغة اصطناعية وتمثيل دبلوماسي دولي موحد وبذلك تتحقق نهاية تجربة تطور نظم التاريخ البشري ، ولكن المفاجأة وقعت في النرويج حيث تمت جريمة قتل وتفجير مروعة وهي القشة التي قصمت ظهر البعير.
إن مجتمعات العالم الثالث توصف بأنها قاصرة سياسيا بمقياس الديمقراطية ، فما بال المجتمع النروجي وهو في الممارسة الديمقراطية والسلم الاجتماعي وحقوق الإنسان والتعددية وقبول الآخر على رأس الدول الأوربية ، ولكن المفاجأة ظهور حزب عنصري متطرف له ارتباطات وخلايا في عدة دول أوربية يمارس أبشع أنواع العنف ضد أهل بلده رافعاً شعار أوقفوا اسلمة أوربا واخرجوا المهاجرين وإلغاء التعددية الثقافية ، لقد صدم الانفجار كل أوربة ،إذ كان عدد الضحايا بحدود المائة، بعد أن ظنوا أنهم بلغوا سن الرشد وهم ابعد الناس عن ممارسة العنف الاجتماعي والانقلاب السياسي ،بل يرون أنفسهم مثلاً يحتذى للعالم ولكن المشكلة اكبر من أن تكون سياسية إنها مسوؤلية فكرية و مشكلة اجتماعية لها جذور بالثقافة الوطنية عندهم وهذا يعني أن كل ما أنجزوه منذ الحرب العالمية الثانية في مجال المدنية وحقوق الإنسان والحضارة ذهب هباءً منثوراً لقد فشلت التجربة الديمقراطية وأضحى الرشد الاجتماعي بحاجة لحماية لم تعد أفكار الديمقراطية وقانون حقوق الإنسان كافية لصيانة الأمن الاجتماعي ؛لقد كانت عملية الانفجار النرويجي بمثابة القشة التي كشفت عن الانهار الديمقراطي وشعر الغرب معها كأنه عاد إلى الحروب الصليبية ، وهو في طبيعته من أكثر الأمم إفاقة من بعد الصدمة، مما دعا الأمن الأوربي والساسة والمفكرين إلى إعادة النظر في معاداة الإسلام والبحث في بناء المجتمعات على أسس أكثر أمانا حتى أعلنت اسبانيا على لسان احد المهتمين إقرارا بانهم دولة متخلفة عن أفكار الفيلسوف ابن رشد الاندلسي في التسامح والتعددية وقبول الآخر ، وهذا إشارة إلى إن النضج والرشد الاجتماعي بحاجة إلى حصانة بقيم روحية تشكل مناعة ذاتية في المجتمع تبتلع اي نشوء يؤدي إلى الانزلاق في سبل الشر وتعالجه بإعادة إنتاجه من جديد إلى قيم الجمال والخير والحق؛ والغريب إن مفكري العرب يجربون كل ما يرميه الغرب في سلة المهملات كما اخذوا من قبل القومية وحكم النظام الشامل، والحاكم السوبر مان ،من مخلفات أوربا ولكن العرب دوماً بحسب تخلفهم بل برجعيتهم يختاروا العيش على فضلات الغرب ويقتاتوا عليها سنين حتى يستهلك الغرب شيئاً آخر يتحولوا إليه ، واليوم أوربا تفكر بجد بكيفية الانتفاع من الإسلام الإنساني والمعقلن أما العرب اليوم فهم يعيشون حالة فوضى من الاضطراب والصدام بين الأنظمة الشاملة والمعارضة المختلفة بالنوع وتسوق وتجيش من الخارج على المستوى الإعلامي على الأقل وهكذا تسفك دماء شباب الوطن استنزافاً لطاقات الأمة، من اجل حفنة من الكرامة والحرية لاتغني ولاتسمن من جوع لجهلهم ما يحويه الإسلام الحقيقي من طريقة التغيير وسبل النهضة بعيداً عن كهنته ؛ ففيه قيم التحرر من الطاغوت حتى من هوى النفس ، فيا ترى من يصدر لنا فضلات نتاج الحضارة الغربية والذي انتهت صلاحيتها في الغرب إلى متى نظل نتقمص القابلية للاستعمار ؟ إلى متى يجب أن نتخذ الغرب إماماً لنا ؟ متى نصحو ونتحول إلى قبلتنا ونتخذ الدين إماماً وهو بين أيدينا والبلسم الشافي وما علينا إلا أن نغربل الموجود على الساحة لنميز أفكار الإسلام العالمية الإنسانية الرحمانية العقلانية الوسطية الموحدة للأمة والمجتمع والقائمة على أسس العقل والعلم والقرآن ويحقق قيم التسامح الاجتماعي من العدل والمساواة والسلام ، وقد قيل اعرف الحق تعرف رجاله وبعدها يجب أن نبذل الغالي والنفيس في سبيل تحقيقه ولا ندع أوربا تسبقنا وتفوز علينا ومالنا لا نقلب الأدوار لنكن فاعلين يوما في حياتنا ونختار بوعي مستقبل امتنا بأنفسنا تحت شعار خلافة مدنية توحد مكونات الأمة وتؤمن بالتعددية والتداول وتكافؤ الفرص وتحفظ حقوق الناس جميعاً بالعدل والمساواة بين أطياف المجتمع والتكامل بين الرجل والمرأة ..