أولا : اختصت سورة يوسف بألفاظ لم تتكرر ولم ترد إلا في سورة يوسف .. ونتوقف معها بالتدبر والتحليل. 1 ـ يقول تعالى "وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ)( يوسف 23 ). ويبدو لي أن كلمة " هيت " فرعونية الأصل ، وقد حكاها القرآن بالنص الذي قالته امرأة العزيز باللغة التي كانت تتكلم بها ، ولا يزال أ;زال أهل واحة سيوة في الصحراء الغربية المصرية يستخدمون نفس الكلمة في لغتهم الخاصة المنحدرة من أصول فرعونية ، وهم ينطقونها " هت " بكسر الهاء وسكون التاء وهي عندهم تعني الدعوة للمجيء أو" تعال" و " أقبل ". واستعمل القرآن كلمة " هيت " فأصبح معناها في اللغة العربية " هلم " أي تعال .. 2 ـ ولا يزال أهل سيوة يكررون في حديثهم أيضا " حاش لله " و " حصحص " و " حاش لله " عندهم بنفس المعنى المعروف فى تأكيد أنه (لم يحدث )، و" حصحص " تعني تأكد . وورد في سورة يوسف وحدها كلمة (حاش لله): ( " فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ : 31 )، وأصبح في العربية معناها تنزيه الله تعالى .. وجاء في سورة يوسف وحدها قوله تعالى "قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ)( 51 )، أي ظهر الحق ووضح .. وأصبحت بذلك المعنى في اللغة العربية .. وتلك الكلمات الثلاث (هيت ، حاش لله ، حصحص) جاءت في كلام المصريين القدماء في قصة يوسف ، وبالتحديد حين قالتها النساء في مواقف شديدة الخصوصية ، وهي بهذا تكون شديدة الدلالة على الموقف الذي تحكى عنه . ثم لم تتكرر في القرآن خارج تلك السورة الكريمة بل لم تتكرر في نفس السورة خارج تلك المواقف بعينها ، وأهل سيوة الذين يحتفظون ببقايا اللغة المصرية القديمة هم وحدهم من بين المصرين اليوم الذين تتكاثر على ألسنتهم تلك الكلمات الثلاث " هيت " حاش لله " حصحص " وقد أورد القرآن الكريم الكثير من الألفاظ غير العربية ، فارسية وهندية ورومية مثل القسطاس وسندس وإستبرق ، فلا يمنع من كون الألفاظ الثلاثة السابقة من أصول فرعونية . ثانيا 1 ـ وخصوصية سورة يوسف تنعكس أيضا في قوله تعالى "وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ )( 25 ) . فجاء التعبير القرآني عن الزوج بأنه " سيدها " وذلك تعبير دقيق ينطبق على الوضع الرسمي والاسمي للزوج في مصر القديمة ، وإن كان لا ينطبق تماما على وضع الزوجة المسلمة بالنسبة لزوجها المسلم .. إن القاعدة العامة في التماثيل الفرعونية أن الزوجة دائما تكون صغيرة بالنسبة لزوجها وحتى بالنسبة لإبنها البكر وذلك يعكس النظرة الرسمية للمرأة حتى لو كانت من الطبقة العليا .. وكان معروفا أنها بعد موت زوجها فإنها تخضع للابن الأكبر أو للوصي على أولادها .. ولذلك فالقرآن يضع التوصيف الحقيقي للزوجة في مصر القديمة حين يقول :( وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ) ، فقد كان سيدا لها وكان ذلك الوضع الرسمي والاسمي ، مع إنه كان خاضعا لها . وكلمة "سيد " لم ترد في القرآن إلا مرة واحدة بمعني رفيع القدر وعالي المنزلة ، يقول تعالى عن النبي يحيي : (أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ )( أل عمران 39 ). ولم تأت كلمه " سيد " مضافة إلى ضمير إلا في موضعين ، أحدهما يخص امرأة العزيز: ( وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا) ، والآخر خاص بأصحاب النار : (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا )( الأحزاب 67 ) وحين تضاف كلمة " سيد " إلى ضمير يعود على الغير" سيدها " ، " سيدنا " فهي على الأقل تعني التفضيل وقد تعني كون الأقل قريبا من العبودية لذلك السيد .. إن الزوج والزوجة جزءان يكمل بعضهما بعضا ، أي متساويان في الإنسانية وليس أحدهما سيدا للآخر بالمفهوم المصري القديم ، والقرآن الكريم يستعمل كلمة زوج ليدل على الذكر كما فى قوله تعالى: ( فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ )( البقرة 230 ). وتأتي كلمة زوج لتدل على الأنثى أيضا كقوله تعالى : ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ أمسك عليك زوجك)(الأحزاب 37). صحيح أن للزوج القوامة على المرأة ، ولكنها تعني الرعاية والحماية والإنفاق ولها شروطها (النساء : 34) . فهو نوع من تقسيم المهام بين الزوجين ، ولكن للمرأة شخصيتها وحقوقها وأموالها وميراثها ، بما يجعلها تخالف المفهوم المصري القديم عن المرأة والزوجة . ولذلك كان قوله تعالى " سيدها " تماما في موضعه فى التعبير عن الثقافة المصرية القديمة فى عصر يوسف . ولم يتكرر في موضع آخر في القرآن العظيم . . ثالثا : والعجيب أن خصوصية سورة يوسف امتدت لتشمل مصطلحات دينية أساسية ، مثل " رب " و " رسول " و " دين " فاستعمل القرآن تلك الألفاظ الهامة استعمالا خاصا بعصرها التاريخى. ونتوقف مع كل منها .. 1 ـ يقول تعالى عن يوسف: ( وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ) ( يوسف 23 : 24 ). يوسف يقصد رب العزة حين قال : (إِنَّهُ رَبِّي ) ولم يقصد بالرب هنا عزيز مصر صاحب البيت وزوج المرأة . فالسياق يقضى بذلك حين نقرأه كاملا : (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) إن كلمة " ربه " ، " ربي " مقصود بها رب العالمين جل وعلا فقط حين تاـى فى سياق حديث يوسف ، حتى في باقي الحديث القرآني عن يوسف : ( وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )،( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ . رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) ( يوسف 6، 100، 101 ) إذن يتحدث يوسف دائما عن " ربه " الله تعالى .. ويختلف الوضع بالنسبة للمصريين في عهد يوسف ، كانوا يتخذون " الأرباب " مع الله ، وهو يقول لهم يعظهم : (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) ( يوسف 39 ). وكلمة " الرب " يعني المربَّي المنعم الذي يتولى غيره بالرعاية والتربية والصحبة أويرتبط به ، لذلك يقال "ربات البيوت " أرباب المعاشات ". ويبدو أن الملك الهكسوسي كان يتمتع بوصف الرب بتلك المقاييس،لذلك يقول يوسف لصاحبيه في السجن : ( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ) ( 41 )،أي الملك .. لذا قال يوسف لذلك الساقي : ( وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ) ( 42 ).أي قال له اذكرني عند الملك فأنسى الشيطان ذلك الرجل أن يذكر للملك قصة يوسف فلبث يوسف في السجن بضع سنين .. وبعدها جاءه صاحبه بأمر الإفراج عنه ، فقال له يوسف : ( وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ الَّلاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ) (50) . أذن كلمه : ربك " مقصود بها الملك . وكلمه يوسف " ربي " مقصود بها رب العزة جل وعلا .. وذلك مفهوم حيث كان دين يوسف يخالف دين المصرين .. والطريف أن امرأة العزيز حين تابت وآمنت تكلمت بنفس الطريقة التي يتكلم بها يوسف: ( قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ )( ـ 53 ) واستعمال كلمة " رب" لغير الله وبهذه الكثرة لم يأت ألا في سورة يوسف فيما يحض الحكاية عن أحوال المصرين وقتها .. والمؤمن لا يعترف إلا برب واحد هو رب العالمين: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ) (الأنعام 164 ). 2 ـ ويقول تعالى يحكي عن يوسف "وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ)(50 ).وكلمة الرسول هنا لها استعمال خاص لم يأت في القرآن ألا في ذلك الموضع فقط ، وهى تعني الذي يحمل رسالة من بشر إلى بشر ، بمعنى ساعي البريد . وذلك يدعونا إلى معرفة المعاني الأخرى لكلمة " رسول " في القرآن الكريم وذلك على سبيل الاختصار * تأتي كلمة رسول بمعني النبي الذي يرسله الله تعالى للناس .. مثل قوله تعالى "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولا نَّبِيًّا )( مريم 51 ). * وتأتي كلمة رسول بمعني الرسول الذي يرسله الله تعالى للبشر من الملائكة ، والله تعالى يقول عن نوعي الرسل " اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ )( الحج 75 ). إذن هناك رسل لله تعالى من الملائكة ، ورسل لله تعالى من البشر . ويقول تعالى عن الرسل الملائكة :(الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا)( فاطر 1) . والملائكة الرسل أنواع : منهم ملائكة الوحي يقودهم جبريل : ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ) ( التكوير 19 ـ ) .. ومنهم الملائكة التي تسجل الأعمال لكل إنسان :( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)( الزخرف 80 ) ومنهم ملائكة الموت : ( حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ) ( الأعراف 37 ). * ويأتي " الرسول " بمعني الرسالة السماوية أو الكتاب السماوي .. ويكون متداخلا معناه مع الرسول النبي وذلك ما نفهمه من قوله تعالى: ( وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ) (آل عمران 101 ). فالآيات القرآنية هي الرسول القائم بيننا إلى قيام الساعة ، وكانت في عهد النبي أقرب إلى معني الرسول محمد عليه السلام ... وتأتي كلمة " الرسول " شديدة الوضوح في أنها الكتاب الحكيم : ( وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )( النساء 100 ) . فقوله تعالى :( وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا) حكم مستمر من عهد الرسول محمد إلى قيام الساعة ، ولأن الرسول محمدا قد مات فأن المقصود هنا بقوله تعالى ( مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ) أي الله وكتابه ورسالته .. لأنه بعد موت النبي فالرسول القائم بيننا هو كتاب الله ورسالته ... *وتـأتي كلمة الرسول بمعني كلام الله تعالى الإلهي ، وكلامه تعالى صفة إلهية من صفاته جل وعلا ، وقد جاء ذلك المعنى في قوله تعالى : ( لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا ) ( الفتح 9 ) . فكلمة الرسول هنا تعني كلام الله تعالى فقط ، لذا عاد الضمير على مفرد فقال " وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ " ولو كان الرسول هنا يعنى النبي أو شيئا مع الله لقال " تعزروهما وتوقروهما .." ومعلوم أن التسبيح لا يكون إلا لله تعالى الواحد بذاته الأحد بصفاته ... جل وعلا !! 3 ـ ونعود إلى سورة يوسف وألفاظها الخاصة .. ونأتي إلى كلمة " دين " يقول تعالي "فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ )(يوسف : 76 ).. كلمة " دين الملك " هنا لها استعمال خاص ، ليس مقصودا به الدين والعقيدة ، وإلا فكيف نتصور أن يأخذ يوسف أخاه إلى دين الملك المشرك ويكون ذلك بتدبير الله تعالى ... أن كلمة " دين " هنا تعني الطريق ،أي أن يوسف أخذ أخاه في طريق الملك أو إلى الأوساط الملكية بتعبير عصرنا .. " وبنيامين " سار في " طريقه " إلى الملك ولم يأخذ " طريقه " إلى فلسطين .. إن كلمة " دين "في معناها الأصلي تعني الطريق المادي الذي يسير فوقه الناس ..ثم صار يعني الطريق المعنوي الذي يقطعه الإنسان طيلة حياته إلى الله تعالى واليوم الآخر، ومن الناس من يأخذ الطريق المستقيم فلا يتخذ وسائط بينه وبين الله ، ومنهم يجعل طريقه إلى الله مليئا بالوسائط والشفعاء .. والدين هو ذلك الطريق المعنوي الذي يصلنا بالخالق جل وعلا . سواء كان صراطا مستقيما أو معوجا .. ولذلك فإن من معاني الدين : السبيل والصراط وهي أيضا بمعني الطريق .. ولكن " الدين " يأتي دائما في القرآن بمعنى الطريق المعنوي العقيدي، والاستثناء الوحيد هو في سورة يوسف ( مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ )،وفي سورة التوبة:( لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ ) ، فكلمة الدين هنا تعني الطريق الحسي الذي لا علاقة له بدين الله تعالى . وقد عرفنا موضع كلمة ( الدين) في سورة يوسف .. ونتوقف مع معناها في سورة التوبة .. إن العادة أن يسيء الناس فهم قوله تعالى ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ )( التوبة 122 ) ويرون أن الآية تحث على طلب العلم والتفقه فيه . مع أن ذلك المعنى يناقض العقل والمنطق ، فالآية نزلت على المؤمنين في المدينة فهل كانت تدعوهم إلى أن يطلبوا العلم خارج المدينة ؟ وإلى أين يذهبون وحولهم المشركون الذين لا علم لهم بالإسلام؟ ولماذا يذهبون خارج المدينة والرسول عليه السلام معهم يتلقون عنه الوحي والعلم ؟ لقد كانت المدينة هي بؤرة العلم بالإسلام في عصر النبي ، فكيف ينفرون منها إلى غيرها ؟ . إن سوء الفهم لكلمة " ليتفقهوا في الدين " هو السبب ، فالدين هنا يعني الطريق المادي الحسّي ، والتفقه يعني التعرف ، وهذه الآية وما قبلها لا تتحدث عن طلب العلم وإنما تتحدث عن القتال وأساليب الحرب ، قبلها آيتان في الحث على الجهاد "مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) ثم يوضح لهم رب العزة أسلوب الحرب فيأمرهم ألا ينفروا للقتال كافة ، ولكن عليهم أن يرسلوا فرق استطلاع تتعرف على الطريق ثم ترجع لتنذر وتحذر : ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) . وتأتي الآية التالية بعدها في قتال الأعداء المتاخمن للمدينة الذين يهددونها : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) ذلك هو المعني الحقيقي ، وبؤكده إن كلمة ( نفر ) لا تستعمل في القرآن إلا في القتال والجهاد. و كلمة " يتفقه" ومشتقاتها تعني التعرف والعلم فاكتسبت في العصر العباسي معني تعلم الشرع ... وأصبحت علوم الشرع تعني " الفقه" وذلك يخالف النسق القرآني لأن الله تعالى يقول عن المشركين "لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)( التوبة 81 ) فهل هي دعوة للمشركين لأن يصيروا أئمة في الفقه ؟ أم هي وصف لهم بعدم العلم والمعرفة على سبيل الإجمال ؟... هذه المقالة تمت قرائتها 1457 مرة
|
التعليقات (17)
|
[41511] تعليق بواسطة محمود دويكات - 2009-08-16 |
كلام جميل جداً
|
دكتور أحمد و أنا أبصملك بالمئة خاصة تلك الفقرة ( فالآية نزلت على المؤمنين في المدينة فهل كانت تدعوهم إلى أن يطلبوا العلم خارج المدينة ؟ وإلى أين يذهبون وحولهم المشركون الذين لا علم لهم بالإسلام؟ ولماذا يذهبون خارج المدينة والرسول عليه السلام معهم يتلقون عنه الوحي والعلم ؟ لقد كانت المدينة هي بؤرة العلم بالإسلام في عصر النبي ، فكيف ينفرون منها إلى غيرها ؟ ) كما يقولونها بالأمريكية: Indeed!! أما كلمة هيت .. لا أدري و لكن خطرت على بالي كلمة "هيهات هيهات لما توعدون" في سور ص أعتقد ...إذا حاولنا ان نقرن تلك الكلمة مع كلمة هيت فأظن أن المعنى يصبح قريبا من التهكم في قولهم هيهات هيهات لما توعدون: أي هيا إئت أو آتنا بما تعدنا.. لأن سياق الايات تلك يقول ما معناه : أنه يعدكم أنكم إذا صرتم تراباُ فإنكم مبعوثون .. هيهات لهذا الوعد( يعني: يالله بقا إئتنا به .. أي يالله هاته بقا .. شيء من هذا القبيل .. و هو شبيه من قول امرأة العزيز ليوسف إذ كأنه يفيد أنها قالت له: يالله أمال يا يوسف.. أي هلم أو إئت .. الخ كما أشرت أنت جزاك الله خيرا دكتور أحمد و الحمد لله على سلامة الموقع .. و نرجو من الله أن يرد المفسدين خائبين دائما.
|
[41512] تعليق بواسطة محمد البارودى - 2009-08-17 |
مقاله فوق الرائعه
|
جزاك الله كل خير د. احمد المقاله سلسه و سهله الفهم وتجعلنى احس بانى فقير جدا تجاه علوم القرآن. و اسلوبك السلس يجعل الموضوع بسيط و واضح . لقد اجبت فى هذه المقاله عن سؤال كان يدور بخاطرى لفتره طويله وهو ان الملكين الموكلين بكل انسان يكتبون كل لفظ يتلفظ به هذا الأنسان. مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (ق-18). فالواضح هنا ان الملائكه تكتب كل ما نلفظ به. و السؤال كان ماذا عن ما نخفيه فى صدورنا. انا ليس عندى اى شك ان الله يعلم ما نخفيه فى صدورنا. قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (ال عمران 29). هل الملائكه تعلم و تكتب ما نخفيه فى صدورنا؟؟ و كان الجواب من الايه التى ذكرتها و كأنى اقرأها لاول مره :( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)( الزخرف 80 ). و لى سؤال لك يا استاذى العزيز وهو اننا مطالبون بفهم و تدبر آيات القرآن. ولكنى اجزم انى و معظم المسلمين نجد صعوبه فى ذلك بدون الاستعانه بمصدر خارجى. معظم المسلمين يستعينون بكتب التفاسير المليئه بالعنعننات و انا من حسن حظى انى وجدتك. ان الله سيحاسبنا على تقصيرنا فى فهم آياته . حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (النمل 84).فهل سيحاسبنا الله على مقدار فهمنا للقرآن ام اننا مطالبون بفهمه كاملا و بمستوى معين(أى بما أراده الله) . وهل لابد ان نفهمه لوحدنا ام لابد الأستعانه بأخرين؟؟
|
[41514] تعليق بواسطة احمد شعبان - 2009-08-17 |
جهد رائع
|
أخي وصديقي الأستاذ الدكتور / احمد صبحي منصور تحية مباركة طيبة وبعد لقد سعدت كثيرا بقراءتي لهذا الموضوع والذي يعد أإضافة لللفكر الإسلامي يمكن البناء عليها للوصول إلى نتائج باهرة . جهد رائع أتمنى من المولى عز وجل أن يثيبك عليه خير الجزاء . دمت أخي بكامل السعادة والهناء أنت والأسرة الكريمة جميعها . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
|
[41523] تعليق بواسطة نورالدين بشير - 2009-08-17 |
أستاذي د. أحمد منصور
|
مقالاتكم دائما رائعة و مفيدة, تجعلنا و كأننا نقرأ الآيات لأول مرة مع أننا مررنا عليها آلاف المرات . كما أننا نجد فيها دعوة ضمنية للتدبر السليم, وصولا للفهم الصحيح للآية, بدءا بشرح المفردات من القرآن ذاته حين تكون المفردة قد وردت في آيات أخرى أكثر تفصيلا, أو أكثر تبيانا, أو بالرجوع الى فهم معناها من ألسنة العرب أو ألسنة الأقوام الذين ارتبطت بهم القصة القرءانية في سرد أحداثها التاريخية. ومرورا بالتركيز على وحدة الموضوع, وذلك بضم الأية لمجموعة الآيات التي قبلها والتي تليها, وبذلك فإنها تكون جزءا أو فقرة لا تتجزأ من الموضوع الأساسي, لأن استخلاص آية وتحليلها منفردة, كما جرت عليه سنة الأولين لا يمكن أبدا أن يكون تحليلا سليما أو أن يؤدي إلى الفهم الصحيح. شكرا على مجهوداتك دكتور, والتي نستفيد منها كثيرا, ودمتم ذخرا لكل الباحثين عن الحقيقة
|
[41536] تعليق بواسطة حسن جرادات - 2009-08-18 |
كلام مفيد
|
كلام مفيد لي كثيرا ، ولكن اسمح لي سيادة الدكتور ابداء بعض الملاحظات:
|
[41544] تعليق بواسطة طارق سلايمة - 2009-08-19 |
شكراً لك أستاذنا على هذا اليان الرائع ولي عندكم طلب ....
|
شكراً لك أستاذنا أحمد صبحي منصور على بيان تعاريف من القرآن قد يجهلها الكثير حتى ممن يتدبرون القرآن كتعريفكم لمعنى الرسول والنبي في القرآن وقولكم أن الروح الأمين " جبريل " عليه السلام هو أيضاً رسولاً أرسله الله الله وحياً إلى قلب رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام وكذلك تعريفنا ببعض الكلمات التي وردت باللغة الفرعونية المصرية القديمة واستعملت باللسان العربي بنفس الصيغة مثل هيت لك وغيرها ... ولكن يا سيدي هناك كلمة وردت في القرآن وهي " دلوك الشمس " وهي تستعمل في اللغة العبرية بمعنى إشتعال بنفس اللفظ ، فهل يمكن إعتمادها بنفس المعنى الذي جاء بالعبرية أسوة بكلمة هيت لك ، وإذا كان الأمر كذلك ، فلما يقول " المفسرون " عن معنى " دلوك الشمس " على أنه " غيابها " بدل إشتعالها وظهورها مع أن المفسرين قد يقعرفون العبرية جيداً وهل فعلهم هذا هو من باب " قلب الأمور " للناس أم ماذا ؟؟ أرجوك أفدنا أفادك الله وزادك علماً
|
[41618] تعليق بواسطة احمد صبحي منصور - 2009-08-22 |
أهلا أحبتى .. وأقول
|
تعديل التعليق |
شكرا لكل من تفضل بقراءة المقال ، ولكل من علّق عليه ، وأخص بالشكر الأساتذة احمد شعبان ونورالدين بشير . واقول مع جزيل الشكر للاستاذ محمد البارودى : فى مقالات سبقت تكلمت عن الهداية العامة التى يسّر الله تعالى القرآن من أجلها للذكر ، وهناك التعمق المتاح للعلماء وأهل الذكر . وأقرر لك أننى عرفت قرآنيين أميين لا يقرأون ولا يكتبون ولكن يحفظون القرآن بالسماع ، ولهم اجتهادات صائبة ، ولقد كان الشيخ محمود حسيب يرحمه الله ابرز هؤلاء ، ولقد استفدت منه كثيرا ، وتعلمت منه كثيرا ، وقد ساعدنى على التخلص من ( وساخات الأزهر ) على حد وصف الامام محمد عبده . وربما يأتى الوقت لأكتب عن هذا الشيخ البار عليه رحمة الله جل وعلا. المقصود أنه كلما أعطيت القرآن الكريم من عقلك واهتمامك وحبك وكلما وجهت له حياتك أعطاك الله جل وعلا مزيدا من العلم به . لا فارق إن كنت تحمل شهادة الدكتوراة أو شهادة التطعيم . وأقول للاستاذ دويكات مع الشكر العميق : إن كلمة هيهات فى اللغة العربية تعنى ( البعد ) وهى إسم فعل يفيد استحالة حدوث الشىء . وبالتالى يختلف معناها مع ( هيت لك ) التى تعنى (تعال وأقبل ) أى دعوة للاقتراب و ليس للابتعاد والاستبعاد .
|
[41619] تعليق بواسطة احمد صبحي منصور - 2009-08-22 |
شكرا أخى العزيز الاستاذ حسن جرادات .. وأتفق معك فى بعض ماقلت معترفا بخطئى ..
|
تعديل التعليق |
جزاك الله تعالى خيرا أخى الاستاذ حسن جرادات . أنت على حق فيما قلته عن ( دين الملك ) . أعترف بخطئى هنا . وأتفق مع التصحيح الذى أتيت به ، و أشكرك عليه . ولكن اسمح لى بالاختلاف مع وجهة نظرك الأخرى فيما يخص( الرسول ) .واسمح لى بتوضيح وجهةة نظرى فى الآتى : 1 ـ يقول جل وعلا فى سورة الحجرات المدنية ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ ) . هنا تشريع خاص بوقته عن النبى ومعاصريه ، وفيه النهى للمؤمنين عن رفع أصواتهم على صوت النبى ، وأن يجهروا له بالقول . والملاحظ عمومية النهى للمؤمنين وقتها ليشمل كل كلام للنبى فى كل شأن يتكلم فيه . وكلمة ( صوت النبى ) تفيد التقييد بالزمان والمكان . وجاءت ألاية التالية تتحدث عن الرسول ،أى النبى محمد حين يتلو الرسالة ، وحين يتلو القرآن فلا بد من غض الصوت : ( إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ) . هو نفس التشريع الذى جاء من قبل فى سورة مكية ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) ( الأعراف 204 ) وهو نفس الوعيد للمشركين فى مكة حين كانوا يتسامرون باللغو فى القرآن بدل الانصات اليه ( قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ )( المؤمنون 66) ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ )( فصلت 26 ) . المستفاد أن ما يخص ( الرسول ) هو حكم عام طالما بقى الرسول أو الرسالة أو القرآن الكريم بيننا . ولذلك تأتى طاعة الرسول أى طاعة الرسالة القرآنية .
|
[41620] تعليق بواسطة احمد صبحي منصور - 2009-08-22 |
تابع
|
تعديل التعليق |
2 ـ اللغة العربية ـ حسبما أعرف ـ يعود الضمير فيها موافقا للعائد عليه ، تقول ( رأيت أهلى و سلمت عليهم ) ( رأيت أختى و سلمت عليها ) ( رأيت محمدا وابراهيم وسلمت عليهما ) ( قابلت النساء و سلمت عليهن ) الموافقة تاتى فى الذكورة والأنوثة و فى العدد : مفرد ومثنى وجمع و مذكر ومؤنث . اللغة القرآنية تتخصص فى أن يعود الضمير بالمفرد فيما يخص الله جل وعلا ورسالته وكتابه الكريم أو كلامه الذى هو صفة من صفاته . ليس فقط الاية الكريمة من سورة الفتح ( لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا ) ولكن أيضا فى قوله جل وعلا ( وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ )( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ) ( النور 48 ، 51 ) جاءت كلمة ( يحكم ) والضمير فيها مفرد يعود على رب العزة ، ولم يقل ( يحكما ) فالرسول هنا هو كتاب الله الذى ينطق به رسول الله . فالحكم لواحد هو الله جل وعلا.ويقول جل وعلا ( قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ) ( التوبة 24 )لم يقل ( جهاد فى سبيلهما ) ، ويقول جل وعلا ( يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ ) ( التوبة 62 )لم يقل ( يرضوهما ) .وهناك أمثلة أخرى وردت فى ( كتاب القرآن وكفى ). 3 ـ الاستاذ طارق سلايمة ، مع جزيل الشكر أعترف لك بجهلى باللغة العبرية ، وبالتالى لا أستطيع الاجابة على سؤالك. كل عام وانتم جميعا بخير
)
|
[41625] تعليق بواسطة احمد شعبان - 2009-08-22 |
هكذا كلام العلماء بحق
|
أخي وصديقي العزيز الأستاذ الدكتور / احمد صبحي منصور تحية مباركة طيبة وبعد أهنئك أخي على الصراحة والوضوح والتقويم المستمر لما تكتب ويكتب الآخرون ، وعلى جودة الحوار مع سيادتك . لقد أثلجت صدري وجعلتني أطمئن بأننا نسير في طريق قويم " طريق المراجعات الدائمة " ، فلابد من أن يدفع التراكم التراكم المعرفي لدينا وما يستجد عليه إلى التطوير والإجادة لما انتجناه ، والخروج منه بما هو أكثر دقة . وفعلا أخي كما قلت رب من لا يعرف القراءة والكتابة وفقيه في دين الله ، وقد صادفني أمثلة لذلك . فالعبرة أخي في تقوى الله ولا يعلم أحد من هو أقرب منها من الآخر ، والتقوى هى الدافع للعلم " المراجعة ( الرؤية النقدية ) ، والاجتهاد " الوصول إلى نتائج أكثر دقة ) " . " وأتقوا الله ويعلمكن الله " . لذا تجدني دائما لا أستهين بأي أحد عسى ان يكون أفضل مني عند الله كما أشكرك أخي على تشجيعي وإتاحة الفرصة لي في عرض أفكاري المتواضعة . أدام الله سبحانه فضله علينا وأنار لنا طريقنا على الدوام . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
|
[41629] تعليق بواسطة فوزى فراج - 2009-08-23 |
الأخ الحبيب الدكتور/ أحمد منصور والسادة أهل القرآن (1)
|
كنت قد كتبت فى كتابى "قاموس المصطلحات الدينية" معنى كلمة "هيت:
|
[41649] تعليق بواسطة Ezz Eddin Naguib - 2009-08-23 |
الأخ الحبيب الدكتور/ أحمد منصور والسادة أهل القرآن (2)
|
الرب: تعنى صاحب الشيء، ومالكه، والمُتصرف فيه، أو سيده ويُؤيد ذلك الآية: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }يوسف21
عزالدين محمد نجيب
|
[41659] تعليق بواسطة إبراهيم إبراهيم - 2009-08-24 |
لاستاذ أحمد منصور
|
|
[41681] تعليق بواسطة احمد صبحي منصور - 2009-08-25 |
أهلا أحبتى .. وأقول
|
تعديل التعليق |
شكرا لكم جميعا ، والشكر الخاص للاستاذ أحمد شعبان ، وأقول : 1 ـ لا أتفق مع أخى الحبيب الأستاذ فوزى فى موضوع عود الضمير فى ( الله ورسوله ) ، كما أعد الان ردا بمقال كامل عن ( القصص القرآنى و مكتشفات الاثار ) . 2 ـ تساؤل الاستاذ ابراهيم ابراهيم عن كلمة ( حاش لله ) سبقت الاجابة عليه فى هذه السلسلة من قصة يوسف ، وكانت عن معرفة المصريين القدماء بالله جل وعلا ، مع عبادتهم لآلهتهم المحلية ، كما يحدث اليوم . 3 ـ أختلف مع أخى الحبيب د. عزالدين نجيب فى موضع (رب ) وأرى أن استعمالها بالنسبة ليوسف عليه السلام يخالف استعمالها بالنسبة للمصريين فى عهده ، كما جاء شرحه فى المقال . وأختلف أيضا مع سيادته ، وأقول إن إمرأة العزيز هى التى قالت كل هذا الكلام ( قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ{51} يوسفذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ{52} وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ{53} يوسف) والدليل : * التدفق فى أحداث القصة وحواراتها ينسب كل قول لصاحبه من بدايته الى نهايته ، ويتكرر فى السورة ( قال ) ( قالت ) ( قالوا ). * يوسف لم يكن موجودا فى المجلس ليتكلم ، بل كان غائبا عنه فى الحبس ، فكيف يتكلم ؟ وليس يوسف هو الراوى للأحداث حتى يتدخل فيها بقوله ، بل الراوى هو الله جل وعلا . * صيغة الكلام وارتباط القول ببعضه يدل على ان القائلة هى إمرأة العزيز ، فهى مع توبتها فلا تزال تحب يوسف و لا تزال حزينة على ما أصابه بسببها ، ولقد خانت يوسف من قبل بافترائها عليه فى وجوده امام زوجها ، وهى الآن تعلن براءته وهو غائب ، حتى لا تخونه هذه المرة بالغيب ،وهو فى السجن . وهى تعلن توبتها علنا وتطلب الغفران من رب العالمين .
|
[41699] تعليق بواسطة Ezz Eddin Naguib - 2009-08-25 |
ألأخ الحبيب الدكتور/ أحمد منصور
|
بهذا التفسير أظن أنك على حق فى أن الكلام لزوجة العزيز بارك الله فيك ولكن ما برهان ربه الذى رآه؟ وخاصة أن كل من يقع فى مثل هذا الموقف مُحتاج إلى برهان من ربه يردعه. أخيك عزالدين 25/8/2009
|
[41723] تعليق بواسطة احمد صبحي منصور - 2009-08-26 |
شكرا أخى الحبيب د. عز الدين نجيب ، وأقول
|
تعديل التعليق |
ما أعرفه أن كلمة ( ربه ) تعنى رب العزة جل وعلا ، وأن كل كلمة فيها ( رب ) يعود فيها الضمير على يوسف تفيد رب العزة جل وعلا لأن يوسف كان على ملة ابراهيم ، ولا يمكن أن يتخذ مع الله جل وعلا ربا آخر ((قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ) (الأنعام 164 ).
|