في هذا المقال الصغير سوف اتحدث فيه عن لهو الحديث من خلال أول سبع آيات من سورة لقمان .
وعبارة ( لهو الحديث ) لم تأت إلا مرة واحدة في القرآن وهي في سورة لقمان ، وهي أشارة قد تعني من ضمن ما تعنيه أن مصدر لهو الحديث هو واحد وهو الشيطان ، في مقابل أحسن الحديث الذي هو من عند الله ..
ولقد شرعت في كتابة هذا المقال بعد قراءتي لمقال الأستاذ وداد وطني .. وتعرض فيه لموضوع لهو الحديث وفيه أن الذين يحرمون الغناء يعتبرونه لهو الحديث ..
يقول الله سبحبحانه وتعالى: (الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (5) وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7) ..
في هذه الآيات الكريم من كتاب الله سبحانه وتعالى نستطيع أن نفهم منها ما هو لهو الحديث ..
( الم )هي وحدها آية تتكون من ثلاثة حروف وتتكون منها آيات الكتاب وهي تحتوي على الحكمة وهي هدى ورحمة (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ) آيات الكتاب تحتوي على الحكمة وهي هدى ورحمة لكن لمن ؟؟ الأجابة هي (هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ ) وبالطبع هي ليست هدى ورحمة لغير المحسنين .
.ومن هم المحسنين وصفاتهم؟؟ أول صفة (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ) .. ليست تأدية الصلاة ولكن المحافظة عليها ..
ثاني صفة(وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) ليس رياءاً للناس ولكن تقربا لله تعالى وحده ..
ثالث صفة(وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ) اليقين بالآخرة معناه الإيمان والعمل الصالح
أولئك المحسنون ماذا يتبعون ؟؟ هل يتبعون هدى الله ؟؟ أم يتبعون غيره ؟؟ الأجابة (أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ) ..
وهل هناك من سيفلح بخلاف من هم على هدى من ربهم ؟؟ الأجابة (وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ) وهنا قصر الفلاح على من هم على هدى من ربهم قصرً وحصراً ..
(وَمِنْ النَّاسِ ) صنف من الناس موجود في كل زمان ومكان ، ليس له لون محدد ولا أثنية محددة ولا دين محدد ولا قارة محددة ولا أقليم محدد ولا جنس محدد ..
( مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ) أي يدفع فيه من المال والجهد والمصير .. أي يضيع حياته من اجل لهو الحديث ..يقاتل من أجله ويقتل من أجله ..
وما هو الهدف من كل ما يفعله ؟؟ ( لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) حتى لو ادعى غير هذا ..
سيدعي ان ما عنده من لهو الحديث ، هو علم مصدره الله تعالى ورسوله بالإسناد والوحي .. لذلك فإن الله سبحانه وتعالى يقول له أن ما تقوله هذا هو(بِغَيْرِ عِلْمٍ ) ..
ولهو الحديث هذا يجعله يستهزئ بآيات الكتاب الحكيم (وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً ) ..
وما جزاء هؤلاء الصنف من الناس ؟؟ ( أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ )
وعندما يتلى عليه آيات الله (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا )..
فماذا يكون تصرف هذا الصنف من الناس عند سماعه لآيات القرآن ؟؟
الأجابة يعطي ظهره لآيات الله أستكباراً منه بما عنده من لهو الحديث واكتفاءاً به(وَلَّى مُسْتَكْبِراً)
ويخيل لمن يقرأ عليه آيات الله (كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا )
.. وكأن عنده مشكلة في أذنه (كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً )
هذا الصنف من الناس يبشره الله سبحانه وتعالى بالعذاب الأليم(فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) ..
ملاحظات على التدبر
1ـ هذا التدبر هو نوع من التدبر الأولي ، لأنه لم يستشهد بأي آيات قرآنية أخرى تقاطعت مع كلمتى (اللهو) و(الحديث ) من داخل القرآن الكريم ، بمعنى أن يتم بحث كلمة اللهو وكلمة الحديث من خلال الآيات الأخرى التي ذكرتهم ..
.. ونأخذ كلمة (الحديث ) مثالا "فلقد جاءت في عدة مواضع نذكر منها
يقول الله سبحانه وتعالى لمحمد عليه السلام واصفا القرآن بإنه حديث
) فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (6) الكهف
وفي سورة الزمر ذكر الله أن القرآن هو أحسن الحديث
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)الزمر ..
وفي سورة النجم
أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) النجم
وفي سورة الواقعة
) أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) الواقعة
وفي سورة القلم
فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (44)القلم
2ـ لم يتعرض هذا التدبر أيضا لمعنى ( لهو الحديث ) من خلال السياق القرآني (كالوحي الشيطاني مثلا ) ..
هاتان النقطتان هما بعض ما ينقص هذا التدبر لأول سبع آيات في سورة لقمان ومع ذلك ..
فإن التدبر الأولي كاف للهداية .. صالح لإستكمال باقي المراحل التي تبني عليه .. نجاح التدبر الأولي مرهون بعدم أصطدامه مع باقي آيات القرآن الكريم ..وهذه المزية لا تأتي إلا لمن قرأ القرآن الكريم قراءة تدبرية أكثر من مرة .من أول سورة الفاتحة لسورة الناس