تعديلات دستورية أم حرب طائفية

حمدى البصير في الإثنين ٢١ - مارس - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

تعديلات دستورية .. أم حرب طائفية ! ؟

بقلم حمدى البصير

 

إنتهى يوم السبت الماضى أفضل إستفتاء فى تاريخ مصر الحديث على الأطلاق ، والذى لم يحدث مثله فى أى دولة عربية ، بسبب إستمرار روح ثورة 25 يناير ، ورغبة اشعب فى النجاح بتفوق فى أول إختبار سياسى عملى بعد الثورة ، بل إن مصر لم تعهد أى إنتخابات محترمة منذ حوالى 35 عاما ، أى منذ عهد الرئيس الأسبق السادات والت&igrdil;ت والتى سميت بإنتخابات ممدوح سالم وزير الداخلية وقتئذعام 1976 ، ورغم إختلاف طبيعة اللجؤ إلى صناديق الإنتخابات فى الحدثين إلا أن النزاهة والشفافية التى تمت فيهما كتبت فى التاريخ السياسى المصرى ، لإن خلال الفترة الماضية وعلى مدى أربعة عقود لم تشهد مصر إنتخابات محترمة وغير مزورة ن ولم يجر إستفتاء يمكن أن يطلق عليه إستفتاءا شعبيا جادا وصادقا ، بل إن كل الأستفتاءات التى أجريت سابقا كانت مزورة ومعروفة نتيجتها سلفا ، وأيضا كانت مجرد ثمثيليات ساقطة أخرجت بشكل كوميدى وساخر وبتأليف أقرب إلى السذاجة ، وكانت نتائحها مفضوحه وتثير السخرية والإشمئزاز ، لأنها كانت تعلن رسميا فى معظمها بطريقة الأربعة تسعات ، أى إن نتيجة 6إستفتاءات أجريت فى السابق كانت على الأقل - سواء على تعديل دستورى أو إختيار رئيس الجمهورية - 99,99 % بل إن نسبة الحضور فى تلك الإستفتاءات كانت تعلن بأنها حوالى 90% من عدد المقيدين فى الجداول الإنتخابية ، وأذكر أن أحد الإستفتاءات كانت نتيجتها مختلفة بعض الشىء إذ كانت حوالى 97% ونشر فى مانشيت إحدى الجرائد القومية الكبرى والذى حرره رئيس التحرير بنفسه ، كتب فيه إن نتيجة ال97% تدل مدى الشفافية التى كانت عليها عملية الإستفتاء ومدى الحرية التى تمت فيه ، بل ووجود وعى سياسى ناضج لدى الناخبين ،وأيضا دليلا قاطعا على تقدم العملية الديمراطية لأن هناك 3% كانوا من المعارضين الرافضين للإستفتاء ! ، وفى جريدة قومية أخرى هاجم أحد كتاب السلطة فى مقاله القلة المأجورة التى قالت لا ،والتى أرادت أن تفسد هذا العرس الديمقراطى ، ولكن الشعب قال كلمته ولم يعط فرصة للمأجورين والقلة المندسة إفساد الحياة السياسية فى مصر ، وقال فى نهاية مقالة " تلك هى ضريبة حرية الرأى " !

وبصرف النظر عن نتيجة الإستفتاء وبلوغ المؤيدين للتعديلات الدستورية نسبة 77.2% والرافضين لها أكثر من 22% ، لإن القبول والرفض سيؤدى بنا إلى دستور جديد حتما ، ولكن بأليات مختلفة مع إختلاف التوقيت ، إلا إن هناك إيجابيات عديدة وأيضا سلبيات قليلة شابت عملية الإستفتاء ، لابد من تسليط الضؤ عليها قبل إجراء الإنتخابات البرلمانية والرئاسية ، لإن الإستفتاء يعتبر بروفة مهمه لهما ، وبالتالى علاج السلبيات ضرورة إذا أردنا إنتخابات حقيقية قادمة ، تجرى فى مناخ ديمقراطى صحى .

ومن أهم الإيجابيات فى الإستفتاء التى أعلنت نتيجته بشفافية الأحد الماضى ، هى قبول الرافضين لتلك للتعديلات الدستورية لنتيجة الإستفتاء دون تشيكك ،وأيضا إعلان الذين قالوا لا أنهم يفكرون فى المرحلة القادمة أى الإنتخابات التشريعية ن وكيفية عمل دستور جديد من خلال الجمعية التأسيسية التى ستختار من أجل وضع دستور جديد ، وأيضا من الأيجابيات هذا الإقبال الجماهيرى على الإستفتاء من مختلف الأعمار ، ومن طوائف الشعب المختلفة ، والتى لم تحدث فى أى إستفتاء فى تاريخ مصر حيث بلغت نسبة الإقبال اكثر من 40% من الذين لهم الحق فى التصويت - أكثر من 45 مليون ناخب - لدرجة جعلت لجان إنتخابية تستمر الى الساعة الحادية عشر مساء وطبع مليونى بطاقة تصويت جديدة ، بل وأنصراف بعض الراغبين فى التصويت دون المشاركة فى الأسفتاء لضيق الوقت، بالإضافة إلى الإشراف القضائى الكامل على عملية التصويت ودون أى تدخل من الشرطة أو الجيش ،وبدون أى حوادث تذكر ، بل لم يكن يتوقع نتيجته إطلاقا أحدعلى عكس الأستفتاءات الصورية المزورة فى السابق والتى كانت مطبوخة ومعروفة سلفا وقبل إجرائها.

ولكن الأستفتاء شابته العديد من السلبيات فبل واثناء إنعقاده ، فهناك سلبيات شكلية لابد من لفت النظر إليها وكلها متعلقة بعملية تنظيم الأستفتاء ، منها عدم وجود ختم فى أوراق التصويت ا، وعدم وجود حبر فسفورى كاف ، وإعتماد عملية إثبات الحضور من خلال بطاقة الرقم القومى على الطريقة اليدوية وليس من خلال الكمبيوتر ، فكان من الأفضل أن يكون هناك برنامج كمبيوتريحتوى على أرقام بطاقات الرقم القومى للذين لهم الحق فى التصويت ، ومقسمة وموزعة على المحافظات المختلفة ، حتى يسهل التعرف على صاحب اليطاقة وإثبات حضوره ومشاركته فى الإسفتاء وتسجيل ذلك ، لمنع تكرار عملية التصويت فى أكثر من مكان أى يكون هناك فى المستقبل تصويتا ألكترونيا.

والأهم من ذلك وكاد يفسد أول إختبار سياسى بعد ثورة يناير، وأول إستفتاء حقيقى فى مصر ، هو الحرب الطائفية التى سبقت عملية الإستفتاء وإستمرت أثناء عملية التصويت ، فقد يكون من الأمور العادية أن تنشر إعلانات على صفحة كاملة ، بها صور مشاهير من ساسة وفنانين ومثقفين ، يرفضون التعديلات الدستورية ويدعون إلى قول لا فى الإستفتاء، ولكن أن يدفع مقابل تلك الإعلانات رجل أعمال قبطى ، فهذا مرفوض ، كما لايجوز أن يطالب بعض رجال الكنيسة فى عظاتهم " شعبهم " بضروة أن يقولوا ( لا ) للتعديلات حتى لايسيطر اإخوان والسلفيون على نظام الحكم فى مصر ، وفى المقابل طالب بعض خطباء لمساجد فى خطبة الجمعة المسلمين على المشاركة فى الإسفتاء وتأييد التعديلات الدستورية ، للحفاظ على المادة الثانية من الدستور ، وحتى لايعطوا الفرصة للأقباط والعلمانيين تغييرها ، لإن تلك المادة فى الدستور تنص على أن دين الدولة الرسمى الاسلام والشريعة المصدر الرئيسى للتشريع ، وهناك من المعارضين للتعديلات من يريد تحويل مصر لدولة علمانية فى المستقبل ، رغم إن تلك المادة لم تكن مدرجة أساسا فى التعديلات المطروحة ،وهذا لا يجوز أيضا .

وكان هناك حشد من الجانبين - الأقباط والإسلاميين - أمام اللجان يحاولون التأثير على إرادة الناخبين " العقلاء " الذين أصروا على المشاركة فى الأسفتاء بحرية ودون أى تأثير سياسى أو دينى ، ولولا يقظة رجال الشرطة والجيش ، لتحولت عملية الإستفتاء على الدستور إلى حرب طائفية .

ولابد أن نعالج تلك السلبيات اثناء الانتخابات البرلمانية اوالرئاسية حتى لاتحرقنا نار الفتنة نبل ونحرق أنجازات الثورة بأيدينا

حمدى البصير

elbasser2@yahoo.com

اجمالي القراءات 9473