(أقتاو ) ..مدينة الجبل الابيض

سليم قزق في الأربعاء ٢٩ - ديسمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 يومان ،

..ونودع عاما مضى من حياتنا  بما فيه  ....

نستقبل بعد يومين ،عاما جديدا ..بتأريخ جديد ..انه العام الحادي عشر بعد الالفين من  البداية التي اتفق عليها معظم  سكان الارض من البشر ،لتكون بداية التأريخ ...

قالوا  : ليكن يوم ميلاد الرسول عيسى (عليه الصلاة والسلام ) هو نقطة البداية في احتساب التاريخ . ما قبله من احداث نشير اليها بما قبل الميلاد ،وما بعده نشير اليه بعد الميلاد ...وبالاستعمال (سقطت كلمة بعد الميلاد ) واصبح التأريخ  با&aacu;العام الميلادي .. وسجلت احداث الدنيا نسبة اليه ..

ان هذا الواقع التأريخي لا ينفي وجود حسابات اخرى ..كالتأريخ الهجري (نسبة لهجرة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام من مكة الى المدينة المنورة ) .    

والتأريخ الصيني والهندي والياباني والفارسي ...ولكن التاريخ بالميلادي هو المسيطر..حيث انه تأريخ الغرب( بالمفهوم الثقافي) المسيطر على العالم اليوم .

احببت ان اختم كتاباتي لهذا العام بالحديث عن مدينة  ( أقتاو) .. القازقية ..اقتاو المدينة الرقمية ..

مدينة (اقتاو) ،مدينة ساحلية على بحر قزوين .تشكل الباب الغربي الجنوبي لجمهورية قازقستان .

يعتبرها بعض الجغرافيين الحد الفاصل بين قارتي اوروبا واسيا ،واخرون ينسبونها الى اوروبا ..

بحر قزوين أو بحر (الخزر)..حدود قازقستان الغربية ،حيث تلتقي اطراف الصحراء مع مياه البحر .

هذا البحر الداخلي ،غير المتصل بالبحار و المحيطات ،نشأت وقامت على شواطئه كلها حضارات و مدنيات سادت ثم بادت ..حضارات تركية ومغولية وايرانية وروسية ..ساهمت في بنائها قوميات وشعوب مختلفة الالسن والاشكال والعادات ..(وفي مراجع التاريخ ومصادره كنز كبير عن هذه الحضارات)

ولكن ماذا  يعني اسم المدينة (أقتاو).. ؟

 باللسان  القزقي : هو اسم مركب من كلمتين (أق)و(تاو) ..وباللسان العربي  فان (أق) تعني اللون الابيض، اما (تاو) فتعني الجبل ..وهكذا يصبح اسم مدينتنا باللسان العربي (الجبل الابيض) ..

ارجو الا يستغرب البعض من استخدامي للفظة (اللسان) بديلا عن (اللغة ) ، لان المفردات القازقية ترد فيها عبارة (قزق تلي) و(اراب تلي) ، و كلمة (تل) تعني بالعربية (اللسان ) !! فيصبح المعنى( اللسان القزقي) ،و(اللسان العربي) . وذات الشيء نلحظه باللغة الروسية ،حيث نجد ( اراب يزك) و(روسكي يزك ) وكلمة ( يزك) تعني بالعربية ايضا (اللسان )!!  فتعني (اللسان العربي ) و(اللسان الروسي ) ..

لقد رحت أتامل بهذه المصطلحات ، وكيف انها تلتقي  مع المصطلح القراني (وهذا لسان عربي مبين ))..!

اذن اصبح لدينا معنى المدينة واضحا ..مدينة الجبل الابيض ...هو اسم يدل على طبيعتها الجيولوجية والجغرافية  ..ولن نخوض بالتفاصيل فهذا ليس مجاله ،ومن اراد الاستزادة فعليه (بالمواقع المتخصصة ) .

في بداية المقال : كتبت  (اقتاو ) المدينة الرقمية ...ماذا يعني هذا ؟

انها ارادت ان تتعامل مع لغة (الحاسوب) قبل ان تعرفه !!

فبرامج (الحاسوب )، ان هي الا برامج عددية ،تعتمد رقمي الصفر والواحد..فقط  .لا يوجد غيرهما،ولكنهما زودا العالم الحديث بكل ما نعرف وما (لانعرف !!) من انجازات

(أقتاو) تعاملت بالارقام و الاعداد ..بعيدا عن الاسماء ..

فلا اسماء للشوارع والحارات والاحياء ..انها اعداد و ارقام !!

2)

تلقيت من صديق  دعوة لزيارته في هذه المدينة  ،  وبعد الاستقبال و الراحة ..قال لي : انني ذاهب لعملي

 فا ذا اردت    الخروج للنزهة فهذا عنوان البيت ، تعطيه لاي  سائق (تكسي ) فسيقوم بايصالك للبيت . نظرت في العنوان فاذا به 44-10-08  شعر...قلت له ما هذا لعلك أخطأت واعطيتني ورقة ليست هي ؟ تبسم قائلا : لا يا  صديقي هذا هو العنوان ..اذا قراته من اليسار لليمين : فان العدد الاول هو الحي والثاني هو رقم العمارة اما الثالث فهو رقم الشقة ..!!  فيكون العنوان الحي الثامن ، المبنى العاشر ، الشقة اربع واربعين.. تابعت واسماء الشوارع  ماذا ؟ فتبسم  قائلا : بلا اسماء ...!!

اذن  هل توضح لمطالعي هذا المقال لماذا وصفتها بالمدينة الرقمية ..؟؟

مدينة صغيرة ، في مساحتها ،متسعة في شوارعها ، جميلة في مبانيها ، متوافقة و متناغمة مع البيئة البحرية المحيطة بها ..فجميع بيوتها تتخللها الشمس ،ولاتمنع او تحجب هواء البحر ونسيمه عن بعضها ..احياؤها تحتضن ملاعبا و ساحات خضراء للنشاطات وللتفسح لجميع سكان الحي  ،ملبية كل الرغبات لمختلف المستويات العمرية والثقافية  ..مكتفية بخدماتها الثقافية والطبية والمعاشيه ..

مدينة (اقتاو) متسارعة في النمو ، اذ اضحت مركزا لكثير من الشركات العالمية العاملة في مجال النفط  والغاز ..اكتشافا،واستخراجا،وتكريرا ،وتصديرا ..وهذا ما جعلها مركز جذب للمتخصصين في هذه المجالات من ابناء حمهورية قزقستان والدول المحيطة بها ..

في المدينة مسجدان ..احدهما حديث البناء ،شامخه ..متسع الارجاء ..محاط بالحدائق .. مزدان بالنقوش والتزينات ..كمساجد مصر وبلاد الشام ..

والاخر مسجد صغير متواضع في البنيان ، انشيئ بالقرب من بقايا قلعة قديمة ..ارتفع بجانبها لوحة ارشادية كتب عليها (التاريخ ..تربية ) ..

اقتربت من بابه لاقرأ اللوحة المعرفة عليه  ..فكانت كالتالي ( مسجد الجد بيكت –على طريقة مذهب الامام الاعظم ابا حنيفة )

في الحقيقة ، كانت مفاجأة وصدمة لي ..لم اكن اتوقع ان اقرأ هذا على لوحة باب اي مسجد من مساجد الله .

طفت في كثير من بلاد المسلمين وما قرأت مثل هذا ..حتى في قزقستان ..قد يكون هذا المسجد هو الوحيد في تصرفه..

اني اعرف من تصريحات مسؤولي الادارة الدينية لمسلمي قازقستان بان المذهب الرسمي المتبع  في بلاد وسط اسيا هو المذهب الحنفي ..ولكنها المرة الاولى التي يسجل فيها هذا على لوحة التعريف بالمسجد ..

في  صلاة الجماعة وفي الركعات الجهرية منها ،نجد ان الامام  يطلب من المصلين عدم قول ( امين ) بعد (ولا  الضالين ) ،او انه ينتقل مباشرة لتلاوة السورة الاخرى دون  فاصل صمت بين الفاتحة وما بعدها ، حتى ان السامع لا يميز ان كانت سورتان او سورة واحدة .. ..

ومع ذلك فكثير من المصلين يقولون : أمين بعد ولا الضالين ..

ذكرني هذا الامر مالاحظته في المسجد الاموي الكبير بمدينة دمشق  من تعدد المحاريب فيه ..فقيل لي هذا للامام على مذهب الشافعي و الاخر لامام المذهب الحنفي وثالث للمالكي ورابع للحنبلي ...فاذا اقيمت الصلاة  ..وتقدم الامام الحنفي اقتدى به الاحناف وجلس الباقون . ثم بعد ان ينهي الاحناف صلاتهم تقام من جديد صلاة للشافعي ..وينتظر الاخرون ..وهكذا ...الى ان ينتهي من الصلاة اتباع المذاهب الاربع ..اهل السنه و الجماعة !!

لا ادري ..ان كان هذا الامر مازال متبعا ام لا؟؟ انها انطباعات قديمة ..ولكنها تطفو على سطح الذاكرة ..كلما اثيرت ..

كان اليوم يوم جمعة ..فدخلت المسجد للصلاة ..

قبل الصلاة ..يعظ الامام المصلين (باللغة القزقية ) ..ولا ادخل في التفاصيل فهي لا تخرج عن امور الطهارة والصدقات و فضائل الاعمال ..

ثم تأتي خطبة الجمعة ..فيصعد الخطيب المنبر حاملا سلاحه (الخشبي ) ،تماما كما يحمله القساوسة ...ويخطب كلمات بالعربية لايفهمها 99% من الحاضرين ..تتضمن الاستغفار والدعوة بدءا من الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم )الى اخر الخلفاء الراشدين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين ..

 

3)

ان عدم فهم المصلين لمعاني الخطبة ،لا تنفي عنهم انهم غير مدركين لقدسية الايات الكريمة التي تتخللها ..ان الخشوع فطري لديهم عند سماع ايات الله تتلى ..الصمت والسكينة  والجلوس على الارض ..بانتظار انتهاء التلاوة القرانية ثم الدعاء بعدها بمختلف الدعوات وبكل الالسن الحاضرة في الصلاة او الاستماع من كل القوميات التي ينتمي اليها المسلمين من مواطني قزقستان...

وقد يكون لنا في المستقبل كتابات عن هذه الابعاد الدينية لدى الجيل الحاضر وارتباطه بجيل الاباء و الاجداد ..

على باب المسجد يستقر (صندوق الصدقات ) ..

يضع فيه المصلي صدقاته ، حسب نيته ..وتعتبر هذه الاموال دخلا للمسجد يتصرف فيه الامام المعين من قبل الادارة الدينية ..فيصرف على نفسه ومن معه وعلى خدمات المسجد ويرسل للادارة الدينية نصيبها ..كل ذلك وفق حسابات ومحاسب ومراقبة ..كنظام   الجمعيات الخيرية الموضح بالقانون .

الادارة الدينية ، ليست ادارة حكومية ..وان كان للحكومة تدخل في بعض امورها ..فالدستور في قزقستان يفصل بين الدين والحكم ..فلكل اتباع  دين لهم  مؤسساتهم ولهم نظمهم الخاصة بهم ..

اذن لا يوجد (راتب ) شهري ثابت للامام او الخطيب ..ومصدر رزقهم هو صندوق الصدقات وما تجود به الانفس ..

سألت خطيب الجمعة في قريتي وهويقرأ من كتاب يعود تاريخه الى القرن الثامن عشر ..هل تفهم ما قرأت ؟ اجابني لا .قلت لماذا لا تخطب باللغة القزقية وتفهم الناس معاني السور التي يقراونها في صلاتهم ؟ اجابني لان الخطبة يجب ان تكون بالعربية ..ولا تقبل صلاة الجمعة بدونها ..قلت له اذن دعنا نقول  التالي : اقرأ بالعربية السور القصيرة التي يتلوها الناس في صلاتهم ثم اشرحها لهم بلغتهم ،ماذا تعني والى ماذا تهدف ، ولتكن البداية بسورة الفاتحة ..وهكذا تجمع بين العربية وفهم المعنى باللسان القزقي ...وهكذا كان ..وبدأ المصلون يفهمون معنى الايات ..

خرجت من صلاة الجمعة من مسجد (الجد بيكت ) ..والتقطت صورة للوحة الاسم ..حتى اقدمها لمن يهمه الامر من اخوتي في الادارة الدينية لمسلمي قزقستان

...أطلت عليكم اخوتي ..

وكل عام وانتم بخير ...سجل اعمالنا في العام الماضي اقفل ..وفتح سجل جديد لعام جديد ..فليمدنا الله بعونه حتى يكون سجل اعمالنا ، بيدنا اليمنى ، يوم لا ينفع مال ولا بنون ...((فاما من اوتي كتابه بيمينه ، فيقول هأوم اقرأوا كتابيه ،اني ظننت اني ملاق حسابيه ،فهو في عيشة راضيه، في جنة عاليه، قطوفها دانية ، كلوا واشربوا هنيىئا بما اسلفتم في الايام الخالية  )) سورة الحاقه19-24

سليم القزق

29/12/2010

 

 

اجمالي القراءات 12687