لوحة الأمل
الفجر,
الحركة تبدأ في الازدياد, الكثير من الناس الذين رضوا بميدان التحرير فراشا لهم مع اختلاف اطيافهم و الوانهم يبدأون في الأستيقاظ.
يجتمع بعض المسلمين منهم في مجموعات لأداء صلاة الفجر, بينما يقف الاخرون راضون في صف طويل لدخول دورة المياه الوحيدة في الميدان.
فور انتهاء الناس من الصلاة يدير واحد منهم بعض الاغاني الوطنية بصوت عالي في الميدان فيستيقظ من لم يستيقظ بعد.
وقف الخلق ينظرون جميعا كيف ابنى قواعد المجد وحدى
و بناة الاهرام فى سالف الدهر كفون الكلام عند التحدى
بائعة الشاي التي اصبحت جزأ من هذا المكان تقف في وسط الميدان تنادي بصوتها الذي اصبح مألوفا لدي الجميع: شاي...شاي.
أنا تاج العلاء في مفرق الشرق
ودراته فرائد عقدي
المجموعات التي سهرت طوال اليل لتنظيف الميدان من المهملات تنهي عملها في تعب و تجمع اكياس القمامة في المكان المحدد لها.
إن مجدي في الأوليات عريق
من له مثل أولياتي ومجدي
رجل يوزع طعام بسيط علي الناس, و رجل يرجوا امرأة ان تأخذ منه نصف الطعام الذي يملك, الجميع يتشارك في ما تبقي لديه من طعام من الليلة الماضية.
أنا إن قدر الإله مماتي
لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي
مجموعة كبيرة من الناس تجري في شكل دائرة حول حديقة الميدان الرئيسية, و بعدها بقليل يلتفون في دائرة كبيرة لأداء بعض التدريبات الرياضية الخفيفة.
ما رماني رام وراح سليماً
من قديم عناية الله جندي
رجل يجلس في وسط الميدان علي قطعة من علم مصر و يقرأ الجريدة التي ابتاعها لعله يجد معلومة جديدة لم يسمعها الليلة الماضية او ربما زاد حماسه رأي كاتب او شعر شاعر.
كم بغت دولة عليّ وجارت
ثم زالت وتلك عقبى التحدي
اول خيوط من الضوء تبدأ في شق ظلمة الفجر في خجل, وسط امنيات الناس ان يكون هذا الصباح بداية لعهد جديد, عهد من نور طالما حلموا بقدومه.
إنني حرة كسرت قيودي
رغم أنف العدا وقطعت قيدي
ينظر البعض الي صور الشهداء الكثيرة التي ملأت الميدان, يتذكرون احداثا دامية, يعاودون التساؤل: بأي ذنب قتلوا؟!
أمن العدل أنهم يردون الماء
صفوا وأن يكدر وردي
أمن الحق أنهم يطلقون
الاسد منهم وأن تقيد أسدي
تبدأ مجموعة صغيرة من الناس في ترديد هتافات لم يملوا من ترديدها طوال الأيام الماضية, يأملون ان يكون هذا اليوم مختلفا, ان يؤمن اخرون بالقضية, ان يزيد عدد المكافحين من اجل العدل و الحرية.
قد وعدت العلا بكل أبي
من رجالي فانجزوا اليوم وعدي
وارفعوا دولتي على العلم والأخلاق
فالعلم وحده ليس يجدي
ينتهي صوت ام كلثوم المتغني بكلمات حافظ ابراهيم الخالدة لكن لا تنتهي اللوحة, تظل اللوحة متجددة دوما طالما ظل الأمل في غد افضل متجددا في قلوب هؤلاء الناس.
لأن هذه اللوحة لا تصنعها الصور و اليفط الكثيرة المتناثرة في الميدان و لا الخيام المتراصة في حدائق الميدان, بل هي لوحة من المشاعر و الانفعالات, لوحة من الاخلاق و القيم, لوحة من الايجابية و المحبة التي تركت كل ربوع القاهرة و توطنت في ميدان التحرير.
عفوا, فهذه اللوحة لا تدركها عين جاهلة او عين ساخرة, انها لوحة تصنعها عين حالمة.
محمود نبيل
منتجع الحرية
9-2-2011