المشروع القومي العربي وانفصال جنوب السودان.
من المؤسف حقاً أن نقرأ ونسمع من بعض مفكري المشروع القومي العربي ,ما يكتبونه ,وما يصرحون به من خلال الفضائيات ,حول موضوع انفصال جنوب السودان عن شماله ,الذي وبغض النظر عن أرائهم الغريبة والعجيبة هو خطوة حضارية ,تم الاتفاق عليها بين نظام الحكم في الشمال الذي جاء إلى الحكم في الانتخابات الأخيرة بطريقة ديموقراطية ,و&Atacute;ة ,وأيضاً الحكم في الجنوب الذي استلم مقاليد السلطة بعد انتخابات ديموقراطية.
وبنتيجة اتفاقيات سياسية موقعة بين الطرفين وبرعاية خارجية أو داخلية ,تم الاتفاق على الاستفتاء في الجنوب ومباركته.
لماذا يتباكى المثقفون القوميون ,ويعتبرون ذلك خطوة تآمرية هدفها تقسيم الأمة العربية إلى دويلات من قبل الصهيونية وأمريكا.
كنت أتوقع من المثقفين القومين أن لا يعلقوا فشل مشروعهم القومي في السودان الآن على القوى الخارجية ,والسبب في ذلك أن القوى الخارجية ,لا تتدخل إلا إذا سنحت لها الظروف والعوامل للتدخل بفعل سياسة خاطئة للحكم في الدولة المعنية أو بفعل فكر إقصائي للمثقفين في الوطن للمكونات القومية والاثنية .
سؤالي الذي أطرحه دائماً ,أين كان وأين هو... المشروع القومي العربي الممثل بمثقفيه ,عندما همشت أو تهمش كل المكونات القومية والإثنية التي تعيش في الوطن العربي ,أين كانوا عندما أُعلنت الحرب الجهادية العربية الإسلامية من قبل حكومة الشمال على الكفرة من أهل الجنوب(بمباركة عربية وإسلامية من أجل تعريب وأسلمة الجنوب وأخذ الجزية منهم وهم صاغرون) ,وراح ضحيتها مئات الألوف .
في أثناء هذه المرحلة كانت وعلى أرض الشمال تعقد الندوات والمؤتمرات من قبل المفكرين العرب والإسلاميين ( المؤتمر العربي والإسلامي) لدعم هذه الحرب ومباركة إخضاع الجنوب لسلطة الشمال.وقد حضرت أنا شخصياً واحدة من هذه المؤتمرات ,وقد شاهدت بأم عيني وسمعت ما يقوله جهابذة الفكر القومي والإسلامي الذي كانوا يفضلون تطهير الجنوب عرقياً حتى يحافظوا على وحدة السودان العربية والإسلامية .
من خلال زياراتي المتكررة للسودان ,وتعرفي على أهل السودان الذين هم براء من سياسة الإقصاء والتهميش,لكنهم مع كل أسف اضطروا إلى الخضوع لسياسات الأنظمة الحاكمة ,مثلهم مثل كل الشعوب العربية ,الذين لا حول لهم ولا قوة.
كان الجنوبيون منهم يؤكدون لي مقولة لخصت كل هذا الصراع بقولهم :
( العرب يكرهوننا) ......(المسلمون يكرهوننا)
لم يقل أحد منهم أنهم هم يكرهون العرب أو يكرهون الإسلام ,بل المسلمون يكرهوننا.
هذه هي الحقيقة المرة ....الكره من بعض مثقفي المشروع القومي العربي والإسلامي , كرههم حتى في أوطانهم لغير العربي والإسلامي.....والكره الذي أعنيه ,ليس التصريح بالكلام ,أبداً ...بل هو الدعوة إلى تهميش هذه المكون الذي في كثير من الأحيان هو الأصل على هذه الأرض ,وعدم الاعتراف بالحقوق القومية والاجتماعية له ,تحت حجة الخوف من الانفصال .
سينفصل الجنوب ...وهذه حقيقة لا ريب فيها . والمهم الآن ماذا بعد الانفصال!!!!!
هل سيحارب الفكر القومي العربي الجنوب ويعزله لأنه انفصل عن الجسم العربي,أم سيسعى للضغط على الشمال ,من أجل المساعدة لقيام دولة الجنوب لكي تستقل بشكل حقيقي وفعلي وتبني دولتها الديمقراطية بمساعدة الشمال حتى ولو كلف هذا الكثير من التضحيات , ومن ثم خلق كيان متعاون له وجوده المستقل ,تربطه مع الشمال والدول العربية اتفاقيات سياسية واقتصادية هدفها تحقيق مصالح كل الأطراف.
في الختام ....أتوجه إلى أصحاب المشروع القومي العربي والإسلامي ,وإلى أنظمة الحكم ... بكلمة صادقة ...انتبهوا... البداية في السودان وسوف يتكرر مشهد الاستفتاء والانفصال على مساحة الوطن العربي إذا لم تتحقق في بلداننا.....الحرية ..والديمقراطية.... والعلمانية ...والفيدرالية باتفاق الجميع إذا لزم الأمر , وبذلك سيتم تفويت الفرصة على أعداء الوطن .وسيتم بذلك المحافظة على الوحدة السياسية والاقتصادية والتعايش بسلام.