الربيع العربى.. لماذا ينبغى الاهتمام بالديمقراطية عند الجيران؟

سعد الدين ابراهيم في السبت ١١ - يونيو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

تتردد كثيراً هذه الأيام فى وسائل الإعلام الغربية عبارة «الربيع العربى للديمقراطية»، وذلك فى إشارة واضحة لما حدث فى كل من تونس ومصر، من إسقاط لنظامى زين العابدين بن على ومحمد حسنى مُبارك فى مطلع عام ٢٠١١، وما تبعهما من انتفاضات شعبية عارمة ضد أنظمة مُستبدة أخرى فى كل من سوريا وليبيا واليمن، بل ولم تنج الأنظمة الملكية فى كل من الأردن، والبحرين، والمغرب من مُظاهرات تُطالب بمزيد من الديمقراطية، وتحويل تلك الأنظمة إلى «ملكيات دستورية»، «يملك» فيها عاهل تلك البُلدان، ولكنه لا يحكم، أى أن تكون سُلطته رمزية، وتكون السُلطة التنفيذية، أى الإدارة اليومية للبلاد، فى أيدى حكومات مُنتخبة ديمقراطياً، وتستطيع الأغلبية الشعبية فيها أن تُراقبها وتُحاسبها وتُغيّرها دورياً، كل أربع أو خمس سنوات.

ومن المُتعارف عليه، أن الشكل الديمقراطى للحُكم، قد أصبح هو الشكل المُفضل عند مُعظم شعوب العالم، فمن مجموع المائة وتسعين بلداً، الأعضاء فى الأمم المُتحدة، فإن مائة وعشرين قد أصبحت ديمقراطيات مُكتملة، أو شبه ديمقراطية، وذلك طبقاً لتصنيف مؤسسة «بيت الحُرية» (Freedom House)، أى أن ثلثى بُلدان العالم تأخذ بشكل أو بآخر من أشكال الديمقراطية، والتى من أهم سماتها التداول السلمى للسُلطة، بفرعيها التشريعى والتنفيذى، دورياً، من خلال الانتخابات، لا من خلال الانقلابات أو الثورات.

وإلى عام ١٩٧٤، لم يكن عدد الديمقراطيات فى العالم يتجاوز الخمسين، من مجموع مائة دولة من الدول الأعضاء فى الأمم المُتحدة فى ذلك الوقت، أى نسبة البُلدان الديمقراطية لم تكن تتعد ٥٠%، ولكن الثلاثين سنة التالية شهدت قفزة كمية هائلة فى عدد البُلدان الديمقراطية، وهو ما ضاعف من نسبتها إلى ثلاثة أرباع العدد الكُلى من الدول الأعضاء فى الأمم المُتحدة.

وقد لفتت هذه القفزة الكمية الهائلة فى عدد البُلدان الديمقراطية، اهتمام الكثيرين من المُشتغلين بالعلوم الاجتماعية. وأطلق أحدهم، وهو صامويل هنتنجتون، عليها تعبير «الموجة الثالثة للديمقراطية» (Third wave of democracy) تمييزاً لها عن الموجة الأولى، التى حدثت بين الثورة الفرنسية فى أواخر القرن الثامن عشر (١٧٨٩) والحرب العالمية الأولى (١٩١٨)، والموجة الثانية التى حدثت فى الخمسين سنة التالية.

ولأن الموجة الثالثة كانت أكبر الموجات، ولأنها شملت بُلداناً من كل القارات والأعراق والألوان، إلا معظم المسلمين ومعظم العرب، لذلك سارع صامويل هنتنجتون بخُلاصة فحواها «أن ثقافة الإسلام والمسلمين تبدو مُعادية للديمقراطية». وظلت هذه المقولة تتردد فى الأوساط الأكاديمية الغربية لسنوات طويلة. وضاعف من تثبيتها أن الحُكام العرب والمسلمين المُستبدين وجدوا فيها مُبرراً لانفرادهم وبقائهم فى السُلطة.

ورغم أن هذا الكاتب (سعد الدين إبراهيم) وقلة من الكتاب الآخرين تصدوا لمقولة هنتنجتون، على اعتبار أنها مقولة عُنصرية، فإن أصواتنا كانت كصوت سيدنا يحيى فى البرية. وحينما وقعت ثورة شعبية فى إندونيسيا، وهى أكبر دولة مُسلمة، واقتلعت حاكمها العسكرى المُستبد، سوهارتو، وتحوّلت إلى الديمقراطية، وأصبحت بذلك ثالث أكبر ديمقراطية فى العالم، بعد الهند والولايات المتحدة، فقد تنفسنا الصعداء. وضاعف من قوة حجتنا فى تبرئة ثقافة الإسلام والمسلمين من وصمة العداء للديمقراطية، أن بُلداناً أخرى ذات أغلبية مسلمة كانت قد تحوّلت إلى الديمقراطية مثل ماليزيا، وتركيا، والكويت، والسنغال.

ورغم أن تلك التحولات الديمقراطية قد أضعفت مقولة هنتنجتون، حول صراع الحضارات، فإن أكاديمياً شهيراً آخر، من جامعة برنستون، وهو برنارد لويس (Bernard Lewis) جاء بمقولة أخرى، لا تقل عُنصرية، وهى «أن ثقافة العرب والعروبة هما استبداديتان».

 وشاعت هذه المقولة على نطاق واسع بعد حادث تفجير برجى مركز التجارة العالمى فى مدينة نيويورك (١١/٩/٢٠٠١)، والذى اتهم بتدبيره عدد من أعضاء تنظيم «القاعدة»، الذى كان يتزعمه السعودى أسامة بن لادن، والمصرى أيمن الظواهرى.

وحقيقة الأمر أن مقولة برنارد لويس عن العداء العربى للديمقراطية ظلت أكثر صموداً من سابقتها، خاصة أن الحركة الصهيونية وأنصار إسرائيل فى الغرب روّجوا لها على نطاق واسع، وظل العرب وبُلدانهم، وهم رُبع العالم الإسلامى، رُبعاً خالياً من الديمقراطية، وظلت إسرائيل تُباهى أنها الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط، وأن العداء العربى لها، ليس بسبب ما فعلته بالشعب الفلسطينى، ولكن بسبب عداء العرب للديمقراطية.

 ولكن مع ثورات تونس ومصر والبحرين وسوريا واليمن وليبيا من أجل الديمقراطية، كادت مقولة العداء العربى للديمقراطية أن تختفى تماماً، ويحل محلها تعبير جديد فى الإعلام الغربى، وهو «الربيع العربى للديمقراطية» (Arab Spring of Democracy).

ولكن ذلك لا ينبغى أن يُصرفنا عن استمرار النضال من أجل استكمال المشوار الديمقراطى، وتعميق التحول فى البُلدان العربية التى نجحت ثوراتها مثل مصر وتونس، واستكمال نجاح هذا التحول فى ليبيا وسوريا واليمن والبحرين، ودعم القوى الديمقراطية فى السعودية وبقية بُلدان مجلس التعاون الخليجى، حتى يمتلئ الرُبع العربى الخالى فى العالم بأنظمة ديمقراطية.

ومن هنا ينبغى أن يكون حِرصنا، نحن الديمقراطيين العرب، على مُساعدة أشقائنا فى ليبيا وسوريا واليمن، وهم يُجاهدون من أجل الديمقراطية.

اللهم إنى قد بلغت، اللهم فاشهد.

اجمالي القراءات 10296