أبشر أبشر يا عبود

خالد منتصر في السبت ١٩ - مارس - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

الهتاف الذى استقبل به عبود الزمر بعد خروجه وكان نشيد الانتصار الجهادى هو «أبشر أبشر يا عبود.. الإسلام سوف يعود»، وكأن الإسلام كان ينتظر عبود الزمر لكى يعود ثانية إلى أرض الكنانة بعد طول غياب! وكأن مصر والمصريين لم يعرفوا الدين الإسلامى إلا على يد تنظيم الجهاد، وكأن الدين قد توفى ولم يبق لنا إلا إعلان الوفاة أو انتظار معجزة قبلة الحياة التى سيمنحها له الشيخ عبود، وكأننا ننتظر ختم وتصريح دخولنا الجنة ممن تبنوا لغة القتل aacute; والرصاص واستباحة الدماء، وتكفير المخالفين واحتكار الحقيقة والصواب، وتنصيب النفس متحدثاً رسمياً باسم الإله، وتوزيع صكوك الغفران وكومباوندات الفردوس! وكأننا كفار قريش والشيخ عبود يحطم الأصنام وقت الفتح ومعها مفاهيم المواطنة وأبجديات الدولة المدنية وبدهيات.. قبول الآخر، حطم كل هذا دون أن يمنح حتى ولو فرصة حياة أو بارقة أمل لمن سيلجأ إلى دار مختلفة أو حزب مغاير، فمن اعتنق فكراً مختلفاً فهو غير آمن، ومَن دخل دار الكتب ليقرأ طه حسين أو لطفى السيد فهو غير آمن، ومن دخل داره ليفتح التليفزيون على الـ«c.n.n» فهو أيضاً غير آمن، ومن تسللت إلى أحلامه أفكار الفرنجة فهو مرتد غير آمن!

كنا قد تصورنا أن لغة الخطاب التى أطلت علينا من شاشات التليفزيون فى مولد الاحتفاء بالسيد عبود الزمر الذى ناداه الجميع بالشيخ، كنا تصورناها قد انتهت ودفنت منذ أن أعلنت جماعات الإسلام السياسى مراجعاتها وتراجعاتها عن استخدام العنف والقتل والاغتيال كطرق تعبير ووسائل تغيير، ولكننا كنا واهمين مخدوعين، فقد أعلن عبود الزمر أنها كانت تكتيكاً ومجرد تقية وقتية، ولم يعتذر عن قتل الرئيس السادات، والمهم أنه لم يعتذر عن تبنى فكرة القتل ذاتها لأى مخالف فى الرأى يُجْمِع علماء التنظيم وفقهاؤه الثقات على أنه يستحق القتل، ولم يسأل نفسه من منحهم هذا الحق الإلهى؟ ومَن نصّبهم حماة للدين والشرع؟ وكيف تهدر الدماء بمثل هذه البساطة وهذه الفوضى؟ إنها مفاهيم تغتال صورة الإسلام السمح الذى صدّرته مصر للعالم كله من خلال أزهرها الشريف، من خلال الشيخ محمد عبده والشيخ شلتوت، من خلال دولة مدنية قاتلنا من أجل مجلس نوابها فى زمن عرابى، وقاتلنا من أجل حماية حقوق أبنائها من جميع الأطياف والعقائد والأديان من خلال وزارات سعد زغلول والنحاس التى ضمت المسلم والمسيحى واليهودى أيضاً! من خلال شباب يناير الذى رفض مفهوم الدولة الدينية ومنع شعاراتها فى ميدان التحرير أثناء الثورة التى قال السيد عبود الزمر إنه خطط لها من قبل وبشر بها أثناء رؤيا شاهد فيها الإسلامبولى.

من المفهوم أن يتم الاعتذار للسيد عبود الزمر عن المدة التى قضاها فوق العقوبة القانونية التى حددتها المحكمة، ولكن ليس من المفهوم ولا من المقبول ولا من المعقول أن نتجاوز الاعتذار إلى الاحتفاء! فالجريمة جريمة تحريض على قتل، ومن الذى فعلها؟.. ضابط جيش! ومن المقتول؟.. رئيس الجمهورية، قائد الجيش الأعلى! وبعدها بساعات يُنْحَر العشرات من ضباط وجنود شرطة أسيوط فى عز النهار بلا ذنب سوى أنهم كبش فداء لرغبات دراكولية فى السلطة، وبعدها بسنوات ورغم الضربات والإجهاضات الأمنية يقتل المحجوب، رئيس مجلس الشعب، يعنى جريمة مركبة بالثلاثة، تتوافر فيها كل عناصر الغدر والخيانة والعناد.

أبشر يا شيخ عبود، الإسلام لم يرحل حتى يعود، الإسلام باق فى قلوبنا ولكنه الإسلام الذى نعرفه، الإسلام الذى يطبطب علينا بحنو ويأخذنا فى حضنه برحمة ودفء، والأهم ينادينا باحترام العقل وأهمية التنوع والاختلاف.

اجمالي القراءات 12938