رغم معركة الجمل وغزوة الصناديق فمصر اللى صنعها حلوانى

سعد الدين ابراهيم في السبت ٠٩ - أبريل - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

رغم استمرار تفاؤلى بربيع للديمقراطية فى مصر والوطن العربى، فإننى صادفت فى الأسبوعين الأخيرين كثيراً من المصريين والأجانب، كفّوا عن تفاؤلهم، بل وبدأوا يُعبّرون عن توجسهم من المستقبل.

فقبيل الاستفتاء على التعديلات الدستورية (١٩ مارس ٢٠١١)، شن الإخوان المسلمون، وفريق جديد قفز إلى المسرح السياسى المصرى فى غفلة من الزمن، يُطلق أصحابه على أنفسهم اسم «السلفيين»- حملة تأييد لهذه التعديلات، استخدموا فيها لُغة &Ecute; تحريضية ابتزازية من قبيل أن المادة الثانية فى خطر (وهى المادة الخاصة بالشريعة كمصدر رئيسى للتشريع)!. وحين ظهرت نتيجة الاستفتاء، والتى جاءت على هواهم، بنسبة تتجاوز السبعين فى المائة- احتفى بعض «مشايخهم»، مُستخدمين خطاباً دينياً، استدعوا فيه تعبيرات من تاريخ صدر الإسلام، ومن ذلك «معركة الجمل»، و«غزوة الصناديق».

وكانت الإشارة إلى معركة الجمل، لتذكير الناخبين بالدور المشهود والمشكور للإخوان المسلمين، فى صدّ الجحافل التى أرسلها نظام مُبارك من راكبى الجمال، الذين أتوا من منطقة الهرم بالجيزة، لمُداهمة آلاف المُتظاهرين فى ميدان التحرير. ورغم أن شباب الإخوان المسلمين، كانوا آخر من انضموا إلى المُتظاهرين، وضد أوامر شيوخهم، فإنهم كانوا أول المُدافعين عن بقية الجموع، وتصدوا ببسالة لراكبى الجمال حتى أدبروا، مُنكفئين على أعقابهم.

ولأن تاريخ صدر الإسلام كان قد شهد معركة بين أنصار على بن أبى طالب وأنصار مُعاوية بن أبى سُفيان، عُرفت باسم «معركة الجمل»، فى القرن الأول الهجرى (السابع الميلادى)، فإن استدعاء نفس التسمية، فى مطلع القرن الخامس عشر الهجرى (الحادى والعشرين الميلادى)، يوحى بأن أصحاب هذه التسمية يتمثلون، أو يتقمصون، دور المسلمين الأوائل من أنصار عليّ من «الأخيار»، ضد أنصار مُعاوية من «الأشرار».

ورغم أنه قياس تاريخى مغلوط ومعطوب، فإن بعض «المُتأسلمين»، استمرأوه، وتمادوا فى استخدامه، وكان ذلك مدعاة لتوجس آخرين ممن شاركوا فى نفس الأحداث، بل وسبقوا الإخوان المسلمين بعدة أيام فى ميدان التحرير. ثم ضاعف من هذا التوجس استمرار بعض المُتأسلمين، فى استدعاء نفس الخطاب الدينى.

من ذلك إطلاق مُصطلح «غزوة» على حدث «دنيوى» صِرف، وهو الاستفتاء على تعديل عدة مواد فى الدستور المصرى، الذى كان قد صدر فى عهد الرئيس السادات، عام ١٩٧١. ورغم أن المادة الثانية من ذلك الدستور، والتى تنص على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، لم تكن بيت القصيد فى الاستفتاء على التعديلات، من قريب أو بعيد، فإن غُلاة المُتأسلمين أقحموا هذا الأمر فى السِجال حول التعديلات وكأن من سيُصوّت «بلا»، أى ضد التعديلات، فكأنه ضد المادة الثانية من الدستور، وهو أمر غير حقيقى.

وزاد الطين بَلّة، أن أحد غُلاة المُتأسلمين، من أحد المنابر، فى أول صلاة جُمعة بعد الاستفتاء، ثم فى وسائل الإعلام- قال إن على الخاسرين فى «غزوة الصناديق»، أن يحزموا حقائبهم، ويولوا وجوههم نحو كندا أو أستراليا!.

ولأن نسبة أكبر من الإخوة الأقباط كانت قد هاجرت إلى هذين البلدين فى الماضى، فقد ظهر حديث ذلك الشيخ المُتأسلم، وكأنه موجّه أساساً إلى الأقباط المصريين، وكأن ذلك الشيخ كان يعلم كيف صوّت كل قبطى مصرى!

وخُلاصة القول هنا، هو أنه على المواطنين جميعاً، من المسلمين والأقباط، أن يكفوا عن توجسهم، وعن الشكوى داخل الغُرف المُغلقة، ويتصدوا لذلك الخطاب السلفى المُتخلف، بخطاب المواطنة المدنى المُستقبلى المُستنير، وأن ينزلوا إلى الشوارع والميادين العامة، وألا يتركوا منابر المساجد للدُعاة المُتخلفين الذين يستدعون خطابات القرون الوسطى.

فبالتأكيد، هناك دُعاة مسلمون مُستنيرون، حريصون على الوحدة الوطنية لمصر المحروسة، وحريصون على الحُرية التى بدأ المصريون يستنشقونها منذ يوم الأربعاء ٢٥ يناير ٢٠١١، والذى سيُسجله التاريخ كبداية لربيع الديمقراطية المصرية.

فما هو المطلوب عملياً من هؤلاء المواطنين العُقلاء؟

أولاً: أن ينضموا إلى أحد الأحزاب القائمة، حتى إذا لم يكن أى منها على هواهم تماماً، ويكفى فى هذه المرحلة الانتقالية أن يُلبى أكثر من نصف ما يتمنون أو أن تكون قياداته محل ثقتهم واحترامهم. وهناك أحزاب مثل الوفد، والجبهة الديمقراطى، والوسط، والكرامة، والتجمع.

ثانياً: إذا لم تكن كل الأحزاب القائمة على هواهم فليبادروا، مع أصدقائهم وزملائهم وأقاربهم بتكوين أحزاب جديدة. فلم يعد هذا الأمر بالشىء المستحيل، وإن كان ما زال لنا بعض التحفظ على شرط الخمسة آلاف عضو من البداية، لكن الأمر أصبح أسهل بكثير مما كان عليه الحال فى العهد البائد. وينطبق نفس الشىء على تأسيس الجمعيات. وفى كلا الحالين لم يعد الأمر يتطلب، إلا الإخطار، أو الإشهار.

وميزة الانضمام إلى كيان جماعى، هو أنه تعظيم «للإرادة الحُرة» لكل فرد فى هذا الكيان. وهذه الأخيرة (الكيانات الجماعية) هى ما يُطلق عليه عُلماء الاجتماع والسياسة جوهر «المجتمع المدنى»، والذى هو بدوره البنية الأساسية للديمقراطية. فكلما تعددت وتكاثرت تكوينات المجتمع المدنى، التى تبدأ بالجمعيات والروابط وتنتهى بالأحزاب ترسّخت البنية الأساسية للديمقراطية.

ثالثاً: مُتابعة المعركة التنافسية لرئاسة الجمهورية. فمع كتابة هذا المقال الأسبوعى (٧/٤/٢٠١١) كان عدد الأسماء التى أعلن أصحابها عن ترشح أنفسهم قد تجاوز العشرة، فى مُقدمتهم المُخضرمان أيمن نور، ومحمد البرادعى، والوافدون الجُدد مثل حمدين صباحى، وأسامة الغزالى حرب، وهشام البسطويسى، والفريق أحمد شفيق، وعبد المنعم أبو الفتوح، ويصلح هؤلاء جميعاً.

والتحدى هو اختيار الأفضل من بين الصالحين. وهذه هى إحدى فضائل الديمقراطية. فهى سوق سياسية مفتوحة تُتيح للمُستهلكين بدائل مُتنوعة، وتؤدى المُنافسة بينهم، كما يقول المرحوم تشارلز داروين إلى البقاء للأصلح (Survival of the fittest).

ولأن مصر ولاّدة، فقد أنجبت هؤلاء جميعاً، فلتحيا مصر. ولأن الديمقراطية ستُتيح لنا اختيار الأصلح، فلتحيا الديمقراطية. وهنا سينطبق القول الشعبى المأثور إن «مصر الديمقراطية»، صنعها باش حلوانى.

والله أعلم

اجمالي القراءات 10301