مستقبل الثورات العربية الراهنة

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ١١ - مايو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

بعد النجاح ( المؤقت ) للثورة المصرية أصبح نجاح الثورات التالية أكثر صعوبة ويستلزم تضحيات أكثر ، بسبب خوف الحاكم المستبد من مصير مبارك و بن على ، وبسبب خوف الغرب من علو شأن السلفيين و محاولة سرقة الثورة كما هو الحال فى مصر . الحاكم مع ذويه يقاتل معركة حياة او موت فليس امامه سوى المواجهة بكل ما يستطيع ، والغرب متأرجح حتى لو فى وضع القذافى فى ليبيا .

ليبيا ببترولها وأهميتها  ووحشية القذافى وعداءه للغرب و تفجيراته وقتله لمئات الغربيين ـ كل ذلك جعل الغرب يتدخirc;ل لانقاذ الليبيين من المذابح التى توعدهم بها القذافى علنا . ومع ذلك فإن الخوف من السلفيين القادمين بعد غياب القذافى يؤرق الغرب و يطيل أمد الحرب . وفى اعتقادى أنه يمكن للغرب ـ لو أراد ـ إنهاء الحرب بقتل القذافى ، ولكن إطالة الحرب مفيدة للغرب لأنهم سيستهلكون فيها البالى و القديم من أسلحتهم ويحصلون مقابلها على ارصدة القذافى وبلايينه المجمدة عندهم ، ولن يكلفهم الأمر سوى طلعات روتينية دورية ، وفى النهاية سيسقط القذافى ويقتل مع آله واتباعه ومعظم خصومه، ولكن بعد استهلاك بلايينه وقتل الكثيرين من معارضيه ، وهم محسوبون على السلفية ، ويتبقى بعد القذافى ونظامه أغلبية الشعب الليبى ، الأغلبية الصامتة التى لن تشكل خطرا على مطامع ومصالح الغرب . وعندها يعتبر الغرب نفسه قد انتصر بدون خطر للسلفية.

اليمن تعج بأنصار القاعدة و السلفيين ، وليس فيها بترول يغرى الغرب ، بل وعلى عبد الله صالح خادم مطيع  للغرب ، وله فى اليمن أنصار كثيون أكثر مما لدى القذافى فى ليبيا . وبالتالى فليس هناك ما يغرى الغرب على التدخل لصالح الثوار ،بل يرون التدخل هو لغير مصلحتهم ، وبالتالى فالطريق عسير امام ثورة اليمن ، وتتوقف على تدخل القبائل و الجيش والحرس الجمهورى ضد صالح . ولعل الوصول الى اتفاق يضمن عدم محاكمة صالح هو أفضل المتاح .

الثورات فى البحرين تم اجهاضها بعد اتهامها بالطائفية الشيعية ، وبالولاء لايران . وتحركت السعودية والنظم الخليجية للتدخل سريعا حفاظا على عروشها وبتأييد غربى اسرائيلى .

وضع سوريا أكثر حساسية يتداخل فيها المحلى مع الاقليمى و الدولى .

نظام الحكم يمثل طائفة بأكملها هى الشيعة النصيرية العلوية ، وهى نحو خمس عدد السكان ، ومعهم جيش تربى على الطاعة والولاء لآل الأسد وله سوابق اجرامية فى مذابح للشعب . وهو مستمر الآن فيما تعود عليه . والمعارضة السورية كما يبدو على السطح حائرة او منقسمة بين المطلب الحقوقى ( الحرية و العدل وحقوق الانسان والديمقراطية ) و الأحلام السلفية السنية المذهبية حيث يمثل السنيون اغلبية فى سوريا ، والأكراد السوريون بين بين . ثم تأتى العوامل الاقليمية لتزيد القلق ، فايران وحزب الله مع نظام الحكم ، واسرائيل تفضل نظام الأسد الذى لم يسبب لها إزعاجا سوى بالكلمات و التصريحات ، والاسد كان و لا يزال يتمسك بفضيلة  الصمت و العفو عندما تنتهك اسرائيل اجواء سوريا لتدمر وتقتل. واسرئيل تعرف كيف تتعامل معه من خلال خبرة تمتد من عصر حافظ الأسد الى بشار الأسد ، وحتى لو كان البديل غير سنى فليست لاسرائيل رغبة فى ان تتعلم من جديد كيفية التعامل مع هذا القادم الجديد ، فكيف إذا كان البديل فى الأغلب سنيا ؟ وحتى لو كان ديمقراطيا يسمع لصوت الشارع فلا بد ان يستجيب لمشاعر الشارع السورى و يطالب بتحرير الجولان ، وبذلك تتحد مطالب الشارع المصرى مع الشارع السورى ضد اسرائيل فى ظل نظم حكم ديمقراطية او سلفية بما يهدد وجود اسرائيل وليس مجرد احتلالها للقدس وتحكمها فى الضفة وغزة.. إذن مصلحة اسرائيل مع بقاء الأسد حتى لو كان مواليا لايران وحزب الله ، فلقد اكتسبت اسرائيل خبرة فى التعامل مع هذا التشابك ، علاوة على ان الأسد بعد قضائه على الثورة سيكون أكثر ضعفا واكثر خضوعا لاسرائيل .  والغرب هو مع مصلحة اسرائيل ..وضد السلفيين ـ بل هو ضد اى نظام ديمقراطى فى المنطقة يمكن ان يهدد مصالحه ، ولا ننسى ان الشرق الأوسط هو الساحة الخلفية لاوربا وهو المجال الحيوى لأمريكا ، واسرائيل هى الحارس للغرب وامريكا فى المنطقة.

هذه الصورة القاتمة لا تعنى اليأس ، بل إن الصدق فى التوصيف هو الطريق الوحيد لمعرفة الحل الصحيح .

والحل الصحيح هو الآتى :

الوحيد الذى يمكنه التغيير ـ ليس أمريكا وليس اسرائيل ـ بل الشعب العربى.

الشعب يعنى كل الشعب موحدا فى قواته المسلحة و جماهيره و قياداته الحزبية و الشعبية .

توحيد الشعب لا يكون بالايدلوجيات المذهبية والطائفية والدينية ـ لأن هذه الطائفية و المذهبية والدينية تقوم أساسا على التفريق والتقسيم وليس الاتحاد.

توحيد الشعب هو فى التمسك بحقوق الانسان وحرية الفرد والعدل و نظام ديمقراطى على النسق الغربى أو الاسرائيلى .

سيظل البشر فى جدل دينى ومذهبى وطائفى كل منهم يتمسك بدينه ومذهبه وطائفته معتقدا أنها تملك الحق المطلق وان ما عداهم كافر مستحق للقتل والاستبعاد . فإذا تدخلت هذه الطائفية والمذهبية والانقسامات الدينية فى السياسة أحالتها الى حروب اهلية و اضطهادات دينية ومحاكم تفتيش.

وبينما سيظل البشر مختلفين دينيا ـ إلا من رحم ربك ـ فإنه لا خلاف بين البشر حول القيم العليا من العدل و المساواة و السلام و الحرية.

بابجاز .. لابد من ان يتحد السوريون والمصريون و اليمنيون والخليجيون والمغاربة والتوانسة والجزائريون والسودانيون والموريتانيون والصوماليون واللبنانيون خلف شعارات حقوقية تدافع  ـ بكل ما تملك ـ عن حقها فى التمتع بالديمقراطية والعدل وكرامة الفرد . 
هنا يتحقق المستحيل بدون عون من الغرب او من الشرق. 

اجمالي القراءات 16508