الخطاب الدينى وكلمات إلى الدعاة والمصلحين
هذه الكلمات في الفقرات التالية موجهةٌ لروح الأمة وحاملي همها من الدعاة والمصلحين وأصحاب الأقلام الطيبة وإن كان الأصل أن كـل الأمة تكون كذلك فالدعـــوة إلى الله مسؤوليــــة الجميــــــــع.
يحز في النفس كثيراً أن العديد من الخطباء والمحاضرين والكتاب في وقتنا الحاضر وبالذات في مآسين&Cceirc;سينا وتخبطاتنا الأخيرة الرهيبة لا يقومون في خطبهم ودعائهــم وتوجيهاتهــم - عند الحديث عن هذه المآسي- بتذكير المسلمين بواجب العودة إلى الله وواجب كل مسلم في تحقيقها بالشكل الواضح والكافـي والمؤثــر الذي يوصـل هذه الحقيقة إلى كـل المسلمين مبيناً لهم بوضوح أن هذا هو الحـل..... ومشعـراً لهم بأن مسؤولية تحقيقه تقع على كل فـرد مسلم.
مع أن هذا هو الحل الحقيقي الجذري الموصل لتحقيق النصر وإيقاف المآسي وردع أعداء الدين، قال تعالى: " إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ " محمد:7
وقال تعالى: ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ......." الرعد:11
ويبدو أن عدم وضوح بعض الأسس الإسلامية إضافة إلى الضياع الفكري والتوجهي الذي تعيشه أمتنا حاليا قد أثرا أيضا حتـى على العديد من الدعاة والمصلحين فرأينا البعض يتكلم ويكتب عن مآسي ومذابح الأمة بنظرة سمتها التركيز على الحلول الجزئية بما فيها الإكثـار من نقد التوجه العالمي والتحدث عن الأسباب السياسية والمادية أكثـر من النظر للخلفيـات الشرعية المتعلقة بهذه الأحداث.
والأهـم من ذلك عـدم التركيـز بدقة وإيضاح تام كـافٍ على الحل الحقيقي لكل هذه المآسي بالشكـل الذي يصـل إلى قلب ويقيـن كـل مسلم وليس إلى فكره فقط مشعـرا له بواجبه في التغيير والعـودة والدعــوة إلى الله.
وفي بعض الخطابات والبيانات المتعلقة بالمآسي وكثير من المشكلات التي تعيشها الأمة ذكر موضوع التوبة وعودة الأمة والحذر من المعاصي ولكنه كان يذكر عَــرَضَــاً أو باختصار شديد قد لا ينتبه له أو فقط كنقطة من النقاط ضمن نقاط أخرى عديدة وبدون التركيز الكافي عليه مع أنه أس قضايانا وكما يقال قضية القضايا. أيضاً وعلى الرغم من سرور قلوبنا بما نقرؤه ونسمعه من العديد من الصادقين من تألم على الواقع والجراح إلا أننا من كثرة المآسي والجراح وفي غياب التذكير بالحل الحقيقي بوضوح أصبحنا نمل أحيانا من كثرة البكاء والتباكي على واقع الأمة المتكرر.
فهل الهدف هو البكاء للبكاء؟
وهل يعقل أن يستمر حال أمة الإسلام في كل مذبحة لأبنائها بهذا الشكل بل إن أي أمة لا ترضى أن يستمر حالها هكذا في كل مذبحة ومأساة تتعرض لها فكيف بنا أمة الإسلام ونحن مَنْ مِنَ المفترض أننا ندرك قيمة الدم المسلم عند خالقنا العظيم سبحانه وتعالى.
لذا فبالإضافة إلى تذكير الأمة بواجب الدعاء والدعم المالي وقت حدوث المآسي فلا بـد من التذكير والتركيز في ذات الوقت على واجب التوبة والعودة وإصلاح المسار لأنها الطريق الذي سيقود الأمة بإذن الله إلى العزة والجهاد والنصر حتـى يأتـي اليوم الذي توقف هذه المذابح والمآسي حال حدوثها ولا نكتفي عندها فقط بالدعاء وتضميد الجراح بينما السفاحون يقتلون ويبيدون.
بل في ذلك الوقت أي عندما تسترجع الأمة عزتها لـن يتجرأ عليها بإذن الله أعداء الدين ويستبيحون كرامتها في كل حين كما هو حاصل الآن حتى أننا أصبحنا أذل أمة على وجه الأرض.
خاصـة أن الأمة في أيام الأحداث تكون متأثرة ومتفاعلة وخسـارة عظيمة أن لا تذكر بواجب التوبة وإصلاح المسار وهي في قمـة تفاعلها.
وإن من سلبيات التركيـز على الدعاء المقتصر على الدعاء للمنكوبين وعلى الدعم المالي لهم مـع ضعف التركيز على تذكير الأمة بالتوبة والإصلاح أن يحدث تخديــر للمسلمين فيشعرون أنهم - بعمل ذلك فقط - يكونون قد أدوا ما عليهم بينما هم مستمرون ويستمرون في الغفلة واقتراف المنكرات والإصرار على المعاصي التي هي مصيبتنا العظمى وأساس ذلنا وضعفنا وهواننا واستئساد الكفار علينا وتمكنهم منا وعجزنا عــن إنقاذ إخواننا كما بين ذلك لنا كتاب ربنا العظيم .
ولا يخفى على الدعاة والمصلحين ما حصل في أمتنا من بُعد كبير عن حقيقة دينها ولا يخفى أيضا ما يفعله المفسدون في الأمة حتى وصل الأمر إلى حد محاربة أوامر الله وتحكيم غيرما يرضاه.
وليتنا نرجع إلى كتاب ربنا ونتأمـل بعض الحكم المستفادة من قوله تعالى في سورة محمد:
" طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ ۚ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ " محمد:21
وبالنسبة لجانب تفرق الأمة ووحدتها فمن الإشكالات في الخطاب الدعوي والإصلاحي أن تُوْهَم الأمة أن السبب الأســاس لتخبط الأمة وتأخر النصر هو عدم وحدة الأمة وإتحاد صفها وتلاحمها فليس الأساس كذلك بل نحتاج في الخطاب الدعوي إلى أن نؤكد للمسلمين بأن أمتنا لن تنتصر النصر الحقيقي ولـو اتحـدت وتلاحم أبناؤها طالما أنها لم تطبق شرع الله وتحترم أوامره. وذلك حتى لا تعتقد الأمة أن أساس دائها هو التفرق ولا خلاف في أنه مشكلة هامة ولتـدرك فـي واقعنا الحالي أنه ليس إلا عـرضاً من أعراض مأساتها الكبيرة ألا وهي بعدها عن حقيقة الدين وعن التمسك الكامل به في كل أمور وجوانب الحياة. قال تعالى:
".... أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ " الأنعام :65
ورجوع الأمة إلى دينها وتمسكها به سيكون أقوى دافع لاتحاد الأمة ولحمتها بل هو جزء أساس من معاني الرجوع إلى الدين وصدق التمسك به وبتعاليمه.أيضا يلاحظ في أحيانٍ عديدة التركيز علـى كيد الكافرين ومؤامراتهم وخططهم وخطورتهم والسبل المادية لمواجهتهم أكثـر من التركيز على الإصلاح وعودة الأمة مع أن صلاح الأمة هو الأساس لردنا أي كيد وأي اعتداء وخالقنا العظيم العليم أخبرنا سبحانه بأن كيدهم لن يضرنا إذا صبرنا واتقينا " إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ " آل عمران:120
ولا شك أن أقـوى ما نواجه به الأعداء هو صدقنا مع الله والتزامنا بأوامره وأن أهــم أسباب هزيمتنا وذلنا هو المعاصي وبعدنا عن الله وعن التطبيق الحقيقي الكامل لشرعه وأوامره ولا رد حقيقي لكيد الأعداء ونحن نقويه بذنوبنا ومعصيتنا.
بل وإن التركيز على كيد الأعداء الذي من المُـسَـلّـمْ بأنه لا خلاف في الأصل على أهميته ، بـطريقة تُـشْعِـر بأنه الأساس في مصائبنا وبـدون تذكير الأمة بأمراضها التي كانت السبب في ذلها واستئساد الأعداء عليها وتمكنهم منها قـد يكون أيضا عاملاً آخراً يضعف التفات الأمة لمرضها الأساس ودائها الأهم وأولوياتها في طريق إنقاذ نفسها من الأخطار المحيطة بها؛ قال تعالى:
" أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) آل عمران: 165).
يكثر بعض الدعاة أحيانا من ذكر "صلاح الدين" وغيره من أبطال الأمة خاصة في الأشعار والأناشيد عند كلامهم عن مآسينا ولاشك في أن أمتنا تحتاج إلى أمثالهم وبشـدة ولكـن أن نجعل أن كل مشاكل الأمة وكل مآسينا بسبب عدم وجود"أمثال صلاح الدين" يعتبر فهماً خاطئاً وله خطورتـه من حيث أنه يصـرف أنظار الأمة عن أمراضها الحقيقية التي تنخر في جسدها، ثم كيف يخرج لنا مثل "صلاح الدين"؟ هل ننتظر أن يوجد بيننا حتى ونحن على ما نحن عليه..! ولا شك أن ذكر" صلاح الدين" والأبطال مهم ونحتاجه ولكن ليكـن وسيلة لتحفيز الأمة للعودة إلى الدين والنخوة له والجهاد الصادق في سبيله وليكن حافزا لنا في معرفة واجباتنا ومسؤوليتنا في الإصلاح لا أن يكون ذكره وذكر عدم وجود أمثاله شماعـة.... يستغلها الشيطان لكي تُـلقي الأمة عليها أخطاءها بينمـا هي سادرة في غفلتها ولهوها وذنوبها والتي هي أسـاس مأساتها وتخبطها وتفرقها وضياعها وهوانها.
يبدو أيضا أن كثــرة استخدام الدعاة والمصلحين مصطلح العودة إلى الدين بالشكـل الذي يخاطب الأمة بشكل عـام لا بشكل فردي مثل عبارة "عودي إلى الله" التي تخاطب الأمه وعبارة "الحل في عودتنا لما كنا عليه سابقا" قــد لا تشعـر الفرد المسلم بواجبه في التغيير خاصة مع وجود الغبش الكبير في فكر وسلوك أمتنا الديني فقد يعتقد الكثير من أبناء الأمة أنهم ليسـوا هم المقصودين بهذه العودة خاصــــة مع وجود عدو الإنسان الكبير الشيطان الرجيم وشياطين الإنس الذين يلبسون على المسلم أحكام دينه ويجعلونـه يرضى بواقعه على الرغم من وجود التقصير الكبير في تطبيقه والتزامه بالدين وأحكامه. وأيضا قد لا يكون واضحا للفرد أن بداية تغيير واقع الأمة وعودتها إلى الله تبدأ بالفرد نفسه بالتـزامه الصادق الكامل وبدعـوته غيره من أفراد المجتمع.
ومن الإشكالات التي لوحظت ما يمكن أن نسميه التخديـر بالنصر والتفاؤل الذي يحدث عندما يحرص بعض الأفاضل الكرام من الدعاة والمصلحين في خطاباتهم على طمأنة الأمة بأن النصر قادم وبث روح التفاؤل فيها بـدون أن ُتذَكَّــر الأمة بأهمية أن تصحح مسارها وتتوب من المعاصي التي وقعت فيها وتعلـن وتبـدأ بجديــة في العودة الصادقة إلى الله وإلى حقيقة دينها وتطبيقه الكامل والدعوة والبذل والتضحية من أجله فنكون بذلك كمن يطمئن الطالب الكسـول المحبط بأن عليه ألا ييأس وأنه سينجح بـدون أن يذكره بان عليه أن يثابر ويجتهد، ولا يعني هذا عدم التشجيع على بث روح الأمل والتفاؤل فهو أمر مطلوب محمود ولكن القصد أن يكون معـه تذكير واضح بالعمل والسعي للتغيير حتى تُتَـلافـى سلبية الركـون واستمـراء الواقع.
إن أمتنا تحتاج إلى التفاؤل ولكنهــا...
تحتــــاج أكثر ما تحتاج إلى من يهـزها بقوة لتستيقظ من نومها العميق وبُعدها، تحتــــاج أكثر من التفاؤل إلى من يحذرها من حدوث مآسٍ وعقوبات أخرى من الجبار سبحانه لها فهـيلم تفق وترجع إلى الله وهي في أشد مآسيها وذلها وهوانها وإن لم تعد ولم تتب من المعاصي وهي ترى المسلمين يذبحون ذبح النعاج بما فيهم أطفالهم الأبرياء وإن لم تعد وهي تسمع بآلافٍ من أخواتهن يغتصبن وإن لم تعد ولم تتب وهي ترى الأعداء يتربصون بها من كل جانب.
وإنلم تعد ولم تتب وهي ترى العالم يعيش في قمم من الضياع والتعاسة والكفر والضلال وهي المسؤولة عن تبليغه طريق النجاة...أولاً :بتمثلهــا هي نفسها الإسلام حقيقة وصدقاً فهو الأهم لنشر الدين، وثانياً: بتبليغها الإسلام بكــل عزم وهمة إن أمتنا التي لـم تفق ولـم تعد وهي ترى كل هذه البلايا تحتاج أكثر ما تحتاج إلى من يخوفها من حصول مثل ما حصل لإخوانهم عليهم.
ومــــــن سلبيات بعض الألفاظ التي تستخدم للتعبير عن بعض مآسي ومحن الأمة ووصفها مثلاً بأنها القضية الأخطر التي تواجهنا ونعيشها أو بأنها مشكلة المسلمين وقضيتهم الكبرى - وذلك في غياب أو ضعف تذكير الأمة بواجبها في الصلاح والإصلاح عند الحديث عن هذه الأحداث- أن تصــرف الأمة عن التركيـــز على قضيتهـــا الكبــرى و مأساتهـا الأكبـر ألا وهي بعدها عن حقيقة الدين والالتزام بأوامره والتي نتجت واستمرت بسببها شتى المآسي التي تعيشها الأمة من ضعف وتفرق وتخبط وذل وهوان وضياع للمقدسات والأوطان.
فتعتقد الأمة أن المأساة هي فقط فيما حصل من فقدان للأراضي والبلاد وكأنه يرضي الله وتتحقق رسالتنا في الأرض فقط باسترداد ما فقد منا وبأن ننتصر على الأعداء وإن استمررنا على مداومة المعاصي والبعد عن حقيقة الدين.
نتمنى من الخطاب الدعوي والإصلاحي عن مآسي امتنا وتخبطاتها أن يكون مركزا على الحل الأساس الأهم حسبما عرفنا من السنن الربانية التي عرَّفنا بها قرآننا العظيم، ألا وهــو رجوع الأمة إلى دينها, وتطبيقه الكامل, وابتعادها عن المعاصي والذنوب التي هي أساس المصائب والفتــن والنكبات والشرور وأن يركـز على علاج مـرض أمتنا أكثـر من التركيز على علاج أعراضـه وأن يكون مستمـرا لا منقطعا حتى لا يكون فقط ردة فعل تأخذ وقتها ثم تبرد وتنتهي.
نتمنى أيضا من الخطاب الدعوي - عندما يوضح أن نصرنا بالعودة إلى ديننا- أن يكون خطابه معروضاً بطريقة مفصلة دقيقـة تبين لكل فــرد كيف يكون دوره في العودة والتغيير لا أن يكون الخطاب بكلمة عامه فقط لا تُشعر الفـرد بدوره ومسؤوليته في تحقيقها بل وتؤدي أحيانا إلى أن نَـجْـعَـل الفرد ممن يقول ما لا يفعل فهو قد يتغنى بأن الحل في العودة ولكنه بعيد عن تحقيقهـا وعن معانيها وواجباتهـا.
نتمنى أن يُشْعِـر الخطاب الدعوي والإصلاحي المسلمين بفاعليـــة بـالتحديات الخطيرة التي تواجه الأمة ويربطهـا بضرورة تصحيح المسار والإصلاح حتـى يكون الشعور بالتحدي فعالا في إيقاظ المسلمين وعودتهم.
نحن في حاجة كبيرة إلى الخطاب الدعوي الذي -عندمـا يخاطبنا في مآسينا ومشكلاتنـا وفي كـل أمور وشؤون حياتنا وانفعالاتنا وتحركاتنـا- يربطهـا بعبوديتنا لله فهذا هو الأصل الذي ربانا الإسلام عليه وامرنا الله به وخلقنا من أجله قال تعالى: " قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ " الأنعام 162،163
إخوتنا الدعاة إلى الله – والأصل أن أبناء أمتنا كلهم دعاة إلى الله – يا من حملتم مشاعل الأمل لهذه الأمة في طريقها إلى العودة والنصر. إخوتنا إن مسئوليتنا تعظم مع هذه المآسي فتقصيرنا في الدعوة وفي تربية أنفسناالتربية القوية في شتى الجوانب الهامة يعني إطالة معاناة الأمة واستمرار مذابح إخواننا.
نأمل من الدعاة إلى الله:
صدق إخلاصهـم وتجـردهم لله وصــــــدق محبتهم له سبحانه وإرتفاعهم فى درجات العبودية وقوتهم فى أعمال القلوب وسلامتهم من أمراضها. وأن يلتزموا ما ورد في الكتاب الكريم والدليل الصحيح - فلا فلاح ولا نصر بدون هذا- وحتى لا نقع في تمييع أحكام الدين أو التنطـع.
إن الإخلاص وتحقيقه يتطلب جهداً كبيراً وحرصاً بالغاً وهو هام جداً فأولاً: ضعف الإخلاص قد يحبــط العمل وقد يؤدي بالمسلم إلى الهلاك وثانياً: هو عامل هام يؤدي عدم تحقيقه إلى تأخـر نصر أمتنا بلا شك.
ولا تخفى التنبيهات العديدة في القرآن العظيم عن أهمية هذا الجانب والانتباه للصدق في تحقيقه خاصـــــــة أن الشوائب والضعف في الإخلاص قد توجـد بـدون أن ينتبـه لها الداعية أو العالم فقد يظن نفسه محققاً الإخلاص بينما قـد يوجد في إخلاصه الكثير من النقص والعديد من الشوائب التي تساهم في دفعه للدعوة بدون أن يشعر بها.
حقيـــق المحبة الصادقـة ليس بالأمر الهين ويحتاج إلى جهد ومجاهدة، فهل حقـاً أن الله ورسوله أحب إلينا من أنفسنـا ؟ وهـل نحن حقـاً نتأثـر ونغضب لله أويتمعــر وجهنا ونـتـألــم عند رؤية المنكرات أو سماع أخبارها وما يتعلـق بها وهـل نحن حقاً نحب فـي اللـه ونبغض فـــي الله.
وأن يكونوا قـدوة حقـة تتحدث أفعالهم قبـل أقوالهم، وأن يكونوا قمـة في أخلاقهـم وقمة في تربيتهم الروحية الإيمانية وأن لا ينسـوا أن يتسلحــوا بالسلاح العظيم ألا وهو الدعـاء في كل أمورهم.
القــدوة أسـاس ومن أهــم أسباب نجاح الدعوة وضعفها مشكلـة كبيرة ومن أهم أسباب النفور وعدم التقبل فأذكر نفسي وإياكم بأن نتقـي الله في هذا وحتى لا نكسب إثم تنفير أحد.
ومن أهـــــــــم الجوانب التي تعين الدعاة بإذن الله على تحقيق ذلك التناصــــــح بين الدعـــاة أنفسهم والذي كثيرا ما نحتاجه..وكثيرا ما ننسـاه ونقصر ونجامل فيه وننسى أن جـــزءاً هاماً وواجباً من واجبـات الدعوة أن ينصح الأخ أخاه ويقومــه بل وأيضاً نحتاج إلى أن نحســن ونطــور جهودنا بالتناصـح بيننا.
وأن يركزوا فى دعوتهم للناس على تربية الإيمان والعقيدة أولا، وأن يركزوا على الأوليات والأهم فالأهم. وألا يركّزوا على الأعراض أكثـر من الأمراض على مستوى الفرد أو المجتمع.
ليتنا ونحن في طريق الدعوة نتذكــــر الأهداف والأولويــــات حتى لا نغـــرق في وسيلة ونهتم بها حتى تصبح وكأنهــــــــا هـدف ونقدمها على الأهداف الحقيقية, أو حتى لا نقدم الأقل أهمية على الأهم منه. فمثــــلاً ليس الهـــدف الأساس للدعوة ازدياد معلومات المسلمين الفقهية - وإن كانت أمراً هاماً ووسيلــة ضرورية لتحقيق معرفة المسلمين لأحكام الدين التي يجب عليهم معرفتها- فالهدف الأساس في الدعوة هو عودة الأمة إلى حقيقة الدين والصدق في تطبيقه والالتزام بأوامره في كل الأمور وكمثل آخر ليس الهدف الأهم الأساس حفظ كتاب الله (مع جلالة هذا العمل العظيم) ولكن الأهم هو تطبيق الأفراد والمجتمعات لأوامر القرآن ونهجه وتربيتهم على معانيه وقيمه.
وأن يقدمـوا العطف واللين والحسنى والتسامح والتحبب والإحسان في تعاملهم الدعوي مع الآخرين فهو يأتي بما لا تأتي به الشدة التي – فيغالبها- تنفر أضعاف ما تقرب وتُـخسِّـرُ أكثر مما تُـكسب .
يكفي دليلاً على أهمية تقديم الرفق أمر الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام بأن يخاطبوا الطاغية فرعون بالقول اللين ليكون ذلك الأسلوب عوناً على الهداية فأسلوب الشدة غالباً ما يعين الشيطان ليحرف الإنسان ويعوقه عن الاستجابة للحق " فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ " طه:44
وأسلوب الشدة يجعلنا نكسـب عــداوة الكثيرين في الوقت الذي نحن بحاجةٍ إلى أن نجعل كل مسلم وكل ضالٍ مع الحق لاعليه.
وألا ينشغلوا في طريق دعوتهم بأمور أو معارك جانبيه تشغلهــم عــن الأساسيات والواجبات الأهــم وعـــن الأعداء الحقيقيين، وألا ينشغلـوا بغير الأولى والأجدى والأهم للدعوة والإصلاح فالوقت غالٍ ومحـدود والواجبات كثيـرة .ومثل على تفويت الأولويات ما يحدث أحياناً من حماس لتوزيع أشرطة أو كتيبات أو أي وسيلة أخرى لا تتحقق فيها الأولوية الدعوية من حيث أثرها في الدعوة وإحداث التأثر والتوبة والتغيير لديهم علـى حساب الأشرطة والوسائل الأهم في التذكير والإصلاح. فتوزيع ما يحوي قصص التائبيـن ووصف الجنـة وأحـوال الآخرة والتذكير بعظمة الله ومعاني العقيدة أهم وأكبـر أثراً مـن توزيع ما يتعلق بفتوى عن قضية محددة.
وأن يحفـزوا الهمم ويشدوا العزم وينطلقوا متفانين باذلين كـل أوقاتهم وأموالهم لا بعضها فقط فهم ممن يفترض أنهم باعـوا أنفسهم وأموالهم لله شـراءً لجنتـه.
إنه من الواجب أن تكون في صدوركم عاطفة صادقة, تشغلكم في كل حين من أحيانكم بالسعي في سبيل غايتكم, وتعمر قلوبكم بالطمأنينة وتكسب لعقولكم الإخلاص والتجرد وتستقطب عليها جهودكم وأفكاركم بحيث أن شؤونكم الشخصية وقضاياكم العائلية إذا استرعت اهتمامكم فلا تلتفتون إليها إلا مكرهيـن.
وعليكم بالسعي أن لا تنفقوا لمصالحكم وشؤونكم الشخصية إلا أقـل ما يمكن مــن أوقاتكم وجهودكم فتكون معظمها منصرفة لمـا اتخذتم لأنفسكم من الغاية في الحياة. وهذه العاطفة مـا لـم تكـن راسخة في أذهانكم ملتحمـة مع أرواحكم ودمائكم آخـذة عليكم ألبابكم وأفكاركم، فإنكم لا تقدرون أن تحركوا ساكنا بمجرد أقوالكم قال تعالى:
" مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا " الأحزاب23