بين عقيدة الاسلام وعقيدة الشرك :
1ـ أمر الله تعالى المسلمين بأن يكون دينهم خالصا له وألا يجعلوا بينهم وبينه وسائط كما كانت الجاهلية تفعل ، يقول تعالى " أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4)" الزمر : 3 ، 4
2ـ وبيّن الله تعالى أنه قريب من عباده " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ " البقرة 186 ، بل هو قريب منهم أكثر مما يتخيلون " وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ " ق : 16 ، وأوضح سبحانه وتعالى أن له تمام التحكم فى كل مخلوقاته " مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا " هود: 56 ،وأنه فى هذا التحكم لا يشرك معه أحداً في حكمه " مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً "الكهف : 26.
وحينئذ فلا مجال للواسطة بينه وبين عباده ، وهذا هو جوهر الإسلام ، أن يسلم الإنسان وجهه وقلبه وجوارحه لله وحده ، فلا يحب ـ حب تقديس ـ إلا الله ولا يرهب إلا الله ولا يعبد إلا الله ولا يقدس إلا الله ، فلله وحده تكون صلاته ونسكه وحياته ومماته ، أو كما يقول تعالى " قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ... " الأنعام : 162: 164 .
3ـ فالمؤمن الحق لا يرى فى البدوي إلا مجرد شخص من ملايين ملايين الأشخاص الذين حملتهم الأرض على ظهرها ثم ابتلعتهم فى باطنها ، والمؤمن يخشى أن يزكى البدوي أو غيره، لأن الله تعالى أولاً : نهاه عن ذلك وثانياً : فهو عقلاً لا يستطيع أن يحكم عليه الحكم الصحيح فقطعاً لا يعرف سريرته ، وكل ما يملكه عن تاريخه – وتاريخ السابقين جميعاً – هو ما كتبه الآخرون عنهم ، وذلك القول بعض الحقيقة وليس كلها .. والمؤمن الحق – وهذا هو الأهم – يرفض أن يجعل من البدوي جزءاً فى عقيدته الدينية فذلك يتنافى مع الإخلاص ، إخلاص الدين لله . ومهما تلمس الأسباب وتحيل فى الأعذار فلن يكون بأمهر من العرب الجاهليين القائلين عن أوليائهم " ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى " . فالجاهليون عبروا بأسلوب القصر وقالوا إن عبادتهم لهذه الآلهة ليس لها لذاتها أو ليست مقصودة بنفسها وإنما فقط لتكون سبباً يقربهم لله ، وهو منطق عقيم رد عليه القرآن الكريم بأن الله لو أراد أن يصطفى ولداً أو ولياً لاختار هو أو اصطفى بنفسه مما يخلق ما يشاء ولكنه لم يفعل لأنه الواحد القهار الذى لا يحتاج إلى معين أو مساعد سبحانه وتعالى عما يشركون .
4ـ وإخلاص الدين لله معناه بالحساب العددى أن يكون الدين كله 100% لله وحده .. فإذا شابت هذه النسبة الكاملة ولو 1% شائبة من شرك فقد أحبط العمل وضاعت الثمرة المرجوة معه. ولذلك فإن العقيدة الإسلامية لا تعرف التوسط، فإما إيمان كامل 100% بالله وحده وإما شرك ، يقول تعالى" فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ .." يونس 32 ، أى فإما حق وهو الله وإما ضلال وهو أى وسيط مع الله مهما تضاءل ذلك الوسيط ، ويقول تعالى : " ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ" الحج : 62 ، أى فلا توسط بين الحق والباطل .. وهو جوهر شهادة التوحيد ( لا إله إلا الله ) القائم على أسلوب القصر ، فهى إيمان كامل بالله وحده وكفر كامل بجميع الآلهة الأخرى معه.
5ـ ـ والدين – أى دين – له وجهان .. عقيدة وشريعة ، أو تقديس وعبادة . أو قلب وجوارح ، أو بالتعبير القرآنى ( دعاء) و( عبادة) فالمؤمن الحق لا يدعو إلا الله أى لا يتوسل إلا به ولا يقدس غيره ، والمؤمن الحق لا يعبد إلا الله ولا يتدين إلا لله ، أى فهو مخلص فى دعائه لله مخلص أيضا فى عبادته له ، فكما قال الله تعالى " أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ،" قال " فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (2) "الزمر . وقال " قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ– قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي " الزمر : 11 : 14 وقال عن العقيدة أو التوسل أو الدعاء " وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ " الأعراف : 29 ، وقال " فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14) – هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65)" غافر :14 ، 65 .وإذا أخلص الإنسان فى دعائه أو عقيدته لله وحده ، وإذا أخلص فى عبادته لله وحده فلن يكون هناك مكان للبدوي أو لغيره فى قلبه أو جوارحه.
6 ـ أما الآخرون فقد زين لهم الشيطان أعملهم " ويحسبون أنهم مهتدون " ، " ويحسبون أنهم على شىء " " ويحسبون أنهم يحسنون صنعا " ، وأولئك لا تستقيم فى نظرهم عبادة الله وتقديسه إلا إذا ارتبط ذلك بعبادة الولي وتقديسه، فإذا دعوتهم للدين الخالص كفروا ، ويوم القيامة يؤنبهم ربهم فيقول " ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ " غافر : 12 ، فهم لا يعبدون الله إلا إذا وضعوا حوله ثلة من الأولياء المقدسة ولا يؤمنون به إلا إذا أشركوا بعبادته غيره معه ، وهذا حال الأكثرية من بنى البشر يقول تعالى " وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ " يوسف :106 .
7ـ وقد افتقر الجاهليون العرب لهذا الإخلاص فى الدين ، فجعلوا للأولياء نسبة فى اعتقادهم ، مع أنهم يؤمنون بالله تعالى ربما إلى درجة تفوق إيمان الصوفية بالله .
فالعرب فى الجاهلية كانوا يؤمنون بأن الله تعالى هو الخالق للسماوات والأرض والمسخر للشمس والقمر، وأنه هو الذى أنزل المطر فأحيا به الأرض بعد موتها ، يقول تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ؟ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّا يُؤْفَكُونَ .. وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا ؟ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (63)) العنكبوت : 61 : 63.
وهم يؤمنون بأن الله تعالى هو خالقهم كما هو رازقهم (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ) الزخرف : 87 ،بل أنهم يقرون بأن لله الأرض ومن فيها والسماوات السبع والعرش العظيم ، وإن لله وحده الملكوت والتحكم فيه بحيث يجير من يشاء ولا يستطيع أحد أن يجير عليه فى ملكه، يقول تعالى (قُلْ لِمَنْ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ؟ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ : قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ؟ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِالسَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ؟ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ،قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ ؟ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ؟ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّا تُسْحَرُونَ )المومنون :84 : 89.
ويلاحظ أن القرآن الكريم اتخذ من إيمانهم بالله حجة عليهم وأمر الله رسوله بأن يحاججهم ويسائلهم عمن خلق السماوات والأرض والبشر وأنزل الرزق وعمن بيده ملكوت كل شىء وهو يجير ولا يجار عليه وأخبر تعالى بصيغة التأكيد بأنهم سيقرون ويعترفون بأن الله تعالى هو وحده الخالق الرازق المسيطر وعبر عن التأكيد بقوله تعالى (ليقولن) ثم يختم الآيات بالتعجب والاستهزاء بهم حين يتمسكون مع ذلك بأوليائهم وآلهتهم..
وأصحابنا الصوفية من أتباع البدوي يؤمنون بالله كخالق للسماوات والأرض والشمس والقمر ومصدر للرزق والخير ، ويؤمنون أيضا بالبدوي وتصريفه وشفاعته ومكانته . كما كان الجاهليون يؤمنون باللات والعزى ومناة وهبل ، وكما كان المصريين القدماء يؤمنون بأزوريس وإيزيس وحورس وآمون ورع مع أنهم يقرون بألوهية الله تعالى .
8 ـ والقرآن الكريم أشار إلى معرفة المصريين بالله تعالى ففى قصة يوسف ورد أن النسوة حين رأين يوسف عليه السلام (وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ ) يوسف31وحين استجوبهن الملك (قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ ) يوسف 51 . وقولهن ( حاش لله) فيه تعظيم لله وتقديس ، بل إن امرأة العزيز نفسها نلمح فى اعترافها صدق المؤمن التائب حين قالت أمام الجميع (قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)) يوسف . وهم مع هذه المعرفة بالله كانوا يعرفون الأرباب الأخرى معه يقول يوسف عليه السلام لصاحبيه فى السجن (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39)؟) يوسف 39.
ويقول أرمان فى كتابه (ديانة مصر القديمة ) ( ومما يبعث على الدهشة أن المصريين كثيرا ما تحدثوا – علاوة على آلهتهم المعينة- عن إله عام .. فمثلا يقولون : ( ما يحدث هو أمر الله ) ، ( وصائد الطيور يسعى ويكافح ولكن الله لا يجعل النجاح من نصيبه) و ( ما تزرعه وما ينبت فى الحقل هو عطية من عند الله ) و ( من أحبه الله وجبت عليه الطاعة)و( الله يعرف أهل السوء) ويعقب أرمان بقوله ( هؤلاء القوم الذين كان هذا هو شعورهم وحديثهم لم يكونوا بمنأى عن العقيدة الحقة ولو أنهم فى واقع الأمر تعلقوا أيضا بدينهم الموروث وبقوا عباداً أمناء لإلهتهم ) [1].
9 ـ فالمصريون القدماء والعرب الجاهليون والصوفية عرفوا الله تعالى وعرفوا معه غيره من الأولياء والآلهة ..وقدسوا الله وقدسوا معه غيره ، وعبدوا الله وعبدوا معه غيره، وهذا ينافي عقيدة التوحيد التى تتطلب الإخلاص التام فى دين الله وحده والكفر بكل الآلهة المعبودة مع الله ، والتوحيد أو الإخلاص هو الايمان الكامل أو كما قلنا هو الإيمان بالله وحده وقصر الدين عليه بنسبة (100%) .وعدا ذلك فهو إيمان ناقص ، وهذا الايمان الناقص لا يجدى يوم القيامة أو يوم الفتح ، يقول تعالى بصيغة العموم عن الكفار فى كل زمان ومكان (قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ) السجدة 29، فالذين كفروا لديهم إيمان ولكنه لا يغنى ولا ينفع لأنه إيمان ناقص بالله ، إيمان يقل عن نسبة 100% ، إيمان مشترك بالله وبغيره من الآلهة والأولياء، والله تعالى لا يقبل هذه الشركة فهو أغنى الاغنياء عن الشرك ، ويوم الحساب لا ينفع الكافرين هذا الإيمان الناقص الملوث .
أ- تأليه البدوي :
يبدأ تأليه إنسان ما برفعه فوق مستوى البشر ، ولا شك أن الأنبياء والرسل هم صفوة الخلق وخيرة الله فى خلقه ، ومع تميزهم بالنبوة والتزكية والاجتباء فهم بشر كسائر البشر (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) الكهف 110، (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) الأنبياء 7. فهم رجال .. وهم بشر ولكن يوحى إليهم .
فبالوحى تميز الرسول عن باقي قومه .. وخصوصيات الرسل من وحى ومعجزات سنعرض لها فى موقع المقارنة بتصريف البدوي المزعوم وخصوصياته ، وإنما نؤكد هنا أن خصوصيات الرسل لا ترفعهم فوق مستوى البشر ، فهم بها بشر يسري على ما يسري على سائر البشر من احتياج للخالق تعالى ، وعجز عن مواجهة نواميسه فى الكون من مرض وموت ومصائب وأحزان ، وكل ما هنالك أن تلك الخصوصيات فضل من الله لهدف معين هو خدمة الدعوة والرسالة.
أما التأليه أو إضفاء صفات الألوهية على شخص بعينه فمعناها أن تلصق به صفات الله تعالى ورفعه فوق مستوى الأنبياء وإمكاناتهم حسبما أورده الله تعالى فى كتابه العزيز..
فإلى أى حد كان تأليه البدوي ؟ لنستعرض معا عناصر تأليههم له معتمدين فى الأساس على كتاب عبد الصمد الجواهر السنية.
1- الصفات الإلهية:
لقد مر بنا أن الإسلام يحرّم تزكية الآخرين بصفات الصلاح والتقوى وأكثر منه حرمة وجرماً أن تزكىشخصا بصفات إلهية فهنا خروج كامل عن دائرة الإسلام ، وفارق بين المعصية العادية فى إطار الإسلام وبين الوقوع فى جريمة الشرك المحبطة للأعمال الصالحة ، وذلك ما وقع فيه الصوفية حين زكوا البدوى بصفات إلهية نكتفى منها ما أورده عبد الصمد فى مقدمة كتابه عن البدوى يقول ( أحببت أن أتوسل لبلوغ مقصدى من الجانب الشريف الأحمدى بجمع شىء من الرسائل والقصائد على أحسن الأشكال سعيا بذلك فى مرضاة الدال على تلك الطريقة ، عين أعيان أهل الشريعة والحقيقة سيد طائفة الأولياء من القرن السادس إلى هذا الحين وصاحب الفضل على أهل المشارق والمغارب ذى الفضل المبين سند السالكين سيد الواصلين قدوة العاشقين عمدة العارفين ، صاحب المقامات العالية ، صاحب الأسرار البهية سيد سادات الصوفية صاحب الكرامات الظاهرة والبراهين الباهرة الفرد الجامع والأسد القامع والنور المشرق الساطع الأستاذ الأعظم والغوث الأفخم والملاذ المقدم والشيخ الأكرم والقطب النبوي والبحر الذى منه الأنام ترتوى سيدى أبى العباس أحمد البدوي) فالبدوي فى اعتقاده هو ( سيد طائفة الأولياء وسيد الواصلين وسيد سادات الصوفية ) فإذا كان أولئك أولياء لهم تصريف ومعجزات وشفاعات وبهم يتوسل الناس ويتخذونهم أرباباً فالبدوي على ذلك هو ( رب الأرباب) فى اعتقاد عبد الصمد ، أو ( قطب الأقطاب) فى اعتقاد الجميع ، والبدوي أيضا ( صاحب الفضل على أهل المشارق والمغارب) أى صاحب الفضل على الكرة الأرضية بدءا من الصين ومنغوليا شرقا إلى أمريكا والاسكا وأمريكا الجنوبية غربا . ولم يبق لله تعالى شىء من الفضل يمتن به على عباده فقد استحوذ البدوي على كل الفضل ، كيف لا وهو ( البحر الذى منه الأنام ترتوى ) على حد قول عبد الصمد ، ثم هو ( الأعظم) و( الأكرم) و( الغوث الأفخم ) الذى يستغيث به الناس وهو أفخم من يغيثهم وحينئذ فلماذا يحتاجون لله.؟؟
ويقول عبد الصمد أنه أحب أن يتوسل لبلوغ مقصده وحاجته( من الجانب الشريف الأحمدى ) بكتابة هذا الكتاب ، ويقول بعدها ( وشرعت فى ذلك راجياً من فضل جوده وكرمه قبول تلك الخدمة مع علمى بأني لست من ذلك القبيل ولا أستطيع أن أسلك إلا بتوفيق الله ذلك السبيل وأن الخطأ على مسلط والى فى بحر السهو والغلط مخبط) فعبد الصمد يتقرب إلى إلهه البدوي بهذا المؤلف ويقر بالتقصير ويعترف بالذنب إذا وقع منه خطأ فهو –أى عبد الصمد – كبشر مسلط عليه الخطأ والسهو فلعل إلهه يتجاوز عن ذلك الخطأ والسهو غير المعتمد خصوصا وأن صفات البدوي لا يحصيها العد ولا تقع تحت إحصاء كما يقر بذلك بنفسه حين يقول ( وصح فيه قول بعض محبيه فى وصف كمالات معاليه:
كيف السبيل لمدحه بعدما وصفوا علاه بأنه لا يوصف [2]
وقال عابد آخر للبدوي [3]:
أيا بـدوي العـزم ياذا المــــــــــــــــــــــــــــــلثم ويا واحد الأقطاب ياذا المــعظم
ويا باب رب العرش يا أحمد الورى ويا ســــــــــــيـدا عند النبي مقــــــــــــــــدم
ويا ناصر المظلوم من كل ظـالم ويا من له الأصل العلى المكرم
ويا حاكما بالحق فى كل وجـهة أأظلم فى أرض بها أنت تحكم؟
وقد سمى سبحانه وتعالى ذاته المقدسة بالأسماء الحسنى وجعل من شعائر عبادته أن يرددها المسلم فى خشوع واخبات يقول تعالى (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) الأعراف 180 ، ومعنى ( يلحدون فى أسمائه) أى يطلقون أشباهها على أوليائهم وألهتهم وأولئك سيجزون ما كانوا يعلمون ، فشأن المشركين فى كل زمان ومكان – والصوفية منهم – أن يطلقوا على أوليائهم وألهتهم الصفات الإلهية التى اختص الله تعالى بها ذاته المقدسة يقول الغزالي ( إن سالك الطريق إلى الله تعالى قبل أن يقطع الطريق – أى الصوفي فى بدايته- تصير الأسماء التسعة والتسعون أوصافا له ) [4] أى أن الصوفي فى بدايته يوصف بأسماء الله الحسنى التسعة والتسعين كالخالق البارىء المصور العزيز الجبار، وإذا كان ذلك حال الصوفى المبتدىء فكيف بالبدوي قطب الاقطاب ، وصدق الله العظيم (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) . .
وقد كان الجاهليون يطلقون على أوليائهم أسماء مختلفة كاللات والعزى ومناة وذى الخلصة وغيرها، وقد نبه سبحانه وتعالى على أن مصدر هذه الأسماء انما هم أتباعها الذين يطلقون الأساطير والمسميات ثم يصدقونها ويعتقدون أن ذلك اختيار الله تعالى، يقول تعالى (أَفَرَأَيْتُمْ اللاَّتَ وَالْعُزَّى . وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى . أَلَكُمْ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى ؟... إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ ..) النجم : 19: 20، 23
وفى مصر القديمة كان للمصريين غرام بإطلاق شتى المسميات على الآلهة ولكل منها تخصص معين ، ويوسف عليه السلام قال لصاحبه فى السجن (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ؟ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ) يوسف :39 ، 40.
وأرجع الصوفية للمصريين هذه العادة فلكل صوفي لقب يسمى به ويصبح علما عليه لا يعرف بدونه ، فإذا قلت لأحد الصوفية مثلا من هو أحمد بن على بن ابراهيم ؟ لن يعرف ..مع أن ذلك هو الإسم الحقيقي للبدوي ، فالبدوي لقب لذلك المسمى بأحمد بن على بن ابراهيم ، وله ألقاب أخرى كالسيد وشيخ العرب والملثم وأبى الفتيان والعطاب وقطب الرجال وأبى فراج ومجيب الأسرى وندهة المنضام .
ويلاحظ أن بعض هذه الأسماء تضمنت تخصصات معينة لتصريف البدوي المزعوم فى ملك الله ، كقولهم (مجيب الأسرى ) أو (العطاب) وكان المصريون القدامى يصفون آلهتهم بتلك الصفات المتخصصة فهناك إله للحصاد وآخر للزرع وثالث للموسيقى أو الانجاب ..إلخ.
ويلاحظ أيضا أن نشاط البدوي السياسي ترك ظلاً على مسمياته كقولهم الملثم وأبى الفتيان والعطاب والصامت ، ثم يلاحظ أخيرا أن تلك الألقاب أطلقت فى عصور مختلفة فبعضها انمحى من أذهان العامة وظل لقباً مجهولاً قانعاً بمكانه فى الكتب القديمة مثل الصامت وفحل الرجال والمجذوب..
وبعضها اخترع حديثاً بعد أن زادت شهرة البدوي وعم التوسل به من دون الله كأبى فراج ومجيب الأسرى وندهة المنضام ، وبعضها ظل علما على البدوي منذ وجوده إلى عهدنا كالسيد والبدوي .
ومعلوم أننا – نحن المصريين- الذين أطلقنا على البدوي هذه الصفات وجعلناها له أسماء لكل منها دلالة معينة تعبر عن اعتقادنا نحن فيه ولا شأن للبدوي بها ، وخلف كل منها أسطورة اخترعناها وحكيناها فصدقناها وآمنا بها ، ثم بعد أن نشأنا عليها صغاراً وكباراً وتوارثناها جيلاً عن جيل عز علينا أن تكون مجرد أوهام وأكاذيب ، وزين لنا الشيطان أن التخلي عن هذه الأوهام إنما هو التخلى عن تراثنا وقصة عمرنا وأساس ديننا وعقيدتنا مع أنه لا سند ولا أصل لهذه المسميات وتلك المعتقدات إلا الأوهام والخرافات ولا شأن لله تعالى بها (إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ )
هذا.. وبعد إطلاق الصفات الإلهية الإجمالية يكون التفصيل والاسهاب فلا بد للولي الإله أن يكون حياً أزلياً ولا يجرى عليه الموت كباقى البشر .
2-الحياة الأزلية :
الموت نهاية كل إنسان فى الدنيا ، يستوى فى ذلك الأنبياء والكفار ، يقول تعالى لرسوله عليه السلام (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)) الزمر. فالقرآن الكريم ساوى بين نبى الله وأعدائه الكفار فى استحقاق الموت, فنفس الفعل- هو الموت- سيقع للرسول ولأبى جهل مثلاً ، وأكد وقوع الموت لهما (بإن) واسمية الجملة ، بل زاد التأكيد فى حق النبى - وهنا لفتة جميلة موجهة لنا- وزيادة التأكيد فى الموت الفعلي للنبى عن باقى البشر والكفار تتجلى فى البدء به عليه السلام فقال (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) الزمر) ولم يقل أنهم ميتون وأنك ميت ، ثم كان الخطاب موجهاً للنبى عليه السلام بكاف الخطاب (إنك ) والخطاب جاء عنهم بهاء الغيبة (وأنهم) ومعلوم أن ضمير المخاطب أعرف من ضمير الغائب ، ومن إعجاز القرآن الكريم أن يؤكد لنا موت الرسول كأى بشر ليرد بذلك على من انحرف عن الصراط المستقيم فادعى أن الرسول حى فى قبره كما يهرف الصوفية دائما فى مناماتهم.
وقد حرص القرآن الكريم على أن يؤكد أن المشركين دائما يعبدون الأولياء الموتى ويعتقدون فيهم النفع والحياة الأزلية فى القبور ، يقول تعالى (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)) النحل ، فهذه الآلهة موتى لا تشعر ولا تعرف حتى ميعاد بعثها . ويقول تعالى عن تلك الآلهة الميتة التى تحولت إلى رماد وتراب فى القبور (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا (195) الأعراف .
فالقرآن الكريم يسخر من المشركين الذين يعبدون رفات الموتى ويعتقدون فيه النفع والضر ومن باب أولى يعتقدون فيه الحياة الأزلية الخالدة ،وقد رد القرآن الكريم على هذه النقطة فى موضوع آخر فقال (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ ؟)الأنبياء :34.
وفى مصر القديمة يعتقدون بخلود الفراعنة ، ولا يلبث الفرعون بعد موته أن ينضم إلى ثلة الآلهة المتحكمين فى السماء بعد أن كان متحكما فى الأرض.
ثم جاء الصوفية ونسجوا على منوال السابقين فجعلوا الخضر يعيش حياة أزلية مع أن الله تعالى يقول (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) ، ثم جعلوا من الأولياء الصوفية أحياء فى قبورهم يتصرفون منها فى ملكوت الله يمنحون و يمنعون ، وجعلوا البدوي قطب الأقطاب الحى دائما .. والشعراني أحد من روج لهذه الفرية، يقول أن شيخه الشناوي أخذ العهد عليه فى قبة البدوي بأن يحضر مولد البدوي كل عام وأن يد البدوي قد خرجت من الضريح وقبضت على يده وأن البدوي أجاب من داخل الضريح بأن سيرعى الشعراني [5]ونقل عبد الصمد عن الشعراني قوله عن الشناوي (أنه عين أعيان أتباع سيدي أحمد البدوي وهو يكلمه من ضريحه[6]) .
وقد شاع فى عصر الشعراني ادعاء الكثيرين بأخذ العهد على البدوي رأساً فى ضريحه دون الحاجة إلى السلوك على الشيوخ الأحياء كالشعراني ، فهب الشعراني يهاجم هذه الظاهرة ويعد عن المنن ( كثرة ارشادى الفقراء الأحمدية والبرهامية وغيرهم من أصحاب الخرق أن يتتلمذوا لشيخ من الأحياء ولا يتقيدوا على من مات إلا أن يكون ذلك الشيخ من يقتدى به) ويقول : ( وممن بلغنا أنه يربى مريده وهو فى البرزخ سيدي أحمد البدوي ولكن ذلك خاص بمريده الصادق الذى يسمع كلامه من القبر كسيدي وشيخي الشناوي فإنى زرت معه سيدي أحمد البدوي فشاوره الشيخ محمد على سفره إلى مصر فى حاجة فقال له سيدي أحمد من القبر : سافر وتوكل على الله، وهذا كلام سمعته بأذني الظاهرة[7]).
والشعرانى على عادته يقرر القاعدة ولكن يقصر تطبيقها على أشياخه دون معاصريه المنافسين له فى الموالد والولائم والنذور والنقوط.
وفى عصرنا الراهن لا يزال البعض يتمتع بمقدرة على الافتراء فيدعى أنه يحادث البدوي ويسجل ذلك على نفسه فى كتابه كما فعل عبد الحليم محمود فى كتابه عن البدوي فقال إن الإذن أتاه من المقصورة المباركة بأن يكتب فكتب[8]، وكما فعل الشيخ حجاب فى كتابه عن البدوي الذى ادعى فيه أن البدوي يتولى تربيته من البرزخ [9]، كأنما عجز الأحياء عن تربية الشيخ حجاب فالتمس من الأموات أن يؤدبوه.
وإقامة المولد للبدوي كان فرصة متجددة لتذكرة الناس بحياة البدوي الأزلية فى قبره يحمى الواردين إليه من شتى البقاع ويدفع عنهم أذى اللصوص، فحكى أحدهم مثلاً أنه كان مسافراً للمولد ومعه قماش فقطع عليه اللصوص الطريق(.. فقلت فى نفسى يا سيدي أحمد أنا فى دركك اليوم ، فلم يستتم منى الكلام حتى خرج عليهم فارس راكب على فرس أبيض ملثم لا يرى منه إلا عيناه فقط فطردهم حتى غابوا عنى فعرفت أنه سيدى أحمد البدوي ).[10]
وبانتشار أتباع البدوي من السطوحية وقد أصبح لكل منهم ضريح ومولد فقد أضيفت لهم الحياة الأزلية فى القبور أسوة بشيخهم ، وطبعاً كان المراد من تلك الحياة المزعومة الترويج والدعاية للموالد فيقول عبد الصمد عن عمر الشناوي الأشعث ( ومن كراماته أنه يخرج من قبره راكباً فرساً مغيثاً لمن قطع العرب عليه الطريق ويطردهم عنه ثم يرجع إلى قبره[11]ويقول عن يوسف البرلسي ( ورأوه مراراً عديدة وهو يطلع من القبر ويخلص من تعرض له قطاع الطرق [12]) ويقول عن كل من خلف الحبيشى وعماد الدين ( وله كرامات كثيرة فى حياته وبعد موته [13]).
أى أن أصحابنا أولئك لم تكن حياتهم الأزلية سدى وإنما كانوا فيها حراساً لأتباعهم متصرفين فى قبورهم .. وندخل بذلك على( التصريف ) كصفة إلهية أضافوها للبدوي وأتباعه.
- التصريف:
ومعناه الإتيان بالخوارق التى يعجز البشر عن الإتيان بها عادة .. والتصريف على أنواع منه ما يتم فى الدنيا فى حياة الولي أو فى قبره ومنه ما يتم فى الآخرة وهو الشفاعة ، وقد أضيفت للبدوي وأصحابه أنواع كثيرة من الخوارق كان يتصرف فيها فى الأحياء ( من بشر وحيوان) وفى الأرض والكون.وقد حظيت الحيونات بأهتمام واضعي الكرامات فافسحوا لها مجالاً فى أكاذيبهم ..فيقال عن الإنبابي حين رضى عنه البدوي ( وكلمته البهائم [14]) أى أن كلام البهائم لإسماعيل الإنبابي دليل الرضى السامى عنه، ومثله عماد الدين ( كان جمالاً تكلمه الجمال وغيرها من الحيونات[15]) والجمال عرفت البدوي حين اشتغل راعيا لفاطمة بنت بري فأقبلت نحوه ترحب به ( قال سيدى أحمد البدوي فلما وصلت إلى الجمال جاءت إلى وكرفت رائحتي وقبلت أقدامي وحنت حنيناً وسكبت دموعاً غزاراً[16]) وكانت الطيور والأسماك تأتى للبرلسي حين يدعوها [17].
أما الأسد ملك الحيونات المتوحشة فقد عاقبوه فى الكرامات بأن جعلوه مطية ذلولاً يركبه أحدهم إذا شاء فلا يستطيع الأسد إلا السمع والطاعة، فالبرلسي سالف الذكر كان يركب الأسد ومثله البعلبكي [18].
وبعضهم استغل كراماته فى عقد الصلح بين الحيوانات المتوحشة والأليفة فالشيخ عبد العظيم الراعي آخى بين الذئب والغنم وكلف الذئب بحراسة أغنامه ( وكان يشارط الذئاب على أن لهم منها ما يموت فقط )[19].
أما الدكروري ( فكانت الحيونات المتعادية تجتمع عنده فلا يبغى بعضها على بعض كالقط والفار والثعلب والدجاج والذئب والغنم وكان مكانه كله حيات وعقارب لا يستطيع أحد أن يجلس عنده [20]) أى أقام من موطنه محكمة عدل دولية للحيوانات على أرض محايدة .. وقيل فى الكيرواني ( كان يركب الوحوش وإذا قال لها لا تأكلي الحيوان الفلاني ويبيت ذلك الحيوان عندها فلا تكسره[21]) .
ونقم بعضهم على الذئاب والثعالب لأنها تسرق الدواجن والأغنام التى من المفروض أن يتوجه أصحابها بها إلى الموالد .. وتجلى هذا الشعور عند الشيخ وهيب البرشومي وقد ( طلع الذئب والثعلب ليأخذا الدجاج فسمرهما على الحائط حتى طلع النهار [22]) أما الشيخ سعدون فقد ( سمر الذئب كذا كذا مرة [23]) والتسمير هو شل الحركة..
والطريف أن تسمير الذئاب قريب من تسميرهم اللصوص فالشيخ نعمة كان يسمر اللصوص فى الأرض حتى يأتى الوالي فيمسكهم [24].. واللصوص كانت تتعرض للقادمين للموالد بالنقود والنذور لتسلبهم إياها كالذئاب والثعالب.
ويقول الشعراني أن أم عبد العال وضعته وهو رضيع فى معلف الثور فدخل قرن الثور فى قماط الرضيع ( فشال – الثور – عبد العال على قرنيه فتهيج الثور فلم يقدر أحد على تخليصه منه فمد سيدي أحمد يده وهو بالعراق فخلصه من القرن [25]) . والكذب فى هذه الرواية لا يستطيع أن يمشى على قدمين .. إذ يعنى أن عبد العال كان رضيعا أبان وجود البدوى فى العراق .. ولكن الشعراني يذكر فى نفس الصفحة أن البدوي كان فى العراق سنة 623 وأمره الهاتف بدخول طنطا سنة 634 وكان عبد العال – حسب رواية الأسطورة السابقة – رضيعاً لا يزال- فكيف يصبح يانعاً طفرة واحدة ومن أبرز أصحاب البدوي منذ أن دخل طنطا ؟؟
واخترع الصوفية وسيلة سريعة للانتقال بأسرع من الصوت وهى طى الأرض والوصول إلى المكان المراد بعد عدة خطوات مهما تناءت المسافة ، فحين كان البدوي فى العراق مع أخيه الحسن قرأ أخوه الحسن الاسم الأعظم وسار سبع عشرة خطوة فوصل إلى أم عبيدة [26]وفى نهاية قصته مع فاطمة بنت بري انتهز الفرصة والفقراء مشغولون فانتقل إلى مكة بخطوة واحدة ( فتولهت الفقراء وحصل لها وقت طيب فخليت الفقراء متولهين مشغولين بأحوالها وغطست من بينهم وسرت إلى مكة ولم يشعر بى أحد منهم ) [27]، وحين كان ابن الحسن يشتاق لعمه البدوي وهو فى طنطا جاءه البدوي فى المنام ( وقال يا ابن أخي إذا اشتقت إلى فاطلع على جبل أبى قبيس وقل : اللهم يا من ساق عمى أحمد إلى طندتا سقه إلى هنا) وفعل فإذا ( بكف خطفتني فى الهواء فما وعيت على نفسى إلا وأنا فى دار عمى أحمد فى طندتا على السطح فعانقته ثم قال يا حسين غمض عينيك فغمضت عينى وإذ أنا على جبل أبى قبيس كأنى لا رحت ولا جيت) [28]، ويروى عبد الصمد أن البدوي أنتقل من مكة إلى طندتا فى إحدى عشرة خطوة [29]وهى بلا شك نزهة جميلة أن ينتقل الإنسان من قطر لآخر فى بضع خطوات ، ولكن – مع الأسف الشديد – فإن بعض الروايات توحى بأن البدوي وصل طنطا وآثار الإجهاد بادية عليه وعيناه منتفختان حتى أنه طلب من عبد العال – فى بداية تعرفهما وأثناء مروره على بلده فيشا – طلب منه بيضة ليضعها على عينيه ، ودخل دار ابن شخيط وآثار الإرهاق واضحة عليه حتى لقد أفزع بمنظره النسوة التى رأينه فأنكرنه وصحن أعوذ بالله إن هذا إلا شيطان رجيم .
والمؤسف أنه فى الوقت الذى أشغل فيه الصوفية الناس بكرامات الخطوة وأهل الخطوة كانت أوربا تخترع البخار والقوى المحركة بعد أن وضعت عن كاهلها تحكم الكهنة والكهنوت فى الكنيسة.
نعود للبدوي وأصحابه ونقول إن كرامة الطى أو الخطوة قد أضيفت أيضا إلى قمر الدولة حين هرب من عبد العال ولحقه عبد العال عند بئر( فدس سيدي قمر الدولة فرسه فى البئر فغطس فيها تحت الأرض حتى طلع من بئر ناحية نفيا ) [30].
وإذا كانت أوربا قد اخترعت وسائل للانتقال تقارب سرعة الصوفية فى الطى والخطوات .. فإن أوربا لا تزال عاجزة عن اختراع آخر سبق به الصوفية ، وهو عكس الطى أو تجميد الحركة وتضيع أثرها بحيث يظل الشخص يسير فى مكان واحد مهما قطع من مسافات . وقد استعمل الحسن أخو البدوي هذا السلاح العجيب مع الظاهر بيبرس حين أضافه الحسن رغم أنفه ولكن بيبرس صمم على الرحيل بدون إذن يقول( فتعشيت عند الشريف حسن ثم غافلته وركبت هجينى وسرت ليلى كله إلى الصباح وقلت فى نفسى أنا قطعت بلادا بعيدة فلما أصبحت رأيت نفسى فى بيت الشريف حسن كأنى لا رحت ولا جيت ) [31]وفعلوا نفس الشىء مع اللصوص فأحدهم سرق ثوراً للشيخ وهيب ( ومشى به من بعد العشاء إلى الصبح فنظر فإذا هو دائر حول البلدة لا يتعداها فمسكه الناس [32].
وإلى جانب طى الأرض وبسطها كان البدوي يخسف الأرض إذا أراد وقد فعل ذلك بفاطمة بنت بري وفرسها فغاصت بهما الأرض وظلت تستنجد بأهلها دون جدوى ثم عفا عنها البدوي فخرجت بفرسها من الأرض [33].
وتصرف البدوي فى البشر كما يحلو له فكان يميت من يشاء من الأحياء ويحيي من يشاء من الأموات . فادعوا أن من امرأة استغاثت به ليحيى ولدها الذى مات ( فمد سيدى أحمد البدوي يده إليه ودعا له فأحياه الله تعالى ) [34]وقال بعضهم فى ذلك مادحاً .
أنت أحييت ميتاً بعد أن قد فتك الدود لحمه والبلاء [35]
والبدوي يميت من يتعرض له من الأحياء كما فعل مع معارضيه فى العراق فقد قال لهم موتوا فوقعوا على الأرض قتلى ، ثم قال : قوموا بإذن من يحيى الموتى ويميت الأحياء فقاموا [36]، ومع أن الجمال – جمال فاطمة بنت برى – رحبت بالبدوي بدموعها إلا أنه استعرض معها كراماته فأماتها ليغيظ فاطمة بنت برى ( قلت فى خاطري أقضى أربى من فاطمة بنت برى فالتفت إلى الجمال وقلت لها موتي بإذن من يحيى الموتى ويميت الأحياء فمات الجميع [37]) .
ووصل سلطان البدوى للجن فأمرهم ببناء زاويته بعد أن يموت حسبما يروى عبد العال أن البدوي قال له ( يا عبد المتعال أنى أمرت الملك الأحمر أن يطيعك ، قال سيدي عبد المتعال فلما انتقل أستاذي بالوفاة سألت الملك الأحمر وقلت له أرحمني من هذا الكوم قال : فأمر جنوده وكانوا يومئذ اثنى عشر ألفاً فرفعوا الكوم وبددوه فى الهواء فى أسرع من طرفة عين ) [38]..
ومن المنتظر أن توجه أساطير الكرامات لخدمة المولد وهو الهدف الرئيسى لنشاط الصوفية واهتماماتهم .. وقد مر بنا أن بعضهم كان يسمر اللصوص المعترضين لرواد المولد . وأن آخرين من الأولياء الأحمدية كانوا يخرجون من قبورهم خصيصاً لنجدة القادمين للمولد .. والواقع أن الموالد الأحمدية كانت – ولا تزال- فرصة متجددة لاسترزاق اللصوص كما هو الحال بالنسبة للصوفية ، فكلا الفريقين يسعى لاحتلاب رزقه من القادمين للمولد ومعظمهم من الفلاحين ، إلا أن طريقة الحصول على الرزق تختلف.. فبينما يقدمها الفلاحون للصوفية عن رضى وطواعية وخضوع فإن اللصوص يضطرون لسلبها منهم عنوة ، وقد رأى الصوفية فى اللصوص منافساً خطيراً فى الرزق وتهديدا عظيما للمولد ورواده فوجهوا نحوهم حربا لا تهدأ من أساطير الكرامات لتهدئة الرواد القادمين من فلاحين وتجار وجعلوا البدوي – شخصياً – يتولى حماية القادمين لمولده فيروي عبد الصمد ضمن كرامات البدوي ( إن جماعة من إقليم بلبيس أعتقدوا فى سيدي أحمد البدوي وحددوا لهم شارة يطلعون بها المولد فطلعوا فى أول سنة ونزلوا بخيمة وربطوا فرسين لهم على باب الخيمة وناموا مستأنسين بما شاع بين الناس من حفظ من يحضر المولد فجاء اللصوص ليلاً وأخذوا الفرسين فطلع أصحاب الخيل إلى الأستاذ واستغاثوا به فبينما هم جالسون إذ مرت عليهم فرس منها وعليها سرج الأخرى فتعلقوا بها ومسكوا راكبها فجاءت الفرس الأخرى ) [39]..
وكالبدوي كان تلميذه عماد الدين المدفون فى بركة الناصرية ومن كراماته بعد موته أن اللصوص أرادوا أن يسرقوا الدرب الذى فيه فمنعهم من الخروج حتى طلع عليهم النهار وقبض عليهم الوالي [40].
وفى اجتماع ضخم كالمولد الأحمدي كانت تضيع الممتلكات والأغراض ، ولم يترك الصوفية هذا الباب دون علاج فادعوا أن البدوي أرجع خاتماً ضاع لبعضهم ( ومن كراماته أن خاتم وقاده وقع فى بحر عميق فطلبه من سيدى أحمد البدوي فأتى له الخاتم فى بطن حوت اشتراه من صياد ) [41].
وقالوا إن أبا الحمائل السروي( نزل من مصر لمولد سيدي أحمد البدوي فى المركب فوقع خاتمه فى البحر فقال يا سيدي أحمد ما أعرف خاتمي إلا منك فلما دخل طندتا نفض كمه فوقع الخاتم منه ) [42].
وإذا كان البدوى قد تكفل بإرجاع الضائع ولو كان خاتما صغيرا فأولى بالزوار أن يطمئنوا على أغراضهم وحاجاتهم فهى فى أمن..
وطنطا تقع فى منتصف الدلتا وهى المركز الزراعي لمصر وكان المولد مناسبة سنوية للفلاحين من جميع الأنحاء المحيطة لطنطا شرقاً وغرباص وشمالاً وجنوباً ، ووقع على كاهل الحمير توصيل الفلاحين من قراهم بما يحملون من نذور، وكانت ساحة المولد تمتلىء بالحمير الوافدة من كل قرية ، ومن الطبيعى أن يكون المولد سوقاً رائجة لضياع الحمير أو سرقتها، ومن الطبيعى أيضا أن يتكفل البدوي – شخصياً- بإرجاع الحمير الضالة والضائعة والمسروقة لكى تطمئن النفوس وتعود (الحمير) إلى قراها بسلام لتعاود المجىء فى العام التالي ..
يقول محمد الشناوى ( ضاعت حمارة أخي الشيخ محمد فى أيام المولد فأتى إلى قبر أحمد البدوي فقال والله لا أخرج حتى تجىء حمارتي فبينما هو جالس فى قبة سيدي أحمد البدوي وإذا بالحمارة واقفة بجانب التابوت )[43]وقد روى الحلبى هذه الكرامة الهائلة للحمارة المروية عن الشناوى وأردفها بكرامات أخرى (لحمير) آخرين يقول ( ضاعت حمارة لجماعة من الرفاعية فأكثروا تأسفهم عليها ووقع منهم اللوم على سيدي أحمد فلما انقضى المولد الأحمدي فمروا على بعض القرى فوجدوا تلك الحمارة على سطح فطلبوا صاحب الدار فإذا هو رجل لا يتوهم منه السرقة ولا الموالسة فكلموه فقال : انظروا لى مرقى هذا السطح أى سلمه فإنه لا يمكن أن يرقى عليه الجدى فضلا عن الحمارة فإذا هو كذلك ولم ينزلوا الحمارة إلا بالسًلب ، ووقع أن شخصا يقال له إبراهيم الحلاب كان من أتباع الشيخ عبد المجيد الخليفة ضاعت حمارته ببركة الحاج ، فلما ضاعت جاء إلى الشيخ عبد الكريم الخليفة وقال : ضاعت حمارتي فقال الشيخ يا سيدى أحمد احتسبها عليك ، ثم جاء هذا الرجل ونام فجاله شخص فى النوم وقال له : قم لتحصل المدينة فقام فوجد الحمارة )[44].
ويلاحظ نوعا من التخصص فى حبك الكرامات فالبدوى مثلا كفارس قديم جعلوه متخصصا فى إحضار الأسرى المسلمين من عند الفرنجة ،وربما أحس أتباع البدوي بالخجل وهم يرونه مشغولاً بالصياح على السطح بينما تدور الحرب الصليبية على أشدها بين المسلمين والنصارى الأوربيين فى الشام ودمياط والمنصورة فاخترعوا أكذوبة إحضاره الأسرى المسلمين مشاركة منه فى الجهاد الديني . وبمرور الزمن وازدياد شهرة البدوي وكثرة أتباعه وزيادة العداء الدينى بين المسلمين والصليبيين ترسخت شهرة البدوى فى إنقاذ الأسرى المسلمين حتى بعد إنتهاء الوجود الصليبي فى الشام ، يروى المقدسي أن للبدوى كرامات كثيرة ( من أشهرها قصة المرأة التى أسر الأفرنج ولدها فلاذت به فأحضره إليها فى قيوده) [45].
ثم جاء الشعراني فى القرن العاشر الهجرى فأوسع – كعادته- فى مجال الافتراء بما أوتى من مقدرة هائلة على أختراع الأكاذيب وجرأة عجيبة على ألباسها ثوب الحقيقة والصدق فيقول عن نشاط البدوي المزعوم فى تخليص الأسرى ( وأخباره ومجيئه بالأسرى من بلاد الفرنج وإغاثة الناس من قطاع الطريق وحيلولته بينهم وبين من استنجد به لا تحويها الدفاتر وقد شاهدت أنا بعينى سنة خمس وأربعين وتسعمائة أسيراً على منارة سيدى عبد العال مقيدا مغلولاً وهو مخبط العقل فسألته عن ذلك فقال : بينما أنا فى بلاد الافرنج آخر الليل توجهت إلى سيدي أحمد فإذا أنا به فأخذني وطار بى فى الهواء فوضعني هنا . فمكث يومين ورأسه دائرة عليه من شدة الخطفة ) [46].
وابتهج عبد الصمد بروايات الشعراني فأوردها فى كتابه الجواهر يقول: ( .. وقال – أى الشعراني – فى الطبقات الصغرى ومما بلغنى من جماعة من أهل بيروت قالوا : أسرنا الافرنج وكنا اثنى عشر رجلاً فأقمنا فى بلاد الافرنج يستخدموننا فى الأعمال الشاقة حتى كدنا أن نموت فألهمنا الحق تعالى يوما أن قلنا : يا سيدى أحمد يا بدوي أن الناس يقولون أنك تأتى بالأسارى إلى بلادهم وقد سألناك بالنبي أن تردنا إلى بلادنا ، قالوا ففى ذلك اليوم نزلنا مركباً ليس فيها سد وقذفنا فلم يشعر بنا الأفرنج حتى سرنا فى البحر نحو ميلين فخرجوا وراءنا فلم يدركونا إلى أن وصلنا إلى بلادنا ببركة سيدى أحمد البدوي ، وقال سيدى عبد الوهاب الشعراني ومما رأيته بعيني سنة ثلاث وأربعون وتسمائة إنى كنت جالسا فى مقام سيدى أحمد البدوي فسمعت صيحة عظيمة فى منارة سيدى عبد العال آخر الليل فطلعت فإذا أسير مقيد مغلول وهو غائب اللب فنزلوا به فمكث ثلاثة أيام ثم أفاق فسألناه فقال : كنت أسيراً فى بلاد الافرنج فبينما أنا واقف على سطح إذ توسلت بسيدى أحمد البدوي فأتانى شىء فخطفنى وطار فى الهواء حتى نزلت على المأذنة فطاش عقلى من شدة الخطفة والطيران ، ففككنا قيوده وجاور فى المقام حتى مات ،قال : وحكى لى شخص آخر اسمه الشيخ سالم قال : كنت أسيراً فى بلاد الافرنج فكان الأفرنجى يقول : إن سمعتك تقول يا احمد يا بدوي ضربتك وعاقبتك ثم خاف أن يخطفني فصار ينومنى فى صندوق كبير ويقفله على بقفل وينام فوقه فقلت فى نفسي ليلة من الليالي : يا سيدى أحمد يا بدوي انجدني ، فما تم القول إلا وجاء سيدي أحمد البدوي وحمل الصندوق بى وبالافرنجي فصرت أسمع دوياً تحتي عظيماً فما أصبح الصباح إلا وأنا أسمع أصواتاً وكلاماً كثيراً ففتحوا الصندوق وأخرجونى فوجدت نفسى فى ساحل القيروان والافرنجي واقف والناس حوله يحكي لهم قصة سيدي أحمد البدوي ثم أسلم الافرنجي [47]) .
وأشهد أن الشعراني لو عاش فى عصرنا لصار أشهر كاتب للأفلام والمسلسلات بجميع أنواعها وأحجامها ، ولكن معطيات القرن العاشر كانت تعطى للشيخ الصوفى حرية القول كيفما يشاء ويتمتع بالصدق والتقديس إذ لم يكن فى العصر أى أثر لعقل أو علم ، فقد انحدر العقل إلى درجة تقديس المجانيين والمجاذيب وتضاءل العلم إلى متون صفراء وشروح باهتة وخرافات تحظى بالتصديق والتقديس ، وفى هذا الجو بزغ الشعراني وبرز ، ولم يصله بعد أن الحملات الصليبية قد توقفت منذ انهيار عكا كآخر معقل صليبي على يد الأشرف خليل بن قلاوون سنة 693 ، وأن الحركات الصليبية ضد المسلمين قد تباعدت وخفت تدريجياً وانشغلت أوربا فى القرن العاشر الهجري بصد غارات العثمانيين على شرق أوروبا ووسطها.
ونسى الشعراني أن أيامه التى يعيشها شهدت تربع الدولة العثمانية وسيطرتها على حواف البحر المتوسط من الجنوب الأوربي فى اليونان إلى السواحل الشامية والمصرية والأفريقية حتى حدود المغرب العربى ، نسى الشعراني ذلك كله وتخيل أنه يعيش فى القرن السادس حيث يؤسر المسلمون فى بيروت وما أن ينطق أحدهم باسم البدوي متوسلا حتى يطير فى الهواء إلى بر الأمان وأن أوربا أخذت حذرها من البدوي ( مجيب الاسرى ) فحظرت على الأسرى التلفظ باسمه ولكن البدوي يأتى بمجرد التوسل بالخاطر مهما اتخذ الفرنجة من احتياطات وصناديق وأقفال ومفاتيح .
لقد ظلت سيطرة الشعراني على العقلية المصرية طيلة العصر العثماني وما أورده عن كرامات البدوي قصصا تحكى نظمه الآخرون شعرا يحفظ ، وأغلب القصائد التى أوردها عبد الصمد فى ختام كتابه كانت تتغنى بكرامات البدوي وخصوصا إحضاره الاسرى ..
كقول أحدهم :
ومجىء الاسير فى كل زمان غير خاف فكم أتت أسراء
وبهذا فى كل دهر شـــــــــــــــهود بالقيود التى تراها اكتفاء [48]
والشعراني هو الذى أوحى بتخصص البدوي فى كرامة إحضار الأسرى وأنه لا يشركه أحد فى هذا المقام فيروى أن امرأة استغاثت بالشيخ المتبولي وقالت ( يا سيدي ابني أسير فى بلاد الافرنج وما أعرف مجيئه إلا منك فقال : هذه لسيدي أحمد البدوي ، ما هى لى ) [49].
وقد تابع الصوفية الأحمدية طريقة الشعراني فى التخصص فى إسناد الكرامات لأناس بعينهم حسب الوظيفة أو الموقع الجغرافي ، وهم على أى حال أقل خبرة من الشعراني فى سبك الاكاذيب وترويجها..
ولقد قلنا أن البدوي كان قد استبقى من أتباعه السطوحية نفرا للخدمة فى طنطا كالشيخ عبد العظيم الراعي للمرعى والشيخ محمد الكناس للكنس ومحمد الفران للفرن .. وقد أسند الصوفية لكل منهم كرامات فى مجال عمله ( وتخصصه الدقيق) فالشيخ عبد العظيم الراعي كان يجعل الذئاب تحرس الغنم وكانت البهائم التى يرعاها تعرف حدود الزرع بالبديهة فلا تتعداه إلى غيره ، والشيخ محمد الفران ( الذى يخبز لسيدي أحمد كان يحرك نار الفرن بيده ويخرج الخبز من الفرن بيده) أى لا تضره النار ( وكان يخبز الأردب بنحو قدحين من الوقيد [50]) أما الشيخ محمد الكناس فكان ( يكنس كل يوم مقام سيدى أحمد البدوي ومقام سيدي عبد القادر الجيلى ومقام سيدي أحمد ابن الرفاعي وعدة مقامات فى بلاد المغرب وغيره ويرجع إلى طندتا فى ساعة واحدة [51]) منتهى الهمة والنشاط أن ينظف مقامات الأولياء الموزعين فيما بين العراق ومصر والمغرب فى ساعة واحدة ، أى يقوم بمهمة الكنس من (المحيط إلى الخليج ) بأسرع من الطائرة ( البوينج) .
وكان عماد الدين السطوحي جمالاً يرعى الجمال فى مصر فكانت الجمال تكلمه، وكان الشيخ نعمة خفيراً لمدينة صفد ولأنه خفير فقد اتعبت كراماته اللصوص فكانوا ( لا يقدرون يسرقون شيئا من صفد خوفاً من الشيخ فإما أن يسمرهم فى الأرض حتى يأتى الوالي فيمسكهم وإما أن يخرج من قبره فيطرد اللصوص[52]) وطبعا يعود بعدها إلى قبره بين التصفيق والهتاف فيدخله ويقول للناس (باى باى).
وتلونت كرامات البعض بالإقليم الذى يعيش فيه فالبرلسى الذى يعيش عند بحيرة البرلس كان ( يدعو سمك البحر فيطلع له ويدعو الطير من جو السماء فتنزل إليه ) .وابن علوان اليمني حيكت له كرامة على مثال فيل أبرهه فقيل ( وجاءوا إليه بالفيل فى الزاوية وطلبوا علفه فما وجدوا إلا قوت الفقراء من الأرز فأرادوا أخذه فمنعهم الشيخ فأبوا فأشار إلى الفيل فغاصت قوائمه فى الجبل خارج الزاوية [53]) ، ولا ندري ما الحكمة فى الإغارة بفيل ضخم على زاوية للصوفية ليس فيها إلا القليل من الأرز .. فالواضح أن الهدف هو الاتيان بكرامة لابن علوان اليمنى يكون بطلها فيلاً (والسلام) . ولو كان الشعراني هو الراوية لأضاف بعض (الرتوش) و(البهارات) حتى يبتلعها القارىء وهو مغمض العينين .
تلك بعض تصريفات البدوي وأتباعه فى مخلوقات الله على الأرض ، ومن المؤكد أن البعض سيعتبر هذا الكلام ماساً (بكرامات الأولياء) التى أصبحت فى عقيدتهم جزءاً معلوماً من الدين بالضرورة . وحتى نريح ونستريح فأننا نضع بعض الحقائق التى تنفى هذه الأكذوبة الكبرى التى عشنا عليها قرونا نؤمن بها وندافع عنها مع أنها – أعنى كرامات الأولياء- هى من أساطير الشرك التى أدخلها الشيعة الصوفية فى عقائد الناس وأضلوهم بها وجعلوهم لا يفترقون فى شىء عن سائر المشركين فى كل زمان ومكان ، فشأن المشركين أن يتخذوا لهم أولياء ويضيفون لهم التحكم فى ملكوت الله والتصرف فى ملكه مع أن الله تعالى يقول (مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) الكهف : 26.
أولى هذه الحقائق: أن التصريف فى ملك الله تعالى مقصور على الله تعالى الذى لا يشرك فى حكمه أحداً وله وحده الخلق والأمر(أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ) الأعراف : 54 ، والله تعالى يعبر عن تصرفه فى الكون بالإيجاد والعدم بلفظ (كن) أى أنه تعالى إذا ما قال للشىء (كن) فسرعان ما يكون ، ( وفى بداية كل شىء كانت الكلمة) أى (كن) ، وهذه الكلمة (كن) لا يقولها قادراً على تجسيدها واقعا حياً إلا الله تعالى ، لذا كان أسلوب القرآن الكريم فى التعبير عن أسلوب قصر ( بإنما) أى يقصر القول بها وتحقيق معناها على الله وحده .. وأقرأ قوله تعالى (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) النحل 40 ، سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) مريم : 35 ، (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) يس: 82 ، فمنه وحده الأمر والقول والفعل ..وفى ذلك كله لا يشرك فى حكمه أحداً ، وهو وحده المسيطر على خلقه وما من دابة على وجه الأرض إلا وهو آخذ بناصيتها ، فيستحيل أن يكون من بين خلقه من غير الأنبياء من يأتى بخوارق.
وثانى هذه الحقائق : أن الله تعالى أرسل للبشر من لدنه رسلا يدعونهم للتوحيد .. وقد قص علينا بعض أولئك الرسل إما بالاسم أو الوصف والأحداث دون الاسم ، وكتدليل على صدق أولئك الرسل فى الإخبار عن الله عز وجل فقد أيدهم بالمعجزات والخصوصيات ليقتنع أقوامهم بصدقهم فى الإخبار عن الله .
ومع أن الرسول مؤيد بالمعجزة إلا أنه ليس مصدرا لها فهى من عند الله وهو – تعالى – الذى يملك التصريف والتوقيت للمعجزة التى يجريها على رسوله .. بل أن بعض الرسل كموسى عليه السلام حين شاهد معجزته جرى خوفاً ورعباً (وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لا تَخَفْ ..) النمل :10 ، (وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ ..) القصص : 31.
فالرسول – أى رسول – لا يملك أن يأتى بمعجزة وقتما يشاء يقول تعالى (وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ) الرعد : 38 وغافر 78 ، والرسل تعلن ذلك صراحة لأقوامهم (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ .. ) إبراهيم : 11 فالرسل إذا طلبت منهم معجزات يعلنون أن مردها لله وحده الذى يملك الفعل والتوقيت ولا شأن لهم بأيهما .
وإذا كانت المعجزات خوارق يعطاها بعض الرسل للتحدى وكدليل على صدق النبي فإن الخصوصية خوارق تأتى للرسول نفسه لإنقاذه من أزمة ما كإنقاذ إبراهيم من النار وإنقاذ يونس من الغرق وإنقاذ الرسل الآخرين كهود وصالح وموسى وشعيب مما أصاب أقوامهم من تدمير وعذاب وإهلاك . وقد تأتى الخصوصية دلالة على التنعم والرضى كتسخير الجان والريح والملك لسليمان .. وقد تأتى الخصوصية للتطمين كحادث الإسراء لمحمد عليه وعلى الأنبياء الصلاة والسلام .. لذا فإن الله تعالى حين قص حادث الإسراء ختمه بقوله ( .. لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)) الأسراء : 1 ، أى ليريه هو لا ليري قومه.
وبعض الخصوصيات قد تضم إلى جانب النبى بعض أصحابه – وهم أنبياء لم يذكر القرآن لهم اسماً – مثل إحضار عرش بلقيس على يد الذى عنده علم الكتاب تكريما لسليمان عليه السلام ، فالواضح أن (الذى عنده علم من الكتاب ) نبي كسليمان ..والله سبحانه وتعالى لا يعطي علمه اللدني إلا للأنبياء فقط فكل نبى لابد أن يؤيده الله تعالى بعلم من لدنه (الوحي ) ..والقرآن الكريم وصف كثيرين بالنبوة دون إخبار بالاسم كقوله تعالى (إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ..)يس :14 ووصف البعض بمستلزمات النبوة من العالم اللدني والتصريف كصاحب موسى (فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً )الكهف :65 ، وكصاحب سليمان (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ .. )النمل :40 ، فالقرآن الكريم ليس إلا كتاباً فى الهداية وما يستنتبعها من تشريع ووعظ وأحكام وسمعيات إلخ ..وهكذا فمع أن القرآن أخبر أنه ما من أمة إلا وقد خلا فيها نذير (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ)فاطر :24 ،إلا أنه لم يقص علينا إلا بعضهم فقط (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ..) النساء 164 ،وبعض الرسل الذين ردد ذكرهم فى القرآن الكريم- كما سبق قوله- ذكروا بالوصف فقط فالعبرة هى بالنتيجة وهى ترسيخ عقيدة الاسلام .
وقد قال تعالى عن عيسى عليه السلام وأمه العذارء (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ..)الأنبياء91 ،فعيسى فى حد ذاته معجزة لخلقه بدون أب والعذراء معجزة لحملها بدون زوج، وصاحب هذا الإعجاز – أى ولادة عيسى – كثير من الإرهاص الذى ينبئ عن اقتراب الحدث العظيم ،فكان أن رزق زكريا عليه السلام بولد وقد بلغ من الكبر عتيا ..ثم توجهت الأنظار إلى مريم بفاكهة الشتاء والصيف وهى فى محرابها. فكل ذلك أرهاص ينبه الاذهان لمجئ عيسى ويضاف للخوارق التى صاحبت مولده وكلامه فى المهد إلى أن بعث رسولاً ..ولم يكن مقصوداً بها أن تكون معجزات للتحدى فقد بدأت معجزات التحدى حين بعث إلى بني إسرائيل (وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ)آل عمران 49.
وثالث هذه الحقائق :إن مبعث محمد عليهالصلاة والسلام كان عهداً جديداً فى عالم النبوة والمرسلين ، فقد جاء رسولاً عالمياً لكل البشر منذ مولده وحتى قيام الساعة فى كل زمان ومكان،بل وللجن أيضا ، وكان الرسول قبله يرسل إلى قوم بعينهم فى مكان بعينه فى زمان بعينه ،لذا كان حتماً أن تختلف الآيات أو المعجزات لاختلاف الظروف ،فالمعجزات السابقة كانت مناسبة لظروف النبى وقومه أى كانت حسية محلية تنتهى بنهاية القوم الذين يطلبونها من الرسول ..ثم يصاحبها إهلاك القوم ، ومجىء رسول آخر تتجدد معه نفس القصة إلى أن ختم النبوة بالرسول الخاتم عليه وعليهم الصلاة والسلام ، ولأن الرسول بشر كسائر البشر محكوم عليه بالموت ، ولأن رسالته يجب أن تبقى فلا بد أن تكون معجزته على نفس المستوى أى معجزة عقلية عالمية مستمرة إلى قيام الساعة ، وهنا يكون إهلاك القريشيين أمرا غير وارد مهما تعنتوا فالرسالة ليست موجهة لهم فقط وإنما للعالم كله وإلى النهاية فكان القرآن المعجزة الوحيدة لمحمد عليه السلام بدليل قوله تعالى عن القرشيين وطلبهم معجزة حسية (وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ.. ..العنكبوت 51 ، وقد بين سبحانه وتعالى أن المعجزات الحسية السابقة لم تأت بنتيجة مع الأقوام السابقين فكانوا يصرون على طلبها ثم حين تأتي يكذبون بها فامتنع لذلك الإتيان بآية حسية لمحمد عليه السلام . يقول تعالى (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً) الإسراء 59 ، وبين تعالى أن القريشيين لنيؤمنوا مهما جاءتهم آياتإِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ (97)) يونس . حتى لو أصعدهم الله إلى السموات فعرجوا فيها لقالوا إن ما نراه إلا وهم وسحر (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنْ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15)) الحجر ، وهكذا فعالم الخوارق والمعجزات الحسية قد انتهى بإنزال القرآن كمعجزة عقلية يتحدى بها الله تعالى كل عصر بخصائصه ، تحدى به العرب بالفصاحة ويتحدى به القرن العشرين بعلمه ومكتشفاته..
وسيظل القرآن الكريم معجزاً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ..
ونخلص مما سبق إن الله تعالى قصر التصرف فى الكون بالإعجاز والخوارق على ذاته المقدسة وأنه منح بعض الرسل بعض الخوارق تأييداً لهم وتأكيداً على أنهم صادقون فى الإخبار عنه تعالى ، وأن تلك الخوارق أو المعجزات أو الآيات إما أن تكون خصوصيات الرسل أنفسهم وإما أن تكون معجزات تجرى على الرسل وموجهة إلى قومهم المكذبين ليصدقوا ويؤمنوا ، وأن الرسل لا شأن لهم فى أحداث المعجزة أو الاختصاص أو فى توقيت أيهما ، وأن بعض المحيطين بالرسل – وقد يكونون رسل هم الآخرون – قد شملتهم ظهور المعجزة أو الاختصاص عليهم تأييداً لنفس الرسول الذى يحيطون به ، وفى النهاية فإن المعجزات الحسية قد انتهى عصرها بالنبي الخاتم حيث دخلت البشرية فى عهد جديد ارتقى فيه العقل البشرى وتضاءلت فيه المسافات بين التجمعات البشرية وتهيأت الدنيا لمعجزة جديدة تجمع بين العقلية والعلمية والعالمية ، وتمثلت تلك المعجزة فى القرآن الكريم . وليس بعده إعجاز كما ليس بعد محمد من نبى .
ويكفىي فى إعجازه أنه فضح ويفضح المشركين فى كل عصر مهما تستروا خلف أسماء وصفات ، ومهما ادعوا الإسلام كذباً وافتراء ، وينطبق ذلك على الصوفية والشيعة ، حين كرروا مقالة المشركين السابقين فى اتخاذ أولياء لهم وأضفوا عليهم التصريف فى كون الله تعالى تحت اسم (الكرامات) ، وسيرة الرسول عليه السلام تؤكد أنه كان أحوج الناس إلى تلك الكرامات حين أوذى فى مكة ، وحين هاجر منها يتعقبه المشركون لقتله، وحين هزم فى أحد ، وحين يستعد فى كل غزوة لقتال الأعداء بالتخطيط والتجهيز وجمع المعلومات والمشاركة بنفسه بالقتال ، أين كان الرسول من (أهل الخطوة) وهو يعانى من مطاردة المشركين فى طريقه الطويل من مكة إلى المدينة ؟ وأين كان الرسول عليه السلام من كرامات ( تسمير الأعداء) و(إماتة الأحياء) وهو يدافع عن نفسه بالسلاح وقد أحاط به المشركون فى (أحد) و(حنين) ؟ ثم لماذا كان التعب فى الإعداد والتخطيط وكتمان التحركات حين كان يسير لغزوة من غزواته إذا كان قد أيده الله بمعجزات حسية وقتما يشاء.؟؟
فالرسول عليه السلام صاحب رسالة ودولة تواجه مكائد الأعداء وعليه مهمة توطيد الدعوة ومواجهة الأخطار قبل أن تحاصره فى عاصمة دولته .. ومع تلك المسئولية الضخمة فقد قام الرسول بالمهام كلها بجهده البشري مع أتباعه المؤمنين وتوفيق الله فى النهاية ، وحين كان يخطىء أو ينهزم كان ينتظر التصحيح والتوجيه من الله العلى القدير .
أما أصحابنا من أتباع الآلهة والأولياء فقد أضفوا عليهم التصرف فى ملك الله دون داع اللهم إلا اعتبارهم آلهة .ولابد للآلهة – طبعاً – مادامت آلهة فى اعتقادهم أن تحظى ببعض التصريف فى الملكوت وذلك برضى الله تعالى وتأييده كما يزعمون ، وليس لهم سند أو دليل إلا الافتراء والتزييف.
وواقع الأمر أن ما يدعيه الصوفية والشيعة للأولياء والأئمة هو عين ما كان يهرف به العرب الجاهليون عن آلهتهم . وهو ما كان القرآن الكريم ينفيه نفياً باتاً ، يقول تعالى (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً (3)) الفرقان ، ومن إعجاز القرآن الكريم فى هذه الآية أنه قال عن تلك الآلهة التى يتخذونها ويدعون أنها تحيي وتميت إنها فى حقيقة الأمر مخلوقة ..أى مخلوقة من أساطير وأكاذيب لا تمت إلى الواقع بصلة. وحين نطبق ذلك على (السيد البدوي ) الذى يحيى ويميت ويخسف الأرض نجد أنها أكاذيب مختلقة من وضع الأتباع لا تمت لحقيقة (أحمد بن على بن ابراهيم بن محمد ) الذى أعطوه ألقاب ( السيد ، البدوي ، ندهة المنضام وأبو فراج ، مجيب الأسرى ..إلخ ) وربما كان لا يدري عن تلك الألقاب المستحدثة شيئاً ، وأضافوا له خوارق الإحياء والإماتة والنفع والضر وهو لا يملك لنفسه – فضلا عن غيره- ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا.
والمشركون دائما وهم يحيطون آلهتهم بأساطير التصرف والتحكم فى ملكوت الله يستخدمونها فى إخافة من يتصدى لحرب تلك الأكاذيب ، وقد واجه الرسل هذه الحرب النفسية بمنتهى الإيمان والثقة فى أن تلك الاشاعات والأضاليل إنما هى من نسج المشركين أنفسهم اختلقوها ونشروها وصدقوها وأخافوا بها من يفكر فى الاعتراض. وعلى مدى القرون التى قضاها نوح عليه السلام فى دعوة قومه لنبذ تلك الآلهة فإنه اضطر فى نهاية الأمر إلى إعلان تحديه السافر لكل تلك الآلهة ودعا المشركين صراحة إلى الاتحاد معاً بآلهتهم وتصريفها لإلحاق الأذى به إن استطاعت هذه الألهة شيئاً .. واقرأ معنى ذلك فى قوله تعالى (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ.) يونس :71.
وقوم عاد اتهموا نبيهم هود بأن آلهتهم مسته بسوء فأشهد الله على كفرهم وأعلن براءته من ذلك الاعتقاد وتحداهم أن يحاولوا مع آلهتهم ما استطاعوا له كيدا يقول تعالى (إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ..56) هود .
وحين حاج إبراهيم قومه أخافوه بغضب الآلهه عليه ، ورد عليهم إبراهيم مبيناً وجه الحق بما عرف عنه من حلم ورفق يقول تعالى (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ : أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)) الأنعام .
ومحمد عليه وعلى الأنبياء أفضل التسليمات لم ينج من تلك الحرب النفسية وقد أخبر بها الله فى كتابه العزيز إذ قال (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ؟.. وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ..) الزمر :36 ، فكان كفار قومه يخوفونه بغضب اللات والعزى وهبل ومناة وقد رد عليهم القرآن مبيناً أن تلك الآلهة الأموات قد أصبحت تراباً لا يد لها لتبطش ولا عين لها لترى ولا أذن لها لتسمع وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإعلان التحدى أسوة بالرسل السابقين ، التحدى لتلك الآلهة فالله هو وليه وحاميه ووكيله ، أما تلك الأولياء فلا تستطيع أن تنصر أتباعها أو أنفسها .. وفى ذلك يقول تعالى (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلْ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّي اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ (197)) الأعراف. .
ثم جاء الصوفية يكررون مقالة السابقين ويخيفون المعترض على أوليائهم بالويل والثبور وغضب الآلهة آلهتهم المزعومة ،وقد صاغوا هذة الادعاءات فى قصص مؤثرة تخيروا لها بعضاً من الأسماء اللامعة فى التاريخ أوعزوها لبعض الشخصيات المجهولة ،والمهم أن (الحبكة الدرامية ) لها فعل السحر عند القارئ ،خاصة إذا كان عامى الفكر أو صوفياً معتقداً فى الأولياء.
وقد تولى الشعراني كبر هذه الدعوة فى القرن العاشر فاخترع كثيراً من القصص جعل البلاء ينزل فيها على من يعترض على المولد الأحمدي يقول مثلا ( أخبرني شيخنا الشيخ محمد الشناوي أن شخصاً أنكر حضور مولده – أى مولد البدوي – فسلب الإيمان فلم يكن فيه شعرة تحن إلى دين الإسلام فاستغاث بسيدي أحمد فقال بشرط أن لا تعود فقال : نعم فرد عليه ثوب أيمانه [54]) أى أن للبدوي التحكم فى خطرات القلوب ودقائق الاعتقادات ، ومن هنا يستطيع أن يجعل المعترض على مولده كارهاً فى الإسلام فإذا تاب وأقلع حببه فى الإسلام .. وغريب ما يقوله هذا الشعراني ، فالله سبحانه وتعالى الأعلى الأعظم الأقدس قد ترك حرية الاختيار فى كل قلب بشرى مسلماً كان أم كافراً ، وجعل للبشر الحرية المطلقة والاختيار التام فى النية وخطرات القلوب إلا أن الشعراني يجعل من سيده البدوي متحكماً حتى فيما رغب عن التحكم فيه المتحكم القيوم الجبار.
وإلى جانب التهديد بسلب الإيمان خوفوا المعترضين بسلب العلم ، وفى هذا العصر كان العلم لا يزيد عن كونه حفظا للمتون والنقول دون ابتكار أو تجديد أو شخصية علمية ، فكان الفقيه المتعلم يخشى على حصيلته من النصوص التى يحفظها دون فقه أو فهم ، والذاكرة البشرية معرضة للنسيان ، وقد استغل الصوفية هذا الحال المتردية فأخافوا أقزام العلماء فى أواخر العصر المملوكي وفى العصر العثماني بأنهم إذا اعترضوا على البدوي فسيعصف بما يمتلكون من حفظ ويتساوون حينئذ بأى جاهل عامى .. يقول الشعراني ( ووقع ابن اللبان فى حق سيدي أحمد فسلب القرآن والعلم والإيمان فلم يزل يستغيث بالأولياء فلم يقدروا أن يدخلوا فى أمره فدلوه على سيدي ياقوت العرشي فمضى إلى سيدي أحمد وكلمه فى القبر وأجابه وقال له : أنت أبو الفتيان رد على هذا المسكين رسماله فقال : بشرط التوبة ، فتاب ورد عليه رسماله [55]) .
والذى تعرفه مصادر التاريخ للقرن الثامن أن ابن اللبان لم يكن أبدا من المنكرين على الصوفية لسبب بسيط هو أنه نفسه كان من أبرز الصوفية الملحدين ، يقول فيه المقريزي (نسبت إليه عظائم منها أنه قال فى ميعاده فى جامع مصر أن السجود للصنم غير محرم وإنه يفضل الشيخ ياقوت العرشى شيخه على بعض الصحابة [56])وعقد له مجلس لمحاكمته وادعى عليه الفقهاء ( بأشياء منكرة من الحلول والاتحاد والغلو فى القرمطة وغير ذلك فأقر ببعضها فحكم عليه بحقن دمه [57]) كما ورد نفس الشئ فى تاريخ ابن كثير وهو معاصر لإبن اللبان – ومصادر تاريخية أخرى [58].
وقد حلا لبعض الصوفية أن يزايد على الشعرانى فأورد قصة ابن اللبان واعتراضه المزعوم على البدوي فى صورة حافلة بالتفصيلات الدقيقة ومنها أن الرسول بنفسه تشفع لابن اللبان عند البدوي فى نهاية الأمر ورد عليه العلم والقرآن والإيمان[59]أورد عليه( رسماله ) .
وفى عصر كالعصر المملوكي اضطربت فيه العقيدة الدينية بين إسلام معلن كدين رسمى وتصوف مشرك كدين عملى كانت حوادث الارتداد والاتهام بالكفر تلطخ صفحات هذا العصر ، ومن المنتظر على هذا ألا يعول الصوفية على التخويف بسلاح سلب العلم والإيمان فقط ،فاخترعوا سلاحاً أضافياً هو التخويف الجسدى وهو سلاح مضمون المفعول ، يقول الشعرانى ( وحكى لى شيخنا – الشناوي – أيضا أن سيدي أبا الغيث ابن كتلية أحد العلماء بالمحلة الكبرى وأحد الصالحين بها كان بمصر فجاء إلى بولاق فوجد الناس مهتمين بأمر المولد – مولد البدوي – والنزول فى المراكب فأنكر ذلك وقال : هيهات أن يكون اهتمام هؤلاء بزيارة نبيهم مثل اهتمامهم بأحمد البدوي فقال له شخص : سيدي أحمد ولي عظيم فقال : ثم – أى هناك – فى هذا المجلس من هو أعلى منه مقاماً ، فعزم عليه شخص فأطعمه سمكاً فدخل حلقه شوكة تصلبت فلم يقدر على نزولها بدهن أو عطاس ولا بحيلة من الحيل ، وورمت رقبته حتى صارت كخلية النحل تسعة شهور وهو لا يلتذ بطعام ولا شراب ولا منام ، وأنساه الله السبب فبعد التسعة شهور ذكره الله بالسبب فقال : احملوني إلى قبة سيدي أحمد فأدخلوه فشرع يقرأ سورة يس فعطس عطسة شديدة فخرجت الشوكة مغمسة دما فقال : تبت إلى الله تعالى يا سيدي وذهب الوجع والورم من ساعته [60]) .
ومن منا لا يقرأ هذا الكلام ولا يتحسس حلقه ، أو يحاذر من أكل السمك ؟؟ لقد وضع الشعراني أصابعه على موضع الضعف عند كل إنسان ولعب على هذا الوتر بمهارة ليخيف من يعترض على البدوي .. ويقول : ( وأنكر ابن الشيخ خليفة بناحية أبيار بالغربية حضور أهل بلده إلى المولد فوعظه شيخنا الشيخ محمد الشناوي فلم يرجع فاشتكاه لسيدي أحمد فقال : ستطلع له حبة ترعى فمه ولسانه فطلعت من يومه ذلك وأتلفت وجهه ومات بها [61]) إلى هذا الحد بلغت حدة الصوفية فى تصوير انتقامهم الشفهي ممن يعترض على مولد البدوي وسلطانه على النفوس ، وهو انتقام يعبر عما يجول فى نفوسهم وأحلامهم من حقد على خصومهم فى الرأى والعقيدة .
وجهد البدوي وأتباعه فى التآمر السياسي ترك ظلاً على ادعاءات التخويف والتهديد التى يشيعونها فكان للحكام منهما نصيب ، وقد كانت العلاقة بين الحكام والصوفية العاديين على أفضل ما يكون .. وحرم الصوفية المتشيعيون المتآمرون من هذه المعاملة .. ومع تخفف الأحمدية فيما بعد من أثقال الدعوة السياسية السرية فإن حقدهم على الحكم المملوكي الذى أفشل جهودهم – تجلى فى تخويفه بالكرامات كما يفعلون بالمنكرين، مع أن السلاطين المماليك كانوا فى الأعم الأغلب ممن يعتقدون فى الصوفية ويقبلون شفاعتهم ويقيمون لهم الخوانق والربط والزوايا .. ولكن الأحمدية وشركاءهم فيما بعد تحسبوا لأى انكار من جهة الحاكم كما كان يحدث مع أسلافهم فى عصر البدوي فعملوا على تخويفه مسبقاً فأطلقوا على وليهم البدوي لقب (العطاب) وروجوا لهذا اللقب فيقول فيه الحلبي فى العصر العثماني ( ولا مانع أن يكون عطاباً فى الحرب والنزال ثم صار عطاباً بسلب الأحوال وإيقاع السوء لمن يؤذيه [62])
واشتهر بهذا اللقب (العطاب) الشيشيني فقيل فيه ( كان عطاباً فكل من تعرض له بسوء عطب ) وقد نفخ الكاشف – أى والى المقطاعة – ( فانتفخ وارتفعت يداه ورجلاه وصار يصيح [63]) وكان محمد بطاله كثير العطب لمن يرد شفاعته من الحكام [64]، وكان للأحمدية الآخرين كالأشعث والفران بطولات وهيمة مع الحكام [65]، وقال ( أبو طرطور ) " كل فقير لا يقتل بعدد شعر رأسه من الظلمة فليس هو بفقير [66]) .
ونحن فى حيرة من هذه المقالة . فهل نفذها( أبو طرطور ) الموصوف بأن له ( كرامات كثيرة مع الحكام ) وإذا حدث فمعناه أنه قضى على الظلم فى عصره وهذا ما لم يحدث ، أم أنه (أبو طرطور) لا يعترف بوجود فقراء أو صوفية يستحقون هذا الوصف لأنهم يعجزون عن قتل حكام بعدد شعر الرأس ..لا ندري .. ماذا يقصده بالضبط أبو طرطور .. وإن كنا نعرف بالقطع أنه ناقم على الحكام كباقي زملائه فى الدعوة السرية ويعتبرهم ظلمة مع أن أولئك الظلمة يتقرب إليهم سائر الصوفية الأخرين ويحظون بنوالهم بينما يظل أبو طرطور مبعداً عن الساحة يجتر حقده وغيظه ولا يملك إلا طرطورا من الجلد .
على أن الأحمدية اهتموا بابراز عنفهم الشفهي مع الظلمة كتعبير عن رأيهم السياسى فى السلطة المملوكية فأشاعوا أن المظاليم يحتمون بقير البدوي وأن تابوته يقرقع إذا حاول ظالم أن يؤذى مستجيراً به وإن تابوت عبدالعال أحرق أحد الظلمة وأنه . ـ أى عبد العال ـ أمات الملتزم فى بلدة الشناوى [67]) .
وكان أخوف ما يخافه الأحمدية أن يتعرض الحكام للمولد الأحمدي مصدر الرزق الأساسي لديهم، وقد حدث أن السلطان جقمق أبطله سنة 852 فتوالت الكرامات فيما بعد تفسر كل المصائب فى ضوء غضب البدوي على تعطيل مولده واهتمت تلك الأساطير بعقاب من أفتى بإبطال المولد ( ثم بعد قليل حصل لكل واحد من المفتين والمتعصبين فى إبطال المولد المذكور غاية الضرر فبعض المفتين عزل من منصبه وأمر السلطان بنفيه فحصلت له شفاعة وبعضهم هرب إلى دمياط ثم أحضر وعزر ووضع فى الزنجير وحبس فى المقشرة ..إلخ ) إلى أن يقول ( فنسأل الله العافية والسلامة [68]) مع أنه من المألوف فى العصر المملوكي أن من يقترب من السلطان الحاكم فلابد له من أن يذوق النكال بعد النعيم . فهو حكم عسكرى قائم على التآمر والفتن ومن يصل إلى مقربة من السلطة فلابد برغم أنفه أن يشارك فى تلك السياسة وأن يذوق حلوها ومرها ، ولا شأن للبدوي أو مولده بما يجري من مألوف السياسة المملوكية الذى تحكيه كل صفحة فى التاريخ المملوكي .
وقد أقام الأحمدية حجراً أسود فى مقام البدوى وتبركوا به ودعوا الناس لتقديسه بدعوى أنه أثر لقدم النبي صلى الله عليه وسلم ، والإسلام ينكر أن يتوسل المسلم بالنبي نفسه لا بقدمه أو حجر مجهول الأصل ولكنها العودة للوثنية الفصيحة وعبادة الأحجار ، وفطن الأحمدية إلى ما يمكن أن يترتب على هذا العمل من إنكار متوقع فبادروا بحرب التخويف ضد من يحاول إخراج ذلك الحجر من حكام أو محكومين ، يقول عبد الصمد عن حجرهم المقدس ( وكل من زار الأستاذ يتبرك بمحل القدمين ، وسعى جماعة عند بعض السلاطين فى إخراجه من محله ونقله للسلطان ليتبرك به فأرسل السلطان جماعة من الجند يأخذون الحجر فلما هموا بقلعه صار الحجر مما لا يقدر أحد أن يأخذه وهو على الهيئة التى كان عليها قبل ذلك فخافوا وتركوه فى محله إلى وقتنا هذا [69]).
ومن المهارة فى سبك هذه الرواية أنه يقول أن ذلك السلطان المجهول الذى لا نعرف له اسماً ولا لقباً أرسل الجند لاقتلاع الحجر لا لأنه منكر يجب إزالته ولكن ليتبرك السلطان به وحده دون الناس جميعاً ، ومع ذلك فإن الحجر المقدس استعصى على ثلة الجند وأخافهم كما يدعي .
وفى الوقت الذى يخيف فيه البدوي أعداءه والمنكرين عليه فى الأساطير الأحمدية فأن أتباعه ومريديه يحظون بلحظة .. و(اللحظ) معناه العناية والمدد والعون ، أى أن البدوي ( يلحظ) أتباعه بالرعاية والعون والحفظ .وذلك طبعا ما يشيعه الأحمدية .. يقول بعضهم فى ذلك : أبو اللثامين بالالحاظ قد لحظا من حل حيه من الأسواء قد حفظا
ويقول آخر
وهو الذى للزائرين ملاحـــــــــــــــــــظ ولهم بأنواع اللـــــطائف يتحـــــــــــــــــــف
لا سيما فى المولد الزاهى الذى شمس الفضائل فيه ليست تكشف
ويقول آخر أن البدوى يمد الأولياء أنفسهم بلحظة :-
يمد الأولياء ببعض لحظ ويحمى الجار حيث الحال حالا [70]
وإذا كانت الأولياء الأخرى تستمد العون من البدوى فإن صاحبنا قد أوتى عظيما من التصرف فى الملك والملكوت .. وهذا ما يعتقده الصوفية ويعبرون عنه فى أشعارهم فيقولون عنه :-
أنت فى الكون حاكم وخصيم لعـــــــدو يعدو علاه الشقاء
أنت تعطى الزوار خير عطاء من ضريح به التقى والغناء
ويقولون :
هو الوابل الهطال عم انتفاعــــــــــــــه على الكون أحيا كل أرض جدبه،
له ينصب الكرسي فى شاهد العلا ويقضي بأمر الله بين الخليقة [71]
أى أن البدوي يتحكم فى الكون بأسره فيقسم الشقاء لآعدائه والسعادة لأتباعه ، وهو الذى ينزل الغيث فيحيى كل أرض جدباء فى الكون وهو الذى ينتصب له الكرسي فيجلس فيه ليقضي بين الخلق .
ولم يعد ثمة ما يبقى لله تعالى فى اعتقاد الصوفية الأحمدية طالما أن للبدوي فى الكون الملك والأمر.
وهكذا يقول أحدهم فيه :
أنت الذى عمت الدنيا مآثره أنت المجيب لمن فى الكرب ناداكا
ويقول آخر !!
من عمنا إحسانه فبحمده وبمدحه وبشكره نترنم [72]
ويقصد البدوي !!
ولعل الإحساس بالفشل السياسي فى دنيا الواقع دفع بالأحمدية إلى المبالغة فى الادعاءات الكافرة فى دنيا الخيال ، وهنا نلمح نوعاً من التوافق وتقسيم أحلام اليقظة فى التحكم فى ملك الله بين البدوي والدسوقي شريكه فى المؤامرة السياسية مع الرفاعي شيخ الجميع وفى ذلك يقول الحلبي ( سئل الدسوقي عن البدوي فقال : الدنيا مقسومة بيننا وبينه أربعة أقسام ربع لي وربع لأخي أحمد الرفاعي وربع لسيدي عبد القادر الجيلاني – وهو شيخ أبى مدين زعيم الدعوة فى المغرب – وربع لحضرة الأستاذ سيدي أحمد البدوي ، وكل منا يتصرف فى ربعه إلا حضرة الأستاذ الأعظم أحمد البدوي فأنه يتصرف فى الجميع وخصه الله تعالى بخصيصة لم يخص بها أحدا سواه وهو أن الله تعالى جعل له كرسياً فى مكان بين السماء والأرض يتصرف فى أمور العالم العلوي والعالم السفلي [73]) .
ونقول لأولئك ما يقوله تعالى للمشركين فى كل عصر وأوان على لسان رسله وأتباعه (قُلْ : أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمْ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ؟ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِأَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ ؟ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً) فاطر : 40، و (قُلْ : أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ؟ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ؟اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) الأحقاف : 4 ، وفعلا .. فيا أتباع البدوي وأولياء الصوفية ويا من تعتقدون فيهم التصريف والنفع والضر أرونا ماذا خلق أولئك فى الأرض ..وما لهم من تصريف فى السماء .. ثم أرونا دليلاً وشاهداً مكتوبا على تلك الملكية وذلك التصريف .
إن حقيقة الأمر أن هذه الآلهة المزعومة لا تملك فى كون الله وملكوته مثقال ذرة ، وإذا شاء الصوفية التحقق من هذا الأمر فعليهم بالوقوف معا أمام أى وثن أو ضريح صوفي وليتوسلوا به بأى كيفية فلن يرد ، وكيف يرد وهو تراب رميم (قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِوَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22)) سبأ ، ثم إذا شاء الصوفية فعليهم بكل أوليائهم وجاههم المزعوم وتصريفهم الكاذب وليرونا هل يستطيع البدوى قطب الأقطاب وسيد الأولياء الصوفية أن يخلق ذبابة واحدة . " يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ .. (74)" الحج.
وثمة ناحية أخرى فى مظاهر الشرك أبى الصوفية الأحمدية إلا المشاركة فيها أسوة بسلفهم من كفار قريش ألا وهى التماس الشفاعة من الأولياء كإحدى مستلزمات التصريف والمكانة فى السماء يوم القيامة .
يقول تعالى عن كفار قريش " وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ : هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ " يونس :18 ، أى كانوا يسمون الآلهة بالشفعاء عند الله تعالى ، وكان اتخاذ الشفعاء مرادفاً لاتخاذ الأولياء يقول تعالى " أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ ؟ قُلْ :أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً .. (44)" الزمر ، أى تصرفوا بدافع ذاتى فاتخذوا لهم أولياء يشفعون لهم عند الله ، وقد رد تعالى بأن هذه الأولياء لا تملك شيئاً وأصحابها لا يعقلون فلله وحده الشفاعة ومن شأنه وحده تقرير الأمر فيها .
والبدوي طالما يجلس على كرسي بين السماء والأرض يتصرف فى العالمين العلوي والسفلي ويقسم بالخير لأتباعه والسوء لأعدائه – فى هذه الحالة لابد أن تكون الشفاعة فى يوم القيامة إحدى مهامه وهو يتبختر فى مقعده بين السماء والأرض .. ليتم له السلطان فى الدنيا والآخرة خاصة وهو فى برزخ بين الدنيا والقيامة .
وإتخاذ البدوي شفيعاً بدأ فيما رواه خليفته عبد العال الذى يروي أن البدوي رأى قبل وفاته بثلاثة أيام ( كأن القيامة قد قامت وأني واقف بالمحشر فألهمني الله عز وجل هذا الدعاء فرفعت رأسى إلى السماء وقلت اللهم يا رب كل شىء.. اغفر لي كل شىء.. قال وإذا النداء من العلا يا فتى نحن ما سألناك عن شىء اذهب يا أحمد أنت ومن معك وأدخل الجنة قال فبينما أنا كذلك وإذ بالنبى يهنئنى ويقول لى هنيئا لك يا أحمد فرفعت رأسي ونظرت وإذ أنا بعلم كبير على رأسي وتحته خلق كثير منهم من أعرفه ومنهم من لا أعرفه ومكتوب عليه بالنور : نصر من الله وفتح قريب لأحمد البدوي ومن معه من المريدين والفقراء الصادقين ، فلما انتشر العلم فوق رأسى رأيت تحته من الخلائق ما لا يحصى وهم يمشون خلفى حتى دخلت الجنة ) [74].
وبهذه الأسطورة المفتراه ضمن الصوفية الأحمدية لأنفسهم الجنة بشفاعة وليهم البدوي مهما ارتكبوا فى مولده من آثام . فيكفى أنهم يحجون إليه فى مولده ويتمتعون بما يشاءون من اختلاط بالنساء( والبساط أحمدى ) والبدوي بما له من تصريف فى الدنيا والآخرة قد كفل لهم الجنة وأراحهم من العمل فى سبيلها ..
يقول الشعراني راوياً عن الشناوى المريد الأحمدى ( أخبرني شيخنا الشيخ محمد الشناوي أن شخصاً أنكر حضور مولده فسلب الإيمان فلم يكن فيه شعرة تحن إلى دين الإسلام فاستغاث بسيدي أحمد فقال : بشرط أن لا تعود فقال نعم فرد عليه ثوب إيمانه ثم قال له : وماذا تنكر علينا قال : اختلاط الرجال والنساء فقال له سيدى أحمد : ذلك واقع فى الطواف ولم يمنع أحد منه ثم قال : وعزة ربي ما عصى أحد فى مولدي إلا وتاب وحسنت توبته ، وإذا كنت أرعى الوحوش والسمك فى البحار وأحميهم من بعضهم أفيعجزني الله عن حماية من يحضر مولدي ) [75].
وفى ذلك يقول البعض متباهياً بالمولد الأحمدي وما يحدث فيه برضى البدوي ورعايته وشفاعته:
ومولده فى كل عـام يزيـــــــــــــــــــــدنا سرورا له شدت من البعد أنيق [76]
به تجمع الأضداد جمـع أحبــــــــــــة ويحفظهم حتى يكون التفـرق
وأعجب شىء أن من كان عاصيا بمولده يعنـــي بـه ويـرفق[77]
وادعوا أن البدوي قال :
ومن عاش بعدي سوف يشهد مولدا به تجمع الأضداد ليس له مثل
وتأتى له الزوارمن كل وجــــــــــــــــــــــــــــهة رجالا وركبـــــانا كأنـهم نـــــــــــــــــــــــــــــمل
فمن زارنى فيه تنحـت ذنـــــــــــــــــــــــــــــــوبه وفاز بغفران لما قد جنى قبـــــل
وعاد إلى أوطانه فى جـــــــــــــــــــــــــــــــــلاله وعز تكريم وقد عمـه الفضـــــــــل [78]
ودعا الصوفية الأحمدية إلى التشفع بالبدوي واتخاذه شفيعاً يقول أحدهم :
فاخلع عذارك واغتنم صرف الهوى بالسعي مجتهدا إلى حاناته
وإذا ضللت فبالملثم لـذ عـــــــــــــــــــــسى يهديك نشر السر من نفحاته [79]
ويقول آخر متشفعاً به:
فيا بدوي العزم عبد بباكـم لطائفة المـــــــــــــــــــداح جـاء يكـاثر
وأنت له عند النبي وسيلة إذا هى ضاقت بالقلوب الحناجر[80]
ويقول آخر
واشفع لنا يا سيدي يا منــــــجدي يا مقصدي يا من أزال تحيرا
عولت فى أمرى عليك فلا تكن يا سيدي فيما أريد مقصرا [81]
وإلى أولئك جميعا يقول تعالى : (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)) فاطر.
ويقول تعالى (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6)) الأحقاف 5، 6 .
ومع أن الله تعالى منح بعض أنبيائه بعض المعجزات خدمة للرسالة فإن الرسل يعلنون أنهم لا يملكون لأنفسهم – فضلاً عن غيرهم – نفعاً ولا ضراً وأن النفع والضر بيد الله وحده .. وقد لخص القرآن ذلك كله فى كلمة واحدة قالها لمحمد عليه السلام " لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ" آل عمران : 128 . ويقول عليه السلام كما أمره الله تعالى " قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ" الأعراف : 188 و" قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلا نَفْعاً إِلاَّ مَا شَاءَ الله." يونس :49 ، وكل مسلم – أو حتى كل إنسان عاقل- يقر ويعترف بأنه لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً .. فالرسول ساوى بين نفسه وبين كل إنسان فى هذه الكلمة .. وهنا يتجلى التأليه الذى يعتقده الصوفية فى أوليائهم حين يرفعونهم فوق مستوى الرسل خير الخلق أجمعين .
4ـ الغيب :
والله سبحانه وتعالى كما اختص ذاته المقدسة بالتصريف – اختصها بعلم الغيب. وإسناد علم الغيب لله تعالى وحده جاء بأسلوب القصر وهو الأسلوب المتبع فيما يختص بعقيدة (لا إله إلا الله) فى القرآن الكريم ، فكما أن شهادة التوحيد " لا إله إلا الله " هى قصر للألوهية على الله تعالى وحده فإنه تعالى يقول مثلا " قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)" النمل .
ويلاحظ أن بعض الآيات التى قصر الله تعالى فيها علم الغيب على نفسه كانت ترد على المشركين ممن يدعون أن آلهتهم تعلم الغيب ، فالآية السابقة مثلا تقول " قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)" أى فلا أحد فى سماء أو أرض يعلم الغيب إلا الله وحده ، أما هذه الآلهة الميتة المبتورة فلا تعلم حتى مستقبلها الشخصى وهو متى تبعث من موتها .. وفى آية أخرى يقول تعالى " لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26) " الكهف . وهو تعريض بالمشركين ممن يعتقدون فى أوليائهم التصريف وعلم الغيب ، ومثله قوله تعالى (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)) النحل ، وهذه الآية الكريمة لخصت كل ما سبق فبينت أن الله هو وحده الذى يعلم السر والعلن أما الألهة الأخرى فهى مجرد مخلوقات خلقها الله وخلق الناس حولها أساطير وأباطيل ، وإذا كانت هكذا فأحرى بها ألا تخلق شيئاً ، وخاصة وهى ميتة ولا تشعر بميعاد بعثها ..
وكالتصريف أيضاً أسند الله تعالى لبعض الرسل العلم ببعض الغيب خدمة للرسالة وحتى يؤمن بها قوم الرسول ، يقول تعالى للمؤمنين (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ) آل عمران 179 ، أى فالمؤمن لا يعلم شيئاً من الغيب والله جل وعلا لا يطلع أحداً من البشر على غيبه إلا من يجتبيه من رسله ، بل إن بعض الرسل كان يعلن أنه لا يعلم شيئاً من الغيب فيقول كل من محمد ونوح عليهما السلام (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) الأنعام 50 ، هود 31 ، وخاتم الأنبياء عليه السلام أمره الله تعالى بذلك كثيرا (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ ..) الأعراف 188 ، (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ .. (27)الجن . .أى أن محمد صلى الله عليه وسلم يعلن أنه لا يعلم شيئاً من غيب الله الذى لا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى واجتبى من رسول (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ) آل عمران 179 صدق الله العظيم وجاء الصوفية فادعوا لأنفسهم ولأوليائهم علم الغيب شأن المشركين فى كل عصر وأوان ، حتى إن من أولى المستلزمات لأى صوفي أن يكون متمتعاً ( بالكشف) والكشف هو علم الغيب وبالتعبير الشعبي ( مكشوف عنه الحجاب ). وترسب فى الشعور الشعبي إن الغيب الآلهى مباح لكل من هب ودب من دجال أو نصاب ، وأولئك الدجالون يرتدون زى التصوف ويعرفون بلقب "الشيخ" والتصوف بالقطع هو المسئول عن ذلك الخلط بين "الشيخ " العالم و" الشيخ " الدجال صاحب البخور والفنجان والعفاريت والجان ..
وإذا التفتنا للبدوى وجدنا أتباعه قد أحاطوه بعلم الغيب فجعلوا من أشهر كراماته أنه علم بالغيب أن ثعبانا يقبع داخل قربة لبن يحملها رجل ، وبما يتمتع به من تصريف أومأ للقربة " بإصبعه الشريف فانتقدت وانسكب اللبن وخرجت منه حية [82]وقالوا إنه دعا ركين الدين يوما وقال له " يا ركين إن الله تعالى أطلعنى على غلاء عظيم يقع فى الكون " ونصحه بشراء القمح وتخزينه وهو رخيص ليبيعه حين يرتفع السعر[83]. أى أن الأتباع كافأوا التاجر ركين الدين شفهياً بهذه الكرامة نظير ضيافته للبدوي ..
وحين حوصر البدوي بشكوك السلطات الحاكمة وتولى ابن دقيق العيد كشف حقيقته وانتهى الأمر إلى لا شىء لم يشأ الأحمدية أن تمر هذه المسألة دون فائدة فادعوا أن البدوي أظهر لابن دقيق العيد بعض الكشف والعلم بالغيب تدليلاً على ولايته وبرهاناً على صدقه . من ذلك أنه قال للدريني رسول ابن دقيق العيد " إن الأجوبة مسطرة فى كتاب الشجرة فوجدوها فى الكتاب كما قال " ولا نعرف ما هو كتاب الشجرة هذا .. وقالوا إن البدوى قال للدرينى " قل لقاضى القضاة – ابن دقيق العيد – يصلح غلطاً فى المصحف الذى عنده معلقا فى صدر بيته غلطة فى موضع كذا وغلطة فى موضع كذا " [84].
وبعد موت البدوي أسبغ بعض أتباعه على أنفسهم ما شاءوا من علم للغيب فيوسف الإنبابي عزل وولوا إبنه إسماعيل المرضى عنه وسرعان ما أصبح إسماعيل الإنبابي يخبر بالغيب " وكان يقول رأيت فى اللوح المحفوظ كذا وكذا " [85].. وقالوا عن مبارك السطوحى " إنه يخبر الناس بما يخطر فى قلوبهم " [86]أى يعلم ما تخفى الصدور .
وهذا التوسع فى إسناد العلم بالغيب للأتباع السطوحيين شمل بعض ممتلكات البدوي كالبهائم التى يرعى بها الشيخ عبد العظيم الراعي. فتلك البهائم – وياللعجب- كان لها من الإلهام نصيب ، وليس ذلك عليها بغريب .. أليست بهائم البدوي شخصياً .. يقول عبد الصمد فى ترجمة عبد العظيم الراعي " وكان كثيراً ما يرسل البهائم والغنم إلى البرسيم من غير راع فتأكل من مارس سيدي أحمد البدوي ولا تتعدى للجار بل تخلى للجار من البرسيم نحو خط محراث وكانت تعرف مارس سيدي أحمد بالإلهام " [87].
وفى القرن العاشر أبى الشعراني إلا أن يشارك فى هذه المبارة – مبارة الافتراء والإدعاء بعلم الغيب للبدوي وأتباعه ومتعلقاته فجعل هلال المئذنة لقبة البدوي يشارك الله تعالى فى علمه بالغيب ، يقول ( ومما رأيته إني كنت جالساً على سطح المقام وقت الزوال فرأيت هلال قبة سيدى أحمد البدوى يدور ويزعق كالحجر العظيم من حجارة المعصرة الذى ليس تحته حب فدار نحو ثلاث دورات ثم جاء الخبر بنصرة السلطان سليمان بن سليم بن آل عثمان على أهل رودس فى ذلك الوقت ) وأسند الشعراني لتابوت البدوي نفس الإمتياز يقول ( وكذلك ما سمعنا تابوته يفرقع ويزعق إلا ويحدث فى المملكة أمر) [88]وفى الجملة الأخيرة جرى أسلوب الشعراني بالقصر ( ما سمعنا تابوته يفرقع ..إلا ويحدث.. ) وهو نفس الأسلوب الذى يقصر به علم الغيب على الله تعالى (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ ..) ونكمل الآية فنقول للصوفية عن البدوي وغيره من الأولياء الموتى " وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ".
وواقع الأمر أن ميل الصوفية الأحمدية لتقديس الأحجار شديد شديد ..فأعظم الأحجار تقديساً لديهم هو قبر البدوي وهو حجر ، و(الحجر الاسود) فيه يتبركون به و(هلال المئذنة) يخبر بالغيب ومثله (التابوت) ، وللتابوت وظيفة أخرى هو الدفاع عن المظلوم فحين هجم جندى ظالم على صبي احتمى بالتابوت (فرقع التابوت ذلك الوقت وارتفع نور عظيم حتى ملأ بين السماء والأرض ورآه أهل البلاد المجاورة لبلد الأستاذ فظنوا أنه حريق وقع بها وجاءوا ليحتالوا فى إطفائه مع أهل البلد فوجدوا ذلك الحال ، ووقع جماعة إلى الأرض صرعى من شدة الحال وثارت حركات شديدة خارجة عن الحد فخاف الجندي وأتباعه وتركوا الصبي واعتقدوا فى سيدي أحمد البدوي منذ ذلك الوقت ) [89]أى إن كل هذه الجلبة والضوضاء والأضواء والنيران والجري والإغماء لكى يخاف الجندي فى النهاية ويترك الصبي المسكين ويعتقد فى البدوي وتابوته.. وكم كان أسهل عليهم وعلينا أن يدعوا تسمير الجندى " وخلاص ويادار ما دخلك شر"، لأننا فى حالة الهيجان التى ادعوها سنطالبهم بدليل فى المراجع التاريخية المعاصرة للحدث .. وقد كان ضريح البدوي وقتها مشهوراً ولن تمر حادثة عجيبة كهذه دون أن يطنب فى ذكرها المؤرخون وهم جميعاً بلا استثناء يقدسون البدوي ويحجون إليه وإلى تابوته . ونضيف إلى مجموعة الأحجار المقدسة تابوت عبد العال خليفة البدوي فـ (بعض الفقراء شاهد ناراً خرجت من تابوته فأحرقت واحداً من الظالمين حصل منه تعرض لبعض أتباع سيدي أحمد البدوي ) [90].
هذا .. وإذا أصر الصوفية المعاصرون على أن توابيت البدوى وخلفائه تضر وتنفع فلنحتكم للتجربة ، وليذهب البعض من المؤمنين بها بمعاول لهدم تلك التوابيت ولنر هل ستخرج منها النيران أو ستطفح منها المجارى .. "وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ".
والذى لا شك فيه أن موقف الناس من هذه القضية ينبع من العقيدة الإيمانية .. فمن "يؤمن" بالبدوي ويعتقد فيه لن يرى فى أحجار ضريحه وتراب قبره إلا ما يستوجب التقديس والتبجيل ، وإليها يتوجه بالحب والحج .. أما من لا يؤمن بالبدوي وأنداده فلا يرى فى تلك الأحجار إلا إنها أحجار ، مجرد أحجار حملت إلى هذا المكان وبنيت ، ولا تفترق عن غيرها من الأحجار والأخشاب سواء دخلت فى بناء ضريح أو كنيسة أو بيت أو حظيرة للدواجن ، أما ما يضاف لها من تقديس فهى أساطير زينها الشيطان فى العقول والقلوب . وهنا ندخل على عنصر آخر من عناصر تأليه البدوى ورفعه فوق مستوى البشر .. إنه عنصر الإيمان به .
5- الإيمان بالبدوى :
فى الإسلام تكون "الشهادة" إقرار بالألوهية والربوبية لله وحده . وشهادة الاسلام الواحدة (لا اله إلا الله ) تعنى أن المسلم يؤمن بكل الرسل الذين حملوا نفس الرسالة وجاهدوا فى سبيلها فى حدود إمكاناتهم كبشر.أما إذا غالى فى اعتقاده فأضفى علي النبى ـ أى نبى ـ صفات الإله الواحد تعالى وتقدس فقد خرج عن الإسلام وأصبح مشركاً ..
على أن بعضهم غالى فى المغالاة .. وأضفى صفات الألوهية على غير الرسل وجعل من البشر آلهة وطالب غيره بأن يؤمن بأن "فلانا ابن فلانه" يتصرف فى ملك الله ويعلم غيب الله ويدخل أتباعه الجنة ويقسم لأعدائه النار ومن عاداه حقت عليه اللعنة و( دخلت فى حلقه شوكة)و" طلعت فى وجهه حبة رعت وجهه فمات " وإن تابوته يحرق من يتعرض لأتباعه بسوء.. ومطلوب من الناس أن يؤمنوا بهذا وإلا " فمن اعترض انطرد" وحاقت به لعنة الأولياء ومقتهم وسخطهم .. وهذا ما يتردد فى ترجمة البدوي الذى جعله عبد الصمد واسطة بين الله والناس إذ يقول فى مقدمة كتابه " ومن المعلوم أن اجتماع القلوب على محبته وخدمته وذكر مناقبه ومآثره ونشر ما انطوى من فضائله وفواضله أسباب نشرها الباري جل وعلا مقتضية لفيوض الرحمة وتنزلات غيث النعمة [91]" .
ثم جعل من عبد العال واسطة عند البدوي – أى واسطة للواسطة – يقول عن عبد العال " إن كل حاجة عرضت عليه أولاً قضيت فى باب أستاذه الأعظم سيدي أحمد البدوي لكونه الواسطة العظمى بينه وبين أتباعه ومريديه حياً وميتاً [92]" أى أن كل حاجة تقدم للبدوي لابد لكي تقضى أن تمر أولاً بقبر عبد العال الواسطة بين البدوي وأتباعه.. ونسوا إن الله تعالى سهل الأمر على المؤمنين ومنع أن تكون واسطة بينه وبين عباده فقال " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ " البقرة : 186 ، ولكن أولئك الذين حرموا الرشاد دعوا الناس للإيمان بالواسطة التى يتوجهون إليها – من دون الله – له بالتوسل والعبادة والتقديس ، ثم قرنوا دعوتهم تلك بالتخويف والإرهاب للمعترض على عقيدتهم ونحلتهم وسبق لنا التعرض للحرب النفسية التى أعلنوها على المنكرين عليهم .
وكما أن الله تعالى يدعو الناس للإيمان بألوهيته ويحذر من عصاه فأتباع البدوي يسلكون نفس الطريق يدعون الغير للإيمان بالبدوي كإله ويحذرونه من العصيان والإنكار عليه ،يقول أحدهم [93].
سلم إلى البدوي القطب يا هذا .. ولا تفه بنكير مثل من هـــــــــــــــــــــذا
واذكر مناقبه فى أى طائفة بأى قول من الأقوال بـــــــــــــــــدأ ذا
وما عليك إذا حدثت من حرج وليس تدعى بما قد قلت ملاذا
وارض به سنداً تأوى لعزته واجعله بين الورى مولى وأستاذا
فهنا أمر بالتسليم للقطب – أى البدوي – وألا يتفوه بأى اعتراض ، وأن يذكر مناقبه بلا أدنى حرج وأن يرضى به سندا ومولى من دون الله تعالى .
ثم هنا أمر آخر بالإيمان لا يخلوا من إشارة التخويف .. يقول صاحبنا [94]
عليك ببيت فيه للمحتمي العز وللظالم الأسواء والذل والعــــــــــــــــــجز
وذلك بيت القطب أحمد كنزا من المدح فيه بالصريح كذا والرمز
ولى كساه الله من خلع الرضا ملابس عز والجلال لها طــــــــــــــــــــــــرز
وآخر يصف من لم يؤمن بالبدوي بالكفر واليهودية وعبادة الطاغوت يقول [95]:
ومن عاداه من أصحاب سبت وعباد لطــــــــــــــــــاغـوت وجبت
رماهم ربهم فى بكل مقـت عليه صلاة ربى فى كل وقت
بتسليم له المولى يضاعف
ويقول آخر [96]:
فمن يشك أنه القطب بـنار يـكتـوي
فيـا عزيز الأوليـا وردى بذكرى روى
وعبد الصمد فى مقدمة كتابه يشيد بالمؤمنين بالبدوي ويحط من شأن من لم يؤمن به يقول " أما بعد فلما كانت الطريقة الأحمدية واضحة يهتدى بها الضالون ويتوصل بها إلى بلوغ مقاصدهم السالكون ويتشرف بسلوكها الواصلون ويتفقه باتباع عالمها الجاهلون ويتدانى من الرأفة والرحمة من هم فى أهلها معتقدون ويتباعد عن ذلك الذين هم على أصحابها منكرون ومنتقدون ..) [97].
وكما أن الإيمان شهادة وإقرار بالألوهية لله فللبدوى هو الآخر شهادة وإقرار بالألوهية . يقول احدهم فيه [98].
السيد العـالي الـذى بعـلوه شهدت له الأموات فى الأمراس
فضلاً عن الأحياء من رب السما والأرض بل من سائر الأجناس
ويقول آخر [99]:
له قد أقر العرب والعجم مثلما أقر له البادون والحضر والقبط
وهذا عجيب ما سمعنا بمـــــــــــثله ومنكره لا شك فى باله الخلط..
ولا نمل من تكرار القول بأنه لا يجتمع إيمان حقيقي بالله مع الإيمان بغيره من ولي أو إله .. هذا هو الشرك بعينه . والتوحيد هو الإيمان بإله واحد لا يكون إلا الله وحده وليس معه بدوي أو غيره ..
6- حب البدوي كإله:
ويقترن بالإيمان الحب "حب تقديس ". وحب التقديس هو حب الخضوع والخشية والإخبات والخوف والرجاء ، هو الحب المقترن بالعبادة أو هو حب العبادة أو العبادة حباً .. أو الحب الذى يتوجه به العابد للمعبود والإنسان للإله الذى يتوسل به . ومن نافلة القول أن نذكر أن هذا الحب – حب التقديس – لا يتوجه به المسلم إلا لله وحده ويحققه عملياً بالطاعة ، فطاعة الله هى الحب الحقيقى من المسلم لربه.
أما فى الشرك فإن المشرك يحب آلهته حب تقديس وخضوع – أى يحبهم الحب الواجب لله وحده ، أى يحبهم كحب الله ، يقول تعالى (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ..) البقرة : 165،فحب المشركين لأوليائهم المتخذة يختلف فى طبيعته عن حب الإنسان لأخيه الإنسان .. فالحب بين البشر له دوافعه وأسبابه المختلفة والتى تخضع لعنصر المساواة والتقلب والزيادة والنقض حسب التعامل المستمر والأهواء وحظ النفس ، فأنت تحب فلاناً أو فلانة لهدف فإذا نلت الهدف أو تغير شعورك ضاع الحب أو خفت ، وفى دنيا الواقع فإن الإنسان يطالب المحبوب بحب مماثل وإلا فلا ، فالمساواة أساس التعامل العاطفي بين الطرفين ولابد من هدف للحب ، أما حب الإنسان لمعبوده فلا يتصور أن يكون فيه مساواة- وإن كان ثمة هدف لجلب نفع أو دفع ضرر، ولأن طرفي الحب – حب التقديس- يزيد أحدهما عن الآخر كان على الأقل شأناً أن يصبغ حبه بالخضوع والخنوع والخشية والخوف والرجاء والطاعة والتقديس .. وهذا ما توجه به الصوفية للبدوي وحفلت به أشعارهم .
ولقد ارتبط مدح البدوي باعلان المريد لحبه حب تقديس مقترن بطلب النفع والنوال مثلما يفعل المؤمن العابد لربه حين يثنى على ربه فى الدعاء طالباً ما يريد من خير فى الدنيا والآخرة .
وحرص الصوفية على بدء قصائدهم فى البدوي ببث لواعج هذا الحب وشرحه والإفاضة فيه .. يقول أحدهم [100].
زال العنا وتجمعت كل العجــــــائب فى حجرة البدوي فراج النوائب
قطب الوجود صاحب العزم الذى لعلوه وجلاله سعت الركـــــــــــــائـب
وبه القربى لذوى القربى ولمن قرى وبه الحماية والمنافع والمشـــــارب
ويقول آخر [101]:
هو البدوي العزم فى القلب راسخ فغير مديح القطب ما أنا ناسخ
ففى مدحـــــــــــــــــه نفع عظيم لمـادح ومستـــــــــــــمع للقول بالحب شـارخ
فكم من كرامات له قد تتـــابعــت رواها بحــــــــــــــــــــــــــق للأنـام المشـايخ
ومنها اعتراف المادحــــــــين لذاتـه بعجز ومن يبغى لحصـر فدائخ
فصاحبنا لا يرى غير البدوي مستحقاً للمدح ، وإن مدح البدوي عظيم النفع للقائل والمستمع ، وإن المادحين للبدوي اعترفوا بعجزهم عن حصر كمالاته ومن يحاول حصرها (فدائخ) أى تصيبه الدوخة.
وعن التصميم على حب البدوي والسرعة فى نظم المديح فيه حباً ورغبة يقول مريد أحمدي [102].
حديثى عن البدوي فى الكون قد فشا وقد ملت عمن لامني فيه أو وشى
فكيف التوانى عن مدائح سيـــــــــــــــــــــدي هواه بقلبى والمفاصــل والحشـــــــــــــــــــــــــــــــا
ويقول آخر [103]:
قسما بمن يشفى الأنام ويمرض عن مدح أحمد لا أعرض
بل ما حييــــــــــــــت فأني بمدائـــحي لجانبـــــــــــه بين الورى أتعرض
وإذا دعيت لمدحـه فى مجمـع أسرعت فى عزم شديد أركض
فمـديـــــــــــــــــــحه نفـع ويـوم مـجيئه إن دوام التمداح فيه أبيـض
تـالله ما فى الأوليـاء كمــــــــــــــثله وإليى حق وليست تنـــــــــــــــــــــقض
فهو الذى فى الكرب يدعى دائما وإلى الأسير بهمة هو ينـهض
وأنا أعـــــــود إلى مـــــــــــــــــــــديــح ملـثم أرضى الأنام وللإله بتفــــــرض
بجنابـه لذنا فــعن أوطـــــــــــــــــــــــــاننـا وكل المخاوف والمهالك تدحض
ويطالب آخر بالمغالاة فى البدوى [104]:
أيها الفكر فى علاه تغــــــــــــــــــالـــى وامتدحه فالمدح فيه يهون
وامتدح شيخه مجيب الأسارى وابن بنت النبي طه الأمين
وفى موشح يدعي آخر بأن من يحب البدوي يأمن من الخوف [105]:
قطب شريف من أشراف من حبه فلا يخاف
والواقع إن التوسل وطلب النفع المرتجى من البدوي كان السمة الغالبة فى أشعار الحب الأحمدية كقول أحدهم [106]:
ها خاطرى لم يزل بالبعد منكسرا لكن لقلبى نسيم البشر منك سرى
وشـاقنى منك عهد طـــــــــــــــــــاب موثـقه به لقد فزت فى الدنيــــــــــــا والأخـرى
وسرنى انتمائى والتــــــجأت إلــــــــــــــــى أبواب عزك يا حامـــــي حمى الفقرا
أنت الملثم قطب الـكون معتمـــــــدى فحل الرجال أبو الفرحات بحر قرا
وأنت شيخي وملاذي وقدوي وكفى لك الكرامات فى الإنجاد للأسرى
ويقول آخر [107]:
إن قلبي يحب غوث البرايا من يسامي أبا اللثامـين فـيـــــــــــــــنا
سيد العارفين أحمد من قد كان قطب الوجود صدقاً ويقينا
بدوي يحمي الحمى بحماه كـم له من كـرامة تحيــــــــــــــــــــــــينا
حدث فى مدحه بقيل وقال وهو فى غنية عن المادحيـنا
غير أنى لحبه مستند مستــمد من الـوارد كميــــــنا
ذكره ينعش القلوب وتحيى كل روح ويطــرب السامعينا
فلهذا صرفت قصدي إليه وجعلـت الفؤاد مـني رهــــيـنا
ثم يقول عبد الصمد فى ختام كتابه [108]:
لقد جاء تأليفاً وجيزا مباركاً بنسبته للقطب ذى الجود أحمدا
يرغب فى حب الملثم دائما ويوجـــــــــــب فيه الاعتقاد المـؤيدا
والحب بين البشر ليس فيه هذا التوسل وتلك العبادة . فذلك الحب هو ما عنته الآية الشريفة (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ..(165)البقرة.
[1]أرمان.ديانة مصر القديمة 70 .ط البابى الحلبي.
[2]الجواهر السنية :3، 4
[3] نفس المرجع : 128
[4]احياء علوم اين : 4176
[5]الطبقات الكبرى 1161
[6]) الجواهر السنية 35
[7]لطائف المتن 465: 466 .ط عالم الفكر
[8]كتاب البدوى لعبد الحليم محمود المقدمة
[9]) كتاب البدوى لاحمد حجاب 79، 80 وعنوان الكتاب
( أراء حياة السيد البدوى البرزخية ) أى حياته فى القبر
[10]عبد الصمد 74: 75
[11]نفس المرجع 30 ،32
[13]نفس المرجع 30 ، 32
[14]نفس المرجع 28 ، 32
[16]نفس المرجع 55
[17]نفس المرجع 30
[18]نفس المرجع 30 ، 31
[19]الجواهر 29 ، 32
[20] الجواهر 29 ، 32
[21]الجواهر 32
[22]الجواهر ، 28 ، 31
[23] الجواهر ، 28 ، 31
[24]الجواهر 33.
[25]الطبقات الكبرى 1159
[26]الجواهر 52 ، 60
[27] الجواهر 52 ، 60
[28]الجواهر 65
[29]الجواهر 39
[30]لجواهر 27
[31]الجواهر 61، 62
[32]الجواهر 28
[33]الجواهر56 ، 57
[34]نفس المرجع 46
[35]نفس المرجع 93
[36]نفس المرجع 51
[37]الجواهر 55
[38]الجواهر 88
[39]الجواهر 76
[40]نفس المرجع 32
[41]الجواهر 83
[42]نفس المرجع 74
[43]نفس المرجع 75
[44]النصيحة العلوية مخطوط بمكتبة الأزهر 34 ، 35
[45]الجواهر :34 ، 39
[46]الطبقات الكبرى 1/162 : 163 .
[47]الجواهر 81 ،82
[48]الجواهر 92
[49]الجواهر 85
[50]الجواهر السنية : 29 ، 30 ، 32 ، 33
[51]الجواهر السنية : 29 ، 30 ، 32 ، 33
[52]الجواهر السنية : 29 ، 30 ، 32 ، 33
[54]) الطبقات الكبرى 1162
[55]الطبقات الكبرى 1162
[56]السلوك 22408
[57]تاريخ ابن كثير14/177
[58]فتوح النصر لابن بهادر مخطوط 2/171 وشذرات الذهب 6/164 وطبقات الشافعية للسبكى9/94
[59]عبدالصمد: الجواهر 80:77
[60]الطبقات الكبرى1/162
[61]الطبقات الكبرى ، 1162.
[62]النصيحة العلوية 27 المكتبة الأزهرية :مخطوط
[63] الجواهر 31 ، 34 ، 29 ، 30 ، 34 .
[64]الجواهر 31 ، 34 ، 29 ، 30 ، 34 .
[65]الجواهر 31 ، 34 ، 29 ، 30 ، 34 .
[66]الجواهر 31 ، 34 ، 29 ، 30 ، 34 .
[67]نفس المرجع 76 ، 83 ، 85 ، 89
[68]الجواهر 70 : 71
[69]عبد الصمد ، الجواهر 83.
[70]نفس المرجع : 114 ، 118 ، 139 ،
[71]نفس المرجع 94 ، 101 ، 102
[72]نفس المرجع 122 ، 128.
[73]النصيحة العلوية ، مخطوط مكتبة الأزهر ورقة 37 ب
[74]الجواهر 47 .
[75]نفس المرجع 74 ، الطبقات الكبرى للشعرانى 1162
[76](أنيق ) جمع ناقة . أى تجهز له الرحال من كل فج عميق.
[77]الجواهر 120
[78]الجواهر 123
[79]نفس المرجع 136.
[80]نفس المرجع ، 109
[81]نفس المرجع 110.
[82]الجواهر 38 ، 39 ، 41
[83]الجواهر 38 ، 39 ، 41
[84]الجواهر 44 ،45
[85]نفس المرجع 28
[86]نفس المرجع 31
[87]نفس المرجع 28
[88]نفس المرجع 82
[89]الجواهر 84
[90]الجواهر 89.
[91]الجواهر 4، 89.
[92]الجواهر 4، 89.
[93]الجواهر 108، 111، 119
[94]الجواهر 108، 111، 119
[95]الجواهر 108، 111، 119
[96]الجواهر 138
[97]الجواهر 138.
[98]الجواهر 111 ، 114 .
[99]الجواهر 111 ، 114 .
[100] الجواهر 96 ، 105 ، 112 .
[101]الجواهر 96 ، 105 ، 112
[102]الجواهر 96 ، 105 ، 112
[103] الجواهر 113 .
[104] الجواهر 131 ، 132
[105]الجواهر 131 ، 132
[107]الجواهر 110 ، 130، 131
[108]الجواهر 142 .