كثير من المنخرطين في العمل السياسي يتساءلون ماذا يجبر شعب مصر على تحمل المهانة و غلاء الأسعار و تميز ديني للأقليات و ........ إلخ أسئلة كثيرة يطرحها السياسيون و إجاباتهم تنحصر في أشياء محددة و هي:
- أن الأغلبية العامة لقادة المعارضة لا يهتمون إلا بمصالحهم الشخصية و عقد الصفقات الأمنية أو السياسية .
- أن الأمن المصري متمثلاً في وزارة الداخلية يحكم قيكم قيضته على المصريين ، و إستطاع التوغل إلى الشعب و تمكن من إرهابه .
- أن شعب مصر شعب مسالم و لا يريد إلا لقمة العيش حتى و لو كانت بسيطة و يؤثر السلامة و الحياة حتى و إن كانت مهينة فالمهم أن تستمر الحياة حتى و لو بأقل القليل !
* و إذا ما قمنا بتحليل النظرية الأولى و التي تعود بالسبب إلى فساد بعض قادة المعارضة فسنجد أنها نظرية ضعيفة جداً و لا يجب علينا أن نأخذ بها لأسباب منها :
- أن الثورة تعني إنتفاضة الشعب حتى و إن لم يكن له قائد ، بل إن الثورات تقوم بناء على دعوات من المفكرين و ليس القادة السياسيين .
- يوجد في مصر تيارات يسارية و يمينية لقادة فشل النظام المصري أو الأمن في تجنيدهم أو تحيدهم ، لأنهم يريدون التغيير و لا يريدون شيئاً سواه ، بل إن هؤلاء القاده وصل بهم الحال إلى قيامهم بحملات لطرق الأبواب لحث الناس على الثورة حتى و لو كان الحث بشكل غير مباشر إلا أنه أمر يعد خطير ، في حين أن النظام و الأمن لم يمنعهم بل تركهم يمارسون أعمالهم في طرق الأبواب بكل حرية و كأن النظام يسخر منهم و يقول لهم مهما تفعلون فلن ينتبه الشعب إليكم !
* و إذا ما نظرنا إلى الفرضية الثانية و تناولناها بالتحليل و الخاصة بتحكم الأمن المصري بكل شئ في مصر و أصبحت يده هي اليد العليا في هذا البلد ، سنجد أيضاً أنها فرضية خاطئة للأسباب الآتية :
- مع كل حادثة إرهاب تتعرض لها مصر و لا يكون للأمن رداً مقنعاً عليها ، يتبين لنا بأن الأمن المصري لا يمسك البلد بيد من حديد كما يعتقد البعض ، و سنرى أن الأمن المصري غارق في ظل ظروف فرضتها عليه الحياة في عصرها الحديث و المتطور تكنولوجياً من خلال سرعة الإتصالات و سرعة النشر و إنتشار الصحافة الشعبية و نشر الفيديوهات التي فضحت ضباط بالأمن المصري ، و كل ذلك تم و يتم حتى الآن عن طريق الإنترنت.
- مع عصر التكنولوجيا التي نعيشها نجد أن الأمن المصري يسير ببطئ و بخطط مباحث أمن الدولة التي وضعها لينن و أخذ بها جمال عبد الناصر ، أي خطط منذ سنوات طويلة مضت ، و أساليب الأمن القديمة لا يمكن بأي حال أن تتمكن من متابعة الأحداث في ظل التكنولوجيا الحديثة و التي هي تتطور يوماً بعد يوم بينما أساليب الأمن متوقفة مكانها و قت العصر الناصري !
* و إذا ما نظرنا إلى الفرضية الثالثة و التي تقول أن شعب مصر شعب مسالم و يؤثر السلامة و الحياة على الدخول في صراعات أو الوقوف ضد السلطة فسنجد أيضاً أنه إفتراض خاطئ للأسباب الآتية :
- ذكر د. سعد الدين إبراهيم في بحث نشر له عام 1989 أن شعب مصر يعد أعنف شعوب العالم و قد إستند د. إبراهيم على عدة حقائق و هي :
- أن شعب مصر قد ثار 4 مرات خلال قرنين ماضيين (الثورة ضد الحملة الفرنسية ، ثورة عرابي ، ثورة 1919 ، ثورة 1952)
- أن شعب مصر حرق القاهرة 3 مرات في حياة جيل واحد (يناير 1952 ،يناير 1977 ، فبراير 1986)
- قتل شعب مصر 3 من رؤساء وزراء خلال قرن واحد و رئيس دولتهم (بطرس غالي ، أحمد ماهر ، فهمي النقراشي ) و (أنور السادات)
و تحليل الدكتور / سعد الدين إبراهيم ، إنتهى إلى أنه لا يعادل شعب مصر في االعنف أي شعب آخر ، و نلاحظ أن هذ البحث كان قبل أحداث العنف الإرهابية التي شهدتها مصر بعد عام 1990 و التي نشر حولها مئات الكتب و التي كانت تستهدف رجال السلطة في حكم الرئيس مبارك بالإضافة إلى إستهداف الأجانب أوربيون أو أمريكيون .
و يتبين لنا من هذا البحث أن شعب مصر إذا ما قارناه بأي شعب آخر فسنجده أكثرهم خطورة على النظام الحاكم بالفعل ، و لكي يحتفظ النظام ببقاءه في السلطة فلا بد أن يتعامل مع المصريون بحذر و حرص شديدين .
من هنا نجد أن الفروض الثلاثة التي طرحناها طبفاً لرؤية الشارع المصري ، هي مجرد فروض و ليست حقيقة ، و حتى نسأل أنفسنا لماذا لا يثور الشعب فإننا يجب أن نلقي نظرة على معنى الثورة و آلياتها و كيف تحدث و يجب أن تكون نظرتنا إلى التاريخ الخاص بالدول صاحبة الثورات و سنجد الآتي :
- أن الثورات الحقيقية منذ بداية الخليقة عددها 3 ثورات فقط "الثورة الروسية و الفرنسية و الإيرانية" و هي ثورات قامت من داخل الشعب و لم يكن لها أي تأثيرات خارجية !
- نجد أن كافة الثورات التي حدثت في أوربا الشرقية جميعها كانت بمساعدات خارجية أمريكية و مساعدات من أوربا الغربية تم فيها تقديم الدعم المعنوي و المادي ، مما أدى إلى سقوط أنظمة ديكتاتورية في أوربا الشرقية.
و هنا يأتي سؤال هام يطرح نفسه و هو لماذا قدمت أمريكا و أوربا الغربية دعمهما إلى شعوب دول أوربا الشرقية و لا تقدم دعمهما إلى مصر ؟ و للإجابة سنضطر إلى البحث بمنطق المصلحة و سنرى أن الأنظمة الديكتاتورية التي كانت تحكم أوربا الشرقية كانت تعمل بمنهجية شيوعية تؤثر بالسلب على المصالح الغربية أوربية و أمريكية ، و خطورة هذه الأنظمة ليست فقط تأتي من منظور إقتصادي و إنما من منظور أمني فكافة دول أوربا الشرقية كانت تمثل خطورة حقيقية على الغرب ، و تنذر بوقوع حرب في أي وقت و حروبها لا تعرف مواثيق دولية لحقوق الإنسان فكل من يخالفها في الرأي يعد جماد و ليس إنسان ! لذلك نجد أن كافة أنظمة أوربا الشرقية هي الأكثر دموية و عنصرية ، و حتى يأمن الغرب على مستقبله كان عليه القضاء على تلك الأنظمة الديكتاتورية ليس عن طريق الحرب و إنما عن طريق الشعوب و هي طريقة أكثر ذكاءاً ، فشعوب أوربا الشرقية الآن أكثر قبولاً للغرب من شعب العراق مثلاً فالأول تحقق فيه النغيير من الداخل بينما العراق تحقق فيه التغيير عن طريق حرب عسكرية كان لها ضحايا حسبوا في النهاية على أنهم ضحايا للأمريكيين بينما من الممكن أن يكونوا نتيجة حروب داخلية بينما سيظل عالقاً في أذهان العراقيين أن الأمريكيون هم السبب في قتل ضحاياهم !
-- و الآن و بعد أن نظرنا بمنطق المصلحة للأسباب التي دعت الغرب إلى التدخل في أوربا الشرقية ، نتشاءل بمنطق المصلحة أيضاً ، لماذا لا يتخل الغرب لإحداث ثورة داخل مصر ؟
و بمنطق المصلحة سنجد أن النظام الحاكم في مصر ، يؤمن المصالح الغربية بعكس مثيلاته السابقة في أوربا الشرقية ، فالنظام المصري لا يستخدم حقه مثلاً في قناة السويس ، و يؤمن للغرب المرور من القناة و إستخدامها بكل سلاسة ، كما أن النظام المصري يؤمن للغرب الإستفادة الجيدة من الثروات الطبيعية و البترول و خلافه ... إلخ .
كما سنجد النظام المصري يسعى إلى عدم التطور و اللحاق بركب التكنولوجيا صناعية كانت أم زراعية أو حتى تجارية ، لسبب بسيط و هو أن تكون مصر مجرد بوتيك للبضائع الغربية !
النظام المصري هو الأكثر تعاوناً مع الغرب في حربه على الإرهاب و كذلك في سياساته الدولية ، فالنظام مع كل موقف دولي غربي دائماً ما يقول موافق ! دون أي مراجعات مع الغرب في مواقفهم !
إننا لو تحدثنا عن المصالح الني يقدمها النظام المصري للغرب فإننا لن ننتهي ، إلا أننا نخلص في النهاية ، إلى أن الغرب لا يساعد الشعوب إلا إذا كانت أنظمتها تمثل خطورة عليه فقط ، لذلك يجب أن نكون موقنين بأن الغرب سيدعم النظام المصري طالما كانت مصالحه متماشية معه و لن يلتفت مطلقاً إلى شعب مصر .
-- و الآن نأتي إلى عنوان المقال و هو هل يثور المصريون على النظام مثل الثورات التي نبعت من داخل الشعوب دو ن تدخلات خارجية أو مثل الثورات التي إندلعت بتدخلات خارجية ؟
إن شعب مصر ذو طبيعة خاصة و هناك أمور تجعله يخرج عن شعوره و يعلوا صوته و وقتها لا يخشى شيئاً و هي أمور متعلقة بــ "الشرف" و "الدين" و "الغلاء" و "الدخول في حرب ظالمة"
هذه الأمور تدعو شعب مصر إلى الثورة و تجعله يخرج عن صمته ، و لكن دعونا ننظر إلى النظام الحاكم و نرى كيف يتعامل مع الأمور الأربعة :
- سنجد أن النظام الحاكم يرفع شعارات دائماً يبث من خلالها للشعب بأنه حريص على "الشرف" و الشرف هنا لا يعني العرض فقط بل إن إحتلال دولة لشبر على أرض مصر يعد إعتداء على الشرف لذلك نجد النظام يعلى من أنه أول المدافعين عن الشرف حتى و إن إستلزم الأمر الدخول في حرب ، بينما حقيقة الأمر أن الأمر لا يستلزم الدخول في حرب !
- نرى أيضاً أن النظام يعلى من شأن الأزهر و الكنيسة ، و رجال الدين حتى يضمن ولاء المسيحيين و المسلمين .
- كما تعلم النظام و تحديداً الرئيس مبارك من سابقه الرئيس السادات نتيجة رد فعل الشعب إذا ما حدث غلاء كبير في الأسعار ! فمثل هذا الأمر من الممكن أن يخرج شعب مصر عن صمته بل و يمكن أن يطيح بالنظام ، و قد يعتقد البعض أن الرئيس السادات كان حكيماً أو ديمقراطياً عندما عدل عن قراره اثناء أحداث 18 و 19 يناير ، و قد لا يتبادر إلى ذهنهم أن قرار العدول كان سياسياً و لولا هذا القرار لسقط نظام الرئيس السادات ، و لو كان أي حاكم آخر موجود مكان الرئيس الراحل السادات لإتخذ نفس القرار و إلا لسقط هو ونظامه ، أما نظام الرئيس مبارك فإنه يتعامل مع هذه المسألة بحذر شديد فغلاء الأسعار قادم بحكم المتغيرات الموجودة إلا أنه لا يحدث إلا على جرعات و لا يمكن أن يحدث من خلال جرعة واحدة فوقتها سيخرج الشعب على النظام .
- أما عن "الحرب الظالمة" فإن النظام يتعامل مع تلك المسألة بحذر شديد فلقد شاركت مصر في حرب الخليج الثانية بينما لم يستطع النظام الموافقة على الدخول في حرب الخليج الثالثة رغم كل الضغوط الغربية عليه ، و حقاً لا ننكر أن النظام قد قدم تسهيلات إلى الغرب من أجل تلك الحرب ، و لكنه لم ينجرف إلى تلك الحرب لأن الشعب وقتها لن يغفر للنظام هذا الخطأ إذ أن الشعب يرى أنها حرب ظالة ، لذلك أيضاً تعامل النظام المصري مع هذه المسألة بحذر شديد.
الخلاصة تكمن في الآتي :
أولاً / لا أعتقد أن الشعب سيثور من الداخل طالما حافظ النظام على كل ما يمكن أن يخرج الشعب عن شعوره و قد حددناها في أمور أربعة .
ثانياً / لن يحاول الغرب إشعال الثورة في مصر لأنه مستفيد من نظام يقدم إليه تنازلات كثيرة هذا بخلاف أنه لا توجد أي قوى أخرى داخلية تمثل تهديداً للنظام .
في النهاية :
أقول لكافة قوى التغيير ، إن أردتم حقاً التغيير فلا تفتحوا أبواباً لسراديب و تسيرون فيها قبل أن تفرأوا التاريخ جيداً و قبل أن تستخدموا المنطق فقد يكون السرداب مغلقاً في النهاية !
و لو إستخدمت قوى التغيير في مصر أساليب علمية و ساروا عبر منهجية لها إستراتيجيه لها بداية و مرحلة عمل و عدة نهايات مدروسة .. فإن التغيير لابد أن يأتي .
أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم
شادي طلعت