سورة التغابن
سميت بهذا الاسم لذكر التغابن بقوله "ذلك يوم التغابن ".
"بسم الله الرحمن الرحيم يسبح لله ما فى السموات وما فى الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير "المعنى بحكم الرب النافع المفيد يطيع الله الذى فى السموات والذى فى الأرض عدا من كفر، له الحكم أى له الأمر وهو لكل أمر يريد فاعل ،يبين الله للناس أن اسم الله الرحمن الرحيم وهو حكم الرب المفيد النافع هو أن ما أى الذى فى السموات وما أى والذى فى الأرض يسبح لله أى يطيع حكم الله عدا من كفر فحق عليه العذاب مصداق لقوله تعالى بسورة الحج "ألم تر أن الله له يسجد من فى السموات ومن فى الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من البشر وكثير حق عليه العذاب " والله له الملك أى حكم الكون كما قال بسورة القصص"وله الحكم "وفسر هذا بأنه له الحمد أى الحكم أى الأمر مصداق لقوله بسورة الرعد"لله الأمر جميعا "وهو على كل شىء قدير والمراد وهو لكل أمر يريده فاعل مصداق لقوله بسورة البروج "فعال لما يريد"والخطاب وما بعده وما بعده للناس.
"هو الذى خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير "المعنى هو الذى أنشأكم فمنكم مكذب ومنكم مصدق والرب بالذى تفعلون عليم ،يبين الله للناس أن الله هو الذى خلقهم أى أبدعهم فمنهم كافر أى مكذب بدين الله ومنهم مؤمن أى مصدق بدين الله والله بما تعملون بصير والمراد والرب بالذى تفعلون خبير أى عليم مصداق لقوله بسورة يونس"إن الله عليم بما يفعلون ".
"خلق السموات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير"المعنى أنشأ السموات والأرض للعدل وشكلكم فأتقن أشكالكم وإليه المرجع ،يبين الله للناس أن الله الذى خلق أى أبدع السموات والأرض بالحق أى للعدل والمراد لإقامة العدل الإلهى فيهما وهو الذى صورهم فأحسن صورهم أى خلقهم فأتقن خلقهم مصداق لقوله بسورة النمل "الذى أتقن كل شىء خلقه"وإليه المصير والمراد وإلى جزاء الله المرجع مصداق لقوله بسورة العلق"إن إلى ربك الرجعى ".
"ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم "المعنى ألم يصلكم خبر الذين كذبوا من قبلكم فصلوا عقاب كفرهم ولهم عقاب شديد،يسأل الله الناس ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبلكم والمراد ألم تبلغكم قصص الذين كذبوا حكم الله من قبل فذاقوا وبال أمرهم فعلموا عقاب كفرهم ولهم عذاب أليم أى "عذاب عظيم
"كما قال بسورة النحل والمراد عقاب مهين ؟والغرض من السؤال هو تعريفهم أنهم علموا بقصص الكفار السابقين لهم وعقاب الله لهم والخطاب للناس وما بعده .
"ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشرا يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غنى حميد"المعنى العذاب لهم لأنه كانت تجيئهم مبعوثيهم بالآيات فكذبوا بها فقالوا أناسا يرشدوننا ؟فكذبوا أى خالفوا واستكفى الرب والرب رزاق شاكر،يبين الله للناس أن ذلك وهو عقاب الكفار السابقين سببه أنه كانت تأتيهم رسلهم والمراد كانت تجيئهم أنبياؤهم (ص)بالبينات وهى الآيات من وحى وإعجاز فقالوا أبشرا يهدوننا والمراد أناسا يعلموننا الحق ؟فهم كذبوا أن يكون لله رسل من البشر وفسر الله هذا بأنهم تولوا أى خالفوا الحق واستغنى الله أى استكفى الرب والمراد لم يحتج لعبادتهم إياه والله غنى حميد والمراد والرب غير محتاج رزاق للكل مثيب لمن يطيع حكمه .
"زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربى لتبعثن ثم لتنبئون بما عملتم وذلك على الله يسير"المعنى قال الذين كذبوا أن لن يرجعوا قل بلى وإلهى لترجعن ثم لتخبرن بما فعلتم وذلك على الرب هين ،يبين الله لنبيه(ص)أن الذين كفروا أى كذبوا حكم الله زعموا أى قالوا :لن نبعث أى لن نحيا مرة ثانية،ويطلب منه أن يقول لهم بلى وربى لتبعثن والمراد حقا وخالقى لتعودن للحياة مرة أخرى ثم لتنبئون بما عملتم والمراد ثم لتعرفون عندها الذى صنعتم فى الدنيا وذلك وهو البعث على الله يسير أى هين أى سهل لا يتعبه والخطاب وما بعده وما بعده وما بعده للنبى(ص)ومنه للناس.
"فآمنوا بالله ورسوله والنور الذى الذى أنزلنا والله بما تعملون خبير "المعنى فصدقوا بالرب ونبيه (ص)أى بالهدى الذى أوحينا والرب بما تفعلون عليم،يقول الله للكفار :فآمنوا بالله ورسوله والمراد فصدقوا بحكم الله المنزل على نبيه (ص)وفسره بأنه النور الذى أنزلنا وهو الكتاب الذى أوحينا مصداق لقوله بسورة النساء"آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذى نزل على رسوله"والله بما تعملون خبير والمراد والرب بالذى تفعلون عليم وسيحاسبكم عليه مصداق لقوله بسورة يونس"إن الله عليم بما يفعلون ".
"يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم "المعنى يوم يبعثكم ليوم البعث ذلك يوم التخاصم ومن يصدق بحكم الله ويفعل حسنا يعفو عن ذنوبه أى يسكنه حدائق تتحرك من أسفلها العيون مقيمين فيها دوما ذلك النصر المبين ،يبين الله للناس أن يوم يجمعهم أى "ويوم يحشرهم"كما قال بسورة الفرقان والمراد ويوم يعيدهم للحياة ليوم الجمع وهو يوم الحشر يكون ذلك يوم التغابن أى التخاصم بين سكان النار مصداق لقوله بسورة ص"إن ذلكم لحق تخاصم أهل النار"وتخاصم الفريقين المؤمنين والكفار مصداق لقوله بسورة الحج"هذان خصمان اختصموا "ومن يؤمن بالله وهو من يصدق بحكم الله ويعمل صالحا والمراد ويعمل حسنا يكفر عنه سيئاته والمراد يترك عقابه على ذنوبه أى "ويغفر لكم ذنوبكم"كما قال بسورة آل عمران وفسر هذا بأنه يدخله جنات أى يسكنه حدائق تجرى من تحتها الأنهار والمراد تسير فى أسفل أرضها العيون ذات الأشربة اللذيذة خالدين فيها أبدا والمراد مقيمين فيها دوما ذلك الفوز العظيم والمراد ودخول الجنة النصر الكبير مصداق لقوله بسورة البروج"ذلك الفوز الكبير".
"والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير"المعنى والذين كذبوا أى جحدوا بأحكامنا أولئك سكان الجحيم مقيمين فيها وقبح المقام ،يبين الله للناس على لسان نبيه (ص)أن الذين كفروا وفسرهم بأنهم الذين كذبوا بآياتنا والمراد الذين جحدوا بأحكام الله هم أصحاب النار والمراد سكان الجحيم مصداق لقوله بسورة المائدة "أولئك أصحاب الجحيم خالدين فيها"والمراد مقيمين بها لا يخرجون منها وبئس المصير أى وساء المقام مصداق لقوله بسورة الكهف"إنها ساءت مستقرا ومقاما ".
"ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شىء عليم"المعنى ما حدث من حادث إلا بأمر الله ومن يصدق بالله يسكن نفسه والرب بكل أمر خبير ،يبين الله للناس على لسانه نبيه(ص)أن ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله والمراد ما حدث من حادث فى الكون إلا بأمر وهو إرادة الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والمراد ومن يصدق بحكم الله يقر عينه أى يطمئن نفسه مصداق لقوله بسورة الرعد"ألا بذكر الله تطمئن القلوب"والله بكل شىء عليم والمراد والرب بكل أمر خبير محيط مصداق لقوله بسورة النساء"وكان الله بكل شىء محيطا"والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس.
"وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين "المعنى واتبعوا حكم الله أى اتبعوا حكم النبى (ص)فإن كفرتم فإنما على مبعوثنا التوصيل الأمين لكم ،يطلب الله من الناس التالى أطيعوا الله والمراد اتبعوا حكم الله وفسره بقوله أطيعوا الرسول والمراد اتبعوا حكم الله المنزل على النبى (ص)فإن توليتم والمراد فإن كذبتم بحكمنا فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين والمراد أن الواجب على نبينا هو توصيل الوحى الأمين دون نقص والخطاب وما بعده للناس.
"الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون"المعنى الله لا رب إلا هو وبطاعة الرب فليحتمى المصدقون ،يبين الله للناس أن الله لا إله إلا هو والمراد لا رب سواه يجب طاعة حكمه وعلى الله فليتوكل المؤمنون والمراد وبطاعة حكم الله فليحتمى المصدقون به من أى ضرر .
"يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم "المعنى يا أيها الذين صدقوا إن من نساءكم وعيالكم كاره لكم فراقبوهم وإن تتركوا أى تسامحوا أى تعفوا فإن الرب عفو نافع ،يخاطب الله المؤمنين مبينا لهم أن من أزواجهم وهن نساءهم وأولادهم وهم عيالهم عدو لهم أى كاره لهم وهو الكافر بدين الله ويجب عليهم أن يحذروا منهم أى يراقبوهم حتى لا يضروهم ويبين لهم إنهم أن يعفوا وفسرها بأن يصفحوا وفسرها بأن يغفروا والمراد أن يتركوا عمل الباطل أحسن لهم والله غفور رحيم أى نافع مفيد لمن يترك الباطل والخطاب للمؤمنين وما بعده وما بعده.
"إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم "المعنى إنما أملاككم وعيالكم بلاء والرب لديه ثواب كبير ،يبين الله أن أموالهم وهى أملاكهم فى الدنيا وأولادهم وهم عيالهم فتنة أى بلاء أى اختبار لهم أيفعلون فيهم قول الله أم لا يفعلون والله عنده أجر عظيم أى ثواب حسن مصداق لقوله بسورة آل عمران "والله عنده حسن الثواب "وهو الجنة .
"فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون "المعنى فأطيعوا الرب أى اتبعوا أى نفذوا أى اعملوا نافعا لذواتكم ومن يمنع كفر نفسه فأولئك هم الفائزون،يطلب الله من المؤمنين التالى :اتقوا الله أى اتبعوا حكم الله وفسره بأن اسمعوا وفسره بأنه أطيعوا أى اتبعوا حكم الله وفسره بأن أنفقوا خيرا لأنفسكم أى اعملوا نافعا لمستقبلكم فى الآخرة وهو الإسلام ويبين لهم أن من يوق شح نفسه والمراد ومن يمنع كفر نفسه فأولئك هم المفلحون أى الفائزون برحمة الله وهى الجنة.
"إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم "المعنى إن تتبعوا الرب اتباعا خالصا يزيد الثواب لكم أى يعفو عنكم والرب مثيب لكم رحيم بكم عارف الخفى والظاهر الناصر القاضى بالحق ،يبين الله للمؤمنين أنهم إن يقرضوا الله قرضا حسنا والمراد إن يطيعوا حكم الله طاعة خالصة يضاعفه لهم أى يزيد الأجر لهم وفسره بأنه يغفر لهم أى يترك عقابهم على ذنوبهم والله شكور حليم أى مثيب شاكر لمن يطيع حكمه عالم الغيب والشهادة أى عارف الخفى والظاهر فى الكون العزيز الحكيم أى الناصر القاضى بالحق .