الدين والعلم والعقل
(بل هو آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم وما يجحد بآياتنا الا الظالمون)
الدين والعلم توأمان لا انفكاك لأحدهما عن الآخر، فهما للإنسان بمثابة الجناحين للطائر يطير بهما، ومن الواضح أن جناحًا واحدًا لا يكفي للطيران، وكل دين يتجرد من العلم فهو تقليد لا اعتقاد(أي وضعه أناس بغير سلطان من الله)، ومجاز لا حقيقة، ولذلك كان التعليم فريضة من فرائض الدين.
فإذا وجدت مسألة من مسائل الدين لا تطابق العقل والعلم كانت هذه المسألة وَهْمًا. لأن الجهل ضد العلم. فإذا كان الدين ضد العلم فهو جهل. وإذا كانت هناك مسألة تخرج عن طور العقل الكلي الإلهي فكيف نتوقع أن يقنع بها الإنسان، إذ إنه لو فعل ذلك لسمّينا ذلك اعتقاد العوام.
أما الأساس الذي وضعه جميع الأنبياء فهو الحقيقة، وهي واحدة ومطابقة بأكملها للعلم. فوحدانية الله مثلا، أليست مطابقة للعقل؟ والروحانية الإنسانية أليست مطابقة للعقل؟ والنية الصادقة والصدق والأمانة والوفاء أليست مطابقة للعقل؟ والثبات والاستقامة والأخلاق الحميدة أليست مطابقة للعقل؟ إذًا فجميع أحكام الشريعة الإلهية مطابقة للعقل. وتفصيل ذلك أن الدين منقسم إلى قسمين: أحدهما يتعلق بالروحانيات وهو الأصل. والقسم الثاني يتعلق بالجسمانيات أي المعاملات. أما القسم المتعلق بالروحانيات والإلهيات فإنه لم يتغير ولم يتبدل، وبه بعث جميع الأنبياء الذين أسسوا فضائل العالم الإنساني، بمعنى أن قبسًا من شمس الحقيقة سطع على عالم الأخلاق فأضاءها وهطل غمام العناية، فازدهرت حديقة الحقيقة وأينعت. وهذا أساس رسالة جميع الأنبياء وهو يتعلق بعالم الأخلاق والمعرفة، وهو واحدٌ لا يتغيّر، إذ انّ الحقيقة لا تتعدّد ولا تقبل التعدد.
أما القسم الثاني من الدين الإلهي – وهو المتعلق بالأجسام والأحكام فإنه يتغير ويتبدّل بمقتضى الزمان والمكان. ففي زمان موسى نصّت التوراة على عشرة أحكام بالقتل. وكان ذلك بمقتضى ذلك الزمان. أما في عهد المسيح فإن الزمان لم يكن يقتضي ذلك.(ثم جاء الإسلام ليقر بعض الأحكام ويمحو البعض الآخر وينشئ أحكاما جديدة). ذلك لأن الزمان لا يقتضي كل ما كان قبله. اتضح إذن أن لشريعة الله وجهين، أحدهما روحاني يتعلق بعالم الأخلاق والمعرفة وفضائل العالم الإنساني، وهذا لا تغيير فيه ولا تبديل، فهو واحد دائما أبدا، والثاني لا يتعلق بالأخلاق، وهذا يتغير حسب مقتضيات الزمان. أما أساس دين الله فهو الأخلاق وإشراق نور المعرفة والفضائل الإنسانية. وكل ملة ترتقي إذا تحسنت أخلاقها، كما أن تهذيب الأخلاق مطابق للعقل، ولا خلاف في ذلك أبدا. لذلك إذا كان الدين مخالفا للعقل فهو أوهام. فطابقوا إذن جميع عقائدكم على العلم حتى يتفق العلم والدين، ذلك لأن الدين هو أحد جناحي الإنسان والعلم هو الجناح الآخر والإنسان يطير بجناحين ولا يستطيع أن يطير بجناح واحد. أما جميع تقاليد الأديان(التي زادها البشر من تلقاء أنفسهم) فهي مخالفة للعقل والعلم ولحقيقة الأديان، ومن هذه التقاليد نشأت المفاسد التي أصبحت سببا للعداوة والبغضاء بين البشر، ولو طابق الناس بين الدين والعلم لظهرت الحقيقة، ولأصبح ظهور الحقيقة سببا لإزالة الخلاف ولزال البغض الديني بل لاختلط جميع البشر مع بعضهم البعض بنهاية الألفة والمحبة. فركزوا أفكاركم إذن على تطبيق العلم على الدين، وتطبيق الدين على العلم.
وإذا ما خالفت مسألة من المسائل الدينية العقل وخالفت العلم فإنها وهمٌ محضٌ. فكم تموّجت من أمثال هذه البحور الوهمية في القرون الماضية! لاحظوا أوهام ملة الرومان واليونان التي كانت أساس دينهم ولاحظوا أوهام المصريين التي كانت أساس دينهم أيضا وجميع هذه الأوهام مخالفة للعقل ومخالفة للعلم واتضح الآن وتجلى أنها كانت أوهامًا ولكنها في زمانها كانت عقائد تمسكوا بها أشد التمسك. فالمصريون القدماء مثلا حينما كان يذكر أمامهم اسم صنم من أصنامهم كانوا يزعمون أن ذلك معجزة من معجزات ذلك الصنم في حين انه في الحقيقة قطعة من الصخر.
إذن يجب علينا نحن أن نتخلى عن هذه الأوهام ونتحرّى الحقيقة. فكل ما نراه مطابقًا للحقيقة نقبله وكل ما لا يصدقه العلم ولا يقبله العقل فهو ليس بحقيقة بل تقاليد، وهذه التقاليد يجب نبذها ويجب التمسك بالحقيقة فلا نقبل الدين الذي لا يطابق العقل والعلم. وحينما يتم هذا لا يبقى اختلاف بين البشر إطلاقًا ونصبح جميعا ملةً واحدةً وجنسًا واحدًا ووطنًا واحدًا وسياسةً واحدةً وإحساساتٍ واحدة وتربيةً واحدة.
ولو قلنا إن الدين ضد العقل فذاك يعني أن الدين جهل، ولهذا لا بد أن يكون الدين مطابقا للعقل حتى يطمئن الإنسان إليه فإن كانت هناك مسألة تخالف العقل فإن الانسان لا يطمئن إليها أبدا ويكون مترددا دائما.
والعلم الحقيقي نور ولا بد أن يكون ما يخالفه ظلمة.. إذن يجب أن يكون الدين مطابقا للعلم والعقل. ولهذا فإنه لما كانت جميع هذه التقاليد الموجودة بين أيدي الأمم مخالفة للعلم والعقل لذلك صارت سبب الاختلاف والأوهام. إذن يجب علينا أن نتحرى الحقيقة وأن نصل إلى حقيقة كل أمر عن طريق تطبيق المسائل الروحانية مع العلم والعقل فإن تم هذا تصبح جميع الأديان دينًا واحدًا. لأن أساس الكل هو الحقيقة والحقيقة واحدة.