انقلاب في خريطة مراكز القوى لصالح الجيل الثاني على حساب الحرس القديم
حربا الحوثيين و'القاعدة' تسرعان 'عملية توريث' مختلفة في السعودية 09/11/2009
|
لندن ـ 'القدس العربي' ـ كتب المحرر السياسي: حربان احدثتا انقلابا في خريطة مراكز القوى في المملكة العربية السعودية، ونقلتا السلطة والنفوذ الى الجيل الثاني، اي احفاد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، وهما حرب الحوثيين الزيديين الدائرة حاليا في منطقتي صعدة وعمران شمالي اليمن، وامتدت ألسنة لهبها الى جنوب المملكة، والحرب على 'القاعدة' التي بدأت داخل المملكة، وانتقلت بشكل اكثر خطورة الى اليمن ايضا، حيث يوجد مقر فرعها في الجزيرة العربية بقيادة ابو بصير ناصر الوحيشي.
حرب الحوثيين الدائرة حاليا على حدود المملكة الجنوبية، وتشارك فيها القوات السعودية بمختلف اسلحتها البرية والجوية والبحرية، صعّدت من نجم الجنرال خالد بن سلطان مساعد وزير الدفاع الامير سلطان بن عبد العزيز ونجله (الامير سلطان مريض بمرض عضال ولم يعد الى المملكة منذ عام تقريبا وموجود حاليا في المغرب)، فهو الذي يشرف على المعارك، ويتولى مسؤوليات والده بالكامل. اما الحرب على تنظيم 'القاعدة' فجعلت من الامير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية، الذي هو والده ايضا، الامير نايف بن عبدالعزيز المسؤول الامني الاول في البلاد، ووزير الداخلية الفعلي، خاصة بعد تعيين والده نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء، وهو منصب ظل شاغرا لعشر سنوات، ومنذ تولي الامير سلطان ولاية العهد. ويعتقد الكثيرون ان الامير نايف اصبح الاوفر حظا لخلافة شقيقه الامير سلطان في ولاية العهد، سواء اذا اصبح ملكا، او انتقل الى رحمة الله. واللافت ان هذا التحول المتصاعد الوتيرة، اي تولي ابناء الجيل الثاني المناصب الرئيسية التي يشغلها آباؤهم، يأتي على حساب الجيل الاول، ويحدث تغييرا جذريا في عملية التوريث، يتم بهدوء، كفرض للامر الواقع. العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز يبارك عملية التوريث هذه ويؤيدها، ولكن بشكل تدريجي. فقد فاجأ الجميع عندما سجل اول سابقة في هذا الصــــدد رسمــــيا عندما عين الامير منصور بن متعب بن عبد العزيز وزيرا للشؤون البلدية والقروية، خلفا لوالده الذي قاطع جلسات مجلس الوزراء، احتجاجا على تعيين شقيقه الامير نايف الذي يصغره سنا، نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء. فمن تقاليد العائلة الحاكمة ان لا يترأس امير اصغر سنا اي اجتماع او مجلس وزراء يشارك فيه من هم اكبر منه سنا. الملك عبدالله الذي يصفه الكثيرون بالملك الاصلاحي، بات يتجنب اتخاذ قرارات حاسمة تغير المعادلات القائمة على الارض، ويحاول الحفاظ على مراكز القوى، على حالها دون تغيير، الامر الذي صبّ في مصلحة تصعيد الامراء الشبان الى المراكز الاولى مكان آبائهم. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو حول موقف ابناء الملك عبدالعزيز الذين يحتلون مراكز تم تجاوزها من قبل الاحفاد. فالامير عبد الرحمن يحتل منصب نائب وزير الدفاع، والامير احمد يحتل منصب نائب وزير الداخلية، والاميــر سلمان امير الرياض الذي كان يتطلع لمنصب ولاية العهد ويدير شؤون العائلة تراجعت حظوظه فيما يبدو لمصلحة الامير نايف. والحال نفسه ينطبق على الاميرين مشعل رئيس مجلس البيعة، والامير نواف رئيس الاستخبارات السابق، واخيرا الامير طلال بن عبد العزيز الذي لمع نجمه، وكفّ عن المعارضة، بعد ان قربه الملك عبدالله وجعله احد مستشاريه. هناك ايضا امراء من الاحفاد ينافسون ايضا لتولي ادوار في كعكة الحكم، مثل الامير عبد العزيز بن فهد الذي يتربع على قمة امبراطورية اعلامية ضخمة يديرها اخواله من آل الابراهيم، والمقصود (محطات التلفزة مثل العربية، وام.بي.سي بفروعها المتعددة)، وكذلك الامير الوليد بن طلال صاحب الامبراطورية المالية الضخمة وبعض اذرعها الاعلامية (محطات روتانا)، ولا يمكن نسيان الامير متعب بن عبدالله (مساعد رئيس الحرس الوطني) وشقيقه نجل العاهل السعودي الامير عبد العزيز بن عبدالله بن عبد العزيز الذي بات مبعوثا شخصيا لوالده في امور كثيرة، خاصة الملف السوري. واذا كانت عملية توريث وزارات الدفاع والداخلية والشؤون البلدية والقروية حُسمت عمليا، فان ما يمكن ان يكون موضع منافسة هو منصب ولي العهد. فهل سيرث الجنرال الامير خالد بن سلطان والده في ولاية العهد، مثلما ورث منصبه في وزارة الدفاع؟ وهل سيتولى هذا المنصب الامير محمد بن نايف اذا اصبح والده وليا للعهد لحدوث اي مكروه للامير سلطان، او انتقل لتولي منصب الملك في المستقبل في حال شغوره؟ يظل من الجائز القول ان الوصول الى مثل هذه النتائج والتساؤلات امر ينطوي على بعض التســـرع، فمسألة التوريث ما زالت في بدايتها، وكذلك الحربان على الــــحوثيين والقــــاعدة. فأي انتكاسة في هاتين الحربين ربما تنعكس سلبا على بــــطليها، كل على انفراد او الاثنين معا، خاصة ان اطرافا خارجية وقوى اقليمية متورطة فيها، وهذا ينطبق بشكل ادق على الحرب مع الحوثيين. ما يمكن استخلاصه حتى الان، ان الجناح السديري في الاسرة بدأ يستعيد قواعده، ويرجح كفته من خلال صعود نجم ابنائه، وتوليهم اهم مركزين في الدولة وهما الامن (محمد بن نايف) والدفاع (الامير خالد بن سلطان) حيث الاسلحة والدبابات والطائرات والميزانيات الضخمة. المملكة العربية السعودية مقدمة، في تقديرنا، على ملفات ساخنة جدا، فالحرب على الحوثيين حتى لو حُسمت في جبل دخان او غيره، بسبب الفارق الضخم في موازين القوى، فانه من الصعب القول ان خطرها سينحسر. فهذه الحرب ربما تستمر لسنوات طويلة، تكون بمثابة استنزاف للمملكة بسبب وقوف ايران خلفها، حسب الاتهامات اليمنية الرسمية. والشيء نفسه يقال ايضا عن حرب 'القاعدة' ضد النظام السعودي بعد ان وجدت 'قواعد' لها في الجوار اليمني حيث تنجرف اليمن الى مصاف الدول الفاشلة بسرعة، الامر الذي يجعل مستقبل اميري هذه الحرب متوقفا على نتائجهما سلبا او ايجابا، مع الاخذ في الاعتبار ان النفوذ الايراني في تصاعد في شمالي المملكة اي جنوب العراق، وفي بعض دول الجوار الخليجية، وفوق كل هذا وذاك ما زال احتمال حدوث مواجهات في موسم الحج واردا. |