لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة

خالد منتصر في الأحد ٢٦ - يونيو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

عندما كتبت منتقداً الهجوم الذى شنه رئيس الجمعية الشرعية على المرأة، وأعقب هجومه باندهاش واستنكار واستغراب ممن يقبل أن تكون رئيسته حائضاً!، وصلتنى رسائل كثيرة تدافع عن هذه النظرة المتدنية المحقرة للمرأة، وفى كل الرسائل تقريباً اعتماد شبه كامل على حديث «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة»، وفى كل الرسائل أيضاً اعتراف وإقرار من المرسل بأنه يتبنى النظرة السلفية، والحقيقة أن الاسم واللقب الحقيقى الذى أفضله ليس السلفيين، لأننا جميعاً نحب السلف الصالح الذين لا يحتكر الحديث باسمهم أحد،

ولكننى أُفضل لقب «النصيين» أو «الحرفيين»، نسبة إلى الالتزام الحرفى بالنص وإبعاده عن سياقه ومناسبته وتأويله ومحاولة فهمه على ضوء العصر، لكن أحياناً الخطأ الشائع يرسخ فى الأذهان ويصبح هو الاسم المعتمد الذى لا مفر منه، ويذكرنى هؤلاء الحرفيون النصوصيون فى فهمهم الحرفى المتزمت للنصوص بترجمة الكمبيوتر للنصوص الإنجليزية إلى اللغة العربية، هذه الترجمات دائماً غير مفهومة وأحياناً مضحكة ولا تعرف ما يطلق عليه فى الترجمة روح النص، فهؤلاء يترجمون النصوص حرفياً مثلهم مثل مدعى الترجمة الفورية الذى ترجم جملة «تامر كتب كتابه على فيفى» على هذا الشكل «TAMER WROTE HIS BOOK ON IN IN».

هذا الحديث الذى يستغله كل من يحاول تبرير رفضه المرأة رئيسة أو وزيرة أو مديرة، لابد أن نفهمه ونناقشه بعقل مستنير وروح تحترم سياق وتطور العصر، ولذلك لجأت إلى د. سعد الدين الهلالى، وهو واحد من مجددى الفكر الدينى، الذين منَّ الله بهم علينا فى هذه اللحظات الحرجة من حياة هذا الوطن، الذى يُراد سلب عقله وجرّه إلى كهوف الماضى وثلاجات التحنيط، ناقش د. سعد هذه النقطة تفصيلاً فى كتابه «الجديد فى الفقه السياسى المعاصر»،

وقال إن ما قيل فى الحديث مناسبة خاصة وواقعة حال، بمعنى أننا لابد أن نضع عبارة «لن يفلح قوم..» فى سياق القصة كاملة ولا ننزعها أو نبترها من هذا السياق، لابد أن نفهمه على أنه وصف لحادثة بعينها، وأيضاً لابد من فهمه فى ضوء الأحاديث السابقة عن فارس وكسرى، فالحديث بهذا الشكل هو تكملة لقصة كسرى الذى مزق كتاب النبى، فسلط عليه ابنه فقتله ثم قتل إخوته وانتهى الأمر بموته مسموماً، فأخذت الولاية ابنته بوران، وكان الرسول قد دعا من قبل حين مزق كتابه أن يمزقوا كل ممزق، ولذلك كان حديثه عن عدم فلاح قوم فارس استكمالاً للدعاء السابق، أو بحسب عبارة الباحثة السياسية هبة رؤوف عزت حين وصفت هذا الحديث بأنه «يدخل فى إطار الإخبار والبشارة لا فى باب الحكم الشرعى».

يذكر د. سعد، للتدليل على صحة كلامه، أسماء لامعة من أهل الفكر والعلم، لم تقف تاء التأنيث حائلاً أمام طموحهن وتفوقهن، مثل: سميرة موسى أول عالمة ذرة مصرية، ونبوية موسى أول ناظرة للمدرسة المحمدية، وأمينة السعيد أول رئيسة تحرير، والدكتورة حكمت أبوزيد أول وزيرة فى مصر.. وغيرهن فى شتى المجالات، ولكن هل يقتنع الحرفيون النصوصيون السلفيون بهذا الكلام، أم أنهم خائفون مرتعشون من دور العقل فى مناقشة تلك الأمور، لأن منطق العقل سيبدد ويذيب سطوة محتكرى تجارة وبيزنس الدين؟!

اعتمد الفقهاء على الحديث الذى رواه أبوبكرة، قائلاً: «لقد نفعنى الله بكلمة سمعتها من رسول الله أيام الجمل (يقصد موقعة الجمل بين أم المؤمنين عائشة وأمير المؤمنين على بن أبى طالب)، بعدما كدت ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم، قال: لما بلغ رسول الله أن أهل فارس قد مَلّكوا عليهم بنت كسرى، قال: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، والسؤال الذى يطرح نفسه هل أراد أبوبكرة بهذا الحديث أن يبرر موقفه ويريح ضميره أكثر منه تبرعاً بموعظة دينية أو نقلاً لنصيحة نبوية؟ الرد كتبته الباحثة المغربية فاطمة المرنيسى فى كتابها «الحريم السياسى»، الذى طرحت حوله عدة أسئلة منطقية منها:

 

 

 

١- لماذا لم يتذكر راوية الحديث هذا الحديث إلا بعد ربع قرن وفجأة وفى ظل ظروف مضطربة؟ وبعد أن تأكد أن السيدة عائشة قد قُتل ثلاثة عشر ألفاً من أنصارها فى ساحة المعركة، واسترجع «علىّ» السيطرة على البصرة واستقر الأمر له؟! أليس هذا نوعاً من التبرئة السياسية لمن وقف على الحياد ولم يؤازر المنتصر، وفى الوقت نفسه لم يقف إلى جانب حبيبة رسول الله أم المؤمنين، فأحياناً يكون الحياد أو اللاموقف محسوباً على الشخص أكثر من الانحياز نفسه.

 

 

٢- تاريخ أبو بكرة ملىء بالثغرات التى تجعله يريد الحفاظ على موقعه الاجتماعى الجديد كواحد من أعيان البصرة، فالإسلام منحه الثروة والأهم منحه الهوية، فقد كان حسب ما ذكرت الباحثة وكتب التاريخ مجرد عبد، حتى اسم أمه عليه خلاف فى كتب التاريخ، وقصة إسلامه من وجهة نظر المرنيسى خالية من الاقتناع الإيمانى واليقين العقائدى، فقد أسلم بعد حرب حول حصن الطائف وعد فيها النبى كل من يترك الحصن بالحرية، وسرعان ما هبط أبو بكرة من الحصن، حتى يحصل على الحرية والأمان.

 

٣- هل من المعقول أن نعتمد فى حديث خطير هكذا على راوية قد تم جلده فى عهد عمر بن الخطاب تطبيقاً لحد القذف؟! فقد شهد على شخصية سياسية مرموقة هى المغيرة بن شعبة فى واقعة خطيرة وهى الزنى وتشكك عمر فى شهادته، فطبق عليه الحد، وتتساءل فاطمة المرنيسى قائلة: ألا تستدعى تلك الحادثة أن نتشكك فى هذا الحديث؟ السؤال موجه إلى كل الفقهاء الذين اعتمدوا عليه فى نفى المرأة من جنة الولاية.

كانت الأسئلة السابقة محاولة لمناقشة السند بشكل عقلانى، بعيداً عن الشكل الببغائى الذى يردد القديم دون مناقشة، لكن ماذا عن المتن؟ هل له أصداء أو بالأصح أصول قرآنية أدان فيها القرآن حكم المرأة وتوليها مقاليد البلاد؟

أعتقد أن العكس صحيح ويكفينا إشادة القرآن ببلقيس، ملكة سبأ، وهى امرأة وقارنوا بين هذه الإشادة وبين إدانته لحاكم آخر رجل، وهو فرعون الطاغية، فقد قال القرآن على لسان ملكة سبأ الحكيمة الذكية الليبرالية التى أفلحت وأفلح قومها حين وصلها كتاب سليمان: «يا أيها الملأ أفتونى فى أمرى ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون»، إنها قمة الديمقراطية فى عصر لا يعرف إلا الطغاة، فكيف بالله عليكم يتحدث القرآن عن امرأة حاكمة بهذا الشكل الرفيع ونأتى نحن الآن لنقول إنه لا يجوز وحرام على المرأة أن تتولى الحكم، ألم يكن جديراً بالقرآن أن يردد هذه النغمة بدلاً من تصيد الأحاديث من هنا وهناك؟!

 أعتقد أن مثل هذا التكريم وسام على صدر هذا الدين، وفى الوقت نفسه ضربة قاضية لكل من ينظر إلى المرأة على أنها كائن غير مؤهل إلا للقهر.

اجمالي القراءات 22549