1 ـ السلفية هى الوهابية . غاية ما هنالك أن مصر كان تدينها الأساس هو التصوف السّنى المعتدل من العصر الأيوبى حتى نهاية الخلافة العثمانية . و عندما ظهرت الوهابية كانت مصر هى رأس الحربة ضدها ، والوالى محمد على هو الذى قضى على الدولة السعودية الأولى عام 1818 ، وتولى الأزهر الهجوم على الوهابية . وحين أراد عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية الثالثة الراهنة نشر الوهابية فى مصر كان مستحيلا أن ينشرها باسم (الوهابية ) لأنه كان ممقوتا فى الثقافة المصرية وقتها . لذا عمل عملاء عبد العزيز على نشر الوهابية بأسماء مختلفة مثل السلفية و السنة .
2 ـ الحركة السلفية الوهابية وأتباعها هم أقلية الأقلية بالنسبة للعالم الاسلامى الذى يتجاوز مليار ونصف المليار . ولكن أتيح لها الانتشار بفضل الدورالمصرى والبترول السعودى والتأييد الأمريكى والغربى . ومن أيّد السلفية الوهابية دفع ويدفع الثمن من دماء مواطنيه .
3 ـ يزعم السلفيون الوهابيون أنهم يمثلون الاسلام والأمة الاسلامية، ويتحدثون باسم (الأمة الاسلامية ) من ابن باز الى ابن لادن ومن حسن البنا الى الظواهرى .
ولكن الاسلام لا يمكن أن يمثله شخص أو جماعة، لأنه أوامر ونواهى فيما ينبغى أن يكون ، والتطبيق البشري للأوامر و النواهى ـ وسائر النظريات حتى البشرية ـ لا بد ان يصحبه قصور من البشر ، لذا تظل هناك فجوة بين المبادىء وتطبيقها . وهذه الفجوة بين مبادىء الاسلام وتطبيقات السلفية تتسع لتصل الى درجة التناقض .
المسلمون اليوم أغلبيتهم العظمى يدينون بالتصوف السنى المعتدل ، أى بالتصوف من حيث العقائد و بالسنة من حيث العبادات . وأكبر الأقليات هى الشيعة ، ثم يليهم السنيون غير المنتمين للتصوف ، وأولئك ينقسمون الى مذاهب أربعة الأحناف والمالكية و الشافعية و الحنابلة . المذهب الحنبلى السّنى هو أكثرها تعصبا وانغلاقا . داخل المذهب الحنبلى توجد تيارات مختلفة ، أشدها تطرفا وتعصبا تيار ابن تيمية فى العصر المملوكى . ثم جاءت الحركة الوهابية فى العصر الحديث من رحم تيار ابن تيمية ولكن أكثر منه تعصبا وتطرفا ودموية .
المفجع أنه رغم أنها أقلية الأقلية إلا أنها تزعم احتكار الاسلام والحديث باسم المسلمين. والمفجع أكثر أنها تنشر فى عصرنا ـ عصر الديمقراطية وحقوق الانسان ـ أشد تيارات العصور الوسطى ظلامية وتخلفا و تعصبا و تطرفا ، وهى الحنبلية التيمية (نسبة لابن تيمية ). والمفجع أيضا أنها وجدت الفرصة لتنتشر فى مصر المشهورة بتاريخها الطويل فى الاعتدال والتسامح الدينى. ولكن أمكن للوهابية السلفية ـ وبمعاونة من مبارك ـ تحويل سكان مصر الى معسكرين متعاديين : المسلمون والأقباط .
4 ـ وبمناسبة الحديث عن مصر، فهناك عار حملته مصر طيلة (عهد مبارك ). فمصر وهى أقدم دولة وأقدم حضارة جعلها مبارك خاضعة لأحدث دولتين فى المنطقة ، اسرائيل المصنوعة عام 1948 والسعودية المصنوعة عام 1932 . اسرائيل والسعودية دولتان مؤقتتان قامتا على ايدلوجيتين مذهبيتين:الصهيونية والوهابية ، ويشتركان فى نفى الآخر واحتلال أرضه ، وأحتكار الدين لصالح مذهب كل منهما ، وزرع القلاقل و الفتن وسفك الدماء فى المنطقة. والأخطر من هذا بالنسبة لمصر أن بقاء الدولتين مشروط بضعف مصر وتبعيتها لهذه أو تلك ، وقوة مصر يعنى زوال تلك الدولتين إن عاجلا أو آجلا.
الخطر الاسرائيلى معروف لمصر ، وتتعامل معها على أنها عدو برغم محاولات التطبيع ، وهذا يحدّ من الخطر الاسرائيلى لأنه يعتبر عدوا فى الذهنية المصرية ، ولأن الاحتياطى البشرى لاسرائيل لا يزيد عن 30 مليونا هو تعداد اليهود فى العالم . وخلال ثلاثين عاما فإن اسرائيل مهددة بالغرق فى محيط التكاثف السكانى العربى ، علاوة على إنهاكها المستمر سياسيا وأمنيا وسط محيط عربى واسلامى كاره ورافض لها. إسرائيل ليست الخطر الحقيقى على مصر، وغاية ما تتمناه أن تحتفظ بحدودها الحالية بدون مقاومة فلسطينية وفى ظل ضعف مصرى وعربى يعطيها الشعور بالأمان ، ولذلك فمعظم عملياتها العسكرية ردود فعل على المقاومة ، وتتمنى الوصول الى سلام يحافظ عل مكاسبها فى حرب 1967 ويهدىء هاجس الأمن لديها . تريد سلاما مفروضا يخدم مصالحها . ولهذا يعتبرها المصريون عدوا ، ويتعاملون معها على هذا الأساس ، عدا حسنى مبارك الذى كان خادما مطيعا لها.
الخطر الحقيقى الذى يتهدد مصر يأتى من السعودية ووهابيتها . فالاحتياطى الذى تتوسع فيه الوهابية هو الأغلبية المسلمة الصامتة فى مصر وفى العالم الاسلامى ، وهى تتوسع تحمل راية الاسلام ، ويحمل الارهابيون الوهابيون والنشطون منهم لقب ( اسلاميون )، أى يمثلون الاسلام ، وبالتالى فخصومهم أعداء للاسلام سواء كانوا من الغرب أو من المسلمين المستنيرين. بل إن اتهاماتهم الكاذبة تشوّه سمعة المفكرين المسلمين، ويلاحق النفوذ السعودى أولئك المفكرين المسلمين بالاضطهاد الذى يصل الى درجة السجن داخل بلادهم كما حدث للقرآنيين فى مصر فى عهد مبارك . الوهابية السلفية تقدس الأحاديث المنسوبة ظلما وافتراءا لخاتم النبيين عليهم جميعا السلام . وتلك الأحاديث مبنية على (السماع ) أى سمعها فلان عن فلان ،أى روايات سماعية من نوعية (قال الراوى يا سادة يا كرام . الخطورة هنا أن تلك الروايات السماعية (الكاذبة ) هى التى جذّرت لدى المسلمين الثقافة السمعية التى تجعل الناس تصدق ما يقال لها بدون تمحيص ، فيكفى أن يقال (قال رسول الله كذا ) ليصدق الناس هذا ال ( كذا ) بلا عقل ولا نقد ولا فهم. وترتب على تجذر تلك الثقافة السمعية أن أربابها عندما لا يجدون الرد على من ينتقدهم فإنهم يتهمونه بالأكاذيب ، وبتصديق الناس لما يقال تتحول الاتهامات الكاذبة الى حقائق ، بينما تضيع الحقائق وسط ضجيج إعلامى فاسق أشرف عليه فى مصر فى عهد مبارك عاهر احترف القوادة. بجانب هذا سيطرت الثقافة الوهابية على التعليم والاعلام و المساجد والأزهر .
وبينما ينحصر الخطر الاسرائيلى داخل حدوده فإن الخطر الوهابى يتمدد كالسرطان داخل الجسد المصرى ، ويتمتع بالاحترام ، وبينما ينظر المصريون الى اسرائيل كعدو خطر فإن أسم السعودية يحظى بالتقديس ، والجهل السائد بين العوام يجعل بعضهم يعتقد أن النبى محمدا عليه السلام مولود فى السعودية ، ولا يدركون أن السعودية دولة طارئة مؤقتة قامت ثلاث مرات وسقطت من قبل مرتين ، ومصيرها الى سقوط قادم بعون الله جل وعلا ، أما مصر فقد كانت دولة متحضرة قبل نزول القرآن الكريم بأربعين قرنا وذكرها القصص القرآنى وأوضح خصائصها على نحو ما كتبناه فى كتاب ( مصر فى القرآن الكريم ).
من ناحية أخرى فالسعوديون أكثر إدراكا لخطر مصر القوية ( سياسيا وعسكريا )على وجود دولتهم ، وهم لا ينسون حتى الآن أن مصر هى التى أسقطت الدولة السعودية الأولى ودمرت عاصمتها الدرعية وأسرت حاكمها وارسلته لتعدمه الدولة العثمانية واستبقت الأسرة السعودية رهينة فى القاهرة الى أن هرب بعضهم فأقام الدولة السعودية الثانية. كما لا ينسى السعوديون أن مصر القوية حضاريا وبثقافتها الدينية المعتدلة هى الخطر الأعظم على الوهابية وتزمتها وتخلفها وتعصبها . لذا ارتبط نشر الوهابية فى مصر باجهاض المدرسة التنويرية التى أقامها الامام محمد عبده ( 1849 : 1905 ). وفى تفصيل عن مدرسة الامام محمد عبده فى مصر وخارجها يراجع بحث ( مدرسة الامام محمد عبده بين مصر وتونس ).
بل إن عملاء عبد العزيز آل سعود فى نشر الوهابية فى مصر كانا إثنين من تلامذة محمد عبده ، خانا استاذهما وعملا فى خدمة عبد العزيز ، وهما رشيد رضا فى مصر وحافظ وهبة مستشار عبد العزيز إثناء تكوين الدولة السعودية الثالثة. والتفاصيل فى بحثنا : شجرة الاخوان زرعها السعوديون فى مصر.
وحين قمنا بإحياء مدرسة الامام محمد عبده لانقاذ مصر من الوهابية تعرضنا لموجات من السجن اعوام 1987 ، 2000 : 2001 ، 2007 ، 2009 . وأصبحنا متهمين ظلما بانكار السنة ، ونحن لا ننكر سوى السلفية وشريعتها المناقضة للاسلام ، ومعنا حجتنا المستقاة من القرآن الكريم وتراث السلفية نفسه ، ونحن لا نفرضها رأينا على أحد ، بل ندعو للحوار أملا فى الانقاذ .
كما يتمسك السعوديون بالحجاز بأماكنه المقدسة لأنه الجوهرة التى بها يتصدرون العالم الاسلامى ، لذا كان حرص الدولة السعودية الأولى والثالثة الراهنة على احتلال الحجاز والتحكم فى فريضة الحج . ولا ينسى السعودون أن احتلالهم للحجاز فى دولتهم الأولى نجم عنه تدخل مصر وقضاؤها على الدولة السعودية الأولى ، وأن اولى سنوات تحكمهم فى مكة وفريضة الحج فى عام 1925 شهدت معركة بين حراس المحمل المصرى وجند الوهابية وقتل فيه المصريون جند عبد العزيز ، وبعدها كان منع المحمل المصرى والكسوة الشريفة للكعبة التى كانت ترسلها مصر سنويا.
قد ننسى نحن المصريين ، ولكن السعوديين لا ينسون أن الحجاز ـ خصوصا مكة و المدينة ـ ظل تابعا لمصر أو خاضعا لنفوذها من الدولة الفاطمية حتى قيام الدولة السعودية الراهنة ( أى من 972 : 1932 )، أى حوالى ألف عام ، وأن الحجاز هو مجال حيوى لمصر و يتبع مصر حضاريا وثقافيا قبل نزول القرآن الكريم وبعده ، وبذلك كان الحجاز ضمن عناصر أخرى من مسوغات تعيين مصر قائدة للعالم الاسلامى.
أى إن السعودية سلبت مصر كل هذه الحقوق ، ولا بد أن تتمسك السعودية بما سلبته من مصر لتظل تركب أكتاف مصر زعيمة للعالم الاسلامى ، أما إذا نهضت مصر من كبوتها وتحررت من تبعيتها الدينية للسلفية الوهابية السعودية فستسقط الدولة السعودية الثالثة أسوة بالدولة السعودية الأولى والثانية.
5 ـ تطبيق شريعة الوهابية ونشرها فى العالم الاسلامى أدى الى قتل أكثر من عشرة مليون مسلم منذ التحالف بين ابن سعود وابن عبد الوهاب عام 1745 . ومن أسف أننا نتذكر ضحايا حروبنا مع اسرائيل بينما يظل من المسكوت عنه ذكر مذابح الوهابية للعرب والمسلمين .
نبتت الوهابية فى (نجد) حيث نشأ ابن عبد الوهاب فى نفس المنطقة التى عاش فيها من قبل مسيلمة الكذاب قائد حركة الردة بعد موت خاتم المرسلين محمد عليه وعلى كل الانبياء السلام . من ( نجد ) خرجت كل الحركات التخريبية والدموية التى عاثت فسادا وقتلا فى بلاد المسلمين ، ومنها قبائل الهلالية التى هاجرت الى مصر وشمال افريقيا . إعتاد أعراب نجد قطع الطريق على الحجاج طوال التاريخ الأموى والعباسى والمملوكى ، فى حملات ( علمانية ) أى لا تستند الى تسويغ دينى . وحين كانت تستند الى تسويغ دينى تكون الكارثة أعظم إذ يتحول القتل وسفك الدماء و انتهاك الأعراض وسلب المال جهادا ، وهذا ما فعله النجديون القرامطة ، والقرامطة لم يكتفوا بقطع الطريق على الحجاج بل هاجموا مكة وقتلوا من فيها وألقوا بجثث الضحايا فى بئر زمزم ، واقتلعوا الحجر الأسود ، وكل ذلك مشهور فى التاريخ . ثم بعد قرون تجددت النحلة القرمطية الشيعية تحت إسم جديد ومذهب جديد هو الوهابية بزعامة الأسرة السعودية التى كررت جرائم القرامطة من حيث القتل و السلب و النهب وانتهاك الأعراض باسم الجهاد. حدث هذا فى الدولة السعودية الأولى ( 1745 : 1818 ) والتى استولت على الحجاز والمسجد الحرام عام 1805 وقامت بنهب المدينة المنورة ومنع قوافل الحج عام 1806 ، مما دفع بالدولة العثمانية لاصدار أمر للوالى محمد على باشا فى مصر باستخلاص الحجاز والأماكن المقدسة عام 1807 ، ونهض محمد على للتنفيذ عام 1811 ، وانتهت الحرب بتدمير الدرعية عاصمة السعوديين وقتها فى سبتمبر 1818 . ثم أقام عبد العزيز آل سعود الدولة السعودية الثالثة الراهنة فيما بين عامى 1902 : 1932 . وفى سبيل إقامة دولته ارتكب مذابح هائلة فى الجزيرة العربية والعراق والشام ، وكان جل الضحايا من المدنيين سكان القرى فى العراق والشام ، وتفانى الإخوان ( جنود عبد العزيز ) فى الاغارات على القرى العراقية و الشامية وقتل كل من يعثرون عليه ، فقتلوا ما يقرب من مليون إنسان على أقل تقدير، وضاع جيل بأكمله هناك بسيوف الاخوان النجديين الذين أقاموا ملك عبد العزيز. ولم ينج الحجاز من مذابحهم ، فمثلا فى طريقهم لغزو الحجاز ارتكبوا مذبحة تربة فى يونية عام 1919 حيث كانت دماء الضحايا من سكان تربة تجرى كالنهر بين أشجار النخيل حسبما يروى الشريف عون الذى فرّ من المعركة وكان وقتها صبيا فى الخامسة عشر من عمره . وتلتها مذبحة الطائف فى سبتمبر عام 1924 ، بقتل معظم أهل الطائف المدنيين من الرجال و النساء و الأطفال ، وأدت وحشية الاخوان النجديين جند السعوديين الى تسليم أهل مكة و المدينة و جدة بعد اقل من شهر واحد بدون حرب.!! ولنتذكر أن الاعتداء على البيت الحرام عام 1979 ارتكبه وهابى عريق هو جهيمان العتيبى وصحبه ، وهو أحد تلامذة الشيخ بن باز . الوهابية هى المسئولة عن تقسيم الهند بعد الاستقلال الى الهند وباكستان تلافيا للمذابح التى بدأها الوهابيون الهنود ضد الهندوس. وكان النفوذ السعودى أكبر فى باكستان الغربية ( البنجاب ) حيث أنشأت السعودية الجامعة الاسلامية فى اسلام أباد . وكانت السيطرة لباكستان الغربية على باكستان الشرقية ( البنغال ). ولأن التدين الصوفى هو السائد بين البنغاليين فى باكستان الشرقية فقد اعتبرهم الباكستانيون الغربيون الوهابيون كفارا ، ولأن الهيمنة كانت لباكستان الغربية فقد قام الجيش الباكستانى بمذبحة للسكان المسلمين فى باكستان الشرقية قتلوا فيها ما بين ثلاثة الى أربعة ملايين مسلم . وهى مذبحة مسكوت عنها عندنا بسبب النفوذ السعودى ، ولكن تمخض عنها انفصال باكستان الشرقية البنغالية تحت اسم بنغالاديش. ولا تزال باكستان بسبب وهابيتها دولة فاشلة حائرة بين نظام عسكرى مستبد ونظام ديمقراطى فاسد، ولأن قيامها تم على أسس خاطئة فهى تمارس نفس الخطأ وتصدره لجيرانها . ودفعت الثمن افغانستان ؛ ففى منطقة بيشاور على الحدود الأفغانية قامت الجمعيات السلفية الباكستانية بتجميع أيتام الحروب ليصبحوا طلبة فى المدارس والجامعات الوهابية فى باكستان ، وتكون من أولئك الطلبة حركة طالبان التى حكمت أفغانستان وارتدت بها الى (عصور السلف ) لتشوّه صورة الاسلام فى العالم .
إن ضحايا الوهابية بالملايين، وأخطر الوهابيين هم جماعات الدعوة السلفية التى تدمر عقول الشباب باسم الاسلام .فهل ننتظر حتى تتحول مصر الى طالبان أخرى ؟