يتناول هذا الجزء محاولة لتحديد الزمان والمكان الذي عاش فيه فرعون موسى وزوجته لكي نتعرف أكثر عليهما من خلال التاريخ وهى مجرد محاولات قد تخطئ وقد تصيب وليست معرفة الأسماء غاية في حد ذاتها ولكن العبرة دائما بما قدمته هذه الأسماء من أفعال صالحة لكي ترضي ربها وما قدمته من أعمال سيئة سوف تنال عليه الجزاء الذي أعدها لها الخالق العظيم كما جاء في القرآن الكريم
وفي تحديد للزمان والمكان يذكر الدكتور سعيد ثابت أنه قام بدراسة استطلاعية واسعة تناولت :
أولاً: قصة بني اسرائيل في مصر منذ أتى يوسف عليه السلام، الذي حقد عليه إخوته وتآمروا عليه وألقوه في الجب والتقطته إحدى القوافل وباعته إلى "فوطيفارع" الذي قيل أنه كان قائماً على خزائن مصر وهو ما كان يطلق عليه "عزيز مصر" إلى أن تولى تدبير أمر المجاعة حتى مرت على خير .. ثم مجئ إخوته وأبيه.. حيث طابت لهم الاقامة في مصر..
ثـــانــياً: التأكيد على أن الأثريين لم يعثروا على أي أثر من قصة بني اسرائيل بمصر .
ثــالثـــاً: التقويم العبري.. فحادثة الخروج من مصر يعتبرها بنو اسرائيل من الأحداث الدينية الكبيرة في بعثهم وانطلاقهم
وإذا كان قد ورد ما يثبت أهمية ذلك الحادث في نص "التكليف الإلهي" لهم باعتباره بداية عامهم العبري.. فإنه من الطبيعي بل المنطقي "افتراض" أن يكون بداية "التقويم العبري" وهو "تاريخ حادثة الخروج من مصر"..
وإذا كان التقويم العبري يشير إلى أننا الآن في "سنة 5756".. فمعنى ذلك أن حادثة الخروج قد مضى عليها 5756سنة"..
أي أن حادثة الخروج كانت في حقبة ما قبل الأسرات.. ما قبل الأسرة الأولى.. أي ما قبل الدولة القديمة.
ويقول الدكتور سعيد ثابت بأنه يأخذ بصحة هذا الافتراض .. افتراض أن يكون التقويم العبري هو تاريخ حادثة الخروج من مــصـــر ..
وبذلك يتحدد زمان فرعون موسى ..افتراضاً.. بحقبة ما قبل الأسرة الأولى..
ثم يقدم الأدلة على صحة هذا الافتراض وتأكيده..
وهذه الأدلة من المعتقدات المصرية القديمة التي تعود إلى تلك الحقبة.
وهذه المعتقدات تتشابه في أشكالها ورموزها مع ما جاء في قصة موسى وفرعون..
ويعدد الدكتور سعيد ثابت الأشكال والرموز في المعتقدات الفرعونية والتي تتشابه مع الأشكال والرموز في قصة موسى وفرعون.. لإثبات صحة افتراضه وتأكيده فيقول:
إن "عصا" موسى.
والثعبان.. والكف.. هذه الرموز قد انتقلت إلى المعتقدات المصرية بصورة أو باخرى..
· فإذا أخذنا "الثعبان" مثلا فسوف نجد أن المصريين القدماء من عصر ما قبل الأسرات عرفوا الثعبان الضخم الذي سمي "أبوفيس" والذي قيل أنه سكن مستنقعات الدلتا. وأنه يهدد نظام الكون وكان هناك كتاب اسمه "محاربة أبوفيس" ويقص علينا كتاب الموتى معارك المعبودات ضد الثعبان أبو فيس وقد اتخذ ثعبان"الكوبرا" رمزا عاما للثعابين وكان يحنط ويحفظ محنطا وبعضها كان يقدس. وكان الملك مينا يسمى بالملك الثعبان.
· ويربط الدكتور سعيد ثابت بين الثعابين في المعتقدات المصرية القديمة..وبين الثعبان في قصة موسى وفرعون .. بل إنه يتوقف عند أحد الأشكال التي يبدو فيها الثعبان وهو يقتلع ثلاثة رؤوس بشرية من رقابها..ويقول: هل يمكن أن يكون لهذا الثعبان علاقة بمعجزة موسى.. ويذهب إلى القول بأن الرؤوس الثلاثة ربما كانت "لفرعون وهامان وقارون" الذين ورد ذكرهم على التوالي في سورة غافر.. ويشير إلى أن الرأس الأول يبدو ملتحياً باللحية الملكية المعروفة التي تميز الملوك عن غيرهم من عامة الشعب.
· وينتقل إلى الحديث عن"العصا" في سيرة موسى التي هى رمز للإتيان بالمعجزات..ويقول أنها عصا لاتختلف عن عصا الراعي..بل هى كذلك..ويقارن بين هذه العصا وأنواع العصي المختلفة التي استعملها المصري القديم مشيراً إلى أن تلك العصي كانت تنقسم إلى نوعين:
العصى المقدسة.. وهى التي حملها الآلهة والكهنة والملوك.
وعصى الاستعمال اليومي وهى كثيرة ومتعددة.
وبعض العصى كان يستعمل في إجراء الطقوس الدينية، كما كان يستعمل كذلك في السحر والشعوذة.
وبعض العصى المقدسة يشبه إلى حد كبير عصا الراعي ويكاد يكون رمزاً أساسا لكل الآلهة. وكان ذا أطوال مختلفة وقد تميز بوجود الطرف العلوي المعقوف والطرف السفلي المشقوق.. ومما يذكر عن تلك العصا إنها كانت لها قوة غير عادية في التحكم والسيطرة على الثعابين، وليس هذا بغريب فالطرف السفلي لتلك العصا يشبه تماماً ما يستعمله الحواة وصائدو الثعابين.
ولنا أن نتخيل بعد ذلك العلاقة بين العصا المقدسة في معتقدات المصريين القدماء وما ذكر عن عصا الراعي التي كان يحملها موسى عليه السلام والتي أتى بإذن الله من خلالها بمعجزات.
· ويأتي الحديث عن الكف كرمز استعمل كتعويذة أو تميمة لجلب الحظ (السعد) ورد الحسد والسحر.. ويذكرالدكتور سعيد ثابت أن تاريخ استعمال هذا الرمز يرجع إلى عصر الدولة القديمة..ولا يزال يستعمل إلى وقتنا هذا لرد الحسد ، وهناك من يضعه فوق أبواب البيوت أو داخلها.
· ولنا أن نتساءل عن مصدر استخدام الكف كتميمة لرد الحسد والتبرك.. ومتى بدأ؟
وقد يفيدنا في ذلك أن نطالع بعضاً من نصوص القرآن الكريم عن معجزة موسى عليه السلام..المعجزة الثانية.. وهى بياض اليد بعد ضمها إلى الجانب أو الجناح فقد تفيد في فهم عقيدة التبرك باليد أو الكف والوصول _ ولو افتراضياً _ لحقيقة الأمر: يقول تعالى ( واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى) (سورة طه) .
ويتصور الدكتور ثابت أن بداية الاعتقاد في تلك التميمة واستعمالها كان مرتبطاً بقصة المعجزة الثانية لموسى عليه السلام وهى معجزة بياض اليد، التي اعتقد فيها المصريون واتخذوها تميمة لجلب الحظ السعيد بعد غرق فرعون وجنوده.
تحديد فرعون موسى .. بالكومبيوتر
وبعد تحديده للحقبة التاريخية التي شهدت أحداث قصة الصراع بين موسى وفرعون..وهى حقبة ما قبل الأسرات
ينتقل الدكتور سعيد ثابت إلى تحديد شخصية فرعون موسى ومن يكون؟
ويذكر أنه قام بدراسة احصائية تناولت جميع ملوك وفراعنة مصر القديمة..
وبعض هؤلاء الملوك كان يعتبر نفسه إلهاً أو من نسل الآلهة .. وبعضهم لم يكن كذلك .. وقال إن استخدم "النظام التهديفي" الذي يوضح النتيجة الأكثر احتمالاً فعلى سبيل المثال.. إذا كان مريض ستجرى له عملية كبيرة فإن هذه العملية يسبقها معرفة كل الظروف الصحية الخاصة بالمريض.. وتتحول إلى أرقام توضع بالكومبيوتر الذي يقدم النتيجة الأكثر احتمالاً.. وعلى ضوء هذه النتيجة يمكن تقدير الموقف : هل تجرى العملية أم لا؟
وبالنسبة لتحديد أي ملوك مصرالقديمةهو الأكثر احتمالاً لأن يكون هو فرعون موسى فقد قام بحصر لجميع ملوك مصر القديمة.
ثم حدد صفات فرعون موسى وخصائصه وكل ما يتعلق بعصره وزمانه من خلال ما أوردته الكتب السماوية وأولها القرآن الكريم.. مثل استعلائه .. وادعائه الألوهية وانتشار السحر في زمانه.. واختصاصه بصفة الأوتاد.. وحضوره للمباراة التي جرت بين موسى والسحرة وغرقه .
كل الصفات والخصائص التي وردت في القصة الدينية التي أوردها القرآن. وبلغ عدد الصفات والخصائص 25 صفة وخاصية تتعلق بهذا الفرعون.
وقام بتورزيع هذه الصفات والخصائص على جميع ملوك مصر القديمةالذين وصل عددهم إلى أكثر من مائة ملك.
وكان توزيع الصفات والخصائص الــ25 حسب خمسة احتمالات.
_ أن تكون موجود عنده.
_ أو غير موجودة.
_ أو مشكوكاً في وجودها.
_ أو قد تكون موجودة.
_ أو محتملاً وجودها.
وقال أنه أدخل هذا التوزيع إلى "الكومبيوتر" .. وجاءت النتيجة تقول إن الملك الأكثر احتمالاً بين كل الملوك.. هو الملك الذي كان يعرف "إلهاً " أكثر منه "ملكاً" .
وفي الجزء الثالث والأخير بإذن الله تعالى سوف نعرض لهذا الملك أو الفرعون