دفاعا عن خاتم النبيين ضد المعتدين

آحمد صبحي منصور في الأحد ٠٦ - أغسطس - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً


فى بعض صحف الغرب تقوم حملة كراهية ضد خاتم النبيين محمد عليه وعلى كل الأنبياء أزكى السلام . وقد واجهناها بالطريقة المعهودة التى اعتدناها وهى المظاهرات والمقاطعات ، وردّ عليها الغرب بثقافته المعتادة وهى أنها حرية رأى وفكر وتعبير، وهم يمارسونها اعلاميا حتى فى داخل دينهم ، والبحث العلمى لديهم قائم على أساس الشك فى كل الأديان وليس اثباتها أو الدفاع عنها. الحكومات الغربية لا تستطيع التدخل فى حرية الصحافة والاعلام ، ولا تستطيع محاباة الاسلام والرسول محمد علية ألسلام بما لا تستطيع أن تفعله مع المسيحية وعيسى عليه السلام وبابوات الفاتيكان. فقد قيل ويقال فى المسيحية والمسيح عليه السلام أكثر مما قيل ويقال عن الاسلام وخاتم النبيين محمد عليه السلام.
ليس هذا لتبرير الخطأ ، فاننى أعتقد ـ والله تعالى على ما أقول شهيد ـ أننى فى هذا العصر أكثر من يحب النبى محمدا ويواليه ، وقد أنفقت نصف عمرى فى تبرئته من أوساخ التراث ، و ليست لدى ـ فى مجال الاعتقاد ـ اى مساومة أو تهاون.
القضية هنا هى كيف نواجه هذه المشكلة؟
هى مشكلة فعلا ، لأنهم لا مقدس لديهم ، بينما لا نستطيع الرد عليهم بالطعن فى المسيح عليه السلام ، لأننا نؤمن به رسولا كريما ونبيا عظيما ، ونؤمن أن أمّه السيدة مريم عليها السلام قد اصطفاها الله تعالى وطهرها وزكاها على نساء العالمين . بالتالى ستنحصر ردودنا عليهم فى مظاهرات ولعنات ومقاطعات ، وسيرد عليها المتطرفون الغربيون بالمزيد من الرسومات وبفنون من الهزل والسخرية أفظع وأشنع ، وستتبارى الصحف فى نشرها طلبا للاثارة ورغبة فى متابعة الموضوع الساخن ، وبالتالى قد تتطور ردود أفعالنا عليهم لتصل الى خطف الرهائن من الغرب وقتلهم واضطهاد اخواننا المسيحيين فى الداخل ، والتعرض لكنائسهم ، وبذلك نقع فى المحظور ونخالف الاسلام الذى جاء به خاتم النبيين عليه السلام ، والذى يقرر فى قواعده الأساسية " ألاّ تزر وازرة وزر أخرى " . اى ممنوع منعا باتا مؤاخذة البرىء بذنب المجرم .
مرة أخرى : ماذا نفعل ؟
دعنا نتخيل أن النبى محمدا عليه السلام يعيش بيننا اليوم ويواجه هذه المشكلة فماذا سيفعل ؟.
ولكن لماذا نتخيل وهناك حقيقة قرآنية تؤكد أنه طالما كان القرآن بيننا نتلوه ونقرؤه فالرسول ـ بمعنى الرسالة ـ قائم بيننا. اقرأ قوله تعالى : ( وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) آل عمران 101 ). اذن لنرجع للقرآن الكريم الذى كان يتبعه النبى محمد ويطبقه فى حياته وفى تعامله مع الأعداء والأصدقاء على السواء. لنرجع للقرآن الكريم لنتعرف كيف كان النبى محمد عليه السلام يرد على اساءات اعدائه وطعنهم فيه وأكاذيبهم عليه .
ونضع القضية على هيئة سؤال وجواب .
1 ـ معروف أنهم اتهموه بالكذب وبالسحر وبالجنون والكهانة . ماذا كانت وصية الله تعالى له ؟
هل أمره الله تعالى أن يقود مظاهرة تلعن الجناة الأشرار؟ هل أمره الله تعالى بقتل من يشيع عنه الأكاذيب ؟
ج :لا.
بل تكرر الأمر له عشر مرات بالصبر على ما يقولون وعلى ما يفعلون، ومنه قوله تعالى " (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى ) طه 130 ).. (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ) ق 39 )
الصبر هنا فعل ايجابى يرتبط بتوثيق الصلة بالله تعالى والمالمداومة على تسبيحه وذكره جل وعلا. وهو فعل ايجابى يستند الى حقيقة قرآنية وهى أن للبشر تمام الحرية فى الايمان أو الكفر ، فى الطاعة أو المعصية ، فى اتباع الرسول أو فى الطعن فيه، وفى مقابل هذه الحرية التى نشهدها فى أنفسنا وفيما حولنا ـ فان هناك عذابا شديد أبديا ينتظر الكافر يوم القيامة لا تخفيف فيه ولا فرار منه. لذلك قال الله تعالى منذ البداية لخاتم النبيين : (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا. وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا . إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا . وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا . يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا ) المزمل 10 : 14 )
واذا قرأت الآيات الكريمة السابقة وجدتها كأنها نزلت الآن فى أولئك الغربيين ممن يطعن فى النبى عليه السلام. واذا كنت مؤمنا بالقرآن حق الايمان وتخيلت مقدار العذاب الأبدى الذى سيتعرضون له لاكتفيت بالرثاء لهم ولانشغلت فعلا فى توثيق صلتك بالله تعالى العزيز الجبار لتنجو من نفس المصير.

2 ـ نريد بعض الأمثلة للعذاب الذى ينتظر العصاة الكافرين حتى نشعر فعلا بالشفقة عليهم.

فى تقرير حرية الكفر وحرية الايمان لكل انسان وفى تقرير مسئولية كل انسان على اختياره والعذاب الهائل الذى سيلقاه من اختار الكفر يقول تعالى : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ) الكهف 29 ) اى تحيط بهم النار فاذا عطشوا شربوا ماء النار الذى يشوى وجوههم.
لقد وصف القرآن شراب أهل النار فقال عنهم (وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ) محمد 15 ) ووصف القرآن طعامهم فى الجحيم ويأتى من شجرة الزقوم التى تنبت فى أصل الجحيم قال عنها رب العزة : (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ) ويقول عن ثمرتها ( طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ) ويقول عن ارغامهم على أكل ثمرها ( فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ) ثم بعدها يشربون على الطعام سائلا ناريا هو الحميم ( ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ ) الصافات 64 : 67 )
وفى موضع آخر يصف رب العزة حال الكافر الذى اختار الضلال وعاند الحق وهو يأكل طعام الجحيم : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ . طَعَامُ الْأَثِيمِ . كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ . كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ) أى هو طعام ليس للمتعة ولكن للعذاب لذا ينزل الى الأمعاء فيجعلها تغلى، وله دورة عذاب يصعد فيها لأعلى الجحيم ثم يلقى من أعلى الى قعر جهنم : (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ ) وفى أثناء دورة التعذيب يستحم بماء النار الذى لا يمكن أن نتصور بشاعته وشدته ودرجة حرارته والتهابه : (ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ) وهناك عذاب نفسى يصاحب العذاب الجسدى ، اذ تتندر عليه الملائكة وهو تحت العذاب فتقول له : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ) وتذكره بتندره على آيات العذاب حين كان فى الدنيا متمتعا بحريته فى الايمان والكفر فاختار الكفر واستهزأ بآيات الله تعالى ، لذا ستقول له ملائكة العذاب تخاطبه: (إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ ) الدخان 43: 50 ) والحديث للبشر فى هذه الدنيا يخبر مقدما عما سيحدث يوم القيامة لنعتبر ونتعظ قبل الموت وفوات الأوان .
ومن هذا العذاب الأبدى الخالد يتولد داخل الجسم صديد ملتهب يتحول الى قيح متوهج ، سائل مرير آخر لا بد أن يتجرعه الكافر فى دورة عذابه المستمر ، ويكون بلاؤه من تجرع هذا الصديد شديدا ولكنه مرغم على تجرعه ،فقد انتهت بالموت حريته فى الاختيار، وضاعت عليه كل فرص التوبة والاعتذار. اقرأ فى ذلك قوله تعالى عن الكافر وما ينتظره من عذاب (وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ . يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ) ابراهيم 16 : 17 ). كل لمحة من العذاب كفيلة بموته، ولكن لم يعد هناك موت ، بل خلود فى العذاب ، واصبح يتمنى أمنية مستحيلة أن يأتيه الموت بالراحة من العذاب .!! فقد الماضى والحاضر والمستقبل ، وأصبح لزاما عليه أن يحيا فى هذا العذاب خالدا مخلدا دون نهاية .!!
ويصف رب العزة دورة من دورات العذاب فى جهنم حيث يمكن تخيل الكافرين فيها وهم يدورون فيها من أعلى الى أسفل تحت عذاب مستمر ، وتحول لباسهم الى نار وطعامهم وشرابهم الى جمر ملتهب أو"لافا " أو " مجما " وفق تخيلنا ، ثم يخيل اليهم امكانية الهروب اذا اقتربوا من أبوابها فى دورة العذاب وحينئذ تلاحقهم ملائكة النار بمقامع من حديد فيهوون الى أسفل الجحيم ، ويعاودون الصعود فى الدورة التالية من العذاب فاذا وصلوا أبعد نقطة حاولوا الهرب فتتلقفهم الملائكة بالمقامع فتعيدهم الى قعر الجحيم ، وهكذا الى أبد الآبدين: (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ) أى يستحمون بالنار فتصهر جلودهم وبطونهم (يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ) (وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ . كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ) الحج 19 : 22 )
فى هذا العذاب الأبدى كلما نضجت جلودهم بدلهم الله تعالى جلودا غيرها ليستمروا فى العذاب ( النساء 56 ) دون راحة أو دون موت ، يقول تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ) ويعلو صراخهم يطلبون من الله تعالى اخراجهم ويأتيهم الرد بأن الله تعالى أعطاهم الفرصة فى العمر فى حياتهم الدنيا، وفرصا متكررة لمن أراد أن يتذكر ولكنهم تحدوا الله تعالى وأنكروا رسله فأصبح عليهم ان يذوقوا ما كانوا يكذبون به : (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ. فاطر 36 : 37 )
ثم يتجهون الى رئيس ملائكة الموت واسمه " مالك " يطلبون منه ان يريحهم الله تعالى عليهم بالموت فيرد عليهم يذكّرهم بعنادهم فى الدنيا وتكذيبهم بآيات الله تعالى فى القرآن وسائر كتبه المنزلة : ( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ ماكثون . لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) الزخرف 74 : 78 )
خاتم النبيين عليه وعليهم السلام أدرك العذاب الذى ينتظر أعداءه فأشفق عليهم مما ينتظرهم من ويل له أول ولكن ليس له آخر.
3ـ ماذا كان موقف النبى نفسه منهم ؟
ج : لهذا تعدى عليه السلام مرحلة الصبرعلى أذاهم الى الاشفاق عليهم والحزن من أجلهم الى درجة جعلت الله تعالى يأمر النبى عليه السلام بالترفق بنفسه فلا يأسف عليهم : (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ) الكهف 6 )وأن يترفق بنفسه فلا تذهب عليهم حسرات لأن الشيطان زيّن لهم سوء عملهم فأصبحوا يرونه حسنا ، واذن لا فائدة منهم ولا تحسر عليهم (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) فاطر 8 )


على أن العفو عنهم كان ولا يزال فريضة اسلامية خوطب بها خاتم النبيين ونحن معه مأمورون بطاعة الله تعالى حين يقول : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) الأعراف 199 ) وكانت هناك طائفة خائنة من أهل الكتاب تؤذى النبى عليه السلام فأمره ربه جل وعلا بالعفو عنهم (وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) المائدة 13 ) وهو نفس الموقف مع الكافرين والمنافقين الذين اعتادوا ايذاءه فقال تعالى له ( وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ) الأحزاب 48 )

ولأن الله تعالى أرسله رحمة للعالمين ( الأنبياء 107 ) فانه عليه السلام لم يعف عنهم فقط بل كان يستغفر لهم مهما عاندوا واستكبروا وصمموا على الضلالة . وهنا وقع فيما استوجب اللوم من ربه جل وعلا ، وهو الأعلم وحده بالسرائر والقلوب ، وقد علم جل وعلا أنه لا فائدة من الاستغفار لهم، وطبقا للقاعدة الالهية فان من يختار الهداية يهده الله تعالى ويزيده هدى ، ومن يختار الضلالة يزده الله تعالى ضلالا ، وعليه فلا طائل من استغفاره لهم طالموا رفضوا هم الاستغفار واستهزءوا بالنبى عليه السلام ، فقال تعالى له: ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) التوبة 80 )

4 ـ باختصار وبالتحديد : كيف كان عليه السلام يرد على السيئة الموجهة لشخصه الكريم ؟
كان عليه السلام مأمورا بأن يرد السيئة ليس بسيئة مثلها ، وليس بحسنة أى بالعفو والاحسان على المسىء ، بل بما هو أسمى من الحسنة والعفو.
كان عليه السلام مأمورا برد السيئة بالأحسن ، وبهذه الطريقة كان يتم ( دفع ) أذى المسىء بعلاج غاية فى السمو وهو مواجهته بالأحسن وليس بمجرد " الحسن ". هذا معنى قوله تعالى للنبى عليه السلام : ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ) المؤمنون 96 ).
لم يقل "رد " بل قال : (ادفع ) لأن المقصود هو علاج المسىء وليس عقابه.
ان كل انسان لا يخلو من خير وشر مهما بلغت تقواه ومهما بلغ طغيانه. اذا تسلط عليه الشر فعالجه بالخير وكلما زادت نسبة الخير فى ردك علي شره واساءته زادت امكانية اصلاحه . لأنك تخاطب عوامل الخير المخفية داخله وتحرضها على التحرك بايجابية فى داخله. أما أذا رددت السيئة بالسيئة فليس لك فضل عليه ، ولم تخاطب فى داخله الا الشر ، أى قابلت انتقامه بانتقام مماثل.
صحيح ان الله تعالى يقول : (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) الشورى 40 ) وهذا تقرير لحقّ كل انسان فى القصاص بالعدل فيما يخص حقوق البشر ، ولكننا هنا نتحدث عن حقوق الله تعالى وكتابه ورسله ، والحساب عنها مؤجل الى يوم القيامة حيث سيكون القاضى الأعظم جل وعلا خصما لأولئك الذين زيفوا دينه وازدروا برسله العظام وأهانوا أنبياءه الكرام ، وشهدنا طرفا من حديث القرآن الكريم عما ينتظرهم من عذاب مقيم خالد وأبدى ، يهون معه كل نعيم الدنيا وكل شقائها.
من حقك أن تجازى السيئة بمثلها وتكون قد اخذت حقك بالعدل طالما اقتصصت منه بالعدل ، ولكن فاتك العفو الذى هو الاصلاح : لأنك حين تعفو عنه تكون قد اسهمت فى اصلاحه، لذا يقرن رب العزة بين عفوك عنه واصلاحه فيقول : (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ ) ويجعل أجر المثوبة على العفوعند الله تعالى ، فيقول : (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ).
من حقك أن تجازى السيئة بمثلها وتكون قد اخذت حقك بالعدل طالما اقتصصت منه بالعدل ، ولكن فاتك الاحسان ، وهو العفو والغفران ، وهو فوق العدل، والله تعالى يأمر بالعدل والاحسان معا (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) النحل 90 )
ويبقى ان تفعل الأسمى وهو ان تدفع السيئة بالتى هى أحسن لترغم عدوك على ان يخجل من نفسه وان يظهر ما فى داخله من خير ويضطر الى التصرف معك بطريقة أخرى كما لو كان لك صديقا حميما . هذا ما قاله رب العزة للنبى محمد عليه السلام : (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) ولأنه من الصعب على كل انسان أن يقابل السيئة بالتى هى أحسن فان الأمر يستلزم صبرا ومعاناة على تحمل الأذى ، وارتقاءا فى الخلق، وتلك منزلة ليست بالعسير بلوغها على الذين صبروا ابتغاء الاصلاح ولمرضاة المولى العظيم جل وعلا ، لذا يقول تعالى معلقا على تلك المنزلة السامية من الأخلاق: ( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) فصلت 34 : 35 )

5 ـ فاذا كان الأمر كذلك فكيف تكون المواجهة الاسلامية الحقيقية لذلك الهجوم الوقح على خاتم النبيين محمد عليه وعليهم السلام ؟
يكون بمظاهرات سلمية ترفع الاحتجاج ولكن بلغة قرآنية متسامحة تعلن التسامح والعفو عن المسىء تمسكا بالسّنة الحقيقية للنبى محمد عليه السلام ، وتؤكد انه عليه السلام لو كان حيا يرزق لعفا عنهم وسامحهم ولدعا الله تعالى أن يغفر لهم . عندها سيخجلون مما فعلوا ويفعلون، وسيتراجعون ويعتذرون . أما طلب الاعتذار بالسلاح والتهديد فلا يجدى .
اذا كنا نحب النبى محمدا فعلا فعلينا الاهتداء بما كان يهتدى به وهو القرآن الكريم. واذا كنا نؤمن بالاسلام فعلا فعلينا أن نهتدى بالسمو الخلقى فى الاسلام وان نرتفع الى مستواه ، عندها سنحصل على احترام العالم.
ونحن فى حاجة حقيقية للشعور بالاحترام بعد أن ضللنا كثيرا وجرينا طويلا خلف أجلاف المتطرفين .

6 : بعد كلامى مع العقلاء تبقى كلمة للمتطرفين لا بد من قولها انصافا لله تعالى ورسوله :
انتم الذين ملأتم الدنيا ضجيجا حول تلك السخافات التى قالتها صحف مغمورة فى أقصى شمال العالم فتسببتم فى نشر هذا الافك فى العالم وجذبتم اليه الاهتمام وجعلتموها قضية قابلة للاشتعال والمزيد من الطعن والاستهزاء بالاسلام ورسول الاسلام عليه السلام .
كان ممكنا تجاهلها شأن كل مسلم حقيقى مأمور بان يمر باللغو مرّ الكرام . كان ممكنا ان تمر دون أن يحس بها أحد مثلما مرت وتمر سخافات وبذءات غيرها، الا أنكم فى سعيكم لتعكير العلاقات بين أتباع الاسلام والرسالات السماوية الأخرى تقتنصون كل شاردة وواردة يقولها أو يرتكبها المتطرفون فى الغرب لتؤججوا نار الحرب على طول المواجهة بين كل مسلم وكل مسيحى أو يهودى.
وفى خضم هذا الجهد منكم نسيتم شيئين أساسيين :
ألأول: قد أشرنا اليه وهو السمو الاسلامى فى الرد على الخصم المعتدى بالتى هى أحسن.
الثانى : أن تراثكم السنى ذاته هو الأكثر طعنا فى شخص النبى محمد عليه السلام ، وفى رب العزة جل وعلا ، وفى القرآن والاسلام. لقد قضيت حوالى ثلاثين عاما من عمرى فى انصاف النبى محمد عليه السلام من أحاديث مفتراة رواها أبو هريرة وغيره من الرواة ، وكتبها البخارى وغيره من أئمة الحديث والفقه . كلها روايات تطفح بالطعن فى النبى محمد عليه السلام وفى رب العزة جل وعلا وفى الاسلام والقرآن. وكوفئت عليها منكم بالاضطهاد والتكفيروالسب والتحقيروالدعوة للاغتيال . كل ذلك انحياز للبخارى وبقية الأئمة كالشافعى و مالك وابن حنبل ومسلم وغيرهم.

لو كنتم مسلمين فعلا وتحبون النبى محمدا عليه السلام لسارعتم مثلى بالانحياز اليه فى هذه القضية، فالبخارى يزعم أكاذيب ينسبها للنبى تطعن فى شخص النبى وسيرته وفى تبليغه للرسالة. وكلها تخالف القرآن ، ولا يقبل مسلم أن يتهمه الناس بمثل ما قاله البخارى عن خاتم النبيين. واضح فى هذه القضية ان هناك مدع ظالم كاذب هو البخارى يتهم النبى محمدا باتهامات كاذبة تخالف القرآن . وهناك مظلوم هو النبى محمد عليه السلام . ولا بد لكل من يدعى الاسلام أن يحدد موقفه: هل ينصر الظالم وهو البخارى وفرقته ؟ أم ينصر المظلوم المتهم ظلما وعدوانا وهو خاتم النبيين الذى أرسله الله تعالى رحمة للعالمين والذى جعله رب العزة على خلق عظيم ؟
ولأنكم تقدسون اسم البخارى وتتهيبون منه فقد واليتموه وانحزتم اليه فى هذه الخصومة ضد المظلوم وهو نبى الله تعالى.
لو كنتم تحبون الله تعالى ورسوله وتوالون الله تعالى ورسوله لكنتم معى قلبا وقالبا فى رفض اعتداء البخارى وأئمة السنة على خاتم النبيين . لكنكم كنتم ولا تزالون تناصبوننى العداء ليس لقضية شخصية بيننا ولكن لأننى جرؤت على مناقشة آلهتكم المزعومة من البخارى وغيره ن واثبت من كتبهم المقدسة لديكم عداءهم للاسلام.
. لو كنتم صادقين لبدأتم باعلان كفر البخارى وفرقته والتبرؤ منهم حبا فى الله تعالى ورسوله ودينه. كتبى منشورة فى هذا الموقع لمن يريد أن يتعرف على عداء البخارى وصحبه للاسلام والنبى محمد عليه السلام ، ومنها : "القرآن وكفى " و " الاسناد فى الحديث " و"حد الردة" .
وردودكم عليها موجودة تنطق بتحالفكم مع أعداء الله تعالى ورسوله الكريم.
ثم اذا جاء متطرف من الغرب ونقل بعض ما قاله البخارى وغيره ملأتم الدنيا ضجيجا زعما منكم أنكم تحبون الله تعالى ورسوله . أولئك المتطرفون الغربيون لم يعرفوا عن الاسلام الا من خلال ارهابكم وتزمتكم وتعصبكم وتخلفكم وتراثكم فكتبوا ينتقدون ويسخرون .
هم فى الحقيقة لا يسخرون الا من العدو الحقيقى للاسلام وهى جرائمكم وتراثكم ، أما الاسلام العظيم فهو مع الأسف مفترى عليه ، ويحتاج الى من يبرىء ساحته منكم ، ومن يفعل ذلك يلق منكم الاضطهاد والتكفير .
من المفجع والمضحك والمؤلم ـ معا ـ ان تقوموا أنتم بالدفاع عن الاسلام ..
هل أنتم ـ انتم ـ الذين تدافعون عن الاسلام ؟
يا أمة ضحكت من جهلها الأمم !!
اجمالي القراءات 18642