تمثل الفترة من يوم 29 يناير حتى يوم 1 فبراير المرحلة الثالثة للثورة المصرية فيوم 29 يناير هو اليوم التالي لليوم المشهود يوم 28 يناير هذا اليوم الذي خرج فيه الشعب عن صمته و كسر سلاسل الخوف و حطم قضبان القمع و الإستبداد ، و في فيه توقع شعب مصر أن يرحل الرئيس و حاشيته في نهاية اليوم أو صباح يوم 29 يناير على الأكثر ، إلا أن مبارك قد خرج بخطابه على الشعب في تمام الساعة 12.30 صباح يوم 29 يناير منتهياً في خطابه إلى أنه قد قبل إستقالة الحكومة ، و أنه سيعطي أوامره لتشكيل حكومة جديدة ! و هنا شعر الشعب بأن صنيعه يوم 28 يناير لم يكن له تأثير على الديكتاتور ! و ما أكد ذلك هو خروج مبارك مع قيادات وزارة الدفاع بداية من الوزير إلى كامل فريق المجلس العسكري و هم يضحكون و يشاهدون أشياء لم تبينها كاميرات التليفزيون الحكومي !
و أستطيع القول أن يوم 29 يناير هو اليوم الأول الذي شارك فيه الشعب في الثورة ، فالثوار ليسوا فقط من ذهبوا إلى ميدان التحرير ، ففي كل مدينة و قرية حدثت ثورة أيضاً ، و لكن الفارق أن ميدان التحرير كان محط أنظار العالم كله ، هذا بالإضافة إلى أن من لم يشارك في المظاهرات قام بحماية بيته و أهله و أصدقاءه عن طريق اللجان الشعبية و التي تستحق أن يكتب عنها الكثير و الكثير من المجلدات ، فيوم 29 يناير كان هو اليوم الأول للمواجهات مع البلطجة و الخارجين عن القانون ، فالخطة البديلة لوزارة الداخلية و التي كانت الحارس الأول للنظام البائد ، كانت الدفع بالخارجين عن القانون و المفسدون في الأرض حتى يثيروا الذعر و الرعب بين الناس ، حتى يختاروا أما الأمان مع النظام البائد ، أو الرعب و اللا أمان في ظل الخلاص من النظام البائد ، الذي لا يعرف للأخلاق طريق بتنفيذه الخطة البديلة و هي نشر الفوضى الهدامة ، و قد كانت خطة النظام مدروسة إذ أنه قد فتح أبواب السجون لكافة الخارجين عن القانون و قام بإستدعاء البلطجية اللذين يقدمون له الخدمات في الإنتخابات و غير الإنتخابات ! كما قام النظام اللا أخلاقي بتوزيع الأسلحة على رجاله من الخارجين عن القانون .. منتظراً أن يأتي الشعب إليه طالباً رحمته و حكمته ليخلصه من عذاب البلطجة و ما ينتج عنها من قتل و سرقة و إغتصاب و ذعر و رعب و ...... إلخ .
و لكن قدر الله أن يخيب أمل النظام البائد فقد كان لفعلته الشنعاء أن أحدثت تأثير عكسي ، فمنذ صباح يوم 29 يناير إجتمع الشعب على كلمة رجل واحد و تعاهدوا على أن يحموا أنفسهم بأنفسهم ، و قد كان لهذا العهد آثار إيجابية لم تخطر يوماً على ذهن النظام الغبي ، لقد قرب هذا النظام الشعب من بعضه البعض لقد أحب الشعب بعضه ، و كان لشعور الوحدة الوطنية الأثر الكبير في إسترجاع حب مصر ، هذا الشعور الذي كاد أن يندثر ، لولا غباء النظام البائد ، لقد كان في تصرف الشعب مع الموقف مدرسة عظيمة في الوحدة الوطنية بين جميع طوائفه فالمسلمون كانوا حراس على الكنائس و العكس صحيح ، و بدو سيناء كانوا حراس على الأراضي المصرية من أي إعتداء خارجي ..... إلخ ، كانت أيام لاتنسى حتى التحرش الجنسي كاد ينتهي و لم يكن له وجود في ميدان التحرير ! و تتلخص تلك الفترة بإحدى اللافتات التي حملتها فتاة في العشرينات من عمرها فقد كتبت على لافتتها (( مبارك لقد جعلتنا نحب بعضنا )) و طبعاً مبارك فعل ذلك عن غير قصد !
و هكذا إستمرت الثورة من يوم 29 يناير بتبادل المواقع بين أطراف الشعب فالبعض يذهب إلى المظاهرات و البعض الآخر ينضم إلى اللجان الشعبية ليكون حارساً على أملاكه و أملاك غيره ، و على شرفه و شرف غيره ، و على حياته و حياة غيره ، و بدأ العالم كله يتابع الأحداث و التطورات من ميدان التحرير و قرر الشعب أنه لن ينسحب من الميدان إلا بعد أن يسقط النظام ، و إذا بمبارك يخرج على الشعب ببعض القرارات يوم 29 يناير بأنه قد إختار .. عمر سليمان نائباً له ! ظناً منه بأن مثل هذا القرار سيطمئن الشعب من مسألة التوريث المعدة سلفاً ! و لكنها كانت محاولة لم تنطلي على الشعب و بدلاً من أن يميل الشعب لــ عمر سليمان فإذا بالشعب يبادل عمر سليمان الكره الدفين لمبارك ! و هكذا مر يوم 29 يناير تاركاً بعض الأحداث منها .. مواجه الشعب للبلطجة بكل حزم ، و تعيين نائب رئيس جمهورية على غير رغبة الشعب ، و توافد الشعب على ميدان التحرير و إعلانه أنه لن يترك الميدان إلا بعد إسقاط النظام ! ثم جاء يوم 30 يناير و الذي أعلن فيه مبارك تكليف الفريق أحمد شفيق بالوزارة الجديدة ، و الواقع أن الرجل تولى المسؤلية في ظل ظروف صعبة ، و لم يكن بالذكاء الكافي لقبوله تولي الوزارة في ذلك الوقت و مر يوم 30 يناير كسابقه 29 يناير ، و لكن تم في هذا اليوم الدعوة إلى المليونية الأولى للمطالبة بإسقاط النظام على أن تكون يوم الثلاثاء الموافق 1 فبراير 2011 ، ثم جاء يوم 31 يناير 2011 ، و أهم ما ميز ذلك اليوم هو إستعداد الشعب لمليونية يوم 1 فبراير 2011 إذ توافد آلاف المواطنين للمكوث بالميدان و حجز أماكن للنوم ! حتى جاء يوم 1 فبراير و كانت المفاجأة فقد إكتظ الشعب داخل الميدان يردد هتافاً واحداً ((الشعب يريد إسقاط النظام)) مشهد مهيب و لأول مرة يجتمع الشعب بهذا المظهر الحضاري يعبرون عن آرائهم بشكل سلمي دون أن يؤذوا أحداً و إذا برسالة الشعب تصل إلى العالم بأكمله و بما أن النظام البائد لم يكن ذكياً ، فإنه كان آخر من فهم رسالة الشعب ، و لكن ... خرج مبارك على الشعب بخطابه الثاني موجهاً حديثه إلى القلوب لإستجلاب عطف الشعب الذي هو عاطفي بطبيعته ! فقد قال في خطابه لقد ولدت على أرض مصر و سأموت فيها ، و قد قدمت لمصر الكثير مذكراً الناس بتاريخه ، و معلناً في نهاية خطابه أنه لن يترشح مرة أخرى للرئاسة و سيسلم السلطة بعد إنتهاء ولايته بعد أن يكون قد عدل الدستور حتى يتسني لأكبر عدد ممكن الترشح لإنتخابات الرئاسة ، و إذ بخطاب مبارك الثاني يستأثر عطف الشعب المصري ، و الذي شعر بأنه قد أخطأ في حق الرجل و ليس من الملائم أن يتعامل معه الشعب بهذه الطريقة ! و بالفعل تركت الغالبية العظمى من الشعب ميدان التحرير ، و لم يبقى سوى بضعة آلاف لا تتجاوز الخمسة آلاف مواطن أغلبهم من الإخوان المسلمون ، و اللذين توعدهم النظام بالقصاص منهم بعد إخماد الثورة ، و هنا لم يكن أمام الإخوان المسلمين إلا الإستمرار و التصميم على عدم ترك الميدان ففي كلا الأمرين هم معرضون إلى الموت و سيكون لهم الشرف لو ماتوا و هم يجاهدون ضد النظام البائد ! إلا أن النظام البائد و الذي لا يتمتع بالذكاء كما ذكرنا من قبل ! قرر أن يخلي الميدان و لو بالقوة و هو ما حدث فيما بعد يوم 2 فبراير 2011 .
في النهاية ندعوا الله أن يحفظ مصر من كل مكروه
شادي طلعت