هناك نوعية من مقدمي البرامج والمذيعين في كل مكان في العالم، يقودون الرأي العام إلي الجهالة والعنصرية والكراهية، لكنهم ينتشرون أكثر ويتميزون جدًا في مجتمعنا العربي المتخلف وإعلامنا العربي المنافق، حيث تتمتع هذه النوعية بقدرة رائعة علي أن تكون مع القطيع السياسي والإعلامي، هذه النوعية هي الحاصلة طبعًا علي رخصة توجيه الناس في الوطن العربي وتملأ شاشات الفضائيات العربية وتليفزيونات الأنظمة الاستبدادية، وباستثناء ثلاثة أو أربعة أسماء في الفضائيات فقط فإن فضاءنا مفتوح أمام الضلالية الذين تتوفر في أيهم المواصفات التالية:
1- جهل عصامي حيث يعادي الثقافة والعلم والمعرفة، إلا أن الثقافة التي يهتم بها هي الثقافة الجنسية المرئية وليست المقروءة قطعًا، والعلم الوحيد الذي يؤمن به هو علم الأبراج، والمعرفة الوحيدة التي يفضلها هي معرفة أحدث موديل للموبايل ومميزات البلوتوث في جهازه المحمول.
2- توقف عن القراءة منذ آخر مذكرة فيها الأسئلة والإجابات النموذجية التي قرأها قبل آخر امتحان دخله في الكلية أو المعهد.
3- سماع الكلام وتطبيق التعليمات والالتزام بالتوجيهات والإخلاص في التنفيذ، كأي عسكري أمن مركزي تلقي أمرًا من الضابط بتاعه.
4- معاداة المثقفين ومعارضي الحكم والتعامل مع السياسة باعتبار أن الرئيس سيدنا وتاج راسنا، وابن الرئيس (أو أبناء الرئيس ) هم أهم حاجة في البلد، وأن السيد وزير الإعلام هو بابا وماما وأنور وجدي، إلا إذا كان مزعل صاحب المحطة يبقي أنور وجدي بس ومش لدرجة بابا وماما.
5- العمل بروح السبوبة والنحتاية وأبجني تجدني وظرفني تعرفني.
وكي تعرف الفرق بين هذه النوعية التي بلاك الله بها وبين ما يجب أن يكون عليه مقدم البرامج فعلا فإليك النموذج الأجمل، إنه جون ستيوارت، واحد من أهم مقدمي البرامج في الولايات المتحدة، وبرنامجه اليوميThe
Daily Show هو الأشهر والأنجح، وهو برنامج ساخر يقدم فيه نقدًا لاذعًا لكل ما يحدث في
أمريكا وخارجها بمنتهي الحرية والصراحة والحدة أحيانا، البرنامج بدأ عام 1999. ثم في قلب حكم بوش وفي أوج المد اليميني المتطرف الذي رفع شعار «من ليس معنا ضدنا» كان جون ستيوارت هو الصوت الأقوي والأهم الذي يعارض بوش ويهاجمه يوميًا ويعري سياسة المحافظين الجدد، ولم يكتف بكونه مذيعًا ناجحًا ومؤثرًا بل أصدر كتابه المدهش (أمريكا الكتاب: دليل المواطن لديمقراطية لا تعمل )، تألق ستيوارت وقام بإلقاء المزيد من الضوء الساخر واللاذع علي سياسات جورج بوش وشركة هاليبرتون وسجل وزير العدل المتطرف جون أشكروفت، وحرب العراق وما اتصل بها من أكاذيب وتضليل، وصولاً إلي فضائح أبو غريب (شاهدت له حلقات مؤخرًا يهاجم فيها باراك أوباما بعنف السخرية وبسخرية العنف، رغم أنه كان واحداً من أهم مؤيديه في انتخابات الرئاسة وكنت قد شاهدته يواجه المؤيدين لعدوان إسرائيل علي غزة بمنتهي الشجاعة وبعظيم السخرية منهم).
ويحاول ستيوارت في كتابه الأحدث تذكير المواطنين الأمريكيين بوجود الديمقراطية قبل وجود أمريكا بأكثر من 1500 عام، حيث لا يدرك المواطن الأمريكي قِدَم الأفكار الديمقراطية، ويعتقد الأمريكيون أن الأفكار الديمقراطية هي وليدة الثورة الأمريكية في القرن الثامن عشر فقط.
جون ستيوارت، مقدم أهم برنامج أمريكي يومي، الذي أشك أن أحدًا من مذيعينا يعرفه أو يعرف اسمه أو شاهد حلقة من برنامجه أساسًا، يسخر من مؤسسي الولايات المتحدة ويتهمهم بالديكتاتورية وحب إسالة الدماء وامتلاك العبيد. ويقول ساخرًا إن الحجاج الأوائل الذين هاجروا بسبب عدم تمكنهم من ممارسة معتقداتهم الدينية إلي العالم الجديد، سريعًا ما مارسوا استبدادًا آخر علي مَنْ يختلف مع معتقداتهم الدينية.
ويري أن الرؤساء الأمريكيين هم «ملوك متوجون» وأن هناك أكذوبة كبيرة تتعلق «بأن كل أمريكي يستطيع أن يصبح رئيسًا». ويسخر من الكونجرس ويراه «مستنقع الديمقراطية»، حيث هناك أشخاص بدون أحاسيس، وذوو وجوه رمادية، لا يعملون شيئًا سوي الخضوع لضغوط جماعات المصالح التي يمثلها شياطين. ويلخص فكرة الكونجرس الأمريكي في كون المجتمع يحتاج لقوانين، وأن أغلبية المواطنين مشغولون بتفاصيل حياتهم اليومية، لذا يترك المجال لأصحاب المصالح الخاصة لاستغلال هذا الوضع لخلق قوانين مفيدة لهم ولمصالحهم بصفة رئيسية.
ولا يفوت ستيوارت السخرية من الحملات الانتخابية الأمريكية التي يراها تمثل فقط انعكاسًا صريحًا لسيطرة رأس المال علي كل شيء في الولايات المتحدة، خصوصا السياسي منها. وهو يري أن اليهود (هو نفسه يهودي) والمثليين جنسيًا يسيطرون علي الإعلام الأمريكي.
هذا مذيع مدهش يؤلف كُتبًا، بينما كثير من مذيعينا الكواسر لا يقرأون الكتب أصلاً!