الوزير عمامو ومظاهرات مصر

حمدى البصير في الأربعاء ٢٦ - يناير - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

"عمامو" .. الوزير التونسى" الصغير " ومأزق إعداد الكوادر

بقلم حمدى البصير  

فى اليوم الاول لتعينه وزيرا للشباب والرياضة ، سأل أصغر وزير تونسى فى الحكومة المؤقتة الذى تم تعينها بعد سقوط نظام بن على ، عن مكان وزارته ، وإستغرب المارة فى أحد الشوارع التونسية عن مايسأل عنه الشاب الصغير ، وإعتقدوا أنه يمزح ، وشكوا فى امره ، وتطوع بعض الشباب وأرشدوه إلى مقر الوزارة ، بل  وذهبوا معه بعد أن إعتقد احدهم إنه من أقارب كبار المسؤلين فى العهد السابق ¡HORN; ، ويريد أن يهرب ، ولكن عندما ذهب الوزير الصغير وإسمه سليم عمامو - 28 عاما - إلى مقر الوزارة لم يصدق موظفيها أنه الوزير الجديد لصغر سنه من جانب ، وبسبب الملابس الكاجوال التى كان يرتديها، والتى لاتليق بوزير ، بل عندما كشف عن شخصيته قبل توليه الوزارة ، تعرف البعض عليه ، حيث أن عمامو هو أشهر مدون فى تونس بل وفى شمال افريقيا ، والذى قاد ثورة عبر الأنترنيت ، كانت مكملة ومدعمة لثورة الشارع التى فجرها بوعزيزى ، والتى ساهمت فى إسقاط نظام بن على الديكتاتورى المستبد ،ولكن لم يشفع لعمامو مشاركته فى الثورة وتعينه وزيرا بعد ذلك مكافأة له ، فقد رفض الموظفون دخوله الوزارة ، لابسبب كونه وزيرا صغير وكرسى الوزارة كبيرا عليه ، ولكن لكونه وافق على المشاركة فى حكومة مؤقته غير شرعية ومن وجهة نظر الموظفين المحتجين ، ولأنه قبل أن يجلس مع وزراء فى العهد البائد والذين إحتلوا المناصب السيادية فى تلك الوزرة ، وقالوا له: كيف توافق على التعاون مع وزراء كانوا أعداءك بالأمس وسجنوك ،وأمروا بإطلاق الرصاص الحى على زملائك فى الشوارع فقتلوا وأصابوا المئات ؟

لم يستطع الوزير عمامو الإجابة.، ولم يدخل مقر وزارته حتى الان ووعد بأنه سيستقيل ، ويعود إلى مهمته الاصلية كمدون ، من أجل أن يزيح كل رموز الحزب الحاكم السابق عن الحياة الساسية التونسية ، حتى لايلتف أحد على الثورة ،ويجهض نجاح الشعب البتونسى المفجر الخقيقى وصاحب ثورة الياسمين نولك عمامو قال للمحتجين لقد قبلت كرسى الوزارة حتى يشعر التونسيين أن هناك تغييرا نوبدلا من أن ياخذ منصبى هذا مستبدا جديدا.

فوسط الأحداث التى تسارعت وتيرتها فى تونس، وانتهت بسقوط نظام الحكم التونسى ،  برز اسم سليم عمامو المدون التونسى الذى تعرض للاعتقال فى 21 ديسمبر الماضى وبعد هروب زين العابدين بن على من تونس وانقلاب الأوضاع خرج عمامو من السجن ليصبح عضوا فى الحكومة الجديدة وهو الذى مازال فى أواخر العشرينيات من عمره ليحصل على منصب كاتب دولة  - وزير - الشباب والرياضة (وهو منصب وزارى فى تونس)

وحكاية عمامو أغرب من الخيال وتبشر بتغيير حقيقى وثورى فى مفهوم القوى التقليدية فى المنطقة العربية.. بحيث يصبح المدونون والهاكرز وشباب الفيس بوك قوة حقيقية وليست افتراضية فى مجال التأثير على سير الأحداث داخل بلداننا.. فقد كان هذا الشاب التونسى يعمل فى واحدة من أكثر بلدان العالم قمعا لحرية التدوين وأكثرها سيطرة ورقابة على شبكة الإنترنت.

سليم عمامو ناشط فى مجال الإنترنت.. يؤمن بحق الجميع فى تدفق المعلومات والحصول عليها وهو ينتمى فى ذلك لحركة عالمية من الناشطين الذين يؤمنون بهذا الحق وينظمون أنفسهم لاختراق أى نظام أمنى فى العالم يهدف لحجب المعلومات أو منع تدفقها.. لذلك فقد ركز عمامو نشاطه ومهارته فى مجال القرصنة الإلكترونية لتعطيل الرقابة التى تفرضها حكومة "زين العابدين بن على" الرئيس الهارب على الإنترنت.. بل إنه جعل مدونته الخاصة بوابة يستطيع من خلالها أى مستخدم للإنترنت حول العالم أن يتعلم كيف يخترق الرقابة الحكومية وكيف يصل إلى مصادر المعلومات التى يحاول الحكام وأصحاب القرار والشركات العملاقة حجبها عن الجمهور العام.. ونجح فى ذلك نجاحا هائلا الأمر الذى جعل الفيس بوك والتويتر ومواقع الإنترنت وسيلة فعالة لتنظيم تحرك الشعب التونسى طوال الـ28 يوما الدامية التى خاض فيها معركته ضد النظام القمعى الذى سقطدون رجعة ،أنها تبشر بجيل كامل من المدونين فى العالم العربى وحول العالم يمتلكون الكثير من القدرات التقنية ويستخدمون مهاراتهم وقدراتهم لتغيير الواقع المحيط بهم ، بل وينجحون فى ذلك فى النهاية .

وبالطبع لايهمنى هل بقى عمامو فى الوزارة أم إستقال ؟ ، ولكن يهمنى فى المقام الأول أن يستوعب الجميع درس التورة التونسية التى غيرت فى يوم وليلة نظام عتيد ، ظل بحجة الديقراطية 23 عاما ، وكان يسعى رئيس هذا النظام أن يبقى مدى الحياة فى السلطة ، ثم تتولى زوجته القوية المفترية زمام السلطة بعد موته بمساعدة إخواتها الحرامية .

فقد كشف عدم معرفة الوزير عمامو لمقر وزارته ، تم رفض الموظفيين وجوده  وتنصيه وزيرا عليهم ، عن أزمة إختفاء الكوادر فى بلادنا العربية ، ومايمكن أن يحدث فى اى دولة عربية إذا حدث بها تغيير سلمى شعبى مفاجىء بها ، وتلك الدول لايوجد ماهو مستعد لتولى المناصب ، بعيدا عن الأحزاب الحاكمة المستبدة التى تخطط للبقاء فى السلطة سنوات عديدة ، مع إمكانية توريثها لابنائهم وأقاربهم من الدرجة الاولى ، ثم أصدقائهم وجيراتهم بعد ذلك .

فلايوجد لدى معظم دولنا العربية أحزابا قوية مؤهلة لتولى السلطة حتى لو اقامت إئتلافا فيما بينها ، ولا مجتمع مدنى يحسب له حساب ، ولاكوادر بشرية  مؤهلة سياسيا وإقتصاديا لتولى حكم بلد خرج لتوه من براثن نظام مستبد ، فالاحزاب الحاكمة التى تقضى عشرات السنوات فى حكم الشعوب العربية ، تسعى إالى إضعاف الأحزاب الاخرى ،وتحاربها وتنكل بالمعارضين ، وتهمش المجتمع المدنى نوتمنع لنشاطات السياسية وتسيطر على الإعلام والنقابات وحتى منظمات الأعمال ، بل وإتحادات الطلبة فى الجامعات والمدارس .

والنتيجة إختفاء الكوادر السياسية والإقتصادية والعلمية .

وقبل ان تطالب الشعوب بالتغيير عليها أن تهتم بتربية الكوادرالشابة فى المجالات المختلفة ، وتعدها إعدادا صحيحا من خلال منظمات المجتمع المدنى ، فإذا حدث تغيير تدريجى تكون قد ترعرعت فى كنف تلك المنظمات ، شريطة أن يكون هناك قانون عادل ينظم عمل المجتمع المدنى ، حتى ولو كان فى نظام شبه ديمقراطى ، فإذا حدث تغيير سريع بواسطة ثورة شعبية على الطريقة التونسية ، أوتغيير مفاجىء بواسطة الإنقلابات العسكرية  - لاقدر الله – تكون على أهبة الإستعداد كى ترتدى لباس السلطة ، وتقفز من خندق المعارضة إلى كرسى الحكم ، حتى لاتحدث فوضى أو فراغ دستورى ، أو يتلون الحزب الحاكم ويقبض على السلطة من جديد تحت مسمى المرحلة الإنتقالية ، أو يأتى مغامرون لاتعرفهم سواء من المتطرفين او عملاء الغرب ، أو أصحاب اجندات مشبوهة ، ويقفزون على منصة الحكم ، وهؤلاء سيكونون أشد قسوة وتنكيلا من الاحزاب الحاكمة العربية التى تقبض على زمام السلطة ولاتستجيب لرياح التغيير الاتية من تونس حتى الأن .

إن الدرس الأول من ثورة تونس هو ضرورة الإهتمام بتربية الشباب العربى عامة والمصرى بصفة خاصة ، علميا وتربويا وسياسيا وثقافيا ، وإعداد جيل جديد من الكوادر والصف الثاتى فى مختلف المجالات ، وإعادة الإعتبار إلى المجتمع المدنى . والذى اصبح هو البديل الجديد للتغيير فى ظل ثورة الإنترنيت الحالية ، وصعود نجم الحركات الإحتجاجية المحظورة ، على حساب الأحزاب الشرعية الكسيحة .

 وقد لعب المجتمع المدتى خاصة المدونون وحركات كفاية و6 إبريل والجمعية الوطنية للتغيير دورا كبيرا فى تحريك المظاهرات التى إندلعت فى شوارع القاهرة ومعظم محافظات مصرمنذ يوم 25 يناير الماضى ، لدرجة جعلت الحكومة تعطل شبكات الإتصال ، سواء شبكات المحمول أو الإنترنيت – خاصة مواقع بعض المدونين وحتى  "الفيس بوك" بمايشبه القرصنة لمنع التواصل بين المتظاهرين ، وحتى لايظهر عمامو جديد.

 وهذا ما سأتحدث عنه فى مقالى القادم .

حمدى البصير

Elbasser2@yahoo.com

اجمالي القراءات 9477