بعد أن أصدرت منظمة إتحاد المحامين للدراسات القانونية و الديمقراطية و التي أنتمي إليها بيانها الصحفي بعد أحداث الإرهاب بكنيسة القديسين بالأسكندرية في مطلع عام 2011 ، جائتني إتصالات هاتفية من صحفيين تنذرني بأن البيان في غير محله إذ أنه قد يشعل الفتنة ! و قد سألت كل من تحدث معي حول البيان بكلمة "لماذا ؟" فإذا بالإجابة بأن البيان قد رصد أخطاء الحكومة في حق المسيحيين و أن الوقت ليس مناسباً لرصد تقصير الدولة أو توضيح أخطاءها ! و نصحني هؤلاء الصحفيين التابعين لمؤسسات تعمل لحساب النظام أن نغير من السياسة العامة تجاه القضية و أن لا ننشغل إلا بما يخمد نار فتنة قد تحدث .
و الحقيقة أنني لم أقتنع بما قيل لي ، و لم يستطع أحد ممن تحدثوا معي أن يقنعني ! إذ أن البيان كان فيه رسالة للرئيس و مطالبة له بالتدخل و مراجعة رجاله و بحث هموم الأقليات و حلها من جذورها و ليس بمجرد تطيب الخواطر فللأقليات هموم و يجب أن يسعى النظام إلى حلها كما أن حلها ليس بالأمر الصعب ، و لكن إن كان رجال الرئيس لا يستطيعون حلها ، فإن الواجب عليه أن يستبدل رجاله بآخرين قادرين على وضع رؤى للحل ، و من هنا أتفق مع كل كلمة ذكرت ببيان منظمة إتحاد المحامين للدراسات القانونية و الديمقراطية .
و في اليوم التالي لإصدار البيان يوم الأحد 2 يناير 2011 ، قمت بقراءة الصحف و التي تحدثت جميعها عن الحادث الإرهابي الذي تعرض لها أقباط مصر بالإسكندرية و قد لفت إنتباهي مقال رئيس تحرير الصحيفة المعروفة "بالروز اليوسف" و التي تعد ناطقة بإسم النظام في كل كبيرة و صغيرة و مؤيدة في الأمور الصحيحة و العليلة ! و قد قال رئيس تحرير هذه الصحيفة أن مصر معرضة لمؤامرات عديدة ! و أن البعض قد ينادي من هنا أو هناك بتقسيم مصر كما يحدث بالسودان الآن و أبدى تخوفه من هذا الأمر ، ثم نادى ببتر أي محاولات لتنشيط فكرة الإنقسام ، و طالب بضرورة أن تضرب الحكومة بكل عنف على كل من تسول له نفسه طرح فكرة الإنقسام !
و هذا المقال لرئيس تحرير جريدة النظام المعروفة "بالروز اليوسف" لا يجب أن يمر مرور الكرام ، دون أن نقف عنده و نبحثه بتأني لأنه سيجعلنا نتطرق إلى عدة أمور و هي :
- سياسة رجال الرئيس في التعامل مع الأزمات .
- فكرة تقسيم مصر إلى ثلاث تقسيمات إسلامية و مسيحية و نوبية !
- هل فكرة التقسيم التي طرحها رئيس تحرير جريدة الروز اليوسف حقاً فكرة مخيفة ؟
- وزارة الداخلية و مدى إلمامها بالحادث الإرهابي و ما هي المعلومات المتوافرة عندها ؟
- و لنبدأ أولاً بسياسة رجال الرئيس في التعامل مع الأزمات :
من قراءة مقال رئيس تحرير الروز اليوسف نجد ان سياسة رجال الرئيس هي قمع الحريات تماماً و كأننا نعيش في عصر لينن أو ستالين أو ... إلخ من الديكتاتورين ، و هي سياسة لو إستمرت في البقاء فإنها بكل تأكيد ستأخذ النظام الحالي و الوطن إلى الهاوية ، فالنظام يعتمد على أشخاص قد شربوا الديكتاتورية في عصور نشأتهم و لا يجدون غيرها سبيلاً لإستقرار الحكم حتى و إن كان ديكتاتورياً .
- و نأتي الآن للحديث عن فكرة تقسيم مصر إلى ثلاث تقسيمات إسلامية و مسيحية و نوبية كما طرحها رئيس تحرير "الروز اليوسف" :
لقد طرح رئيس تحرير جريدة الروز اليوسف فكرة جديدة ، و لم تكن معلومة أو ظاهرة لأحد من قبل ، فهو قد طرح فكرة تقسيم مصر إلى ثلاث دول "إسلامية و مسيحية و نوبية" و الواقع أني لا أعلم كيف جاءت مثل هذه الفكرة لرأس الرجل !؟ و أتساءل إذا ما كانت الفكرة تخيف الرجل كما قال ، فلماذا إذاً يطرحها و يخرجها إلى النور ؟ إنه مثل شخص يخاف على ذويه من تعاطي المخدرات في حين أن ذويه لا يعرفون أي شئ عن المخدرات إلا أنه يقول لهم ماهية المخدرات و يشرحها بإتقان و حرفية متناهية ، بل و يدلهم على طريق إجلابها ثم يقول لهم أنا أخاف عليكم أن تتعاطوا المخدرات !
فهل هذا منطق ؟ أعتقد ان الرجل قد فتح باباً لن يغلق و سيكون هو المسؤل الأول عن أي محاولات لطرح فكرة تقسيم مصر إلى دويلات فأنا شخصياً لم أعلم عن الفكرة إلا منه كما أن الفكرة نفسها لم تمر من قبل في عقلي أو خاطري ! إلا أنها فكرة و الأفكار إذا ما طرحت فإنه بكل تأكيد سيكون لها مؤيدون و معارضون .
ثم نأتي لجزء آخر في مقال رئيس تحرير جريدة الروز اليوسف فسنجده يطالب بضرب أي محاولات تنادي بإشعال الفتنة أو الحديث و ترك سطور مطالباته تلك مفتوحة بين كل من يريد ترديد فكرة الإنفصال و بين الضرب بكل عنف للإرهاب ، دون أن يفصل بين مؤيدي فكرة تقسيم الدولة و بين الإرهاب و الإرهابين !؟ و السؤال للرجل ماذا تقول إذا أخذ المثقفون بفكرتك الآن و بدأوا بالعمل عليها و طالبوا بالإنفصال في ظل نزاع سلمي يكفله لهم كافة القوانين و المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان ، فهل ستظل على إصرارك على قمع الحريات ؟
إننا جميعاً لا نختلف على ضرورة ممارسة سياسة البتر على كل ما يحض على العنف و لكننا لا نتفق على قمع الحريات و خاصة حرية الرأي و التعبير
- و نأتي الآن لتحليل مدى خطورة مناداة البعض بفكرة التقسيم التي طرحها رئيس تحرير جريدة الروز اليوسف و هل هي حقاً فكرة مخيفة و خطيرة ؟
إنني في رأي الشخصي أعتقد أن الفكرة قد طرحت عبر "الروز اليوسف" و أعتقد أن البعض سيأخذ بالفكرة و سيكون لها مؤيدين ، و لكن ما هو مدى خطورة طرح تلك الفكرة ؟ و أجد نفسي أذهب إلى تجربة الولايات المتحدة الأمريكية ، و أتساءل لماذا لم تطلب بعض الولايات الإنفصال عن أمريكا العظمى في ظل الأزمة المالية الأخيرة نهاية 2008 و لو كانت بعض الولايات طالبت بالإنفصال لكان الطلب منطقي لا تلام عليه أي ولاية تطالب به ، إلا أن ذلك لم يحدث ؟ و الإجابة هي أن الإتحاد الفيدرالي الأمريكي هو إتحاد قائم على المصلحة العامة لكافة الولايات و بالتالي جميع الولايات هي التي تسعى للبقاء في الإتحاد و ليس الإتحاد هو الذي يسعى لبقاءها ! هذه هي الحقيقة التي قد تكون غائبة على البعض و السبب الرئيسي يعود إلى أن الإتحاد الأمريكي يحترم الإنسان و يكفل له حقوقه و بالتالي هي أمة لا تخشى الإنفصال لأنها لا تبخس الأفراد حقوقهم .
أما في مصر فإن الفكرة قد تكون خطيرة فعلاً في حالة واحدة ، و هي لو ظل الأقباط و الأقليات في مصر يعانون من الإضهاد أو التميز أو أي شئ يمكن أن يجعل للإحتقان وجود في نفوس الأقليات ، و لكن لو كانت الأقليات في مصر تعيش في مجتمع حر لا يميز بين مسيحي و مسلم و بهائي و لا ديني و ... إلخ ، فإنني أجد أن الفكرة لن تكون مخيفة أو خطيرة على الوحدة الوطنية ، إذ أن أسباب الإنفصال ستتلاشى و تذهب إلى مهب الريح و بالتالي فإني أرى أنه لو حمل البعض فكرة رئيس تحرير "الروز اليوسف" و طالبوا بالإنفصال ، فإن الواجب على القائمين على الحكم في مصر هو أن يعملوا على حل مشاكل الأقليات و ليس عن قمع أصحاب الرأي !
- و أخيراً نأتي للحديث عن آخر طرح تطرقنا إليه ، و هو وزارة الداخلية و مدى إلمامها بالمعلومات حول الحادث الإرهابي الذي تعرضت له كنيسة القديسين بالإسكندرية ؟
لقد بدا من الواضح أن الحادث قد يكون بعيداً عن نظام القاعدة أو الجماعات الإسلامية و هذا يبدو واضحاً من تضارب تصريحات وزارة الداخلية فقد يكون ورائه جهاز مخابراتي ما !؟ و الواقعإلى أحد تصريحات وزارة الداخلية و أطرح رؤيتي بصفتي كمحام ، و أعني التصريح الخاص بأن الحادث كان بسبب إنتحاري و ليس سيارة مفخخة ! وهنا أوجه سؤالي للمحققين في هذا الحادث الإرهابي و أسألهم الا تتفقون معي في أنه لو كان شخص إنتحاري فأنه كان سيفجر نفسه من داخل الكنيسة و ليس من خارجها ؟! إن معنى التفجير من خارج الكنيسة أنها كانت سيارة مفخخة و لو كانت غير ذلك عن طريق حقيبة أو شخص إنتخاري فإنها بكل تأكيد كانت ستكون من الداخل و ليس الخارج ، مجرد ملاحظة .
في النهاية نسال الله جميعاً أن يحفظ مصر من كل سوء و أن تكون مصر للمصرين جميعاً دون تميز عرقي أو ديني أو جنسي .
و على الله قصد السبيل