أولا : لا يوجد مستبد عادل:
1 ـ لا يوجد مستبد عادل لأنه لا يجتمع الأستبداد (وهو من أفظع أنواع الظلم ) مع العدل . المستبد لا يظلم فرداً فقط ، بل يظلم شعباً.
2 ـ وحتى يستكين الشعب لظلمه لابد للمستبد من أرغام الشعب وارهابه حتى لا يطالب بحقوقه . ولكي يتم للمستبد ارغام الناس وأرهابهم لابد له ان يستحوذ وحده دون بقية الشعب على القوة المسلحة العسكرية ( الجيش ) والمدنية ( البوليس ) وان تأتمر هذه القوات المسلحة بأمره بحيث تكون مستعدة على الأنقضاض على من يعترض على سلطانl;ن المستبد .
3 ـ ولكي يستحوذ وحده على القوات المسلحة لابد ان تكون بيده مقاليد الثروة كي ينفق منها على قواته المسلحة ، وكي يمنح ويمنع كيفما أراد ، يغترف منها ليعطي أعوانه ويمنع المعارضة من حقوقهم حتى يستكينوا لسلطانه .
4 ـ إذن الأستبداد افظع أنواع الظلم، ولا يمكن أن يجتمع العدل والاستبداد ، ولا يمكن للمستبد ـ أي مستبد ـ ان يكون عادلاً ، سواء كان عمر بن الخطاب أو عمر بن البشير. الفارق فى الدرجة ـ درجة الظلم ـ وليس فى النوعية ـ الظلم نفسه .
ثانيا : لا يوجد مستبد عاقل :
1 ـ أيضا لا يوجد مستبد ( عاقل ) لأنه لا يجتمع الأستبداد مع (التعقل ).
ـ
2 ـ التعقل هو البحث عن الصواب بالرجوع الى الضمير الانسانى والفطرة النقية داخل كل فرد من بنى آدم ، والتعقل بهذا يتناقض مع (الهوى) الذى يجعل الانسان يختار لنفسه ما يهواه تلبية لغرائزه ونزواته وأنانيته . ولذا يأتى الهوى فى السياق القرآنى مرتبطا بالكفر والفسوق والعصيان بينما يؤدي التعقل إلى الإيمان بالله جلا وعلا واليوم الآخر وإلى اجتناب الظلم لأن عواقب الظلم وخيمة تلحق بالظالم في الدنيا والآخرة .
3 ـ وأدنى درجات التعقل هي إدراك العواقب التى تلحق بالظالم في الدنيا ، إذ يخلق له أعداءاً وطالبي ثأر لا تحلو الحياة بالمواجهة معهم ، هذه العداوة التى يخلقها المستبد تضطره لأن يقف متحسبا متحفزا على خط المواجهة والدفاع عن نفسه وظلمه . ولا يمكن ان تستقيم حياة سعيدة هانئة لمن يعيش في توتر وقلق وخوف من الحاضر والمستقبل . لذلك فأدنى درجات التعقل أن يبتعد الانسان عن ظلم الآخرين وأن يعيش مسالماً للناس فيحيا حياة آمنة هادئة وسعيدة بلا توتر ولا قلق ..
4 ـ وأعظم درجات التعقل هى التحسب لليوم الآخر املاً في النجاة من عذاب الجحيم والتمتع بالخلود في الجنة . هذا التحسب لليوم الآخر هو التقوى في القرآن الكريم .والتقوى هى ألاّ يظللم الإنسان ربه جل وعلا فيتخذ مع الله شريكاً في عقيدته وعبادته . والاّ يظلم البشر في تعامله معهم .
5 ـ والتعقل بكل درجاته ينافي الأستبداد .
فالمستبد المتطرف الخالى من التعقل يصل به طغيانه لأدعاء الألوهية صراحة او ضمناً . يكفي انه يستنكف أن يكون مساءلاً أمام شعبه ، وبذلك ينتحل صفة الألوهية ، لأن الله جل وعلا هو وحده الذي (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) ( الأنبياء 23 ). يكفي ان المستبد ينفرد بالأمر ولا تبديل لأوامره ، وهذا تأليه له لأن الله جل وعلا وحده هو الذى (لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ) (الأنعام 115 )( الكهف 27 )(مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ)( ق 29 ).ولا نقاش لأوامر المستبد فهو( الزعيم الملهم )،أي الملهم بالوحي ، الذي هو على صواب دائماً ، أي المعصوم من الخطأ . وهذه أيضا صفات الألوهية .
والمستبد الأقل درجة في التعقل يقتصر ظلمه على الناس ، ويكتشف انه في النهاية لم يظلم الناس فقط ، بل ظلم نفسه ، أذ عاش في قلق وخوف من الأنتقام والموت يظن أنه لن يموت ، ثم يموت وهو يحمل على كاهله اوزاراً ظلم بها شعباً يتكون من ملايين من البشر ..
إذن لا يوجد مستبد عادل او عاقل.
ثالثا : ولكن يوجد مستبد ذكى أو غبى .فالذكاء غير العقل .
1 ـ الذكاء هو المهارة الفكرية في التخطيط لعمل شىء بإحكام ودقة ، وقد يكون هذا الشيئ عملاً صالحاً او عملاً شريراً فاسداً ، فالذكاء سلاح محايد قابل للأستعمال في الخير أوالشر. هناك مؤمن صالح يستخدم ذكاءه في الخير ، وقد يستخدمه حين يدفع عن نفسه مكائد العدو المعتدي . وهناك ظالم يستخدم ذكاءه في إيذاء وظلم الناس وخداعهم .
2 ـ والظالم الذكي درجات ، اقلها ذلك النصاب الذي يخدع الأبرياء والسّذج من الناس ويستغل فيهم غريزة الطمع لكي يستولي على أموالهم. وبذكائه يبيع للضحية الترام. ولكن يظل هذا النصّاب الذكى الماكر خفيف الظّل ـ في الدرجة الدنيا من الظلم ، لأنه يخدع أفرادا ، ويسلب منهم مالا يتعيش منه ، دون أن يتعدى الى القتل وسفك الدماء .
3 ـ ولكن هناك من يصل به ذكاؤه إلى خداع الجماهير بالملايين ويسفك دماءهم فى حروب لا داعى لها ، ويسلب أموالهم عن رضا أو إكراه ، إذ يتلاعب بأغلى ما يعتزّ به البشر،أى الانتماء الى القوم (القومية) أوالمكان (الوطن ) أوالدين أوقيمة العدل.هذا المحتال النصاب شديد الذكاء يستطيع ان يخدع شعباً بأكمله وان يقوم بتنويمه مغناطيسياً ليسير خلف ذلك النصاب المحتال تحت شعار الدين ليؤسس دولة دينية مذهبية مثل الدولة السعودية أو تحت شعار القومية الوطنية كما تأسست النازية في المانيا والنظم القومية العربية كالناصرية في مصر والبعث فى سوريا والعراق ، أو تحت شعار العدالة وحقوق العمال الضائعة كما حدث في النطم الشيوعية ..
وفى كل تلك الحركات ينجلي الوضع عن حاكم مستبد ظالم لشعبه محتال نصاب شديد الذكاء، لم يخدع فرداً أو أفرادا ولكن خدع شعباً وشعوباً .
4 ـ اذن لا يوجد مستبد عادل او عاقل ، ولكن قد يوجد مستبد ذكي أوغبى
وتتنوع درجات الذكاء كما تتنوع درجات الغباء في محيط الأستبداد. والمقياس هنا في تعامل المستبد مع المناخ فى عصره ، وتعامله ـ بالمنح أوالمنع ـ مع اتباعه وخصومه والأغلبية الصامتة من الشعب .
رابعا : المستبد عالى الذكاء:
1 ـ المستبد الأعلى في الذكاء يعمل على استدامة السلطة في حياته وفي ورثته بأقل قدر ممكن من الاخطار.
2 ـ هذا المستبد شديد الذكاء يفهم طبيعة عصره والمناخ الثقافى الذى يعيش فى محيطه ، ومدى تأثير ذلك المناخ على سلطته التى يتمناها مطلقة وأبدية. بذكائه يفهم أن ثقافة عصرنا هى الديمقراطية وحقوق الانسان ، وهى ثقافة تغلغلت فى أوربا وأمريكا حتى وصلت النخاع ، ولكنها فى المنطقة التى يعيش فيها لم تصل بعد الى أحشاء شعبه ولم تصل إلا لمجرد السطح داخل المثقفين فقط ، ولم تتغلغل الى الأعماق بعد فى الأغلبية الصامتة الساكنة ، ولذلك يستمر وجود الاستبداد لأن ثقافته مستمرة، ولكن عاجلا أو آجلا ستذوب ، ولذا فهو يراعى هذا فى حدود استبداده .
وهو يدرك أيضا إن ثقافة الديمقراطية وحقوق الانسان لا تتغلغل بنفس الدرجة بين طبقات شعبه ، فالأغلبية الصامتة لا تزال ضحية ثقافة الاستعباد والاستبداد ترى من حق المستبد أن يظلم وعليها الصبر والطاعة ، وهى ترفع المستبدين السابقين الى مرتبة الأبطال وتمنحهم التقديس والتأليه وتعتبر نقدهم عيبا إن لم يكن كفرا. ولهذه الأغلبية الصامتة (علماؤها ) ووعاظها الذين يتولون التوجيه والتثقيف ، وليس لديهم علم أو مقدرة على البحث ،بل فقط القدرة الهائلة على خدمة المستبد وتطويع الأغلبية الصامتة للخضوع له باسم الدين الأرضى السائد والمتحكم .المستبد بذكائه يغدق على خدمه من وعّاظ السلاطين بنفس القدر الذى لا يثق فيه بالمثقفين الأحرار الساعين للاصلاح والتغيير.
وهو يعلم أن الأقلية المثقفة هى التى تتخللها ثقافة الديمقراطية وحقوق الانسان ، وهى التى تخرج منها جماعات المعارضة التى تسعى الى ان تشاركه فى السلطة وفى الثروة.لذا يعمل على اجتذاب الأغلبية الصامتة اليه ليواجه بهم الأقلية المعارضة.
وبذكائه يعلم أيضا أن الأقلية الأخرى التى تسعى فى ركابه ـ وهم أعوانه أ تنافقه وتوافقه لتشاركه السلطة والثروة ، وهى معه طالما ظلّ فى السلطة ومستعدة للتخلى عنه لتركع للسلطان القادم ،بل تلعنه قربانا لرضى السلطان القادم .
وبهذا الفهم للمناخ الذى يعيش فيه تتحدد سياسة المستبد الذكى لكى يستمر فى السلطة بأقل قدر من المخاطر .
2 ـ لذا يأخذ على أيدي أتباعه ليكونوا أقل فساداً وأقل تجبراً لأنه الذي يتحمل اخطاءهم وخطاياهم .ولا يبالغ فى إعطائهم ـ ليس فقط لكى لا يثير حفيظة المعارضة ـ ولكن أيضا لكى لا يتنمر أولئك الأتباع عليه حين تزيد ثرواتهم ويتزايد سلطانهم ويصبحون مراكز قوى داخل النظام يغتصبون بعض سلطانه وسلطاته ضده ويتآمرون عليه بما حصلوا من قوة وثروة منه.
3ـ وهو يحصر خصومته مع المعارضة في أطار المعارضة السياسية فقط لا يتعداها بالتدخل فى مجالات الفكر والعقيدة والرأى للمخالفين له فى الرأى والفكر والعقيدة، أى ألا يفرض رأيه وفكره ومذهبه الدينى على الناس مكتفيا بولائهم السياسى له .
4ـ وفى ميدان السياسة يحدد سقفاً أعلى لاستبداده يتيح قدرا معقولا لحرية المعارضة فى القول وفى الفعل ، أى يسمح لهم بحرية القول لتفريغ شحنات الغضب و التنفيس أولا بأول بالقول بدلا من اللجوء للعنف والثورة ، وهى الخط الأحمر الممنوع الوصول اليه . أى يتبع سياسة معاوية القائل ( إنا لا نحول بين الناس وألسننتهم ما لم يحولوا بيننا وملكنا ).
5 ـ وهويسمح ببعض الحرية في الحركة والمعارضة السلمية ، مثل التظاهر والاعتصامات، مع العمل على حل المشكلات التي يتم التظاهر والاعتصام بسببها بطريقة لا تمس هيبته ،بل تزيد من محبته وقبوله لدى الناس بأن يبدو لهم أنه الذى يسهر على رعاية مصالحهم ولا يتوانى فى التصدى لأى مشكلة تزايد بها المعارضة السياسية عليه .
6ـ ثم لا يستخدم القضاء السياسى والاستثنائى فى عقاب خصومه إلا فى الضرورة القصوى ، بل ينأى بصرح القضاء عن شبهة الاستغلال السياسى ، ويجعله متفرغا لاقرار العدل بين الناس ، ويجعل أحكامه مهابة ومحترمة حتى لو طالت بعض أتباعه من أصحاب النفوذ ، بل إنه فى ذكائه يضحى ببعض أتباعه لو تجاوزوا الحد باحالتهم للقضاء ، ويستغل ذلك سياسيا فى الدعاية لنظامه ، ومدى حرصه على العدل.
7ـ وهو يحرص على ألا يكون نهما فى إكتناز المال وفى سرقة مال الشعب ، بل يستخدم جزءا مما ينهبه فى التبرع لمشروعات خيرية تأسيا بملوك المخدرات فى كولومبيا وغيرها الذين يقومون بأعمال البرّ فى بلادهم ليكسبوا تعاطف ملايين الفقراء .
وهو بذكائه يخصص جزءا من دخله ـ الذى يصل الى البلايين سنويا ـ يتبرع به فى مشروعات باسمه للفقراء والأيتام وأطفال الشوارع والأرامل ولتشغيل العاطلين ومساعدة المستشفيات والجمعيات الخيرية ودورالتأهيل المهنى ورعاية المعوقين وبناء مساكن ايواء عاجلة للمشردين . ثم يخصص وقتا للقاء بهم يسمع لهم ويتباسط معهم تحت عدسات الكاميرا وخطابات النفاق والتهليل له، خصوصا وهو يتبرع بمليون هنا وبمليون هناك فى لقاءات دورية ، يظهر فيها راعيا للمحتاجين والضعاف من شعبه ؟
8ـ وهو لا يلجأ للقسوة في التعامل مع المعارضة ، بل يستعمل معها خيار العصا والجزرة، ولا يستعمل العصا إلا فى الضروريات القصوى، ويفضل استمالة بعض المعارضين بالأموال والمناصب وتحييدهم ثم تحويلهم لأتباع له بدلاً من ان يكونوا ضمن المعارضين له . وبدلا من انفاق المال فى بناء المزيد من السجون واستيراد آلات التعذيب وتجنيد مئات الوف إضافية لخدمة الأمن وتكريس العنف مما يزيد فى الإحن والأحقاد ـ يرى توفير ذلك المال فى التحبب للمعارضة واسكاتهم وشراء بعضهم طبقا لمبدأ ( المؤلفة قلوبهم ). فالمال الذى ينفقه فى استعمال العنف ضد خصومه أكثر من المال الذى ينفقه فى استرضائهم ، علاوة على أن العنف عاقبته سيئة بينما سياسة اللين مع الحزم هى الرابحة .
9ـ وفي تعامله مع الجماهير من الأغلبية الصامتة ، يحاول رفع مستواهم الاقتصادى ، ولا يقترب أبدا من المساس بحاجاتهم الأساسية التى يقوم بها أود الحياة ، فهم يركزون فى حياتهم على مجرد البقاء على الحياة دون مطامع أو مطامح فى الوصول للمشاركة فى السلطة أو المزاحمة فى الثروة. كل أحلامهم فى لقمة عيش والسّتر وتزويج الابناء والبنات و سقف يناموت تحته .
لا يكفى ضمان حياة كريمة معقولة بل يعمل المستبد الذكى على أستمالتهم بالمنح ، ويوسع لهم في هامش حرية التعبير في اجهزة الاعلام ليعلو صوتهم البدائي الخانع الخاضع الموالى له .وبالطبع فعندما تتاح للفرد العادى غير المثقف فرصة الظهور والحديث فى أجهزة الاعلام فسيعرض مشكلة خاصة به أو بقريته أو الحى الذى يعيش فيه ، ويخلط الشكوى بالتملق للمستبد ، وعندما تقوم أجهزة المستبد بحل المشكلة ينهال المدح والثناء و التصفيق للحاكم ، ليكون هذا عامل توازن يضيف إلى رصيد المستبد ضد صوت المعارضة الحقيقية .
وفي النهاية يكسب المستبد الذكي أغلبية الشعب بحيث لو أضطر لأجراء انتخابات نزيهة ستكون تلك الأغلبية في صفه، وتكون المعارضة أقلية ، فيصبح المستبد حاكما شرعيا لأن الديمقراطية هي حكم الأغلبية ..
10 ـ هذا هو المستبد عالي الذكاء ..
يملك القوة المسلحة ، ولكن لا يستغلها في ضرب الشعب . بل مجرد سوط معلق على الحائط للتخويف .ويملك الثروة متحكماً فيها ، ولكن لا يبخل بها عن خصومه والجماهير، وفي نفس الوقت لا يمد الحبل على غاربه لأتباعه في الفساد والأستحواذ. يملك سلطة القضاء ولكن يوجهها لنشر العدل بين الناس. يملك الاعلام ولكن يوسع فيه مجالا للأغلبية الصامتة كى تعبرعن نفسها بتلقائية يستفيد هو منها. يملك مجلس النواب فيفسح فيه لمعارضة تنصح ولا تنطح ، ويعطيها حرية مطلقة فى كشف الفساد الادارى لمصلحة التنمية، ويجعل للمعارضة سقفا فى النقد لا يصل اليه شخصيا ولكن يتناول من هم دونه ، فالتضحية بأذنابه مفيد له.
وبهذه المرونة يعطى الشعب قدرا من التغيير وعدم الملل .
11 : وهناك مستبد متوسط الذكاء ، أقل في موضوع المنح ، وأكثر في دائرة المنع .. وهذا المستبد متوسط الذكاء لو استمر في الحكم طويلاً سيكون مرشحاً لأن يتحرك إلى الدرك الأسفل من الأستبداد ، أي يكون مستبداً غبياً .
أخيرا : وقاكم الله جل وعلا من شر ما خلق : المستبد الغبى .!!
المستبد الغبي هو في الأغلب حاكم عسكري . وبحكم نشاته العسكرية فهو :
1ـ لا يعرف سوى القاء الأوامر وفرض تنفيذها ، مع الطاعة المطلقة بلا معارضة ، فالمعارضة تمرد على سلطانه وإعلان حرب عليه.
2ـ وليس العدو هو المعارضة فقط ، بل أيضاً اهل المعارض وجيرانه واصدقائه ومعارفه، فالعقاب هنا يعم ليشملهم جميعا ، والعدوالمعارض لو هرب فلا بد من تتبعه والقضاء عليه فى الداخل أو الخارج ، وأهله رهن الأعتقال والتعذيب إلى أن يسلم نفسه.
3ـ لا يعرف سوى القوة طريقاً واحداً للتفاهم.وتكون كل القوات المسلحة فى حماية شخص واحد هو المستبد لأنه تقمص شخص الوطن.
4ـ ويعتبر المعارضة عداءاً له ،ولأنه يتقمص شخصية الوطن فهو يعتبر المعارضة له خيانة له أي للوطن .
5ـ ولأنه ـ نظرياً ـ الذي يتولى الدفاع عن الوطن بالقوات المسلحة فإنه يتهيأ له ان أي معارضة لأوامره خيانة للوطن تستحق أن يسحقها بجيشه.
6ـ أى يستخدم جيشه لقهر القوة الحية في الشعب ، وبدلا من أن يكون الجيش لحماية الشعب يتحول إلى حماية الوطن ـ اى شخص المستبد العسكري .
7ـ ويتم فرز الشعب على أساس الولاء للوطن أي المستبد ، ليكونوا بين إثنين فقط: إما مؤيد وطني مخلص متفان في عبادة المستبد،أوعدو خائن معارض للمستبد . ولا مكان للتوسط .
8ـ لذا فالغالبية الصامتة لا بد من تسييسها لصالح المستبد ضد خصومه أو من يتوهمهم خصومه . هذه الأغلبية الصامتة لا بد أن تنطق بل لا بد أن تهتف بولائها للمستبد ، وإلا أصبحت في عداد الأعداء .
9ـ والمنح والمنع غاية في البساطة ، فالمنح للاتباع والمنع للأغيار ، وأهل الثقة هم اهل الأعتبار ، وأهل الخبرة متهمون مشبوهون إذ لم يقدموا كل فروض الطاعة والولاء .
10ـ وكل الجرائم وكل مجالات الفساد مباحة ومتاحة طالما لأهل الثقة. أما إذا كنت محايداً ومعارضاً فمهما بلغ صلاحك فإن الأضطهاد مصيرك ومآلك.
11 ـ اذن نحن امام ظلم عام يستوي فيه المعارض والساكت ، ونحن امام استبداد لا يقتصر قهره على منع المشاركة السياسية بل يتجاوز إلى مصادرة حرية الرأي والقول .
12 ـ بل يقع فى الخطيئة العظمى ، وهى التدخل في الحياة الدينية وعلاقته الفرد بربه. أي لا يقتصر تحكمه على الدنيا بل يتعدى إلى الآخرة، ولا يقتصر ظلمه على ظلم الناس بل يتدخل في ملكوت الله جل وعلا ودينه ليظلم رب الناس . وإذا كان رب العزة قد جعل الناس احراراً في الإيمان والكفر فإن المستبد الغبي يصادر هذه الحرية ليرغم الناس على إتباع الدين الذي يرتضيه المستبد والمذهب الذي يستريح إليه المستبد .وإذا كان رب العزة قد جعل للدين يوماً هو يوم الدين أو يوم الحساب ليحاسبهم يوم القيامة على عقائدهم وأعمالهم في الدنيا ، فإن المستبد الغبي يقيم هذه القيامة في الدنيا ، ويقيم لهم محاكم التفتيش، ويصنع جحيماً لمن يخالفه في الرأي ، ، ويمارس في اجسادهم اقسى انواع التعذيب ..
13ـ هل يوجد هناك أسوأ استبدادا من الحاكم العسكرى ؟
نعم ، الحاكم الذى يحكم بالدين مغتصبا سلطة الله جل وعلا. الحاكم العسكرى يصل به غباؤه فى النهاية الى مصادرة الحرية الدينية وفرض مذهبه الدينى على الآخرين واضطهاد المختلفين عنه فى الدين والمذهب بلا داعى سوى الغباء .أما الذى يحكم فى دولة دينية فهو (يبدأ ) بالتحكم فى الدين جاعلا نفسه الحاكم بأمره فى الدنيا والآخرة ، وبينما يتعامل الحاكم العسكرى مع خصومه فى الدين بالسجن والمصادرة فإن الحاكم باسم الدين يقتلهم مباشرة ، ثم يحكم عليهم بالخلود فى النار.!! ومن خلال التحكم فى الدين يمارس سلطته السياسية حيث لا مجال لمناقشته فى السياسة أوغيرها لأن مناقشته كفر يستوجب القتل وليس مجرد السجن.
14 ـ هذا المستبد الغبي ( العسكرى والدينى )هو اتعس المستبدين لأن طغيانه الذي يتجاوز الحد يحوّل حياته هو إلى جحيم غير مرئي ، تظل فيه أشباح ضحاياه تطارده في اليقظة والمنام ، وكلما تكاثر ظلمه ازداد رعبه ، وكلما ازداد رعبه ازداد ظلمه ،ويظل في دائرة لا نهائية من الرعب والظلم إلى أن يستيقظ منها عند فراش الموت، فتحقّ عليه اللعنة ..
15 ـ عليه اللعنة .!! .