البحث القرأني بين التراث والحداثة(التراث والإيمان<<العقيدة أو الإيديولوجيا>> )
ملاحظة : أعيد نشر المقال مرة ثانية لسببين أولهما اني وجدت أني طرحت بعض الأمور التي يمكن أن تفهم على نحو مغاير لما أؤمن به وثانيهما أني أضفت بض النقاط التي كان من الواجب البحث فيها
حين بدأت البحث في القرآن واجهتني عقبتان كان لهما أثر كبير على نتائج البحث ,مما أوقعني في مغالطات لو قيلت لي اليوم من باحث ربما كان لي موقفا حازما تجاهها, لكن الظروف المحيطة بالباحث تدفعه أحيانا إلى تبني آراء هي في حقيقتها بعيدة كل البعد عن المفهوم القرآني الصريح, وما أراه اليوم نصا صريحا كنت سابقا أفهمه فهما مغلوطا بـتأثير من العقبات التي كانت تعترضني,
الحقيقة أن جل المفاهيم القرآنية تبلورت على صورتها ,لدي اليوم, من خلال تبادل الرأي وعدم التعنت بما كنت قد وصلت إليه, هذا بالإضافة إلى رسوخ كثير من المفاهيم ,لما رأيت رجالا قد وصلوا لنفس المفهوم الذي وصلت إليه دون أن يجمعنا أي صلة أو تبادل للرأي ,واليوم تتضح الصورة رويدا رويدا,ويعود الفضل في وضوحها لهذا الموقع الكريم الذي أتاح لنا الفرصة لنطرح ما نفكر به ,ونتحاور بشكل حر تماما فيما اختلفنا فيه.
إن للتراث الإسلامي الموروث والحداثة الفكرية المستوردة أثر كبير على كثير من المفاهيم التي تعترض طريق الباحث في كتاب الله, مما يؤثر عليه تأثير ملموسا, ويدفع بالفكرة التي يستنتجها إلى غير مسارها الصحيح.
كم هائل من الركام الفكري ,ظل يؤثر في عقولنا منذ أكثر من أحد عشر قرنا, ورغم تضارب الآراء فيه ورغم التناقض الحاصل في طياته ,ما بين رأي سني ,منقسم إلى خلف وسلف وغيرها, وبين رأي شيعي منقسم إلى مذاهب عدة, إلا أن الأثر يبقى موجودا وذلك لكونه كله منطلقا من قاعدة واحدة ,وهي تقديس البشر ونسب العصمة إليهم, سواء كانت هذه العصمة بشكل معلن كما هو عند الشيعة, أو بشكل خفي من خلال نسب العبقرية والجهد المضني إلى رجاله كما هو عند أهل السنة.
كما أن الهجوم الضخم على المفاهيم الإسلامية التي ورثناها ,سواء كانت هذه المفاهيم صحيحة أو غير ذلك, له اثر كبير على نمط التفكير, إذ إن الباحث حين يرى حجم التناقض الكبير في المفاهيم الإسلامية وبعدها عن روح المفاهيم الإنسانية , يدفع الباحث (بشكل لاشعوري) في كثير من الأحيان إلى تبني آراء مخالفة لصريح القرآن رغم وضوحها
إن ظهور فئات متطرفة في الفكر والسلوك في مجتمعنا الإسلامي ( ظاهرا) تؤدي بطبيعة الحال إلى ظهور تطرف من نوع آخر, تطرف في الحداثة, وهذا التطرف يدفع الكثير من مثقفي العصر إلى نسف كل المفاهيم الموروثة ( دون استثناء ) ودون النظر في صحتها أو عدمه ,مما يؤدي إلى تطويع النص القرآني حسب مفهوم الحداثة دون النظر في صحة هذه المفاهيم أو عدمها.
في النتيجة نصل إلى وجهين لعملة واحدة ,وجه يطوع النص حسب الموروث الثقافي, ووجه يطوع النص حسب المفاهيم الغربية المستوردة (ضمن ما يسمى تماشي النص مع روح العصر ) كل هذا يجعلنا نسير بخلاف النص القرآني الصريح, ويؤدي بالمجتمع الإسلامي إلى مزيد من الفرقة والاختلاف
أثر التراث في موضوع الإيمان(العقيدة أو الإيديولوجيا)
الإيمان لغة: هو التصديق, ومنح الأمن, وجذرها اللغوي :أمن, من الأمن, وأمن المرء من شيء أي سلم من شروره, وآمنه بمعنى منحه الأمن, وتأتي بمعنى استأمنه ( كآمنتك على مالي أي جعلتك عليه حفيظا) وآمنت به أي صدقته فيما يقول ويفعل.
الواقع أن موضوع الإيمان هو من أهم المواضيع التي تأثرت بالتراث إلى حد كبير وهو من أهم المواضيع التي أصابها التحريف وغير مسارها مما انعكس على السلوك انعكاسا سلبيا خطيرا وهذا التحريف تبعه لاحقا تحريف في الفقه والمعاملات والأخلاق والسياسة وغيرها.
تعرض موضوع الإيمان لانحرافات خطيرة, بدأت بشكل أولي في العصر الاموي ,ثم تبعتها انحرافات في العصر العباسي ,أفرغته من مضمونه الفعال في النفس البشرية, وجعلته مجموعة من التعقيدات التي لا يمكن حلها, وأولى هذه التعقيدات كانت التقنين ثم تبعه أثر علم الكلام(عقيدة الخلف) ثم تبعه محاولة للخروج من تعقيدات علم المنطق عبر مفاهيم ظاهرية ضحلة (عقيدة السلف) لم تترك أثرا في النفس البشرية سوى مزيدا من الخروج عن المراد من موضوع الإيمان من حيث الانعكاس السلوكي
المفاهيم التي بدأت بالظهور
البداية : لا حكم إلا لله"، ذلك هو أول شعار إيديولوجي رفع زمن الفتنة الكبرى. وقد وصف علي بن أبي طالب هذا الشعار بأنه "كلمة حق أريد بها باطل". قال ذلك لأنه كان يعرف أن الدافع الحقيقي الذي دفعهم إلى ذلك هو من قبيل منطق: "إذا مت ظمآن فلا نزل القطر". لقد اكتشفوا أن حصر التحكيم في الاختيار بين معاوية وعلي معناه حصر الخلافة في قريش، وهم لم يكونوا من قريش، بل كان معظمهم من تميم وحنيفة وربيعة من وسط الجزيرة وشرقها. من جانب آخر كان لا بد لهم من تبرير آخر للخروج على حكم الأمويين (خاصة ) وعلى باقي أطياف المجتمع ( عامة) ومن والاهم فاخترعوا فكرة إما وإما ؟؛؛؛؛
إما ان تكون مؤمنا فتكون أفعالك كلها من هذا المنطلق ,وإما أن تكون كافرا وتكون أفعالك كلها من هذا المنطلق, وبهذا قالوا بكفر مرتكب الكبيرة وبما أن حروب الردة ( التي كان المنطلق الأول لها سياسي ) قد أدت لهم خدمة جليلة بقولهم بإباحة دم من يرتكب الكبيرة, بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك بقولهم بإباحة نسائهم وأطفالهم قتلا وسبيا...
أما معاوية الذي كان يعرف أنه اغتصب الحكم اغتصابا, فقد رفع شعارا آخر دينيا –مظهريا على الأقل- يصدق عليه هو أيضا قول علي: "كلمة حق أريد بها باطل". لقد خطب معاوية في جنده فقال: "وقد كان من قضاء الله أن ساقتنا المقادير إلى هذه البقعة من الأرض ولفت بيننا وبين أهل العراق فنحن من الله بمنظر".
وهكذا روج هو وأشياعه ومسايروه من "أهل السنة والجماعة" لفكرة أن ما حدث كان بقضاء الله وقدره. وأكثر من ذلك روجوا أحاديث تعفي معاوية ورجاله من العقاب يوم القيامة باعتبار أن ما أتوه من الكبائر كان بقضاء وقدر. وبالتالي فهم غير مدانين، لا في الدنيا ولا في الآخرة...
ومن هنا نرى ظهور أول مفهومين إيديولوجيين, وهما على طرفي نقيض من حيث المؤدى, حيث نادى الخوارج بحكم الله وهو ما لم يكن مطروحا من قبل حيث كان الرعيل الأول يعلمون تماما أن موضوع الحكم متروك للاجتهاد الشخصي والشورى حسب ما تقتضيه حاجة المجتمع.
وعلى الجانب الآخر ظهر مفهوم القضاء والقدر, حيث أن كل ما يفعلونه كان بقدر الله ( مفهوم الجبر)
كان من الطبيعي أن يثير هذا التبرير ، ردود فعل أكثر من جهة. وكان أبرز من تصدى لهذه الجبرية العمياء ,أولئك الذي أطلق عليهم خصومهم اسم "القدرية"، أي الذين قالوا بقدرة الإنسان على إتيان أفعاله، الشيء الذي يعني أنه غير مجبر، بل مخير. لقد استند هذا التيار العقلاني إلى النقل والعقل معا. فمن جهة احتجوا بآيات عديدة في القرآن تؤكد حرية الإنسان واختياره وقدرته على إتيان أفعاله. ومن جهة أخرى ناقشوا مناقشة عقلية فكرة الجبر ذاتها وما تفضي إليه من نتائج تتعارض مع العقل والنقل معا. من ذلك أن القول بأن كل ما يفعله الإنسان هو مجبر عليه، قول يلغي المسؤولية؟ والقرآن يحمل الإنسان مسؤولية أفعاله، وعلى أساس المسؤولية كان الوعد بالجنة لمن آمن وعمل صالحا، والوعيد بجهنم لمن كفر...
ومن هنا أثيرت مسألة "الوعد والوعيد": هل وعد الله ووعيده، كما هو منصوص عليه في القرآن، سيطبق في الآخرة ولا بد، أم أن الله حر مختار يعفو عمن يشاء ويعاقب من يشاء، وبالتالي يمكن أن يستثني منه من يشاء. لقد روج الحكام الأمويون لهذه الفكرة (أنهم مستثنون من الوعيد الإلهي، فقالوا إنهم لن يدخلوا النار في الآخرة !)
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل الله عز و جل(تعالى عما يصفون) ملك ظالم يحكم بأمر ويسن قانونا ثم يرجع عنه لغاية ما وهل الله عز وجل كونه يختار ما يفعل وما يحكم ولا يوجد ما يلزمه بما يحكم يقول قولا ثم يبدله اولم يقرؤوا قوله تعالى (لا مبدل لكلمات الله )سبحانه فأنى يؤفكون
خلاصة ما سبق : الخوارج أول من ابتدع معسكرين لا ثالث لهما معسكر إيمان أو معسكر كفر
إما أن تكون في معسكر الإيمان فتكون بمأمن مع نسائك وأطفالك وإما ان تكون كافرا فكل شيء حل لهم
مصطلح الكفر معروف لدى الرعيل الأول ,بأنه من جاهر به, ولا ينسحب عليه إباحة دمه ما لم يناصب العداء علنا ويبادر بإباحة دم غيره, بل إن الله أمر ببره والقسط إليه إن لم يقاتل ( لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)
الواقع أن هذه البدعة التي ابتدعها الخوارج ثم انكبت عليه المدرسة السلفية الحنبلية الوهابية ( وإن كان بشكل مغاير نوعا ما ) قد تركت أثرا سيئا في المجتمع الإسلامي من قتل وتدمير وإراقة دماء, ولا زلنا نعاني من ويلاتها إلى يومنا هذا
على النقيض من موقف الخوارج , كان موقف علماء السلطة الأمويين الذين أعطوا المبرر للحاكم أن يظلم ويفسد في الأرض, وكان لزاما على الرعية أن يبايعوه ويوالوه مهما فعل وكل ذلك بمنطلق ( قدر الله المقدر ) (كيفما تكونوا يولى عليكم) ( والله عز وجل حر مختار إن شاء غفر وإن شاء عذب والله ذو رحمة واسعة)
مع ظهور هذين المنطلقين ومع ظهور علم الكلام الذي ضرب أطنابه في أركان الدولة الإسلامية, بدا أن علماء الأمة آنذاك باتوا أكثر جرأة في البحث في المغيبات التي لم يأت القرآن الكريم على ذكرها, وبدأت عملية تشريح واسعة لله عز وجل (تعالى عما يصفون) والملائكة ويوم القيامة والجن وغير ذلك من المغيبات التي لا يمكن للعقل البحث فيها ( فهو غير قادر إلا على تحليل ما كان ضمن المحسوس)
كان فلاسفة الإغريق قد قسموا كل كينونة إلى جوهر وعرض (ذات وصفات) واعتبروا أن هناك مفارقة بين الجوهر والعرض فجوهر الشيء هو ذاته أو أصل وجوده وعرضه هي تلك الصفات العارضة التي تطرأ على الشيء فتكسبه خواصه الظاهرة ، ونضرب مثالا على ذلك : النار هي كينونة لا تحمل في أصل وجودها صفة الإحراق والله عز وجل هو الذي أكسبها هذه الصفة فلذلك حين رمي إبراهيم عليه السلام في النار , النار بقيت على حالها كذات أو كجوهر ولكن الله نزع عنها صفة الإحراق وأكسبها صفة جديدة وهي البرد,
لم يكن هذا المنطلق هو الوحيد لكنه كان (أُمَّاً) لكل المنطلقات التي أتت بعده ((من حيث قياس كل اللامعقول (عالم الغيب ) على المعقول (عالم الشهادة) ))
دخلت هذه المنطلقات إلى المجتمع الإسلامي ,وبدأ علماء المسلمين في البحث فيها ومحاولة تطويع آيات القرآن الكريم حسب ما تقتضيه هذه الفلسفة.
انخرط علماء المسلمين على اختلاف أطيافهم في هذه الفلسفة ورغم أن المعتزلة كانت بدايتهم رائعة من حيث تمكين العقل والنقل معا في البحث في الايديولوجيا , غير أنهم ما لبثوا أن ساروا مسار خصومهم من الأشاعرة والمتوريديين في البحث في المغيبات من منطلق علم الكلام وتطويع النصوص القرآنية وفق ما تقتضيه فلسفتهم
من المواضيع التي طرحها كل الأطراف وإن كان بأشكال مختلفة هو البحث في كينونة الله عز وجل (تعالى عما يصفون) فقال المعتزلة بتوحيد الذات والصفات ,فقالوا :أن الذات والصفات لا تنفصلان والصفة هي ملازمة للذات ولكن اختزلوا الصفات إلى ست صفات ملازمة للذات متوحدة معها وهي (العلم – القدرة – الإرادة – الحياة – السمع – البصر – ) , صفات الله الستة لا تنفصل عن الذات وإنما هي عين الذات الإلهية. سميع بسمعه ,وسمعه هو عين ذاته، بصير ببصره ,وبصره هو عين ذاته وهكذا... لأنه إذا قلنا أن الصفات ليست عين الذات فمعنى ذلك أن هناك تعدد و تجزؤ في الذات الإلهية و هذا لا يجوز في رأي المعتزلة لأنه في رأيهم شرك, لأن الله عز وجل ذات قديمة وصفاته هي عين الذات ومعنى ذلك أننا نقع في الشرك ونقول قولا أفظع من قول النصارى في الله. والخروج من هذا المأزق بالتوحيد بين الذات و الصفات فصفة العلم هي الذات نفسها، وأما خصوم المعتزلة من الأشاعرة فقد سموهم بالمعطلة أو أهل التعطيل أي عطلوا أن يكون للصفات وجود متمايز,. فقالوا بأن الله عالم بعلم وقادر بقدرة وحي بحياة ومريد بإرادة وكان ذلك أهم ما خالف فيه الأشاعرة المعتزلة بإثبات سبعة صفات لله فإثبات العلم والقدرة والإرادة والحياة والكلام والسمع والبصر له تدل على وجود هذه الصفات متميزة لأنه لا معنى لكلمة عالم إلا أنه ذو علم ولا لقادر إلا أنه ذو قدرة فقال الأشاعرة بأن الله لا يشبه شيء وقالوا أن هذه الصفات قائمة بذات الله سبحانه أي أنها ليست عين الذات ولكنها ليست غير الذات فهي قائمة بالذات زائدة عليها وهذه الصفات موجودة أزلية وعند الأشاعرة حرة فانه لا فرق بين صفات الذات وصفات الأفعال............
يعتبر الأشاعرة والمعتزلة هما أهم مذهبين تناولا هذا الموضوع عدا عن وجود مذاهب أخرى كالإتحاديين والحلوليين والمشبهه والمجسدة وغيرهم ومن هنا ومن هذا المنطلق (منطلق التجسيد) برزت فكرة بين المسلمين وتعود في نشأتها إلى بني إسرائيل (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة) ولم يكن بنو إسرئيل في معزل عن الإمم الوثنية في هذا الطلب حيث اعتادوا أن يروا آلهة تلك الأمم فطلبوا ذلك من موسى جاء دور المسلمين الذين كانوا يعيشون في خضم عبادة آلهة مجسدة يرونها بأبصارهم فلم يجرؤ أي من المسلمين أن يطلب ذلك في الدنيا إلا أنهم قرروا ذلك في الآخرة وأنها من ثواب الآخرة وأنشأوا أحاديث تؤيد قولهم هذا(إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضارون في رؤيته من شيء ) ولست أدري كيف يشبهون الله عز وجل ورؤيته بالقمر (أليس هذا تجسيدا واضحا )
ثم ما لبثوا أن نسبوا تلك الرؤية للنبي وما صاحب ذلك من تقديس وتأليه لشخص النبي الكريم من صعوده إلى السماء ورؤية ربه ورؤيته أهل الجنة والنار وفئاتهم ورؤيته للأنبياء واضطلاعه على الغيب
الواقع أني بحثت في موضوع النظر الى الله يوم القيامة أو في الدنيا وبإجراء مقارنة بين الآيات تبين لي ما يلي :
وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ
إن الله عز وجل بقوله لموسى لن تراني ولن تفيد المستقبل على إطلاقه قد حدد أن رؤية الناس لربهم مستحيلة في الدنيا والآخرة
أما قوله تعالى: إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ
فقد بحثت في لفظ (ناظر) في القرآن فوجدت أن كلمة ناظر أو ناظرة إذا أتت متبوعة أو مسبوقة ب (إلى )أو بالباء فهي تعني الانتظار
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَـٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمً
ا وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ
وأما إذا أتت متبوعة باللام فهي تعني النظر المباشر
وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ
وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ
وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ
من هنا أفهم من قوله تعالى (إلى ربها ناظرة ) أنها تنتظر ربها أن يدخلها الجنة وأن يرحمها
وأرجوا من القارئ العزيز أن يتدبر قوله تعالى
وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا ۗ لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا
يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا
لقد أغفل القرآن الكريم تماما طلبهم لرؤية الله عز وجل فكأنه اعتبرها من المحال البديهي لكنه عقب على رؤية الملائكة واعتبرها من المحال في الدنيا لكنه أمر واقع يوم القيامة
: .
من خلال البحث في صفات الله عز وجل أثيرت مسألة أخرى وهو موضوع العلم وهو موضوع له علاقة مباشرة بموضوع الجبر والاختيار.
والمسألة تقول : هل الله عز وجل يعلم ما سنفعل من هدى أو ضلال وبالتالي يعلم مآلنا الجنة أو النار ؟
في الحقيقة أن هذه المسألة نوقشت مناقشة فلسفية فقال الأشاعرة أن الله يعلم مسبقا ما سيؤول إليه حالنا واخترعوا حديثا نسبوه إلى النبي الكريم (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم ينزل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بكتب أربع كلمات بكتب عمره وأجله ورزقه وشقي أم سعيد فوالذي نفسي بيده إن أحدكم يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعا فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعا فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها )الواقع أن هذا الحديث المفترى كان حجة لجهتين الجبرية وهم به أقوى ثم الأشاعرة فكان عليهم تأويل كلمة (فيسبق عليه الكتاب ) وكلا المفهومين يؤدي بحقيقته إلى مفهوم الجبر . فالجبرية قالوا أنه لا مشيئة للإنسان أبدا وكل ما يقوم به المرء إنما هو مسير بإرادة الله عز وجل وهم الجبرية الخلص ,وأما الفريق الثاني وهم الجبرية المستترين ( الأشاعرة ) وهؤلاء يثبتون قدرة ومشيئة للإنسان ولكن يقولون إنه لا يقع بها الفعل ولكن معها فيقترن وجود الفعل مع القدرة والمشيئة من غير أثر لها في الفعل فيقولون الله خلق القطع عند مرور السكين أي بسبب السكين
فعندهم السكين لا تقطع
وكذلك يقولون النار لا تحرق ولكن الله يخلق الإحراق عند وجود النار فمذهبهم هو مذهب الجبرية وإنما التفريق هو إثبات قدرة ومشيئة للعبد بلا أثر وأيضا احتجوا بحديث آدم وموسى (قال موسى أهبطت الناس بخطياتك إلى الأرض فقال أدم وكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أُخلق قال بأربعين سنه قال وهل وجدت فيها وعصى أدم ربه فغوى قال نعم قال أفتلومني على عملٍ عملته كتبه الله علىّ قبل أن يخلقني بأربعين سنه فحج أدم موسى).من هنا أثيرت أيضا مسألة القرآن وخلقه وهل هو قديم (كما يقول الأشاعرة ) قدم صفة الكلام عند الله, أم هو حادث أو مخلوق (كما يقول المعتزلة) .
لو ناقشنا الأمر (الجبر والاختيار)مناقشة عقلية بحتة من حيث العلم أو من حيث الإرادة.
من حيث الإرادة : لو كان كل شيء بإرادة الله عز وجل , فكيف يحاسبني الله على عمل عملته بإرادته هو قبل أن تأتي إرادتي وهو الحكم العدل
من حيث العلم : إن كان الله يعلم ما سأفعل فلمَ يكبدني الله عز وجل عناء جهدي وعمري وهو يعلم تماما ما سأقوم به ؟..فلم لم يخلقني ثم يدخلني الجنة أو النار على الفور وهو العالم بما سأقوم به سواء جعلني أمضي عمري وأعمل عملي أم لا؟(طبعا هي مناقشة عقلية بحتة لا تفضي إلى ما أؤمن به )
الحقيقة أن القرآن لم يتعرض لهذه النقطة (بغض النظر عن حقيقتها)لسبب واحد (كما فهمت ) وهو أن يعلم الإنسان أن له مطلق الحرية في اختيار طريقه للهدى أو الضلال وبناء على ذلك جعل الله للمسيء العقاب وللمحسن الثواب وليعلم الإنسان أن إرادته حرة تمام في اختيار الطريق
الله عز وجل هو الذي خلق الزمان والمكان فلا مستقبل يمكن أن ننسبه لله ولا ماضي ومن هنا تأتي آيات كثيرة لتبين لنا مدى نسبية الزمان والمكان (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) ثم تأتينا آية أخرى لتقول (أن الله بكل شيء محيط) بكل شيء وبكل شيءثم بكل شيء.
خروجا من هذه التعقيدات التي ابتدعها فلاسفة المسلمين ظهرت فئة أخرى أطلق عليهم فيما بعد المسلِّمة أو السلف وهؤلاء لم يتناولوا موضوع الذات والصفات على النحو الذي تناوله كل من الأشاعرة والمعتزلة , لكنهم تناولوه بأسلوب ضحل لا يمكن للعقل استيعابه ولا يمكن للإنسان البسيط إلا أن يفهم منه شيء من التجسيد مع شيء من التشبيه
فقالوا عن آيات الصفات بأن لله يد تليق بجلاله وقدرته وليس كمثله شيء ولله وجه يليق بجلاله وقدرته وليس كمثله شيء والرحمن استوى على العرش فالاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة , وأما المعتزلة والأشاعرة فقد لجأوا إلى ما سموه بالتأويل ( المجاز) فقالوا إن اليد هي القدرة والوجه هو الذات والعين هي الحراسة , ومن هنا نرى أن الجميع تناولها دون التفكير بالمدى أو الأثر الإيماني الذي سيتركه تناولها على هذا النحو...........
الواقع أن مجموعة هذه التعقيدات التي ابتدعها فلاسفة المسلمين وذلك التقنين الذي وضعوه في موضوع الإيمان هو ما أفرغ هذا الموضوع من مضمونه الأساسي ولم يترك أثرا في النفس البشرية سوى مزيد من التعقيد (العقيدة ) والبعد عن روح النص والغاية التي أنزل من أجلها (وهي الهداية ) ولو بحثنا ولو قليلا في كتاب الله لوجدنا أن التعريف بالله عز وجل لم يتناول مطلقا تلكم التعقيدات وإنما بحثها بأسلوب تربوي جميل تدفع النفس البشرية إلى الصفاء والبساطة في الفهم وتدفعها إلى مزيد من تقوى الله والإيمان به حيث أجاب القرآن عن سؤال ( وما رب العالمين) بتلك الآثار التي نراها في مخلوقات الله من عظيم خلق ودلائل قوة وحكمة وإبداع لا يمكن أن نراها في مخلوق إنها تقودنا بشكل انسيابي إلى التيقن من قدرة الخالق وعظمته ورحمته , سبحان الله فأنى يؤفكون؟!!!!! ((قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ))الشعراء ((قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ * قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَىٰ * قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ۖ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّىٰ * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَىٰ * مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ ))
وحين جاء لفظ اليد وغيره جاء ضمن سياق يوحي بغير ما تناوله الاشاعرة (الخلف) والسلف ((إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا )) الموضوع يتكلم عن بيعة عن أمر سلوكي هو عهد عاهدوا الرسول عليه ولتأكيد العهد ولتأكيد عظيم ذنب من ينقضه تضعهم الآية الكريمة في حال عهد مع الله عز وجل , عهد مباشر , فالله كان حاضر لتلك البيعة فالويل الويل لمن ينكثه, وطوبى لمن وفى بعهده . كل الآيات التي تتكلم في أمثالها تتحدث عن أمر سلوكي فمن أين أتى من تناوله على النحو السيء البعيد كل البعد عما ترمي إليه ؟؟.
توالت من بعد ذلك الأبحاث في المغيبات ,فلم تترك شيئا إلا وأتت عليه وجعلت عاليه سافله, فتم البحث في أصل خلق الجنة والنار والملائكة والجن ومشاهد مضحكة ليوم القيامة ,حتى جعلت من كل ذلك كأنه مسرحية مضحكة من تأليف بشر ظالم, يفضل قوما على آخرين , ونبيا على آخرين , ويفضل الرجال على النساء , ويجعل من عذاب جهنم ألعوبة بيد الشفعاء من أنبياء وأولياء وصالحين...
البحث في أشراط الساعة:استمر الصراع بين الأمويين وأهل البيت قرنا من الزمان ثم ما لبث أن تحول الصراع إلى صراع بين أهل البيت أنفسهم ( علويين وعباسيين) مع سقوط الدولة الأموية , واستطاع العباسيون قمع كل حركات التمرد التي قام بها العلويون , ومن هنا كان لزام على العلويين اختراع مفهوم جديد يبرر سكوتهم على ظلم العباسيين وتقاعسهم عن الثورة عليهم , ومع مقتل آخر أئمتهم وهو المهدي ومع سيطرة الخرافات والمفاهيم الصوفية على المجتمع اخترع العلويين فكرة المهدي وأتوا بها على نحو مغاير لما طرحه العباسيون لاحقا فقالوا بأن إمامهم دخل السرداب وسيخرج منه حين يأذن الله ليعيد لأهل البيت مجدهم ودولتهم التي فقدوها منذ عهد علي ابن أبي طالب.
على الجانب الآخر وجد العباسيون ضالتهم المنشودة فيما بثه أبناء عمومتهم وجعلوا فكرة المهدي تنتشر على شكل أوسع ولكن جعلوا من المهدي هو المنقذ الذي يجب على الناس انتظاره ليرد المظالم إلى أهلها . واخترع الطرفان كل على حدة أحاديثه التي تؤكد فكرته ثم ما لبثت هذه الفكرة إلى أن تطورت فأعقبوا ظهور المهدي نزول عيسى وكانت هذه الفكرة قد ظهرت مع عجز الدولة العباسية أمام البيزنطيين(حيث أن المسيح سيكسر الصليب ويقتل الخنزير) ثم بدأ تفنيد علامات الساعة وأشراطها على نحو مضحك مبكٍ من ظهور الدابة وظهور المسيح الدجال وقوم يأجوج ومأجوج. وكان لزاما على كل من تلقى هذه الخرافات الاستعداد للعدو الخارجي الذي سيقض مضاجعهم, ونسيان الظلم والاستبداد من حكامهم العباسيين
مع غياب المفاهيم القرانية الواضحة والصريحة للساعة وأشراطها وليوم القيامة وهول ما فيه ومع غياب المفاهيم التي تصف الله عز وجل صفات تجعل النفس البشرية محبة له خاضعة لأمره مسلمة بما يحكم به موقنة بأنه يسمعنا ويرانا في كل حين وفي كل مكان بعيدا عن البحث في الكيفيات التي تصفه بهذه الصفات بل بنتائجها وأثرها في واقع حياتنا ومع ظهور الفساد في الأخلاق والمعاملات والعبادات وفي كل شيء والبعد عن منهج الله عز وجل ومع بعد الناس تماما عن التدبر في آيات الله وكتابه الكريم التي جعلوا بينها وبين الناس برزخا وحجرا محجورا وجعلوها حكرا على طبقة من الناس تفتري على الله عز وجل ما تشاء دون حسيب أو رقيب تبرر لمن تشاء أفعاله وتجرم من تشاء بما يقترف ومع تفاقم هذا الفساد كان لزاما على أحبار الامة (وأقول أحبار الأمة لأنهم نسخة تكاد تكون مطابقة تماما لأحبار بني اسرائيل) ومع انتشار المفاهيم المستوردة من الأديان السائدة في ذلك العصر (من مجوسية ويهودية ونصرانية وغيرها)رأى أحبار الأمة أنه لا بد من تخويف الناس بمفاهيم أخرى تردعهم وكأن ما يخوفنا الله به من آياته وعذابه يوم القيامة لا يكفي وكأن ما يرغبنا الله به وبيشرنا به من جنات ونهر قليل وكان قدرة الله واحاطته بكل شيء محدودة لتظهر مفاهيم جديدة عن عذاب في القبر وملكان يحاسبان المرء في قبره فيجعلان قبره حفرة من النار أو روضة من الجنة وليظهر ذلك الثعبان الذي لا أدري كيف أمسى أقرعا أو أصلعا وهل كان الناس آنذاك يكرهون الصلعان أو القرعان حتى أمسى ذلك الثعبان أقرعا .
كل ذلك لم يجد نفعا مع مفاهيم ظهرت آنذاك تجعل من عذاب النار محدودا بمدة (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة)ومع ظهور شفعاء ووسطاء يأتون إليك يوم القيامة من كل حدب وصوب ومع تفاوت طبقات الأنبياء فتفضل نبيا على آخر وتجعل من نبي في عليين ومن آخر لا يقدم قوله يوم القيامة ولا يؤخر .
وكأن عذاب الله خص به أناس دون غيرهم حتى لو تطابقت معاصيهم وكأن جنة الله خص بها أقواما دون آخرين حتى لو تفاوتت طاعاتهم وانصياعهم لأوامره وكأن نعم الله وآلائه لا تكفي لتجعل من المرء عبدا خالصا لله وكأن ما ذكره القرآن عن أمم سابقة لا تكفي لنتعظ بها ونسلم لما كتبه الله في كتابه الكريم
كل هذا ألا يكفي ؟!
يتبع
ملاحظة : الموضوع التالي بإذن الله تعالى سيكون موضوع التراث والتشريع