وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّون
من المعبود على أرض الواقع؟

محمد صادق في الخميس ٠٩ - ديسمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

من المعبود على أرض الواقع؟

الجزء الأول

محتويات الجزء الأول:

* جعلوا للــــه سبحانه أندادا

* فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

* المهمة الأساسية للرسول محمد

&nn,times,serif"> منذ سنوات طويلة كان يقلقنى ما أراه منقوش على أعلى القبلة فى كل مسجد وعلى كل حائط أو فى بعض المطبوعات الدينية، أرى كتابة لفظ الجلالة (اللــه) على جهة ولفظ (محمد) على جهة أخرى محاذية للفظ الجلالة: (اللــه)    (محمد) يجعل الناظر أنهما فى منزلة واحدة.

وأقول واللـــه أعلم، أن حكم الكتابة فى قبلة المصلى كحكم عام هو الكراهة، وأما الحكم الخاص فى كتابة : أللـــه          محمد، فالحكم هنا هو نوع من أنواع الشرك. والذى يوحى أيضا بأن المعبود ليس اللــه وحده ...فلننظر إلى الصورة التالية ونرى ماذا قال الرسول فى ذلك: لقد قال الرسول عليه السلام لرجل قال له : ما شاء اللـــه وشئت" كان رد الرسول " أجعلتنى للـــه ندا بل ما شاء اللـــه وحده ". هذا هو قول الحق ولكن علماؤنا الكرام ومشايخنا المحترمين لا يأبهوا بهذا الكلام ويصرون على كتابة مثل هذا فى كل مخطوطاتهم وكل مسجد يبنى من جديد تجد هذه العبارة أول ما تشاهد .

                                     أللـــــــــــــه                               محــــــمد

يقول اللـــه سبحانه وتعالى فى محكم كتابه: "  وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ۗ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ " 2:165

وفى سورة إبراهيم جاء الإنذار من رب العالمين فيقول سبحانه: وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ ۗ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ " 14:30

* فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

بسم اللـــه الرحمن الرحيم

الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء

فتوى رقم 21801 بتاريخ  7/  1/ 1422

الحمد للــه وحده والصلاة والسلام على من لا نبى بعده..... وبعد

فقد إطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتى العام من المستفتى/ حمود عبد العزيز الصائغ والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (686) بتاريخ  9  /  11  /  1421 وقد سأل المستفتى سؤالا هذا نصه:

( غير خافِ عليكم حفظكم اللـــه ما يُكاد لهذا الدين ويحرص عليه لهدم العقيدة ونشر البدع فى أمة الإسلام من أعداء اللـــه وأعداء دينه وربما تساهل الناس فى أمر صغير ولكنه يكبر ويستفحل فيصعب علاجه حينئذ. كما كان فى قوم نوح وتصاويرهم،  وبين أيديكم مجموعة من النماذج التى تطورت حتى وصلت إلى ميزان له كفتان كفة فيها اللـــه جل جلاله وكفة فيها النبى صلى اللــه عليه وسلم ولا أدرى ماذا يكون بعد ذلك وقد كتب الأخوة فى لجنة متابعات منكرات العقيدة هذه المطلوبة الصغيرة أمل إطلاعكم عليها وتعليقكم لعلها تسهم بإذن اللــه تعالى بعلاج هذا المنكر سددكم اللــه ونفع بكم عباده ومتع بأعماركم على طاعته...آمين ).

وبعد دراسة اللجنة للإستفتاء أجابت بأنه لا يجوز كتابة إسم الجلالة (اللـــه) وكتابة (محمد) إسم الرسول محاذيا له فى ورقة أو فى لوحة أو على جدار لما يتضمنه هذا العمل من الغلو فى حق الرسول صلى اللــه عليه وسلم ومساواته باللـــه وهذا وسيلة من وسائل الشرك وقد فال عليه الصلاة والسلام: " لا تطرونى كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد اللـــه ورسوله " .

والواجب منع تعليق هذه اللوحات أو الورقات وطمس الكتابات التى على الجدران التى على هذا الشكل حماية للعقيدة وعملا بتوصية الرسول صلى اللــه عليه وسلم وباللــه التوفيق. وصلى اللـــه على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.....

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.                 توقيع: عبد العزيز بن عبداللــه بن محمد آل الشيخ

* المهمة الأساسية للرسول محمد   

القرءآن الكريم خطاب قبل أن يكون نصا، وفى كل خطاب هنا مخاطِبْ ومخاَطَبْ أو مستقبل. وإذا كان اللـــه سبحانه هو الذى يحتل مكانة الفاعل فى الخطاب القرءآنى فإن المستقبل أو المخاَطَبْ فهو حتما الرسول. فاللــه هو القائل دائما والرسول هو المأمور بالقول. وكلمة "قل" الموجهة من اللـــه إلى رسوله تكررت 332 مرة وفى إحدى عشرة آية يؤكد القائل ويعيد التأكيد بأنه ما على المأمور بالقول إلا البلاغ المبين. وهذه المهمة الرئيسية فى الإبلاغ الموكلة للرسول، تتدرج فى سياق تقليدى سابق يتمثل بنوح وهود ولوط وشعيب وجملة الرسل الذين يميزهم الخطاب القرءآنى بعض التمييز عن الأنبياء بقدر ما يحصر وظيفتهم فى الإبلاغ ، فيقول سبحانه: "  وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۚ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ " 16:35

إن اللــــه سبحانه فى القرءآن الكريم يميز بين النبى والرسول وبقدر ما يجعل نصاب النبوة وهى الطهارة والنقاوة والعفة ويجعل نصاب الرسول فى الرسالة فإنه يسمى محمد فى عشرات الآيات " رسول اللـــه" ولا يسميه فى آية واحدة " نبى اللـــه " وهذا التمييز قوى الدلالة فى تحديد العلاقة التشريعية بين اللـــه ورسوله.

فاللـــه هو الشارع والرسول هو المُشرَّع له، وهذا الحصر للرسول من وجهة النظر التشريعية نجدها فى عشرات من الآيات القرءآنية. ففى سورة آل عنران يقول اللـــه سبحانه وتعالى مخاطبا الرسول مباشرة "  لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ " 3:128 

إذا تتبعنا الآيات فى القرءآن الكريم نجد أن المخاطب والمتلقى فى الخطاب القرءآنى، الأمر فيه من طرف واحد، فالمشرع مطلق الحرية والمأمور مطلق العبودية، فالرسول هو عبد اللـــه. فليس له من الأمر شيئ، وفى كل مرة يبدى ترددا أو تلكؤا أو تخوفا فى أداء وظيفته فى " البلاغ المبين" ، وفى كل مرة يتهيأ له أن يحق له التصرف من تلقاء نفسه، يتحول الخطاب القرءآنى إلى تأنيب وتقريع بل فى بعض الأحيان تهديد ووعيد. ومع ذلك فإن الرسول فى هذا البعد عن شخصيته الذاتية والإنصياع المطلق للعبودية فكان هو الصادق الأمين ومصداقيته كرسول رهن بذلك لأنه "  وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ " فلم يؤت ما أوتيه سواه من الأنبياء من برهان المعجزة إلا القرءآن الكريم من حيث هو " كلام اللــه " أو بالتعبير القرءآنى " وحى من اللــه".

ولنتتبع الآيات القرءآنية التى تؤكد ما ذهبنا إليه من أن الرسول ليس مشرعا فضلا عن أنه معطل عن الإرادة الذاتية منهى عن المبادرة ومطالب بالخضوع والإستسلام لمشيئة اللـــه تعالى .

أولا: آيات تقصر وظيفة الرسول على تبليغ الرسالة وتؤنبه وتتوعده بقطع الوحى ومضاعفة عذابه فى الدنيا والآخرة إن هو كتم شيئا من القرءآن أو زاد فيه أوأنقص منه أو بدل أوتقول من عنده:

1- "  يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۖ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ " 5:67

2- "  أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ ۖ كَفَىٰ بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۖ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " 46:8

3- "  وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا " 17:86

4- "  وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ*  ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ " الحاقة 44-46

5- " وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ۖ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا *  وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا *  إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا " الإسراء 73-75

ففى هذه الآيات، تطالب الرسول بالتبليغ بلا قيد ولا شرط وبلا خوف من العواقب، فهذا أمر من اللـــه سبحانه، وألا يشعر فى نفسه حذرا من المشركين ولا جزعا من كثرة عددهم. وتنفى الإفتراء عن الرسول فى مصدر التلقى للقرءآن والذى قال المشركون أنه من عنده وليس من عند اللــه، فيقول له ربه قل يا محمد إن إفتريته أو تقولت على اللــه كذبا فلا تغنون عنى من اللــه إن عاقبنى ولا تقدرون أن تدفعوا عنى سوءا إن اصابنى به.

ثانيا: آيات تحذير للرسول من إستعجال الوحى أو مجرد التمنى:

1- " ......... وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا " 20:114

2- " وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ۚ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا " 18:23

3- " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " 22:52

فإن الآية الأولى تحتفظ بمدلولها كاملا من وجهة النظر التى نحن بصددها وذلك بقدر ما تدل على نهى إستباق الوحى وإصدار حكم من عنده لم يأذن به اللــه. وكما نهى الرسول عن إستباق الوحى سنراه يُنهى أيضا عن إستعجاله وهذا من مضمون الآية الثانية من سورة الكهف. وفى هذا السياق نزلت ما يسموه "الآية التأديبية"  ولا تقولن لشيئ إنى فاعل ذلك غدا، فإنه لا يجزم على ما يحدث من الأمور أنه كائن لا محالة، وعلمه سبحانه ما الذى ينبغى أن يُقال فى وعوده وأخبره عما يحدث من الأمور التى لم يأته من اللــه به وحيا فقال سبحانه " ولا تقولن " يا محمد " لشيئ إنى فاعل ذلك غدا"  كما قال لهؤلاء الذين سألوه عن أمر اصحاب الكهف.

ومن البديهى أن هذا اللوم الموجه إلى الرسول ، ليس من شأنه إلا أن يعزز مصداقيته فى إسناد نبوته إلى وحى إلهى. وأن نزول الوحى فى عتاب النبى وبخلاف ما أراده ليس من شأنه إلا حمل القوم على تقوية إيمانهم بأن القرءآن وحى من اللـــه سبحانه وليس من عنده.

ثالثا:أسئلة ينتظر فيها الرسول الإجابة:

1- " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ ..... " 2:189

2- " يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ ۖ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۗ ... " البقرة 215

3- " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ .....  " البقرة 217

4- " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا .... " 2:219ۗ

 5- " وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ " 2:219

 6- " وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ..... " 2:222

" يسألونك ...قل " هذه الصيغة تكررت فى القرءآن الكريم 332 مرة بما فيها يستفتونك، فتأتى الإجابة ب "قل" وفى سورة البقرة وحدها تكررت هذه العبارة 7 مرات. هذه الصيغة القرءآنية لا تدع مجالا للشك فى أن الرسول لم يكن مشرعا بل مأمور بالوحى القرءآنى، أو بألا يقول إلا أن يُقال له، ولا يجيب عن سؤال إلا أن يأتيه الوحى بالإجابة.

ومن الملاحظ أن الرسول كان منهيا عن إجابة ليس فى المسائل الغيبية مثل الروح وعلم الساعة فحسب، بل حتى عن المسائل الدنيوية مثل المحيض والصدقات والغنائم. فكان قول الرسول فى كل ذلك : " .. ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ..َ"6:50

رابعا: آيات تلوم الرسول على مواقف إتخذها أو مبادرات بادر بها بدون سند من الوحى:

الآيات العشر الأوائل من سورة " عبس "

وفى سياق لوم الرسول على إذنه للناس بشيئ لم يؤذن له به : " عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ( 9:43

هذا عتاب من اللــه سبحانه عاتب به نبيه فى إذنه لمن أذن له فى التخلف عنه حين شخص إلى تبوك لغزو الروم من المنافقين.

وفى سياق مماثل، نهى الرسول عن المبادرة إلى عمل عمَلِِ لم يؤمر به ولم ينزل فيه وحى فكانت الآية الناهية من سورة الأنعام: " وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ " 6:52

ومثال آخر على قرار بادر إتخاذه من دون مرجعية من الوحى فى سورة الأنفال 67: " مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " 6:67

آيات تعاتبه أشد العتاب على محاباته المنافقين من المشركين ومحاولته إرضاءهم بتقديم بعض التنازلات لهم مما لم يأذن به اللـــه : "  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا*  وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا " 33:1

وأيضا: " وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ " 6:116

ومن سورة القلم: " فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ * وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ *  وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ " القلم 8)

 ولقد رأينا ان العتاب بلغ أشده، ثم تحول إلى وعيد بمضاعفة عذاب النبى فى الدنيا والآخرة، فلنقرأ فى سورة الإسراء:

" وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ۖ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا * وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا *  إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا " الإسراء 75

وعلى نفس المنوال نزلت الآية 128 من سورة آل عمران تقول:

" لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ " 3:128

ليس لك من الأمر شيئ يا محمد وإنما أمرهم إلىَّ والقضاء فيهم بيدى دون غيرى أقضى فيهم وأحكم بما أشاء. فإن الاية هى بمثابة إعلان صريح بان الرسول ليس لديه الحكم بشيئ فى عباد اللــه سواءا فى الدنيا أو الآخرة، اللــهم إذا حكم لا من تلقاء نفسه بل متقيدا بما ينزل من الوحى فليس الرسول منهيا فقط عن إتباع أهواء الناس، بل هو منهى أيضا عن إتباع هوى نفسه.: " .... وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ " 13:37

وبهذا اللوم يمكن أن نفهم بوضوح الآيات التى ذكر فيها الإستغفار إنما هى تقريع للرسول على إتباعه هوى نفسه عندما طلب من اللــه سبحانه الإستغفار للمنافقين والمشركين من ذوى قرابته ومعارفه:

1- " اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " 9:80 

2- " مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ"  التوبة 113

3- " وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ " 9:84

ورواية أخيرة، أن آية الإستغفار نزلت فى أبى طالب عم النبى حيث قال له: أى عم قل معى: لا إله إلا اللــه أحاجُ لك بها عند اللــه، فقال ابو جهل ...... فقال النبى: لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنه، فنزلت " مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ "  9:113

وعلى نفس النمط فى العتاب والنهى نجد هناك آيات تشير إلى عدم فاعلية النبوة فى كل ما يتعلق بمسائل الهدى والضلال او النجاة والهلاك وتقصر وظيفته الرسولية على البلاغ وحده. فنجد أن الآيات التى تحد من وظيفته كرسول تأتى ليس فقط فى مضمون ودلالات الآيات ولكن فى بنيتها اللغوية التى تجول بين فعل الأمر "قل" ، "إتبع"، "لا" الناهية، "ما" أو "ليس" النافية:

" قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ " 6:50

" قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " 17:188

" قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ " 46:9

" وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ ...... " 17:36

" لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ " 2:272

أكتفى بهذا القدر فى الجزء الأول ولنا لقاء مع الجزء الثانى، فلنا لقاء قريبا إنشاء اللـــه فترقبوا وتدبروا .....

أختم الجزء الأول بهذه الايات الكريمات:

"  الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ۙ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ *  ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ " سورة محمد                             

اجمالي القراءات 18137