سفاكو الدماء ليسوا مسلمين

آحمد صبحي منصور في الأحد ٠٦ - أغسطس - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً

المسلم فى العقيدة هو من يسلم لله تعالى وجهه وقلبه وجوارحه ، وذلك هو معنى الاسلام العقيدى القلبى الذى يرجع الحكم فيه لله تعالى وحده يوم القيامة ، و ليس لمخلوق أن يحكم فيه والا كان مدعيا للالوهية متقمصا لدور الله تعالى رب العزة ومالك يوم الدين.
المسلم فى السلوك هو كل انسان مسالم لا يعتدى على أحد ولا يسفك دماء الناس ظلما وعدوانا. وهذا هو المجال الذى نستطيع أن نحكم عليه ، فكل انسان مسالم مأمون الجانب هو مسلم بغض النظر عن عقيدته واتجاهه ومذهبه وفكره ودينه الرسمى.
الشرك والكفر بمعنى واحد فى مصطلحات القرآن ، وهما معا لهما معنيان حسب العقيدة والسلوك ن وكلا المعنيين يناقضان معنى الاسلام فى العقيدة والسلوك.
الكفر ـ أو الشرك ـ فى العقيدة يعنى اتخاذ آلهة أو أولياء مع الله . والتدين العملى للبشر ـ خصوصا المسلمين ـ ممتلىء بتقديس البشر والحجر ، مع اعلانهم أنه لا اله الا الله. ولكن بغض النظر فان كل فريق يعتقد أنه على الحق ويتهم الآخرين بأنهم على الباطل. لذا فمرجع الحكم بين الناس فيما هم فيه مختلفون انما يكون لله تعالى يوم القيامة ، فهو جل وعلا القاضى الأعظم ، وقد اختلف الناس فى ذاته وصفاته ونسبوا له كذا وكذا ، لذا فهو الذى سيحكم فى هذا الأمر ، وليس لأحد أن يتدخل فى هذا الدور الالهى المؤجل الى يوم الدين الا فى معرض النصح والارشاد والعظة طلبا للهداية.
الشرك ـ والكفر ـ بمعناه السلوكى هو الاعتداء والظلم والبغى والطغيان والاجرام ، وهذه كلها مفردات الشرك والكفروالمشركين والكافرين فى القرآن الكريم . هذا الشرك السلوكى نستطيع أن نحكم عليه بسهوله طبقا للأعمال الاجرامية التى يقوم بها المجرم . نحن هنا لا نحكم على قلبه أو على ما يدعيه من عقائد ، وانما نحكم على أفعاله الاجرامية ، على سفكه للدماء وانتهاكه للحرمات ، وافساده فى الأرض ، نحكم على سرقته ونهبه وهتكه للأعراض،وتعذيبه للابرياء. ودائما ما يكون الأبرياء ضحايا لهذا الكافر المشرك بالسلوك .
مشكلتنا أننا نحكم بالعكس تماما.
من ينطق بشهادة الاسلام نجعله مسلما مهما ارتكب من جرائم . وقد يكون هناك زعماء مصلحون مسالمون يعملون الصالحات النافعات ينتمون للمسيحيين أو الاسرائيليين أو البوذييين أو العلمانيين ، اولئك هم مسلمون حسب معنى الاسلام السلوكى الذى يعنى السلم ، ولكننا نعتبرهم مشركين كافرين ونحكم على عقائدهم متناسين أن الأولى ان نصلح عقائدنا نحن وهى مليئة بتقديس الأضرحة والأئمة بأكثر مما يفعله غير المسلمين.
طبقا للسلوك وحده فكل دعاة السلام فى الأمم المتحدة وخارجها هم أعظم المسلمين وان لم ينطقوا بشهادة الاسلام . غاندى ومارتن لوثر كنج و مانديلا وكل دعاة حقوق الانسان من الغربيين هم المسلمون الحقيقيون فى مجال السلوك.
طبقا للسلوك وحده فان مجرمى الحرب هم أشد الناس كفرا وظلما وعدوانا ، ليسوا فقط هتلر وموسولينى و ستالين بل يضاف اليهم صدام حسين وابن لادن والظواهرى وبقية سفاكى الدماء الذين حولوا العراق الى سلخانة . والقائمة طويلة ولا داعى لذكر أسماء أخرى فبعضها لا يزال يتمتع بالتقديس والتحميد مع أنه بغى على الآخرين واحتل أراضيهم وأذل شعوبهم ، لمجرد أنهم مسالمون لا يقوون على الدفاع عن أنفسهم . ونعطى أمثلة تاريخية ..
السلطان " المسلم " تيمورلنك من أشد الناس كفرا
احداث العراق الدامية الراهنة تعيد ما حدث فى دمشق منذ ستة قرون فى عام 803 هجرية فى عهد السلطان المملوكى فرج بن برقوق الذى عاش فى أيامه العلاّمة عبد الرحمن بن خلدون (مات سنة 808) وتلميذه المؤرخ المصرى المقريزى شيخ مؤرخى مصر فى القرن التاسع الهجرى .وقد سجل المقريزى هذهذه الأحداث الدامية فى كتابه " السلوك لمعرفة دول الملوك " . وكان ابن خلدون حاضرا مأساة مدينة دمشق حين حاصرها واستباحها ودمرها السلطان " المسلم " تيمورلنك.
والمقريزى من أصل سورى ولكنه ولد بالقاهرة 766 ( 1364 م ) ومات بها سنة 845 ( 1442 ) عاصر المقريزى اثنان من المشاهير المنافسين له وهما العينى وابن حجر العسقلانى، تفوقا عليه فى الحديث ولكنه تفوق عليهما فى التاريخ . تتلمذ على يد المقريزى اثنان من مشاهير المؤرخين هما أبو المحاسن بن تغرى بردى صاحب موسوعة (النجوم الزاهرة) و ( حوادث الدهور) وغيرهما ، ثم السخاوى صاحب موسوعة ( الضوء اللامع فى أعيان القرن التاسع ) و ( التبر المسبوك فى الذيل على السلوك )
الدولة المملوكية هى التى قضت على الصليبيين نهائيا وهزمت المغول، وقد حكمت مصر والشام والحجاز وأجزاء من العراق وآسيا الصغرى ، قامت سنة 648 ( 1250 م) وأسقطها العثمانيون سنة 921 ( 1517 )، وقد عاش المقريزى فى كنف هذه الدولة فى فترة ضعفها النسبى ، وسقطت بعد موت المقريزى بخمسة وسبعين عاما تقريبا.
كتب المقريزى عدة مؤلفات تسجل تاريخ مصرمن الفتح العربى الى عصره الذى عاش فيه . بدأ بتاريخ ( عقد جواهر الأسفاط من أخبار مدينة الفسطاط ) من الفتح العربى الى العصر الفاطمى ، ثم ( اتعاظ الحنفا ) فى تاريخ الفاطميين ، ثم ( السلوك لمعرفة دول الملوك ) الذى يتناول تاريخ الايوبيين ثم تاريخ المماليك حتى العصر الذى عاش فيه المقريزى ،بالاضافة الى كتابه الأشهر :(الخطط المقريزية ) الذى أرّخ فيه للعمارة المصرية وأحياء القاهرة وعمرانها مفتتحا بابا جديدا من أبواب التأريخ الاجتماعى والسكانى والاقتصادى.وله عدا ذلك مؤلفات صغيرة متخصصة .
الا أن موسوعته (السلوك فى معرفة دول الملوك ) أهم المصادر التاريخية للعصر المملوكى خصوصا فى الأجزاء الأخيرة التى كتبها المقريزى مسجلا ـ بمنهج التاريخ الحولى ـ أحداث عصره بالشهور والسنين ، معلقا عليها ناقدا لها ناقلا نبض العصر مؤرخا لأشخاص عايشهم وتعامل معهم . وننقل بعض ما قاله المقريزى عن مأساة دمشق وما فعله بها السلطان " المسلم " تيمورلنك .
بعض تأريخ المقريزى لأحداث سنة ـ 803 هجرية
ذكر المقريزى هزيمة السلطان فرج بن برقوق امام عسكر تيمورلنك الذى زحف من الشمال قاصدا تدمير الدولة المملوكية ، تسبقه سمعته الدموية فى القتل والتدمير. انهزم السلطان المملوكى مرتين فى حروب استطلاعية جرت في سوريا فى يوم السبت ثامن جمادى الأولى ‏ ثم كانت الحرب ثانياً في يوم الثلاثاء حادي عاشره‏.‏ وكان ممكنا ان يصمد العسكر المملوكى لولا أن تفرق عنه كثير من الأمراء ، تركوه عائدين الى مصرليعزلوه عن السلطنة ، فاضطر السلطان للرجوع الى مصر ليحمى عرشه .
دخل السلطان القاهرة ثاني جمادى الآخرة ففزع الناس خوفا من مقدم تيمورلنك ، يقول المقريزى (فارتجت البلد وكادت عقول الناس أن تختل‏.‏ وشرع كل أحد يبيع ما عنده ويستعد للهروب من مصر‏.‏) ودخل السلطان القلعة ـ مركز حكمه ـ ومعه كبار الأمراء الفارين معه ، وقد ذكر المقريزى أسماءهم ورتبهم قائلا (وهم في أسوأ حال ليس مع الأمير سوى مملوك أو مملوكين فقط وفيهم من هو بمفرده ليس معه من يخدمه‏.‏وذهبت أموالهم وخيولهم وجمالهم وسلاحهم وسائر ما كان معه مما لو قّوّم لبلغت قيمته عشرات آلاف ألف دينار‏.‏ وشوهد كثير من المماليك لما قدم وهو عريان‏.‏ ) وهكذا ترك السلطان فرج مدينة دمشق ـ التابعة له ـ وحيدة فى وجه السفاح تيمورلنك .
صمم أهالى دمشق الشجعان على المقاومة ، وأيدتهم الحامية المملوكية المتحصنة فى القلعة والمكلفة بحراسة المدينة. يقول المقريزى ( وأما دمشق فإن الناس بها أصبحوا يوم الجمعة بعد هزيمة السلطان ورأيهم محاربة تمرلنك ، فركبوا أسوار المدينة ونادوا بالجهاد ، وزحف عليهم أصحاب تمر( أى تمرلنك ) فقاتلوهم من فوق السور وردوهم عنه، وأخذوا منهم عدة من خيولهم‏ ،وقتلوا منهم نحو الألف وأدخلوا رءوسهم إلى المدينة. فقدم رجلان من قبل تمر وصاحا بمن على السور‏:‏ أن الأمير يريد الصلح فابعثوا رجلاً عاقلاً حتى نحدثه في ذلك‏.‏ فوقع اختيار الناس على إرسال قاضي القضاة تقي الدين إبراهيم بن محمد بن مفلح الحنبلي ، فأرخى من السور، واجتمع بتمرلنك ، وعاد إلى دمشق وقد خدعه تمرلنك وتلطف معه في القول وقال‏:‏ هذه بلدة الأنبياء وقد أعتقتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة عن أولادي‏.‏)
انخدع ابن مفلح بوعود تيمورلنك ، ورجع الى دمشق يدعو الناس اللى الاستسلام الى " تمر " أو تيمورلنك. يقول المقريزى ( فقام ابن مفلح في الثناء على تمر قياماً عظيماً وشرع يخذل الناس عن القتال ويكفهم عنه، فمال معه طائفة من الناس، وخالفته طائفة وقالت‏:‏ لا نرجع عن القتال‏.‏ وباتوا ليلة السبت على ذلك وأصبحوا وقد غلب رأي ابن مفلح فعزم على إتمام الصلح وأن من خالف ذلك قتل‏.‏) أى أن من يرفض الصلح مع الغازى تيمورلنك يقتلونه .!!.
وطلب منهم تمر أو تيمورلنك عربون الصلح ، يقول المقريزى ( وفي الوقت قدم رسول تمر إلى سور المدينة في طلب الطقزات، وهي عادة تمرلنك إذا أخذ مدينة صلحاً أن يخرج إليه أهلها من كل نوع من أنواع المآكل والمشارب والدواب والملابس تسعة، يسمون ذلك طقزات، فإن التسعة بلغتهم يقال لها طقز‏.‏ فبادر ابن مفلح واستدعي من القضاة والفقهاء والتجار حمل ذلك، فشرعوا فيه حتى كمل، وساروا به إلى باب النصر ليخرجوه إلى تمرلنك، فمنعهم نائب القلعة من ذلك، وهددهم بحريق المدينة عليهم‏ ،‏ فلم يلتفتوا إلى قوله وتركوا باب النصر ومضوا إلى جهة أخرى من جهات البلد‏.‏ وأرخوا الطقزات من السور وتدلي ابن مفلح ومعه كثير من الأعيان وغيرهم، وساروا إلى مخيم تمرلنك وباتوا به ليلة الأحد‏.‏)
وكافأ تيمورلنك أعوانه الجدد من الفقهاء فقرر تعيينهم فى الوظائف عندما يتم استيلاءه على دمشق. يقول المقريزى ( ثم عادوا بكرة الأحد وقد استقر تمر( أى تيمورلنك ) منهم بجماعة في عدة وظائف ما بين قضاة قضاة ووزير ومستخرج الأموال ونحو ذلك ، ومعهم فرمان وهو ورقة فيها تسعة أسطر تتضمن أمان أهل دمشق على أنفسهم وأهليهم خاصة‏.‏ فقري على منبر جامع بني أمية، وفتح من أبواب المدينة باب الصغير فقط ، وقدم أمير من أمراء تمرلنك فجلس به ليحفظ البلد ممن يعبر إليها، وأكثر ابن مفلح ومن كان معه من ذكر محاسن تمرلنك وبث فضائله ودعا العامة إلى طاعته وموالاته، وحثهم بأسرهم على جمع المال الذي تقرر جمعه وهو ألف ألف دينار ، ففرض ذلك على الناس كلهم وقاموا به من غير مشقة لكثرة أموالهم‏.‏ فلما كمل المال حمله ابن مفلح وأصحابه إلى تمر، ووضعوه بين يديه، فلما عاينه غضب غضباً شديداً و لم يرض به، وأمر بابن مفلح ومن معه أن يخرجوا عنه فاخرجوا ، ووكل بهم‏.‏ ‏.‏ )
رفض تيمورلنك الأموال فقد غيّر رأيه وأراد جمع مال أكثر، لذلك اعتقل ابن مفلح وصحبه وفرض غرامة أكبر على أهالى دمشق . يقول المقريزى ( ثم ألزموا بحمل ألف تومان، والتومان عبارة عن عشرة آلاف دينار من الذهب ... فتكون جملة ذلك عشرة آلاف ألف دينار، فالتزموا بها ، وعادوا إلى البلد، وفرضوه على الناس، فجبوا أجرة مساكن دمشق كلها عن ثلاثة أشهر، وألزموا كل إنسان من ذكر وأنثى وحر وعبد وصغير وكبير بعشرة دراهم‏.‏ وألزم مباشر كل وقف من سائر الأوقاف بمال ، فأخذ من أوقاف جامع بني أمية ألف درهم ، ومن بقية أوقاف الجوامع والمساجد والمدارس والمشاهد والربط والزوايا شيء معلوم بحسب ما اتفق. فنزل بالناس في استخراج هذا بلاء عظيم‏.‏ وعوقب كثير منهم بالضرب، وشغل كل أحد بما هو فيه، فغلت الأسعار وعز وجود الأقوات وبلغ المسد من القمح - وهو أربعة أقداح - إلى أربعين درهماً فضة‏.‏ وتعطلت الجمعة والجماعة من دمشق كلها فلم تقم بها جمعة إلا مرتين الأولى في يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الآخرة ودعا الخطب فيها بجامع بني أمية للسلطان محمود ولولي عهده ابن الأمير تيمور كركان ، ثم شغل الناس بعدها عن الدين والدنيا بما هم فيه‏.‏)
والتفت تيمور الى مساجد دمشق فنهبها ودنّس حرمتها ومنع الصلاة فيها ، يقول المقريزى ( وذلك أنه نزل شاه الملك - أحد أمراء تمر - بجامع بني أمية ومعه أتباعه وادعى أنه نائب دمشق وجمع كل ما كان في الجامع من البسط والحصر وستر بها شرفات الجامع ، وصلى الناس الجمعة في شمالي الجامع وهم قليل‏.‏ وشاهدوا أصحاب شاه ملك يلعبون في الجامع بالكعاب ويضربون بالطنابير‏.‏ ثم بعد الجمعتين منعوا من إقامة في الجمعة بالجامع فصلى طائفة الجمعة بعد ذلك بالخانقاه السميساطية فتعطلت سائر الجوامع والمساجد من إعلان الأذان وإقامة الصلاة‏.‏... هذا ونائب القلعة ممتنع بها وقد حاصره تمر فخرب ما بين القلعة والجامع بالحريق وغيره‏.‏ ثم إن النائب سلم بعد تسعة وعشرين يوماً‏.‏)
وبعد أن أدّوا اليه الغرامة طمع تيمورلنك فى المزيد ، يقول المقريزى ( فلما تكامل حصول المال الذي هو بحسابهم ألف تومان حمل إلى تمر فقال لابن مفلح وأصحابه‏:‏ هذا المال بحسابنا إنما هو ثلاثة آلاف دينار‏.‏ وقد بقي عليكم سبعة آلاف ألف دينار وظهر أنكم قد عجزتم‏.‏ وكان تمر لما خرجت إليه الطقزات وفرض للجباية الأولى التي هي ألف ألف دينار قرر مع ابن مفلح وأصحابه أن ذلك على أهل البلد وأن الذي تركه العسكر المصري من المال والسلاح والدواب وغير ذلك لا يعتد به لهم وإنما هو لتمر‏.‏ فخرج الناس إليه بأموال أهل مصر‏.‏.. فلما علم أنه قد استولى على أموال المصريين ألزمهم بإخراج أموال الذين فروا من التجار وغيرهم إلى دمشق خوفاً منه‏.‏ وكان قد خرج من دمشق عالم عظيم فتسارعوا إلى حمل ذلك إليه ، وجروا على عادتهم في النميمة بمن عنده من ذلك شيء ، حتى أتوا على الجميع‏.‏ فلما صار إليه ذلك كله ألزمهم أن يخرجوا إليه سائر ما في المدينة من الخيل والبغال والحمير والجمال فاخرج إليه جميع ما كان في المدينة من الدواب حتى لم يبق بها شيء من ذلك‏.‏ ثم ألزمهم أن يخرجوا إليه جميع آلات السلاح جليلها وحقيرها فتتبعوا ذلك ودل بعضهم على بعض حتى لم يبق بها من آلات القتال وأنواع السلاح شيء‏.‏)
ماذا تبقى فى دمشق بعد كل ما سلبه تيمورلنك ؟
اتهم تيمور لنك خادمه الفقيه ابن مفلح بالعجز عن استخلاص الأموال فاعتقله هو وأصحابه ، يقول المقريزى ( قبض على أصحاب ابن مفلح وألزمهم أن يكتبوا له جميع خطط دمشق وحاراتها وسككها فكتبوا ذلك ودفعوه إليه ففرقه على أمرائه‏.‏)
وتم توزيع أحياء دمشق على امراء جيش تيمورلنك، وتوقف كل أمير بجنده عند كل بيت ، يقوم بتعذيب أصحاب البيت حتى يستخلص منهم كل ما لديهم من أموال ، يقول المقريزى ( وقسم البلد بينهم ، فساروا إليها، ونزل كل أمير في قسمه، وطلب من فيه، وطالبهم بالأموال، فكان الرجل يوقف على باب داره في أزرى هيئة ويلزم بما لا يقدر عليه من المال فإذا توقف في إحضاره عذب بأنواع العذاب من الضرب وعصر الأعضاء والمشي على النار وتعليقه منكوشاً وربطه بيديه ورجليه وغم أنفه بخرقة فيها تراب ناعم حتى تكاد نفسه تخرج فيخلى عنه حتى يستريح ثم تعاد عليه العقوبة‏.‏ ومع هذا كله تؤخذ نساوه وبناته وأولاده الذكور وتقسم جميعهم على أصحاب ذلك الأمير فيشاهد الرجل المعذب امرأته وهي توطأ وابنته وهي تقبض بكارتها وولده وهو يلاط به فيصير هو يصرخ مما به من ألم العذاب وابنته وولده يصرخون من ألم إزالة البكارة وإتيان الصبي وكل هذا نهاراً وليلاً من غير احتشام ولا تستر‏.‏ ثم إذا قضوا وطرهم من المرأة والبنت والصبي طالبوهم بالمال وأفاضوا عليهم أنواع العقوبات وأفخاذهم مضرجة بالدماء‏.‏ وفيهم من يعذب بأن يشد رأس من يعاقبه بحبل ويلويه حتى يغوص في الرأس وفيهم من يضع الحبل على كتفي المعذب ويديره من تحت إبطه ويلويه بعصا حتى ينخلع الكتفين‏.‏ وفيهم من يربط إبهام اليدين من وراء الظهر ويلقي المعذب على ظهره ويذر في منخريه رماداً سحيقاً ثم يعلقه بإبهام يديه في سقف الدار ويشعل النار تحته‏.‏ وربما سقط في النار فسحبوه منها وألقوه حتى يفيق فيعذب أو يموت فيترك‏.‏ واستمر هذا البلاء مدة تسعة عشر يوماً آخرها يوم الثلاثاء ثامن عشرين رجب فهلك فيها بالعقوبة ومن الجوع خلق لا يدخل عددهم تحت حصر‏.‏ فلما علموا أنه لم يبق في المدينة شيء له قدر خرجوا إلى تمرلنك فأنعم بالبلد على أتباع الأمراء فدخلوها يوم الأربعاء آخر رحب ومعهم سيوف مشهورة وهم مشاة فنهبوا ما بقي من الأثاث وسبوا نساء دمشق بأجمعهن وساقوا الأولاد والرجال وتركوا من عمره خمس سنين فما دونها وساقوا الجميع مربطين في الحبال‏.‏ ثم طرحوا النار في المنازل وكان يوماً عاصف الريح فعم الحريق البلد كلها وصار لهب النار يكاد أن يرتفع إلى السحاب وعملت النار ثلاثة أيام آخرها يوم الجمعة‏.‏ وأصبح تمر يوم السبت ثالث رجب راحلاً بالأموال والسبايا والأسري بعدما أقام على دمشق ثمانين يوماً وقد احترقت كلها وسقطت سقوف جامع بني أمية من الحريق وزالت أبوابه وتفطر رخامه ولم يبق غير جدره قائمة‏.‏ وذهبت مساجد دمشق ومدارسها ومشاهدها وسائر دورها وقياسرها وأسواقها وحماماتها وصارت أطلالاً بالية ورسوماً خالية قد أقفرت من الساكن وامتلأت أرضها بجثث القتلى ولم يبق بها دابة تدب إلا أطفال يتجاوز عددهم آلاف فيهم من مات وفيهم من يجود بنفسه‏.‏)
وبعد
هل تكفى شهادة الاسلام لكى تعتبر تيمور لنك وجيشه مسلمين ؟ لا شأن لنا بعقيدته ، انما يعنينا ما فعله. وما فعله تيمورلنك " المسلم " لا يختلف كثيرا عما فعله خلفاء من العرب الفاتحين . يكفى أن منشىء الدولة العباسية أطلق على نفسه : السفاح "افتخارا بسفكه للدماء ، وهو عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب. والعباس هو عم النبى محمد عليه السلام.
ما فعله حفيد ابن عباس فى أهل الموصل سنة 132 هجرية
تحت عنوان (ذكر ولاية يحيى بن محمد الموصل ومن قتله بها ) يقول المؤرخ الموسوعى شهاب الدين النويرى فى كتابه ( نهاية الأرب ) فى الجزء 22 ص 58 :
( وفى هذه السنة استعمل السفاح أخاه يحيى على الموصل، وسبب ذلك أن أهل الموصل امتنعوا من طاعة عاملهم محمد بن صول.. وأخرجوه عنهم، فكتب بذلك الى السفاح فاستعمل عليهم أخاه يحيى وسيّره اليها فى اثنى عشر ألفا ، فنزل قصر الامارة ولم يظهر لهم ما يكرهونه ولا عارضهم فى أمر، ثم دعاهم فقتل منهم اثنى عشر رجلا، فنفر أهل البلد وحملوا السلاح فأعطاهم الأمان ، وأمر فنودى : "من دخل الجامع فهو آمن "، فأتاه الناس يهرعون ، فأقام يحيى الرجال على أبواب الجامع فقتلوا الناس قتلا ذريعا، وأسرفوا فيه ، فقيل انه قتل عشرين ألفا ممّن لهم خاتم ( أى ممّن يوقعون بخاتمهم ، أى من كبار الناس ) ، ومن ليس له خاتم ما شاء الله . فلما كان الليل سمع صراخ النساء يبكين رجالهن ، فقال : " اذا كان الغد فاقتلوا النساء والصبيان " فقتلوا منهم ثلاثة أيام. وكان فى عسكره قائد معه أربعة آلاف زنجى ، فأخذوا النساء قهرا، ( أى اغتصبوهن ) ، فلما فرغ يحيى من قتل أهل الموصل ركب فى اليوم الرابع وبين يديه الحراب والسيوف مصلتة ، فاعترضته امرأة وأخذت بعنان دابته فأراد اصحابه قتلها فنهاهم ، فقالت له : ألست من بنى هاشم ؟ ! ألست من بنى عم رسول الله ؟ أما تأنف للعربيات المسلمات أن ينكحهن الزنج ؟!! . فأمسك عن جوابها ، وبعث معها من أبلغها مأمنها. فلما كان الغد جمع الزنج للعطاء فاجتمعوا، فأمر بهم فقتلوا عن آخرهم )
هذا الرجل يحيى بن محمد بن على بن عبدااله بن عباس استحق اعجاب أخيه الخليفة السفاح لأنه نكث بالعهد والوعد ، وقتل الأبرياء فى المسجد بعد أن أعطاهم الأمان ، ثم قتل النساء والصبيان لأنهم أزعجوه ببكائهم على آبائهم وأزواجهن. ثم أكتشف فى النهاية أنه من العار عليه أن يدع جنوده الأفارقة يغتصبون المسلمات العربيات، فقتل جنده الأفارقة بنفس الخداع والنذالة . ليس غيرة على الاسلام أو الشرف ولكن تعصبا عرقيا فقط. المحصلة النهائية ان الخليفة السفاح أحكم قبضته على الموصل ، وحين ثاروا للمرة الثانية فى عهد الخليفة العباسى الثانى أبى جعفر المنصور فانه بعد أن أخمد ثورتهم بالحديد والنار أخذ عليهم عهدا انهم ان ثاروا ثانية فقد حلت له دماؤهم وأموالهم.
ومع ذلك فان السفاح والمنصور و تيمورلنك وصدام حسين وآل سعود وسائر المفسدين فى الأرض يزعمون أنهم يحكمون باسم الاسلام، ويأتى على الطريق محتالون آخرون يمارسون نفس الافك يزعمون أنهم وحدهم الاخوان المسلمون ، ويأتى زعماء عصابات ارهابية تقتل الآمنين عشوائيا يزعمون أنهم مجاهدون ، وهم يمارسون حربا جبانة فى العراق وغيره ، ليس فيها شرف المواجهة مع جيش مدرب محترف، ولكن قتل المدنيين الأبرياء بالعربات المفخخة فى الشوارع وأسواق والمساجدوخطف الضيوف وأبناء السبيل والغرباء. هذا العار هو جهاد الوهابية اليوم فى العراق، ثم يسمونهم التكفيريين لأن اسم الوهابية أضحى مقدسا لا يجوز المساس به .
الوهابيةهى التى أرجعت لنا ـ فى عصر الديمقراطية وحقوق الانسان ـ وباء سفك الدماء الذى ساد فى العصور الوسطى باسم الاسلام . ومن أسف أننا نسميهم مسلمين لمجرد نطقهم بشهادة الاسلام.أى أصبحت شهادة الاسلام رخصة لكل ارهابى ، يقولها ويدخل الجنة بالشفاعة المزعومة للنبى محمد مهما قتل من أبرياء ، ومهما سفك من دماء.
آه يا أمة ضحكت من جهلها الأمم !!
اجمالي القراءات 18633