إستنساخ ثورة بوعزيزى عربيا

حمدى البصير في الأحد ١٦ - يناير - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

هل يمكن إستنساخ ثورة "بوعزيزى" فى بلاد عربية حاليا ؟

بقلم حمدى البصير

عندما قام الشاب التونسى محمد بوعزيزى بائع الخضار بإشعال النار فى جسده أمام بلدية سيدى مسعود منذ شهر تقريبا ، لم يكن يتوقع أحد إطلاقا فى تونس أو خارجها إن إنتحار هذا الشاب  وموته حرقا بعد ذلك سيكون سببا فى ميلاد ثورة شعبية فى تونس الخضراء ، وبداية تغيير للحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية  فى هذا البلد العربى الصغير ، بل إن ثورة بوعزيزى قد يكون áuml; لها تداعياتها وتأثيرها لا فى دول شمال أفريقيا فقط المجاورة لتونس ،بل فى دول عربية عديدة بأشكال مختلفة ، لإن هناك ظروف مشابهه للوضع فى تونس فى بلدان عربية عديدة ، من ناحية إنتشار البطالة وإرتفاع الأسعار وزيادة الفقر ، أوبقاء رؤساء وملوك عهودا طويلة فى السلطة ،وتحت مظلة الحزب الواحد، وبهامش ديمقراطى مصطنع يضم أحزابا ورقية ومجتمع مدنى مغلوب على أمره ، بل وتمارس تلك الدول ديمقراطية على" الطريقة العربية  " التى تكاد تضع الحكام فى مصاف الملائكة الملهمين  ، والذين لايحاسبون لأنهم منزهين عن الأخطاء ، وهؤلاء الحكام وبطانتهم يلتصقون بكراسى السلطة أكثر وأكتر عن طريق إنتخابات غالبا ماتكون مزورة ، وهدفها إقصاء المعارضين ،وإنتقاء المؤيدين ، بل وإختيارالمعارضين منزوعى الأنياب والمتحالفين مع السلطة أحيانا ، وكل هذه المنظومة، من حكام ووزراء ومسؤلين وموظفين كبار وعساكر، بل ونواب فى البرلمانات العربية ، يساندها ويطبل لها أجهزة إعلام حكومية أو قومية أو وطنية ، أما المعارضين الحقيقين فهم أعداء الأنظمة العربية ، والذين يمارس عليهم كل أنواع القمع والقهر والمحاربة فى الرزق وتشويه السمعة أحيانا والتهميش المنظم .

 والغريب إن ثورة بوعزيزى فى تونس والتى كانت ثورة شعبية فى المقام الأول والتى بدأت بمظاهرة إحتجاجية بسيطة ،وإنتهت بسقوط نظام ديكتاتورى بأكمله ، قد أثبتت إن أول من يداسون بالاقدام ويفرون مثل الفئران المذعورة ويختفون ويتخفون هم بطانة الحاكم وسدنته ، وأن أول من يضربون بالأحذية ويضعون فى السجون ويعلقون فى المشانق هم المقربون إلى الحاكم المستبد ، لأنهم عاثوا فى الارض فسادا ،ومصوا دماء الشعب ،وكانوا عونا للحاكم كى يظلم وينكل ويقصى معارضيه ومخالفيه .

الكل يخشى الأن من إستنساخ ثورة بوعزيزى التونسية فى بلاد عربية عديدة لتشابه الظروف لأننا "كلنا فى الهم شرق " .

ولكن معظم الحكومات العربية فاقت من غفوتها ، وتسعى الان إلى التفكير فى مصالح شعوبها  وتطلق تلك الحكومات الان التصريحات النارية الكاذبة أحيانا ، والتى تعرض الوعود  بل الرشاوى أحيانا أخرى خوفا من غضب تلك الشعوب، لإن الحكام أعطوا لها الأوامر بأن يرضون الجماهير حتى ترضى عنهم ، وحتى لايلقون نفس مصير حكومة الغنوشى التونسية التى يختفى وزرائها فى حوارى تونس الأن ، ويغلقون منازلهم على أنفسهم خوفا من عقاب الشعب ، بعد أن فر معظم الوزراء وكبار المسؤلين الفاسدين من سفينة البلاد قبل أن تغرق وهربوا للخارج مثل الجبناء .

 بعض الدول العربية تخشى الأن من أن تمتد كرة اللهب التى أشتعلت فى جسد الشهيد بوعزيزى فى مدينة سيدى أبوزيد وتدحرجت حتى جابت كل ولايات ومدن وشوارع تونس ، وتصل تلك الكرة الى محافظات وشوارع عربية ، يعانى شبابها من نفس الظروف فى تونس أى البطالة وإرتفاع الأسعار وزيادة الرشوة والفساد والمحسوبية قى الأوساط الحكومية والقمع الأمنى وغياب الحرية الحقيقية ، وتحجيم الأحزاب السياسية ، وتهميش منظمات المجتمع المدنى ، وبقاء الحاكم سنوات طويلة فى السلطة .

ولكن نموذج ثورة بوعزيزى فى تونس ، أو ثورة الياسمين ، قد لايكون قابلا للإستنساخ بسهولة فى دول عربية ، خاصة التى تحكم بالنظام الملكى .

فشعوب الدول العربية ذات الأنظمة الملكية لاتسطيع  إن تغيير العائلة الملكية بسهولة ، بسبب إن معظم تلك الدول والممالك غنية بالبترول ،ومستوى معيشة أفرادها مرتفع ، لإن عوائد النفط توزع بالتساوى بين أفراد الشعب تقريبا ،كما إن تلك الدول أو الممالك تحكمها أنظمة قبلية فى الأساس ،وتعايشت شعوبها مع هذا الوضع سنوات طويلة وتوارثت الأجيال المتعاقبة هذا المفهوم الخليجى الذى يعتبر إن الأسرة الملكية الحاكمة هى أكبر قبيلة فى الدولة أو المملكة ،وإن الملك أو الامير هو شيخ أكبر قبيلة ، بل والأب الروحى لتلك الدولة .

فعلى سبيل المثال لم أعهد طوال حياتى أن هناك ملكا يقوم شعبه بل وكبار المسؤلين فيه بتقبيل يده ، أو تؤلف الأغانى لملك أخر وتتحول  إلى رنات موبايل ، لإن الملك يجرى عملية جراحية فى الخارج ، وقد يكون ذلك حبا وإحتراما زائدا ، ومثلى لايقدر نعمةالله التى يمنحها لشعوب ، والتى يكون القدر رحيما بها وتزرق بملك أو امير أو رئيس ، يحكمها ويرعى شؤنها .

كما أن هناك شبابا فى دول عربية ولدوا وتربوا وترعرعوا وتعلموا وكبروا وتخرجوا وتزوجوا ،وهم لايعرفون سوى رئيس واحد ، وملك وحيد وبالتالى من الصعب أن بثيرون عليه من باب الأدب والإحترام والوفاء .

نعم رغم تشابه الظروف السياسية والإقتصادية والإجتماعية بتونس فى بلاد عربية عديدة ، إلا إن إستنساخ ثورة بوعزيزى وتكرارها  وإمتدادها فى الوقت الحالى لدول أخرى قد يكون صعبا لأسباب عديدة أهمها ، إن الحكومات العربية تنبهت وتعلمت الدرس جيدا ، وثانيا إن حجم الفساد فى تونس أكثر بكثير من دول عربية أخرى ، خاصة بين حاشية بن على الرئيس التونسى السابق ، بل وزوجته ليلى الطرابلسى وأشقائها ، وهذا الفساد العائلى غير موجود فى مصر أوليبيا أوالسودان أوموريتانيا على سبيل المثال ، بالإضافة إلى قوة المجتمع المدنى فى تونس ، والذى نظم ونسق ثورة بوعزيزى ،وحول المظاهرة الإحتجاجية البسيطة إلى ثورة سياسية ، أدت إلى سقوط رئيس الدولة وحاشيته ومليشياته ، والتى أطلقت الرصاص الحى على صدور الشباب التونسى وقتلت أكثر من 123 شابا من خيرة الشباب الحر التونسى ، والتى أيضا تحركت بعد هروب بن على ، وتعيين رئيس جمهورية مؤقت وقامت بنهب المحلات والمنازل ، وتحولت من مليشيات منظمة إلى عصابات مسلحة تطلق النار على المدنيين الابرياء ، من أجل إحداث فوضى خلاقة على الطريقة الأمريكية وتقويض الثورة الوليدة بعد نجاحها العظيم والتى أبهرت العالم الخارجى قبل الشعوب العربية.

وقد تصدت قوى المجتمع المدنى التونسى لذيول وعصابات بن على ، وتم تشكيل لجان أهلية لحماية مكتسبات الثورة ،وتسيير الحياة داخل المدن التونسية ، ولكن لايوجد منظمات مجتمع مدنى فى دول عربية عديدة بقوة المنظات التونسية ، مما قد يجعل الثورة التونسية صعبت التكرار فى دول عربية أخرى فى الوقت الحالى على الاقل  ، بل إن تكرارها فى ظل الاوضاع المجتمعية الحالية وغياب دور المجتمع المدنى ، قد يكون طريقا لقمع الشعوب إذا فشلت ثوراتها ، وتكميم الأفواه وتقليص الحريات ، أوحدوث فوضى شاملة إذا نجحت تلك التورات ، وهذا ما سأوضحه فى مقالى القادم .

حمدى البصير

Elbasser2@yahoo.com

اجمالي القراءات 11467