هل نحن مطالبون بتفسير القرءآن الكريم؟
هل هناك ترادف أو تكرار فى القرءآن الكريم؟
بسم الله الرحمن الرحيم...
نبدأ بإذن الله تعالى هذا البحث بسؤالين:
1- هل نحن مطالبون بتفسير القرءآن الكريم؟
2- هل هناك ترادف أو تكرار فى القرءآن الكريم؟
">السؤال الأول: هل نحن مطالبون بتفسير القرءآن الكريم؟
الإجابة على هذا التساؤل يكمن فى شقين إما بالنفى أو بالإثبات لا ثالث لهما. فإن كانت الإجابة بالنفى، فى هذه الحالة يظهر لنا سؤال مهم يجب أن نقف عليه برهة للدراسة.
الإجابة اننا ليس مطالبون بتفسير القرءآن الكريم، إذن فلماذا نجد آلاف الكتب فى الأسواق وعلى الأرصفة معنونة ب " كتاب تفسير القرءآن لإبن كثير، تفسير القرءآن للقرطبى، تفسير القرءآن للطبطبائى، تفسير الجلالين وتفسير فلان وفلان ...الخ والقائمة لا تعد ولا تحصى...
ونرى كتاب آخر بعنوان " التفسير المبين " ولو رجعنا إلى كتب الفقه نجد ان أول ما يُشار إليه عن أحسن وافضل طريقة لفهم القرءآن هو " تفسير القرءآن بالقرءآن " ثم يليها عدة طرق أخرى ما أنزل الله بها من سلطان.
المشكلة التى نستخلصها من كل ذلك هى كلمة " تفسير القرءآن " . ولندقق فى كتاب التفسير المبين للأستاذ محمد جواد مُغنية أكرمه الله. إختار مؤلف الكتاب إسم " التفسير المبين " بمعنى أن المادة التى قام سيادته بتفسيرها غير مبينة وبذل سيادته الجهد – مشكورا – ليجعل المادة المطلوب تفسيرها الغير مبينة إلى مادة مبينة. بالطبع نحن نتكلم عن كتاب رب العالمين القرءآن الكريم، فجاء سيادته بلفظ المبين بمعنى ان القرءآن الكريم غير مبين وهذا أول إتهام لكتاب الله سبحانه وتعالى. وللوقوف على حقيقة هذا الأمر لا بد أن نرجع إلى القرءآن ذاته ونغوص فى أعماق النصوص لكى نقف على ماذا قال رب العباد عن كتابه وآياته الكريمات، وعلى سبيل المثال لا الحصر يقول سبحانه:
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا" النساء 174
ويقول أيضا: " الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ " الحجر 1
وفى موضع آخر: " وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ" يس 69
"وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ " النور 43
فالآيات التى تفيد بأن آيات القرءآن " بينات "، وقرءآن مبين، كثيرة فى القرءآن الكريم. فبعد هذا البيان من الله سبحانه يخبرنا ان آياته التى أنزلت إلينا هى واضحة ومبينة. وحتى لو سلمنا بأن مطلوب تفسير القرءآن ونأتى بأى كتاب تفسير نجد انه عبارة عن نقل فى معظمه من تفاسير السلف والتى جائت لنا منذ القرن الثالثث ويطالبون المسلمون بإتباعها ونحن فى القرن الحادى والعشرين.
عداك عن ان معظم كتب التفسير منقولة من السلف، فإن أمعينا النظر فى هذه الكتب نجد فى المحصلة أنى لم أخرج بشيئ جديد ومعظم المفسرين ينقلون من بعضهم البعض، ويستندون فى تفاسيرهم على المأثور مع تغير بسيط فى الألفاظ. والمفسر يبنى آراؤه على مبادئ لم ينزل الله بها من سلطان، فيكون الإعتماد على أسباب النزول وبذلك يضع الحدث حُجة على الآية الكريمة وفى رأيه لا تفسر إلا بهذه المشابهة وأن الآية نزلت فى فلان وفلان ... معنى ذلك ان الآية ذاتها لا تصلح إلا فى الحالة التى نزلت عليها بإسم فلان، وأيضا هذا يوقف عمل العقل والتفكير.
وإن كانت الإجابة بالإثبات فى أننا مطالبون بتفسير القرءآن، أقول - والله أعلم- عودوا إلى كتاب الله صاحب وواضع ومنزل القرءآن الكريم وهو صاحب الرأى الأول والأخير، فعلينا أن نقول كما قال الرسول والمؤمنون فى سورة البقرة " آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَاۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ " 285
يصل عدد الأحاديث النبوية الواردة في صحيح البخاري مع حذف المكرر منها إلي 2761حديثا فقط، إذا تأملت في الأحاديث التي ترد في تفسير آيات القرآن الكريم تجدها محدودة جدا، وبينما المهمة النبوية أن يبلغ الرسول الرسالة ويكون هاديا مرشدا، إذن من الواضح أن هذه المهمة لم يكن جذرا فيها أن يفسر النبي- عليه السلام- كل آيات القرءآن ويشرحها ويبينها لنا بحيث يقضي بتفسير واحد ولا نختلف في لفظة ومعناها وتفسيرها ولا تتعدد التفسيرات وتختلف وتتباين، وإلي جانب العدد المحدود من الأحاديث والعدد القليل جدا من الآيات التي يفسرها النبي في أحاديثه، فإن كتب تفسير القرآن الكريم علي يد الأئمة الأوائل والرواد لا تجد فيها تفسيرات نبوية واضحة غزيرة لتأويل القرآن وشرح ألفاظه ومعانيه، بل إن التفسير يستند إلي أشعار وشعراء لتبيان معانٍ كثيرة في القرآن أكثر مما يعتمد علي روايات صحابة نقلا عن النبي في تفسير المعانٍ وألأفاظ، كما يستند المفسرون إلي أئمة وتابعين لم يعايشوا النبي ولم يصاحبوه فمشاركة الصحابة كذلك محدودة للغاية في تفسير القرءآن الكريم
هل لأن الصحابة كانوا يعرفون تفسير القرآن وليسوا في حاجة إلي شرحه حيث يُبين ويُنطق أمامهم بمعناه واضحا بلا تأويل ولا اختلاف؟ أم أن وجود النبي بينهم ومعهم كان يكفيهم عناء البحث والتحري في المعاني فهم يستمعون منه للآية فيحفظها بعضهم وينصتون لتفسيره فينقشونه علي قلوبهم؟ فإذا كان النبي قد شرح لهم كل معانيه فلماذا لم ينقلوا لنا التفسيرات النبوية كاملة؟ وإذا كان كذلك فلماذا أخرج أبو عبيدة في الفضائل عن أنس: «أن عمر بن الخطاب قرأ علي المنبر: (وَفَاكِهَةً وَأَبّاً).. فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الأبّ؟ ثم رجعَ إلي نفسه فقال: إن هذا لهو التكلف يا عمر». فلم يعرف عمر معناها بل رأي في البحث عن معناها تكلفا أو تزيدا، وما روي أيضا عن أن عمر كان علي المنبر فقرأ: (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَي تَخَوُّفٍ).. ثم سأل عن معني التخوف، فقال له رجل من قبيلة هذيل: التخوُّف عندنا التنقص؟، إذن صحابة كبار أساتذة في العلم وفي التلقي عن النبي حاروا في تفسير كلمات ومعانٍ، فمثلا ما أخرجه أبو عبيدة من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: «كنت لا أدري ما (فَاطِر السَّمَاوَاتِ) حتي أتاني أعرابيان يتخاصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، والآخر يقول: أنا ابتدأتها.
إن الله سبحانه وتعالي لو أراد لنا أن نفهم القرآن علي معني واحد وبمنهج واحد لفعل، ولو أن النبي – عليه السلام - قد كلفه ربه بإبلاغ التفسير القاطع المانع مع الآية المنزلة ما كان ليتركنا دون أن يبلغ، وهو الذي قال: «اليوم أكملت لكم دينكم» فمعني أن الدين كمل من غير تفسير واحد ووحيد فاصل لآيات القرآن الكريم، إذن سيظل القرآن الكريم مفتوحا لمزيد من الفهم حتي يرث الله الأرض وما عليها.
إن نظرنا فى القرءآن الكريم وتأملنا فى آياته التى تتكلم عن لفظة " التفسير " نجد ذلك فى سورة الفرقان، وصْفين من ضمن ألأوصاف التى وصف الله سبحانه بها كتابه، فلنقرأ سويا هذه الآية الكريمة:
" ........ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بالحقأَحْسَنَ تَفْسِيرًا " الفرقان 33
بالرغم من قِصر هذا الجزء من الآية الكريمة إلا معناها عظيم ويُحدد لنا ما هو المطلوب من عباد الله وما هو ليس بالمطلوب. يصف الله سبحانه القرءآن الكريم ومحتوياته فى هذه الآية بان ما جاء لنا فى القرءآن الكريم هو حتما الحق من الله سبحانه وأيضا وصف آياته بأنها أحسن تفسير. وأنظر إلى كلمة "أحسن " ولم يقل حسن أو كلمات واضحة بينة، ولكن قال سبحانه " أحسن تفسير ". هل يصح بعد ذلك أن يأتى شخص ويقول سأقوم بتفسير القرءآن، فما معنى هذا ؟ حسب قدرتى المتواضعة فى الفهم، يكون معنى هذا ان هذا الذى سيقوم بتفسير القرءآن هو فى الحقيقة يقول سأفسر القرءآن على طريقة السلف والمأثور وبذلك يضع تفسيره فوق " أحسن التفاسير " والتى جائت من عند المولى عز وجل مؤلف أحسن التفاسير.
ماذا تعنى " أحسن تفسيرا "؟ بدلا من القيل والقال فلنترك القرءآن يتكلم ويوضح لنا المعنى وبذلك نكون فى أمان من إتباع الهوى أو إتباع ما سلف. يقول سبحانه وتعالى : " الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ " هود 1
ويقول أيضا: " وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا" الإسراء 12
إذن، معنى " أحسن تفسيرا " من كتاب الله السميع العليم، أن آيات القرءآن محكمة ثم بعد الإحكام جائت الخطوة الثانية وهى التفصيل ويليها الخطوة الثالثة، تفصيل التفصيل، وكل هذا من لدن حكيم خبير. فمن يجرأ ويقول سأفسر القرءآن حتى أبينه للناس ونسى أن ما يتكلم عنه فى هذا المقام هو أحسن تفسير قدمه الله رب العالمين لعباده وأيضا يتضمن المعنى أن تفسير هذا المفسر أقوى وأوضح من تفسيرالحكيم الخبير.
والأدهى من ذلك، يُقال فى كتب التراث، العلماء يقولون بعدم جواز التفسير بالرأي الذي يخالف تفسير الصحابة رضي الله عنهم ، وتأمل هذه العبارة : " فمن خالف قولهم وفسر القرءآن بخلاف تفسيرهم فقد أخطأ في الدليل والمدلول جميعا " وقالوا أنواع التفسيرالآتى:
1- تفسير القرءآن بالقرآن ،
2- تفسير القرءآن بالسنة كتفسير ابن كثير وابن جرير والبغوي وابن ابي حاتم وغيرهم، وهو التفسير بالمأثور،
3- تفسير القرءآن بالرأي ويسمى التفسير بالمعقول كتفسيرالسعدي والجزائري واشترط له شروطا منها عدم مخالفة المأثور
وأن أغلب كتب التفسير تجمع بين الأنواع الثلاثة. ويقولون، فإن وافق الرأي الأثر أو دخل الرأي في عموم دلالة الأثر فلا إشكال وليس هذا محل الخلاف. ويقولون أيضا ليبرروا موقفهم، القرءآن نزل بلغة العرب فمن أتقن فنونها وأحاط بعلوم القرآن كأسباب النزول والناسخ والمنسوخ والمدني والمكي.. وكان ملما ببحوث علم أصول الفقه كالعام والخاص والمطلق والمقيد والحقيقة والمجاز.. يمكنه أن يفسر القرآن.
هل كل ما روي عن السلف" التفسير بالمأثور" صحيح سندا ومتنا؟ كم من آية علمية فسرت في عهد السلف تفسيرا عاما غير دقيق لمحدودية علمهم يومئذ وحينما تطور العلم وتأكدنا من حقيقة الأمر هل تفسيرها على ضوء الحقائق العلمية الثابة مخالف للسلف؟
وعلى هذا، يمكن القول حسب زعمهم، أن المهم في التفسير بالرأي ألا يخالف نصا صريحا أو إجماعا من الصحابة، وتقييد الاجماع بإجماع الصحابة مسألة اصولية ناقشها العلماء في كتب الأصول. " فالإجماع هو اتفاق مجتهدي الأمة بعد وفاة نبينا محمد عليه السلام في عصر من العصور على أمر من الأمور بتصريح، أو سكوت عند القائلين بالإجماع السكوتي ".
** بعد هذا السرد المختصر، لماذا يصرون على تسمية كتبهم " بكتب التفسير " ، بمعنى أوضح أنهم يقولون نحن نفسر أحسن اتفسير... وفى الحقيقة نحن عندما نقرأ القرءآن الكريم فنحن نقرأ أحسن التفسير...
إذن، فما هو المطلوب منا فى هذا الشأن؟ كالعادة أن نرجع إلى كتاب ربنا ونبحث وندقق حتى يتبين لنا الطلوب.
تدبر القرءآن فريضة...
إن المتأمل في حال المسلمين اليوم يجد إقبال أعداد كبيرة منهم؛ رجالاً ونساءً، على كتاب الله عز وجل بالتلاوة والحفظ؛ فجمعيات التحفيظ منتشرة في كل مكان، والمساجد تمتلئ بحلقات التلاوة والتحفيظ، وهذا لا بأس به لأنه يدل على حرص الأمة بمجموعها على كتاب ربها عز وجل، إلا أن المؤسف أن هذا الإقبال على التلاوة والحفظ لا يصحبه إقبال يماثله أو يقرب منه في باب التدبر والفهم، حتى صرنا نرى من يتم حفظ كتاب الله عز وجل، لا يعرف معنى كلمات من القرءآن الكريم التي يحفظها .
إن هذه الحالة مخالفة للتى أمر الله عز وجل بقراءة القرءآن عليها، فقوله تعالى: " وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا" المزمل4 أي بتمهل وإسترسال، فإنه يكون مساعداً على فهم القرآن وتدبره، فجعل الفهم والتدبر علة للأمر بقراءته مرتلاً، فجعل التدبر داخلاً في معنى الترتيل.
ومن جهة أخرى، فيُخشى أن تكون حال من يقرأ ويحفظ دون تدبر كحال من سبقنا من الأمم كما في قوله تعالى: " وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ" البقرة: 78، أي لا يعلمون الكتاب إلا كلمات يحفظونها ويدرسونها لا يفقهون منها معنىً، كما هو عادة الأمم الضالة؛ إذ تقتصر من الكتب على السرد دون فهم. وأما الاكتفاء بالتلاوة دون عمل فمصيبة كبرى ، وقد مثَّل الله عز وجل في القرآن الكريم لمن يحمل العلم ولا ينتفع به بأقبح مثل، فقال: " مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " الجمعة 5
ولعل علة هذا كانت من تحامل الناس لواجباتهم وأماناتهم بعضهم على بعض من جهة، وخلط كثير من العلماء بين الماضى والحاضر، وبين السلف والخلف، وبين منافع السؤال والبحث ومحاولات الفهم من جهة أخرى، فاكتفت العامة والخاصة، اكتفى الغالب منهم بجهد السابقين الاولين ومحاولاتهم فعطلوا الكتاب وأطفأوا جذوة البحث والنظر. فتعطل العقل وتوقفت المسيرة بل بدأت تتقهقر وتنحدر إلى الهاوية.
لذلك، دعا الله عز وجل عباده إلى التدبر فيما أنزله إليهم من آيات بينات بصور متعددة، فبين أن هذا التدبر هو المقصود بإنزال القرآن بقوله: " كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ" ص 29، وعلى سبيل التقريع على من أعرض عن تدبره كما يقول سبحانه: " أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ " المؤمنون 68 وأيضا فى موضع تقريع آخر يقول رب العزة: " أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرءان أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا " محمد 24 .
ومما سبق، يدل على أهمية التدبر، فقد دل العقل على ذلك أيضاً، فمن لوازم استخلاف الله عز وجل بني آدم في الأرض كما قال: " إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً " البقرة 30، أن يبين لمن استخلفهم منهجاً بيناً واضحاً يؤدون به حق الخلافة، فلما آلت الخلافة لهذه الأمة الخاتم، وأنزل عليها هذا الكتاب الكريم الذي لا كتاب بعده، كان لا بد أن يحتوي على منهج تحقيق الخلافة، ولكي تتعرف الأمة على تفاصيل هذا المنهج فلا بد لها من تدبر آياته والمراد به التأمل في معانيه، وتركيز الفكر فيه، وفي مبادئه وعواقبه، ولوازم ذلك من العمل والاتباع.
الفرق بين التفسير والتدبر: (بإختصار شديد )
أن التفسير هو كشف المعنى المراد في الآيات ( كما يدعون ) ، والتدبر هو ما وراء ذلك من إدراك مغزى الآيات ومقاصدها ، واستخراج دلالاتها وهداياتها ، والتفاعل معها ، واعتقاد مادلت عليه وامتثاله. التفسير يغذي القوة العلمية والتدبر يغذي القوة العلمية والإيمانية والعملية. والمتدبر غرضه الانتفاع والامتثال علماً وإيماناً ، وعملاً وسلوكا. أن التدبر واجب الأمة على كل حال ولذا جاء الأمر بالتدبر في كتاب الله دون التفسير.
وخلاصة ما سبق، أن المطلوب منا كمسلمين موحدين بالله تعالى تنفيذ أمر الله العلى القدير الذى قال " كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ" ص 29
وهذا أمر الله سبحانه كأى أمر جاء فى القرءآن الكريم مثل إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وما إلى ذلك من أوامر الخالق المدبر فى كتابه الذى لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وصلنا الآن إلى أن التدبر هو فريضة على كل مسلم على حسب قدرته العقلية والعلمية ومدى إصراره على تدبر آيات الله الكريمات وفهمها فهما قرءآنيا صحيحا. وهذا يقودنا إلى السؤال الثانى لأن التدبر له مبادئ يجب أن توضع فى الإعتبار عند تدبر آيات الله فى القرءآن الكريم،سنتداول واحدة من هذه المبادئ خلال هذه السطور التى بين ايدينا ويتمثل فى السؤال الثانى من هذا البحث.
السؤال الثانى: هل هناك ترادف أو تكرار فى القرءآن الكريم؟
قانون إلهى لا يتغير ولا يتبدل، فلنقرأ قول المولى عز وجل، وننطلق منه إلى الإجابة على السؤال الثانى:
" أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا " النساء 82
من أهم أسباب الإختلافالترادف ، مبدأ الناسخ والمنسوخ، حصر فهم الآيات على أسباب النزول وجعل الروايات حجة وحكما على كتاب الله سبحانه.
أقول من البداية، والله أعلم، لا يوجد ترادف ولا تكرار بدون معنى، وحاشا لله أن يكون هناك حشو فى كتاب الله الكريم.
من هذه المبادئ مبدأ عدم وجود ترادف فى القرءآن الكريم وذلك على العكس تماما مما يذهب إليه علماؤنا الأكابر ومشايخنا المحترمين. وكالعادة أننا ندخل إلى نصوص القرءآن الكريم ونغوص فى أعماقها حتى يتسنى لنا تدبر حقيقى وبعيدا عن القيل والقال والروايات التى ورثناها من السلف الصالح وبعيدا عن الأهواء والمصالح الشخصية وأيضا بعيدا عن مدارس الفرق والأحزاب. القرءان الكريم فقط هو المنبع الذى يشع نورا على العالم بأسره وذلك لمن كان له قلب والقى السمع وهو شهيد.
الدلالات الرئيسية فى فهم معانى القرءآن الكريم: اللغة ، السياق والتدبر السليم.
أ- اللغـة: بالرغم من ان اللغة العربية أشمل وأدق واجمل اللغات في انها تعطي لكل حقيقة لفظاً قريباً يتناسب معها تماماً، وبالرغم من ان العرب اختاروا لكل تطور ينشأ في شيء، لفظاً يخصه، ويوحي الى تلك الحقيقة متلبسة بذلك التطور. بالرغم من هذا وذاك فإن الكلمات العربية اكتنفها الغموض مما افقد إيحاء اللفظ وظلاله، فلم نعد - نحن العرب- نملك رهافة الحس التي كانت بين لفظتي " قرب - اقترب" أو "فكر - افتكر" حتى لم نعد نعرف الفرق بين كلمتي "سار وسارب" و" دلك واولج" وغيرها كثير. ويعود ذلك الى:
اولاً: كثرة استعمال الألفاظ في غير معانيها الأدبية، فحينما يستعمل العربي كلمة "قرب" في المجال المحدد لـ "اقترب" او حتى كلمة "سار" في موضع كلمة "سارب"، تختلط ظلال الكلمتين مع بعضهما، وتضيع الايحاءات الخاصة.
ثانياً: تعلقت اذهاننا بمعاني جامدة ومحددة لألفاظ عربية، وفقدنا الشعور بمحور شعاع الكلمة، نحن حينما نستعمل كلمة "جن" يتبادر الى اذهاننا المخلوق الغريب ، دون ان نفكر ولا لحظة حول ارتباط كلمة "ج ن ن" مع هذا المخلوق، ونستعمل كلمة "جنين" دون ان نعرف ان هناك علاقة تناسب مع معنى الولد في بطن امه (جنين) ومعنى المخلوق الغريب (جن)، وهي ان كليهما مستور عن اعين الناس. وكذلك نطلق لفظة الخمر للدلالة على السائل المسكر ، ونطلق لفظة الخمار للدلالة على الساتر لوجه المرأة ، ولا نلاحظ ان علاقة اللفظين ببعضهما إنما هي من ناحية الستر، فهذا يستر الوجه، وتلك تستر العقل. وهكذا تتداخل إيحاءات اللفظ العربي ببعضه، فنفقد بذلك فهم اهم سمة من سمات اللغة العربية التي لو فهمناها لَسَهل علينا فهم القرءآن كثيراً. من هنا يتوجب علينا الخروج من الفهم التقليدي للألفاظ العربية نحو افق اسمى، يستشم المعنى الايحائي العام منها.
الترادف يعني اشتراك لفظين أو أكثر في حمل معنى واحد باعتبار أن يكونا من نوع واحد اسمين أو صفتين ليسا متغايرين.
ولكن الترادف ليس مما يتفق العلماء على الإقرار به في لغتنا العربية ، فبعض العلماء من المتقدمين والمحدثين أقر به واعتبر تلك الألفاظ مؤدية لمعنى واحد. ومنهم من لا يرى ذلك كأبي منصور الثعالبي صاحب كتاب (فقه اللغة وأسرار العربية) وكأبي هلال العسكري الذي ترجم إنكار الترادف عمليا بتصنيف كتاب (الفروق في اللغة) ليؤكد من خلاله أن هذه الألفاظ ليست مترادفة، فهذا الفريق يؤمن بهذه الفكرة ويرى أن الأالفاظ التي يظن أنها مترادفة ليست كذلك حقيقة ، لكنها متقاربة، وهي تحمل فروقا دقيقة بينها .
والفصل في ذلك كله ينبغي أن يكون للقرءآن الكريم ، فهو (كتاب العربية الأكبر) ، وهو الذي جاء في ذروة البلاغة العليا ، وهو الحاكم على اللغة ، لم ينكره العرب أو يستنكروا شيئا منه، بل هو قد ارتقى بلغتهم وصار المهيمن عليها والحكم بينهم.
ومن التأمل في مواطن ورود بعض الكلمات التي يقال بترادفها في القرآن الكريم نلحظ أن هناك فروقا بين تلك الكلمات وأنه لا يجوز أن تأخذ إحداها مكان الأخرى وإلا لضعف المعنى.
سنتداول فى السطور التاليةبعض الأمثلة القرءآنية لنرى تفريق القرءآن في الاستعمال بين الألفاظ المتقاربة المعنى.
مثال رقم 1: ما الفرق بين القراءة والتلاوة
القراءة،لا تقتضي بالضرورة الفهم والعقل، فقد تقرأ وتعقل، وقد تقرأ ما لا تعقل، كما لو كنت تقرأ لغة أنت تعرف حروفها ولكنك لا تعرف مفرداتها ودلالاتها وتراكيبها ثم قد تقرأ غيباً وقد تقرأ من كتاب.
وبدلالاتها هذه،فلننظر فى الآية التي في آخر سورة الشعراء, " ولو نزّلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين" فالآية تجمع بين الأعجمي وبين القراءة إذ هو في الغالب لا يعقل ما يقرأ. فترى العرب والأعاجم في شرط الصلاة سواء كلهم يقرأون ما تيسر من القرآن حتى ولو لم يعقل الأعجمي ما يقرأ، " ...ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ۚ ...." المدثر 20
إذا تتبعنا توظيفات "القراءة" نجدها في أول درجات التعامل مع القرآن فهي أول ما يبدأ به العبد حال افتتاح كتاب الله, " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ " العلق 1 .
التلاوة،وهي من تلا الشيء يتلوه إذا تبعه وتلا "الكتاب" إذا قرأه بالتتابع وهذا المعنى يوحي بالتواصل والتسلسل والترابط فيما لا تشترط القراءة في ذاتها لهذه المعاني، فقد تقرأ سطراً وتقف وتقرأ فقرة وتنتقل إلى غيرها لا تليها. ولعله من أجل ذلك نزل أول ما نزل " إقرأ " إذ لم يكن قبلها ما يتلى.
فالآيات المتتابعة المتسلسلة هي المتلوة, والمعاني المسترسلة في الموضوع الواحد والقصة الواحدة هي المتتالية المتلوة وهي جلية في أسلوب القرءآن وسرده " تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق" كان ذلك في ختام قصة طالوت وجالوت بعدما تتابع سرد القصة. والتلاوة على خلاف القراءة، تقتضي لذاتها العقل والفهم من التالي والمتلو عليه فلا يتلى ما لا يعقل ولا يعرف قصده ، بل هذا كله مقتضى مشروط للتلاوة " وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً يتلو عليهم آياتنا ". فالتلاوة بعد القراءة وأقوم قيلايقول تعالى: " الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۗ... " البقرة 121 وهذا هو شرط التلاوة.
مثال رقم 2:الفرق بين الكوب والكأس
يطلق لفظ الكأس على الكوب المملوء بالشراب فقط ولا يشترط ذلك في الكوب ولهذا لم يأت لفظ الكأس في القرءآن إلا للكوب المملوء شراباً كقوله تعالى :" وَكَأْسًا دِهَاقًا " النبأ 34ودهاقاً تعني مملوءة وقال تعالى : "يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) الصافات.
مثال رقم 3:الفرق بين الإتيان بغيره والتبديل
الفرق بين الإتيان بغيره وتبديل الشئ : أن الإتيان بغيره لا يقتضي رفعه بل يجوز بقاؤه معه، وتبديله لا يكون إلا برفعه ووضع آخر مكانه ولو كان تبديله والإتيان بغيره سواء لم يكن لقوله تعالى : ".... ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ۚ ..." يونس15) من فائدة
مثال رقم 4:الفرق بين الإنكار والجحد
الجحد يكون للشيء الظاهر، أما الإنكار فيكون للظاهر والخفيّ، ويكون الجحد للشيء الذي يعلمه الجاحد .. وأما الإنكار فيكون لما يعلمه وما لا يعلمه ، فإذا قال لك شخص : هل تعرف أمر كذا .. فقلت : لا .. فإنه إن كنتَ تعرفه فهذا جحدٌ منك .. وإن كنت لا تعرفه فهذا إنكار.
مثال رقم 5:الفرق بين الهمز واللمز
الفرق بين الهمز واللمز : الهمز هو التعييب سرّاً .. واللمز هو التعييب جهرا.
مثال رقم 6: الفرق بين التصدع والتحطم
حتى نعرف الفرق بينهما لا بد من قراءة هذه الآيات، لنرى هل هما مترادفان....
قال تعالى: " لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ " الحشر:21
" لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ " الواقعة:19
أما عن التحطّم فقال تعالى:" حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ " النمل:18
" أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ " الزمر:21
" اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ " الحديد:20
التصدّع من الصدع، والأصل فيه الشق في الأجسام الصلبة، وتستعمله العربية مجازا في الصداع، كأنه انشقاق في الرأس من الألم، وفى آية الواقعة " لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ " الواقعة:19
كما يستعمل معنويّا في التصدع بمعنى التفرّق والتمزّق. والصدع في الأمر: الفصلُ فيه بحسم قاطع، ومنه آية الحجر " فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ" الحجر:94
وأما الحطم فأصله في العربية الهشم، مع اختصاص بما هو يابس وإن لم يكن صلباً كالعظام، وقيل للأسد حطوم لأنه يحطّم الفريسة ويهشّمها. والحاطوم والحطمة: السنة المشئومة. ورجل حطم يلتهم كل شيء ولا يشبع. وراعٍ حُطَمة وحطم،كأنه يحطم الماشية عند سوقها لعنفه..
فالتصدع في القرءآن: يُستعمل في الشق في الأجسام الصلبة مثل: (الجبل الصلب والأرض كما في سورة الطارق " وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ " الطارق:12
أما التحطم في القرآن: فيُستعمل في تهشيم الشيء اليابس مع العنف والقسوة، مثل: (حطام للزرع المصفر المهشم، نار الله التي تهشم كل هُمزة لُمزة كما في سورة الهمزة " كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَة ُ" الهمزة:6
لاتكرار في القرآن
قوله تعالى : (فخر عليهم السقف من فوقهم) .. النحل : 26 ... هل كلمة فوقهم فيها تكرار ... لأن السقف يكون عادة فوق الجالسين ... لا .. ليست تكرارا بل لاثبات انهم لم ينجوا في الغالب وانهم كانوا تحته تماما لما سقط عليهم فحتما قد قضي عليهم ولا يستقيم هذا المعنى الا بهذه الكلمة.
وقوله تعالى: (وتقولون بافواهكم ماليس لكم به علم) .. النور:15 وأيضا (ذلكم قولكم بافواهكم) .. الاحزاب : 4.. هل (بافواهكم) في الايتين فيها تكرار لاداعي له اذ هو معلوم ان القول يكون بالفم ... لا ... في الاية الولى توكيد على ان قولهم لايعتد به وان مكانه الافواه فقط ولا يشترك فيه العقل ولا الروية ولا التفكير ... وفي الثانية أن قولهم لايغير من الحقيقة شيئا وأنه لايتعدى اللسان الى مافي الافئدة من حقائق.
وقوله تعالى: (والمحصنات من النساء الا ماملكت أيمانكم) ... النساء : 24 ... في النهي عن الزواج بمتزوجات من رجال آخرين ... لكن لماذا قال من النساء .. والمحصنات هن بالتأكيد نساء .... تكرار؟؟ ... لا ... بل حتى لايتوهم ان المقصود هن المحصنات المسلمات فقط ... وليفيد العموم ... حتى يكون المعنى انه لايجوز تزوج امرأة وهي على عصمة رجل آخر سواء كانت مسلمة او كافرة او حرة ام ملك اليمين وكلمة من النساء تفيد هذا العموم.
فى الختام لهذا البحث أقول – والله أعلم – ان المفروض علينا هو تدبر آيات الله الكريمات لذلك ورد الأمر بالتدبر وليس التفسير. وأيضا إتضح لنا عبر هذه السطور أنه لا يوجد ترادف ولا تكرار فى كتاب الله، القرءآن، الذى لا تبديل لكلماته. وأود أن ألقى بعض الإقتراحات للمناقشة مع من يريد على أن يقوم القارئ بالتدبر بنفسه فى بعض أمثله من القرءآن وسوف لا أتدخل فى هذه المحاولات وتكون بمثابة أمثلة حتى يتم التدريب على التدبر وإثبات أنه لا يوجد ترادف أو تكرار فى القرءآن، ويمكن عرض النتائج فى صورة تعليق حتى أستفيد ونفيد غيرنا بإذن الله تعالى.
1- ما هو الفرق بين لفظ " الكتاب " ولفظ " القرءآن "
2- لماذا قال الله ىسبحانه فى سورة البقرة: " ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ" وإن نظرنا إلى الاية رقم 185 من نفس السورة والتى تقول: " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ... " (185)
3- كثير من آيات القرءآن يُذكر فيها كلمة " الله " وآيات أخرى يُذكر فيها كلمة " الرب " وبعض من الآيات يذكر فيها الإثنين معا. فالسؤال للبحث، هل يمكن تبديل كلمة الله بكلمة رب فى هذه الايات؟ ولتوضيح أكثر ارجوا تدبر أول ثلاث آيات من سورة الناس : " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَٰهِ النَّاسِ " كان من الممكن أن واحدة من هذه الكلمات تكفى، ولكن السؤال لماذا هذا التصنيف الإلهى.
أكتفى بهذا القدر الآن ولن لقاء قريبا إن شاء الله تعالى على صفحات موقعنا المبارك حتى نستفيد ونفيد.
وإلى اللقاء مع تعليقات سيادتكم، إن كان فى العمر بقية....