نبذة عن السلفية لكل باحث عن الحقيقة
الطامّة الكبرى
منذ ظهور الفرقة الضالة المضلة (الوهابية) وحتى أيامنا هذه انبرى علماء الإسلام على مختلف مذاهبهم، فكتبوا في ردهم ودحض أباطيلهم وشبهاتهم كتباً ورسائل كثيرة ، كان فيها الرد الحاسم القاطع في وجه الوهابية، فانحصر وجودهم في مهد ظهورهم أرض الحجاز. وما استمر وجود الوهابية في أرض الحجاز إلا بقوّة الحديد والنار، إذ لم يستطيعوا أن يقارعوا الآخرين بالحجة والبرهانألا أن نشاطها الهدام ونفث سمومها وأباطيلها وشبهاتها لا يزال مستمراً، مما إقتضى فى هذه النبذة، أن أرجع إلى كتبهم ومن كتب من يستشهدون بأقوالهم، فمنها نرد عليهم....
فمن الواجب على كلّ باحث ومحقّق ومتكلّم عندما يتناول بحثاً ما أو موضوعاً ما، أن يتعامل معه بموضوعية، فقبل كلّ شيء عليه أن يضع نصب عينيه مخافة الله عزّ وجلّ من أن يرمي بريئاً بما ليس فيه، أو ينسب إليه قولا أو رأياً لا يراه ولم يقله.
وعليه أن يسلك طريقة أهل العلم ويتأدّب بآدابهم متجنباً أُسلوب التهريج والسباب، والذمّ والتنابز بالألقاب، فهذا أُسلوب العاجزين الذين تعوزهم الحجّة والبرهان. كما ويجب عليه أن يتحرّر من الجمود الفكري ويحاول التحري عن الحقيقة التي هي ضالّة كلّ منشد، وهـذا إنّمـا يتمّ بعـد تجاوز طريقة الآبـاء ـ في التقليد الأعمى المانع للاجتهاد وحريّة الآراء ـ الذين كانوا يتعاملون مع الكتاب وفق ما يحملون ويتبنّون من معتقدات وآراء، فهم يؤوِّلون ويفسّرون ويوجّهون ويسيّرون مفردات الكتاب وفقاً لما يذهبون أو يعتقدون، وليس العكس، بعبارة أُخرى تأسيس المذهب أوّلا ثمّ توظيف الكتاب وفقاً لرؤية المذهب والمعتقد ثانيا.ً
هذه هى الطامّة الكبرى، فلذلك تشعّبت وكثرت التأويلات والتفسيرات والأقوال والآراء، ورافق ذلك في نفس الوقت كثرة الطعن والتشهير والتضليل والتكفير، بل وصل الأمر إلى إباحة الدماء والأعراض بين طوائف وفرق المسلمين. ولا يخفى على الباحث المتتبّع ملاحظة التأثيرات السياسية والمذهبية للحكّام والسلاطين على هذه المذاهب والفرق بما يحملون من نزعات أهوائية أو أغراض مستهدفة أو مبادئ وأفكار معيّنة، روعي فيها مرضاة هؤلاء الحكّام بما يخدم تدعيم سلطتهم وحكمهم، وكتب التاريخ والأثر طافحة بالشواهد على ذلك.
فالباحث يبدأ باعتماد الأُصول وتأسيس القواعد واستنباط الأحكام الشرعية، متّبعاً النهج العلمي السليم، متجرّداً من الرواسب الفكرية الموروثة، والنعرات الطائفية، غير متحيّز إلى فئة، جاعلا الوصول إلى الحقيقة هدفاً سامياً له، ولا سيما في ما يرتبط بالمسائل العقائدية والمذهبية، فعليه أن يجادل بأُسلوب علمي، مستعرضاً جميع الآراء، يقرع الحجّة بالحجّة والبرهان بالبرهان، ويحلّل ويستنتج، ثمّ يرجّح ما يراه صحيحاً من الآراء والأحكام اعتماداً على ما توصّل إليه من أدلّة صحيحة، ثمّ يصدر حكمه أو رأيه، قال تعالى:
ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ " النحل 16:125 .
هذا إذا كانت غايته النصح للإسلام والمسلمين وإظهار الحقيقة، أمّا إذا كان مبيّتاً لنيّات سيّئة مسبقة، مقلّداً أسلافه في التكفير والإشراك والتضليل وإباحة الدماء، فالكلام مع هؤلاء عسير.
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ۙ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ ۚ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " غافر 40:56، والسلطان هو الحجّة سمّيت به لسيطرتها وتسلّطها على القلوب.
إنّ الاعتقاد بتكفير وتضليل وإباحة دماء المسلمين من أشدّ المسائل خطورة وحرجاً في الدين، كيف يحقّ لهؤلاء هذا السلوك الخطير بعدما صحّ وتواتر- بزعمهم - عن النبيّ عليه السلام قوله: " أُمِرْتُ أن أقاتل الناس حتّى يقولوا لا إله إلاّ الله، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها، وحسابهم على الله.
صحيح مسلم ج 1 ص 39 كتاب الإيمان، وفى معظم كتب الحديث.
يقول الله سبحانه: " فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ *" الغاشية 88:21,22
كما أنّ طائفة أُخرى زعموا أنّ من سبّ الصحابة لا يقبل الله توبته وإن تاب، ورووا عن النبيّ عليه السلام أنّه قال: " سبّ أصحابي ذنب لا يغتفر "، وهذا الحديث كذب على رسول الله عليه السلام، لم يروه أحد من أهل العلم، ولا هو في شيء من كتبهم المعتمدة وهو مخالف للقرآن، لأنّ الله تعالى قال:
" إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا "
وفى نفس السورة يقول سبحانه: " إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا " النساء 4:48,116
هذا في حقّ من لم يتب، وقال في حقّ التائبين: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " 39:53
إلاّ أنّه شذّ عن هذا خوارج القرن الأوّل، وخوارج القرن الثاني عشر (الوهّابية) أو ما يسمّى بـ (السلفية) ، وبعض مشايخ السوء من وعّاظ السلاطين، كالشيخ نوح الحنفي صاحب " الفتاوى الحامدية "، والآلوسي صاحب " روح المعاني " وغيرهم ، فكفّروا المسلمين يمينا ويسارا.
أمّا بالنسبة للخوارج المتقدّمين فآراؤهم ومعتقداتهم في تكفير من خالفهم وإباحة دمائهم وأموالهم معروفة، وهي مبثوثة في أكثر مصادر الحديث وكتب التاريخ، وقد طلبوا الحقّ فأخطأوه، إذ استحوذ عليهم الخبيث، ومن ديار بني حنيفة ومسيلمة الكذّاب ظهر محمّد بن عبد الوهّاب بعقيدة جديدة يؤازره عليها محمّد بن سعود وأعراب نجد الجفاة الحفاة، متّبعين كلّ الوسائل المشبوهة في سبيل تحقيق عقيدتهم، وتنحصر أُصول عقيدتهم في أُمور خمسة:
ـ توحيد الألوهية والربوبية والإفراط في اعتبار موجبات الشرك،
ـ تشبيه الله سبحانه بخلقه، من تجسيم ورؤية ونزول وغيرها
ـ الجبر ونفي الاختيار
ـ عدم احترام النبيّ عليه السلام وبقيّة الأنبياء والصالحين
ـ تكفير جميع المسلمين، وعدّهم مشركين وأنّهم هم المسلمون، وبالتالي استباحة دمائهم وأعراضهم وأموالهم، معتمدين على ظواهر الكتاب، وما تشابه من آياته الكريمة ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلاّ الله، والراسخون فى العلم يقولون أمنا به كل من عند ربنا، ومتى كان أعراب نجد الأجلاف من الراسخين في العلم؟!لكنّهم اعتقدوا أنّهم هم المسلمون وأنّ من خالف اعتقادهم مشركون، واستباحوا بذلك قتل معارضيهم، كسر الله تعالى شوكتهم وخرّب بلادهم وظفر بهم جنود المسلمين عام 1233
ولكن بعد الشدة والأذى جاءهم النفط، فبعثهم من جديد....
ولطالما تذرّعوا بالدعوة السلفية واتّباع السلف الصالح، ولم أعلم حتّى الآن من يعنون بالسلف الصالح، والظاهر أنّها دعوة حقّ أُريد بها باطل. والله أعلم. وحتّى الصحابة والتابعون فإنّ رواياتهم وآثارهم منقولة ومدوّنة، ولا نرى فيها أثراً لما يدّعيه الوهّابية أو السلفية، نعم هناك منهم من ادّعى بأنّهم على مذهب أحمد بن حنبل، إلاّ أنّه ليس بصحيح، لأنّ الحنابلة أنكروا ذلك وردّوا عليهم، منهم، الشيخ سليمان بن عبد الوهّاب الحنبلي، أخو محمّد بن عبد الوهّاب، له كتاب " الصواعق الإلهية في الردّ على الوهّابية ".
ولا أدرى أيّ عنوان ينطوي تحته لواء السلفية؟ نعم، نرى لهـم اهتمـامـاً واضحـاً بآراء ومصـنّفـات ابن خزيمة النيسابوري ـ صاحب كتاب " التوحيد " والذي يسمّيه الرازي كتاب الشرك لما فيه من تجسيم وتشبيه الخالق بالمخلوقين ـ، وعثمان بن سعيد الدارمي ـ صاحب كتابي " الردّ على الجهمية " و" النقض على بشر المريسي "، وكان ابن تيمية يوصي بكتابي الدارمي هذين أشدّ الوصية ويعظمهما جداً، ولذا تصدّى له أغلب فقهاء عصره وأفتوا بابتداعه وضلاله، وحوكم على ذلك وسجن أكثرمن مـرّة حتّى مات في السجن، ثمّ تلميذه ابن القيّم الجوزية، فإذا كانوا يقصدون بالسلف الصالح هؤلاء؟ فلا خير ولا فلاح بهذا السلف.
إنّ من الخطأ بمكان أن نعمد إلى كلمة (السلف) فنصوغ منها مصطلحاً جديداً طارئاً على تاريخ الشريعة الإسلامية والفكر الإسلامي ألا وهو (السلفية) فنجعله عنواناً مميزاً تندرج تحته فئة معينة من المسلمين تتّخذ لنفسها من معنى هذا العنوان وحده مفهوماً معيناً، وتعتمد فيه على فلسفة متميزة بحيث تغدو هذه الفئة بموجب ذلك، جماعة إسلامية جديدة في قائمة جماعات المسلمين المتكاثرة والمتعارضة بشكل مؤسف في هذا العصر، تمتاز عن بقيّة المسلمين بأفكارها وميولها، بل تختلف عنهم حتّى بمزاجها النفسي ومقاييسها الأخلاقية كما هو الواقع اليوم فعلا.
ولم نعلم أنّ في أهل هذه القرون الغابرة كلّها من قد استبدل بهذا المنهج الذي كان ولا يزال فيصل ما بين أهل الهداية والضلال، التمذهب بمذهب يسمّى السلفية بحيث يكون الانتماء إليه هو عنوان الدخول في ساحة أهل الهداية والرشاد، وعدم الانتماء إليه هو عنوان الجنوح إلى الزيغ والضلالة والابتداع.
ولم يأتِ من يحدّثنا بأنّ المسلمين في عصر ما قد انقسموا إلى فئة تسمّي نفسها السلفية وتحدد شخصيتها المذهبية هذه بآراء محدّدة تنادي بها وأخلاقية معينة تصطبغ بها، وإلى فئة أخرى تسمّى من وجهة نظر الأولى بدعية أو ضلالية أو خَلفية أو نحو ذلك، كلّ الذي سمعناه وعرفناه أنّ ميزان استقامة المسلمين على الحقّ أو جنوحهم عنه إنّما مردّه إلى اتّباع المنهج المذكور.
وهكذا، فقد مرّ التاريخ الإسلامي بقرونه الأربعة عشر دون أن نسمع عن أيّ من علماء وأئمّة هذه القرون أنّ برهان استقامة المسلمين على الرشد يتمثل في انتسابهم إلى مذهب يسمّى بالسلفية، فإن هم لم ينتموا إليه ويصطبغوا بميزاته وضوابطه، فأولئك هم البدعيّون الضالّون.
إذاً فمتى ظهرت هذه المذهبيّة التي نراها بأُمِّ أعيننا اليوم والتي تستثير الخصومات والجدل في كثير من أصقاع العالم الإسلامي، بل تستثير التنافس والهرج في كثير من بقاع أوربا حيث يقبل كثيرٌ من الأوروبّيّين على فهم الإسلام ويبدون رغبة في الانتساب إليه.
فالسلفي اليوم، كلّ من تمسّك بقائمة من الآراء الاجتهادية المعينة ودافع عنها وسفّه الخارجين عليها ونسبهم إلى الابتداع سواءٌ منها ما يتعلق بالأمور الاعتقادية أو الأحكام الفقهية والسلوكية.
ولو تنزّلنا وقلنا إنّهم يؤمنون بالاجتهاد، وهذا حسن لو كان مبنيّاً على أُسس وقواعد علمية سليمة، ولكن لا يخفى أنّ محور الاجتهاد هو فروع الدين، فعلى من يعتمدون في الأُصول؟ علماً أنّ رأيهم بأبي الحسن الأشعري إمام أهل السُنّة والجماعة في الأُصول في غاية السوء، ويعدّونه ضالاّ، ولا يساوي عندهم شيئاً، كما هو واضح من أقوالهم ومصنّفاتهم، وهل يوجد فرع بلا أصل أو بنيان بلا أساس؟! إنّه لبنيان واه، بل أوهن من بيت العنكبوت.
وبالرغم ممّا عرفت من وهنهم هذا إلاّ أنّهم لم يدعوا الآخرين وشأنهم، بل تراهم بين نعيق وزعيق، فمرّة يكفّرون هـذا ومرّة يضلّلون ذاك، وأُخرى يفترون على ثالث، كاشفين بذلك عن خبث سرائرهم، وسوء دخائلهم وقبح عوارهم، وفي كلّ يوم لهم مع الآخرين سوءة بادية، وفعل طائش، وعمل شائن، بعيد كلّ البعد عن روح الإسلام المشرقة، ونابع من الفراغ الفكري.
وإذا ما اتّفق ورأيت على أحدهم سيماء حملة العلم، وحاورته وجادلته بالتي هي أحسن وتلوي عنقه بالدليل والبرهان، حتّى يبدأ باللغط والتهريج، وتغيير الموضوع الذي هو محلّ النقاش، وهذا دأب كلّ من تعوزه الحجّة والدليل.
أيها السلفيين....
إنكم الأن تكفرون من شهد ان لا اله الا الله وحده وان محمدا عبده ورسوله واقام الصلاة وآتى الزكاة وصام رمضان وحج البيت مؤمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله ملتزما لجميع شعائر الاسلام وتجعلونهم كفار او بلادهم بلاد حرب فنحن نسئلكم من امامكم في ذلك وممن اخذتم هذا المذهب عنه فان قلتم كفرناهم لانهم مشركون بالله والذي منهم ما اشرك بالله لم يكفر من اشرك بالله لان سبحانه قال (ان الله لا يغفر ان يشرك به) (الاية) وما في معناها من الايات وان اهل العلم قد عدوا في المكفرات من اشرك بالله .
أقول لكم، الايات حق وكلام اهل العلم حق ولكن اهل العلم قالوا في تفسير الشرك بالله اي ادعى ان لله شريكا كقول المشركين هؤلاء شركاؤنا وقوله تعالى:
" وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ " 6:94
ولكن هذه التفاصيل التي تفصلون من عندكم ان من فعل كذا فهو مشرك وتخرجونه من الاسلام من اين لكم هذا التفصيل، استنبطتم ذلك بمفاهيمكم، فبينوا لنا من اين اخذتم مذهبكم هذا ولكم علينا عهد الله وميثاقه ان بينتم لنا حقاً يجب المصير اليه لنتبع الحق ان شاء الله .
لا يجوز لنا ولا لكم ولالمن يؤمن بالله واليوم الاخر الاخذبها ولا نكفر من معه الاسلام الذي اجمعت الامة على من اتى به فهو مسلم فاما الشرك ففيه اكبر واصغر وفيه كبير واكبر وفيه مايخرج من الاسلام وفيه مالا يخرج من الاسلام وهذا كله باجماع وتفاصيل مايخرج ممالا يخرج يحتاج الى تبين ائمة اهل الاسلام الذي اجتمعت فيهم شروط الاجتهاد فان اجمعوا على امر لم يسع احد الخروج عنه وان اختلفوا فالامر واسع فان كان عندكم عن اهل العلم بيان واضح فبينوالنا وسمعاً وطاعة والا فالواجب علينا وعليكم الاخذ بالاصل المجمع عليه واتباع سبيل المؤمنين وانتم تحتجون ايضاً بقوله عز وجل:
" وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ " 39:65
وبقوله عز وجل في حق الانبياء: " ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (6:88
وبقوله تعالى: " وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا ۗ أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ "3:80
فنقول نعم كل هذا حق يجب الايمان به ولكن من اين لكم ان المسلم الذي يشهد ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله اذا دعى غائباً او ميتاً او نذر له او ذبح لغير الله او تمسح بقبر او اخذ من ترابه ان هذا هو الشرك الاكبر الذي من فعله حبط عمله وحل ماله ودمه وانه الذي اراد الله سبحانه من هذه الاية وغيرها في القرءآن فان قلتم فهمنا ذلك من الكتاب قلنا لا عبرة بمفهومكم ولا يجوزلكم ولا لمسلم الاخذ بمفهومكم فان الامة مجمعة كما تقدم ان الاستنباط مرتبة اهل الاجتهاد المطلق ومع هذا لو اجتمعت شروط الاجتهاد في رجل لم يجب على احد الاخذ بقوله دون نظر، قال الشيخ تقي الدين من اوجب تقليد الامام بعينه دون نظر انه يستتاب فان تاب والا قتل. انتهى.. وان قلتم اخذنا ذلك من كلام بعض اهل العلم كابن تيمية وابن القيم لانهم سموا ذلك شركاً .
أقول، هذا حق ونوافقكم على تقليد الشيخين ان هذا شرك ولكن هم لم يقولوا كما قلتم ان هذا شرك اكبر يخرج من الاسلام وتجري على كل بلد هذا فيها احكام اهل الردة بل من لم يكفرهم عندكم فهو كافر تجري عليه احكام اهل الردة ولكنهم رحمهم الله ذكروا ان هذا شرك وشددوا فيه ونهوا عنه ولكن ما قالوا كما قلتم ولا عشر معشاره ولكنكم اخذتم من قولهم ماجاز لكم دون غيره بل في كلامهم رحمهم الله مايدل على ان هذه الافاعيل شرك اصغر وعلى تقدير ان في بعض افراده ماهو شرك اكبر على حسب حال قائله ونيته.
ذكروا في بعض مواضع من كلامهم ان هذا لا يكفر حتى تقوم عليه الحجة الذي يكفر تاركها ولكن المطلوب منكم هو الرجوع الى كتاب الله وإن شئتم إلى كلام اهل العلم والوقوف عند الحدود التي حدوا فان اهل العلم ذكروا في كل مذهب من مذاهب الاقوال والافعال التي يكون بها المسلم مرتداً ولم يقولوا من نذر لغير الله فهو مرتد ولم يقولوا من طلب من غير الله فهو مرتد ولم يقولوا من ذبح لغير الله فهو مرتد ولم يقولوا من تمسح بالقبور واخذ من ترابها فهو مرتد كما قلتم انتم فان كان عندكم شيىء فبينوه فانه لا يجوز كتم العلم ولكنكم اخذتم هذا بمفاهيمكم وفارقتم الاجماع وكفرتم امة محمد عليه السلام كلهم حيث قلتم من فعل هذه الافاعيل فهو كافر ومن لم يكفره فهو كافر ومعلوم عند الخاص والعام ان هذه الامور ملأت بلاد المسلمين وعند اهل العلم منهم انها ملأت بلاد المسلمين من اكثر من سبعمائة عام وان من لم يفعل هذه الافاعيل من اهل العلم لم يكفروا اهل هذه الافاعيل ولم يجروا عليهم احكام المرتدين بل اجروا عليهم احكام المسلمين بخلاف قولكم حيث اجريتم الكفر والردة على امصار المسلمين وغيرها من بلاد المسلمين وجعلتم بلادهم بلاد حرب.
يعد اقتراب التجاهل هو السمة الغالبة لدى كثير من علماء السلفية المعاصرين فالكتابات والدروس والخطب تكاد تخلو من الإشارة إلى المجال الاقتصادي والمشكلات الاقتصادية، فالاهتمام منصب على علم العقيدة والحديث والعبادات دون الخوض في القضايا الاقتصادية على اعتبار أن إصلاح عقيدة الفرد المسلم على رأس أولويات علماء السلفية، ثم يأتي في المرتبة الثانية التزام الشعائر الدينية والهدي النبوي الظاهر، أما أحوال الأمة ومشكلاتها الاقتصادية فستحل تلقائيا بمجرد إصلاح العقيدة والعبادة.
أما اقتراب الزهد وهو ما يسميه البعض بالاقتراب العلماني من حيث كونه يفصل بين الدين والسياسة والاقتصاد، فنلحظه في خطاب بعض علماء السلفية المعاصرة الذين يقصرون اهتمامهم على تذكير الفرد بأهمية الزهد وما كان عليه السلف الصالح من زهد في الدنيا واستغناء عنها، فتتعدد الأشرطة التي تتناول نعمة الفقر وفضله وكيف كان الرسول وصحابته يعيشون في فقر مدقع، ولكنهم مع هذا فتحوا الدنيا ونشروا الإسلام، وأحاديث تتناول ذم الترف والوعيد للأغنياء.
ولا يخفى على أحد ما لهذا الاقتراب من تداعيات خطيرة تلقي الوهن في نفوس عامة المسلمين، فلا حاجة للتنمية ولا لإيجاد سبل لحل المشكلات الاقتصادية المعاصرة لأن الدنيا زائلة والآخرة خير وأبقى والفقير أفضل عند الله من الغني.
وحتى حينما حاول بعض السلفيين الخروج من مأزق التفضيل بين الغني والفقير كان الخطاب حول الأفضلية عند الله بالتقوى والعمل الصالح، وبالنسبة لعلاج مشكلات الفقر في الأمة الإسلامية نجد هذه النوعية من الخطابات ترتكز على حلول إيمانية عقائدية بحتة ويمثل هذا الاقتراب الشيخ محمد حسين يعقوب والذي يقترح علاجا للفقر يرتكز على التوحيد وصحة الاعتقاد، إشغال القلب بالآخرة، تخليص القلب من حب الدنيا، عدم الاختلاط بأهل الدنيا، الأخوة الإيمانية، التقيد بمنهج تربوي.
مشيرا إلى أن خير الرزق الكفاف وهو ما يكف الإنسان عن الجوع وعن السؤال، وأن الطريقة المثلى في استثمار المال على الوجه الذي يرضي الله يتمثل في بذل الفضل.
وهذا الاقتراب السلفي الزهدي من المجال الاقتصادي ليس به إشارة لدور الدولة والمؤسسات في الاقتصاد أو دور الأمة بكاملها في النهوض الاقتصادي، ولا يحدد النظام الاقتصادي الأولى بالاتباع، فلا مانع لديه من التعاون مع دولة ذات نظام رأسمالي أو اشتراكي فالمهم هي الدولة التي تترك له مساحة من الحرية للتحرك لنشر أفكاره وخطابه بمختلف الوسائل فهي سلفية التعايش التي لا تبدي رأيا ولا تعارض نظاما، وهم بهذا أبعد الناس عما كان عليه السلف السابق من فهم شمولي للإسلام سواء على مستوى الفكر أو الحركة.
خرافة الالتزام بفهم السلف، بأنه يجب فهم الكتاب بفهم السلف، وهم بذلك يعتبرون فهم السلف من الأدلة الشرعية الواجب اتباعها وهذا يتضمن مغالطتين:
- أن السلف غير متفقين في فهم المسائل فليس لهم مذهب موّحد معروف حتى يصح أن يقال مذهب السلف أو فهم السلف أو يجب فهم الأمور بفهم السلف. وهؤلاء الذين يدعون الناس إلى فهم السلف يَحثُّون على تقليدهم في فهمهم للأمور أو على فهم أناس بعد القرون الثلاثة المسماة بقرون السلف.
- أنه ليس في الكتاب دليل يفيد أنه يجب تعطيل العقول التي وهبنا الله سبحانه وتعالى إياها وفهم الكتاب بفهم غيرنا ما دام أن المرء وصل إلى درجة الفهم والاجتهاد.
أقول لهؤلاء: إن النصوص الشرعية تخاطبنا مباشرة لنفهم أوامر الله تعالى ونواهيه دون تحريف أو ليٍّ لها، فقول الله تعالى في آيات كثيرة مثلاً {يا أيها الذين آمنوا} عام يشمل السلف والخلف والمتقدم والمتأخر إلى قيام الساعة. بل يقطع الشك في هذه المسألة قوله تعالى:
وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا " 4:83
هو صريح بأن علم أولي الاستنباط أو فهمهم وهم المجتهدون في كل عصر ومصر معتَبَر، ولم يُخَصَّ ذلك بالسلف، حيث لم يقل بأن أهل الاستنباط من السلف هم الذين يعلمون الأحكام ويفهمونها دون غيرهم من الخلَف، وفي هذا دليل واضح على هدم الاستدلال بفهم السلف وجعله أحد الأدلة الشرعية، بل الصواب أن يقال: إن فهم المجتهدين سواء كانوا من الخلف أو السلف معتبر شرعاً بالنسبة للعامي الذي لم يتأهل لفهم الأحكام من الكتاب مباشرة، وإجماع هؤلاء المجتهدين في أي عصر من العصور سواء في زمن السلف أو الخلف هو معتبر شرعاً وهو من الأدلة الشرعية، وما سوى ذلك هذيان.
ثم إن الله تعالى يقول في كتابه الكريم:
".........فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا " 4:59 لم يقل ردوه إلى السلف .
نعم، إن الإيمان بوجوب السير على ما فهمه الأولون من غير تفكر ولا تدبر ولا نقد ما هو إلا تعطيل صريح للعقل وإن نفى الوهابية ذلك! فخلاصة الفكرة تقول: إنّا قد كُفينا مؤونة التفكير والتدبر، فالسلف قد فكَّروا وقرروا، وما علينا إلا اتباعهم، فهم لن يكونوا إلا على الصواب! مع العلم بأن فكرة التسليم للسابقين فكرة حاربها القرآن وسخِر من معتنقيها بقوله سبحانه:
آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ * بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ" 43:22
فهؤلاء مثلهم، حيث رفضوا التفكير فعطَّلوا عقولهم عن فهم النص، وسلَّموا لعقول السابقين ولنُقول اختلط فيها الحق بالضلال.
إن كلمة "السلفيين" هي مصطلح هلامي يشمل فئات متعددة، لا تجمعها رابطة تنظيمية، وحتى المجلس الرئاسي الذي يضم أبرز مشايخ الحركة السلفية في الإسكندرية، فهو مجرد إطار مرجعي لضبط الفتوى وإعلان المواقف، ولا يملك صفة أو سلطة تنظيمية، وإنما فقط "سلطة أدبية" على أتباعه فقط.