اثنان يرقصان في السودان: الأول مع عصاه التي يهشُّ بها على شعبه فتتجرأ مليشياته في دارفور، والثاني فوق شجرة مُمْسِكاً بحبة جوز الهند!
الأول مجنون، والثاني ميمون!
الأول يضحك علىَ من يجري خلفهم، والثاني يسخر ممن يحاولون اللحاق به.
الأول يصنع وحوشاً للغابة، والثاني يهرب من وحوش الغابة!
سَلّةُ العالم العربي التي لو لم يحكمها دراكيولان، نميري والبشير، واستثمر فيها العربُ أموالهم، لأسقانا الله في عالمنا العربي ماء غدقاً، ولتحوَّلت مُدن كثيرة إلى جنات ولو لم تجر من تحتها الأنهار!
أيها الطيبون السُمْر الذين انشطروا نصفين بسبب ظلم طاغيتكم اللعين، فاختار أشقاؤكم الأكثر سمرة ولـَمعاناً الحرية في أحدث دولة أفريقية حتى لو لم تكن بها أي مقومات للدولة الحديثة أو البدائية، لماذا تصبرون على الظلم رغم أن رياح الانعتاق مرَّت عليكم بعكس مَجرىَ النيل، فالمفترض أن من يشهق في القاهرة، يزفر أخوه في الخرطوم. ومن يرتشف منكم رشفةً من النيل وهو يمر عليكم، تأتي حلاوته على لسان مصري ينتهي النهر الخالد في أحضانه.
ألم يؤثر فيكم بعد ميدان التحرير القاهري؟
هل تنتظرون أن يمزق البشير دولتكم مثنى وثلاث ورباع، ثم ينشر ( بيوت الأشباح ) في كل شبر من أرض السودان الطاهر .. الجميل؟
جرائم بشيركم لا تقل عن جرائم مبارك وبن علي والأسد ومجنون ليبيا ومهبول اليمن، فهل تنتظرون فيضان النيل ليقنعكم بأهمية الغضب، أم أن جُرح انفصال الجنوب بنسبة حقيقية رغم أنها تماثل نتائج انتخابات زعمائنا قد أخافكم، وأزعجكم، وتراجعت الثقة بالانسان السوداني الذي لا تعني طيبته ضعفا أو خنوعا أو استكانة؟
هل نرسل إليكم ثوارا من تونس ومصر والأردن والبحرين واليمن و .. قلب العروبة النابض، أم أن الهدوء السوداني الحليم هو مقدمة لثورة ستفاجيء العالم كله، وستجعل مُشاهدي القنوات الفضائية المدمنين على الحملقة في ثورةٍ إثْر الأخرى، يفغرون أفواههم أمام ثورة الشباب السوداني العظيم؟
أيها السودانيون الأبطال،
لا أستطيع صبراً، وأريد أن أبعث إليكم تهنئةً لعلها تصلكم في موعد سَحْلِ العقيد في شوارع طرابلس، وحَبْس الشاويش مع حزمة قات في أحد سجون تعز أو عدن أو أبين أو صنعاء، وانتهاء عصر الأسد وحزب البعث العربي الاشتراكي، فرع دمشق!
في درج مكتبي تهنئة مؤجلة لشباب الجزائر فهم أصحاب الحق في ثورة كان ينبغي أن تسبق ثورة شعبنا التونسي العظيم، فالجزائريون دفعوا أكبر ثمن في التاريخ الحديث، وأرواح شهدائهم تحلق فوق كل شبر من أرض جزائر التحرير والاستقلال.
ثورة شباب الجزائر ينبغي أن تتعلم من كل الثورات الشبابية التي سبقتها، وهي لا ريب قادمة كما تشرق الشمس كل صباح، وستكتسح كل القوى التي تلوثت أياديها بدماء الأبرياء في حرب الطمع السلطوي الذي تنافس على كرسي العرش فيه رافعو المصحف، وحاملو النياشين المزيفة والتي لا صلة لها من قريب أو من بعيد ببطولات قادة التحرير.
أيها السودانيون الطيبون،
منذ أن قام بانقلابه العسكري في يونيو عام 1989 وهذا السفاح الأشر يحكم قبضته على رقابكم، وكأن تخديرا سَرىَ في الأجساد فلم تعد قادرة على التحرك أو التململ أو الانتفاض، وتلك لعمري أشد صور المهانة عمقا، وذِلة، وضعفاً!
كنت أتوقع أن تتوجهوا جميعا بُعَيّد انفصال الجنوب إلى القصر الرئاسي، وتقوموا بسحب طاغيتكم من قفاه، فمحاكمته بأيديكم وأمام عدالة القضاء السوداني أشرف لكم من مثوله أمام محكمة الجنايات في لاهاي.
هل أحدثكم عن جرائمه، وفساده، وتآمره عليكم، وتسهيله انفصال جنوبكم عن الوطن الأم؟
هل أحدثكم عن آلاف من حالات التعذيب، والانتهاكات، والاغتصاب في بيوت الأشباح السودانية التي لو تناهت لأسماع الشياطين لأشفقت عليكم؟
هل أحدثكم عن استغلاله الدين، وتحالفاته التُرابية حينا، ومع بن لادن، وكارلوس وصدام حسين أحيانا أخرى؟
هل أحدثكم عن السلب والنهب والابادة الجماعية وتصفية الخصوم، ومن يدري فقد تأتي المفاجأة في معرفة القاتل الحقيقي لجون جارانج؟
أيها السودانيون الشرفاء،
شعوب الوطن العربي الثائرة ليست أقل منكم، وطواغيتها يقفون في نفس الصف السادي الدموي لبشيركم المستبد، فاتقوا الله في وطنكم، وارفعوا شعار العرب من المحيط إلى الخليج ( الشعب يريد اسقاط النظام ).
نريد أن نبتهج غبطة وسعادة ونحن نرى وجوها لوَّحتها شمس السودان الحارقة، وهي تهتف من حناجر تشتعل غيظا، وغضبا على طاغية من نسل الشياطين.
مشهد الثورات العربية بدون السودانيين ناقص، فإذا خرج الجزائريون فالفرح فرحان، أما لو اكتشف الفلسطينيون أن قياداتهم( الوطنية) تتساوى في الإضرار بالقضية الفلسطينية مع أعدائهم الصهاينة فلن يكتمل قمران قبل أن ينتفض أصحاب قضية العرب لستين عاما، ويزيحوا كل القادة، بدون استثناء، في الضفة وغزة والمهجر والغربة، فكلهم نتنياهو حتى لو برزت زبيبة الصلاة في غزة، وتأنقت ربطة العنق في رام الله.
أيها السودانيون،
لا تتأخروا علينا، فساحات التغيير في الوطن الكبير تبحث عنكم، وثورة شبابكم استنشقت رحيق ثورات تونس والقاهرة ودمشق وصنعاء وعَمَّان ولم يبق إلا خروج الشجعان، وسيقوم البشير بتقبيل أقدامكم قبل أن تقذفوا به لتماسيح النيل.
لقد مضى زمن طويل لم تثلج صدورَنا فيه أخبارٌ سارة من السودان، فاجعلونا نفرح بكم، وفي الوقت الراهن فإن أقصى لحظات الفرح والسعادة والنشوة هي التي يحتشد فيها صانعو المستقبل من شباب الوطن وقد قرروا طرد الروح الشريرة من القصر أملا في أن يعم الخير والهناء والسلام والأمن على الوطن الحر.
أيها السودانيون الأبرار،
انتفضوا، وثوروا، وتمردوا، والحقوا بركب الأحرار ، واسحقوا أعداء الشعب، وانزعوا عنكم أي آثار لمسكنة أو ضعف أو خنوع.
الأرض الطيبة تنتظر بصبر نافد هدير الجماهير السودانية وهي تهزّ عرش الديكتاتور عمر حسن البشير وبطانته، وكلابه، وقاطعي الطرق الذين استباحوا دماءكم، وأعراضكم، ونساءكم، وجعلوا السودان سودانين قبل أن يمزقوه إرباً و .. قِطعاً، وعدة دويلات صغيرة لا تنهض بحياة، فتعود لتصبح قبائل أفريقية متناثرة.
ثوروا حتى يرحمكم الله في الدنيا والآخرة، فالثورة على الطغيان هي الصلاة الوحيدة التي يقبلها الله من الحُرِّ قبل أن يرتد إليه طرفه.
وسلام الله على السودان.
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو في الثاني من ابريل 2011