الثورة .. "وتهذيب" وتجديد الخطاب الدينى
بقلم حمدى البصير
فى نفس اليوم الذى أفرج فيه المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن عبود الزمر وإبن عمه طارق من سجن طرة ، تعهد بإعادة بناء كنيسة القديسين فى قرية صول ، وعلى نفس مساحتها ، بل وعلى نفقة القوات المسلحة ، بعد تدخل الشيوخ محمد حسان وعمرو خالد وصفوت حجازى، والذين توسطوا بين أهالى القرية من اجل المصالحة بين سكانها من أقباط ومسلمين ، لتهدئة الخواطر ، وإزالة الEacute; الأحتقان الطائفى ، الذى إزداد بعد هدم الكنيسة من غاضبين مسلمين اثر واقعة أخلاقية مؤسفة طرفاها شاب قبطى فاجر وفتاة مسلمة سيئة السلوك .
بل وفى ظهيرة اليوم نفسه أصدرت جماعة " الأخوان المسلمون " بيانا حثت فيه المصريين على الذهاب إلى صناديق الإستفتاء للتصويت على التعديلات الدستورية المقرر لها السبت المقبل 19 مارس الجارى .
عبود الزمر عقب الإفراج عنه بعد ان قضى 30 عاما فى السجن ، أعلن فى مؤتمر صحفى نبذ العنف تماما ، وقبوله منظومة الحكم القائمة ، وشطب كلمة التكفير من قاموس الجماعة الأسلامية التى كان يتولى إماراتها ، بل وتفكيره فى تأسيس حزبا سياسيا يضم اعضاء الجماعة الإسلامية ، من أجل ممارسة النشاط السياسى والأشتراك فى الإنتخابات المقبلة ، مؤكدا على حق الأقباط فى تأسيس حزب لهم وشاجبا ماتعرضت له كنيسة القديسين بصول من هد م وتخريب ، ومؤكدا على حق الأقباط فى العيش بسلام وأمان وممارسة عقائدهم بحرية فى إطار المواطنة ،وتحت شعار " لهم مالنا وعليهم ماعلينا "
وقد أكدا عبود وطارق الزمر هذه المعانى خلال عشرات المقابلات والمداخلات التلفزيونية المختلفة ، خاصة فى التلفزيون المصرى ، بل إن عبود الزمر القائد التاريخى للجماعة الأسلامية ، دعا إلى مساندة الجيش ، وإعطاء المجلس العسكرى الفرصة لكى يقوم بدوره وينفذ مطالب الثورة " المباركة " بل دعا إلى الوقوف خلف الدكتور عصام شرف وحكومته من اجل إعادة الأمن والأستقرار إلى ربوع الوطن ، وعودة عجلة الإنتاج إلى الدوران ، وإنعاش الأقتصاد المصرى.
ولم يختلفا عاصم عبد الماجد وكرم زهدى- وهما من قادة جماعة الجهاد - عن ما قالاه عبود وطارق الزمر، من اهمية التعايش السلمى مع الأقباط لأنهم شركاء فى الوطن ، وأيضا إندماج " الجهاد " فى الحياة السياسية المصرية ، ولاسيما بعد إعلاتهما قرب إشهار حزبا سياسيا ذو مرجعية إسلامية ،وقبولهما بقواعد اللعبة السياسية .
الأخوان المسلمون أيضا أعلنوا عن تأسيس حزبا سياسيا، وسموه الحرية والعدالة ، وأكدوا على أهمية التصويت بنعم للتعديلات الدستورية ، فى الأستفتاء المقبل، من أجل الإنتقال السلمى للسلطة ، وإنتخاب رئيس جمهورية مدنى ، ومجلس شعب تثمل فيه كل الأطياف السياسية ، معلنين عن دخولهم الأنتخابات البرلمانية المقبلة والمنافسة على حوالى 40% من المقاعد ، وتحت شعار " مشاركة لا مغالبة " ومؤكدين إن حزبهم سيضم العديد من الأقباط ، ولامانع من مساندة بعضهم فى الأنتخابات القادمة ، وكإن معارك الإسلاميين بمختلف توجهاتهم كانت ضد النظام السابق ، وليس المصريين من أقباط ومسلمين.
وهناك تيارات فكرية إسلامية أخرى فرض عليها النظام السابق بمشاركة الأزهر حصاراماديا ومعنويا ، وإضطهد مفكريها ومنظريها ومن بين تلك التيارات " القرانيين "والذى أجبر زعيمهم الدكتور أحمد صبحى منصور الأستاذ بجامعة الأزهر سابقا على السقر إلى أمريكا هو وأسرته ، من سنوات طويلة ،أى فى منفى إختيارى ، رغم أنه صاحب فكر تنويرى ، وحجج قوية نتفق أونختلف معها ،ويؤمن بلا حدود بالأسلام المستنير الخالى من " الشوائب " .
ورغم إن قادة تيار الأسلام السياسى من إخوان وجماعات إسلامية - الذين أختلف معهم - ، لم يفصحوا عن أرائهم بصراحة فى مفهوم الديمقراطية بمعناها الواسع ومدى أحقية المرأة والأقباط فى تولى منصب رئاسة الجمهورية ، ورغم تحفظات الكثير من الأقباط من الظهور العلنى للجهاديين وحتى الإخوان، وتخوف الكثير من رجال الدين المسيحى من التصريحات الناعمة للإسلاميين ورغبتهم فى دخول معترك الحياة السياسية بقوة من خلال أحزاب " شرعية " رغم كل تلك التطمينات ، إلا أن الخطاب الدينى ككل - على المستوى الإسلامى والمسيحى - قد تغير وتحول وترشد وتهذب وتجدد ، وتلك إحدى معجزات ثورة 25 يناير، والتى لم تسقط نظام مبارك فقط ، بل أسقطت الجدار الامنى الذى جعل أبناء الوطن الواحد يخافون من بعضهم البعض ، وصور التيارات الدينية وكأنها فزاعة ، فى الداخل والخارج ، فلم يعد الأسلاميين بعد مبادرة وقف العنف والمراجعات الدينية يحملون الأحزمة الناسفة تحت ملابسهم ولا القنابل فى جيوبهم ، ولم يعدوا يكفرون أحد ، أويتربصون بالأقباط ، ولم تكن بعض الكنائس مخازن للسلاح ولا الكثير من الأقباط يستقون بالغرب خاصة أمريكا ويتمنون اليوم الذى يباد أويطرد فيه المسلمين " الغزاة " من أرض الكنانة وتعود مصر كما كانت وطنا خالصا لهم ، بل يسعى معظم الأقباط إلى التأكيد على الوحدة الوطنية ، وأيضا يحث رجال الكنيسة رعاياهم - خاصة بعض إعتصام عدد منهم أمام ماسبيرو وحدوث مواجهة دامية بين مسلمين وسكان عزبة الزبالين فى المقطم - تاجيل مطالبهم المتراكمة على مدى سنوات طويلة حتى يجتاز الوطن عذه المرحلة الدقيقة من تاريخه ، بل إن قيادات الكنيسة لم تطلب تغيير المادة الثانية من الدستورالتى تنص على أن الدين الرسمى لمصر هو الأسلام ، والشريعة الأسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع ، ولكن طالب البعض منهم أن تضاف جملة إلى هذه المادة وهى أحقية لجؤ الأقباط أو إلى شريعتهم .
لقد أزاحت ثورة يناير كل ستائر الظلام ، الذى صنعها النظام السابق ، وإنكشفت حيل وألاعيب أجهزة امنه القمعية التى كانت تحميه ، والتى بثت روح الفتنة والفرقة بين نسيج الوطن ، ودقت الأسافين بين المسيحيين والمسلمين .
عندما غمر نور الحرية كل أبناء الوطن الواحد بمختلف إنتماءاتهم وعقائدهم ، شعر كل المصريون أتهم يعيشون فى " مصر الجديدة " فتحول الإرهابى السابق إلى واعظ وناصح أمين يخاف على وطنه ، وينبذ العنف والتكفير ، ويسعى الى مد يديه بسلام إلى كل أفراد المجتمع ، لا فرق فى ذلك بين مسلم وقبطى ، وتغير وترشد وتهذب الخطاب الدينى ، ولم يعد عمرو خالد وحسان والمحلاوى وحافظ سلامة من شيوخ الفتنة، ودعاة للعنف ، كما كان يعتقد البعض ، فمعظم أحاديثهم الأن تدعو إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية ومساندة الجيش كى تعبر مصر أزمتها بسلام ، ولم أسمع فى حياتى كلاما من القلب والعقل صادر من أقباط ورجال دين مسيحى عن محاربة الفتنة الطائفية وضرورة العيش المشترك، والحفاظ على مصر وسيادتها وإستقرارها مثلما سمعت هذه الأيام .
نعم لقد تغيرالخطاب الدينى فى مصر على المستوى المسيحى والأسلامى كثيرا ، بل تهذب وتجدد ، مما قد يبشر بفتحة صفحة جديدة بين جناحى الأمة فى المستقبل وعلى أسس جديدة وقواعد راسخة وضعتها ثورة يناير المباركة.
حمدى البصير
elbasser2@yahoo.com