يقوم مركز ابن خلدون بمُراقبة الانتخابات المصرية منذ عام ١٩٩٥. وفى هذه الأخيرة التى جرت يوم الأحد ٢٨ نوفمبر، يقول تقرير المركز إنها الأدنى إقبالاً من المواطنين، والأشرس عُنفاً، والأكثر تزويراً.
تمت مُراقبة ابن خلدون فى عينة من ٧٧ دائرة انتخابية، مُمثلة كل مُحافظات جمهورية مصر العربية ـ من سيناء شرقاً، إلى مرسى مطروح غرباً، ومن الإسكندرية شمالاً إلى أسوان جنوباً. وتمت هذه المُراقبÉrave;ة بواسطة ٦٥٠٠ مُراقب، تم تدريبهم على أصول وفنون المُراقبة، خلال الشهور الستة السابقة لتلك الانتخابات. وقد سبق لنصف هؤلاء (حوالى ٣٧٠٠) أن راقبوا مثل هذه الانتخابات من قبل، وكان آخرها انتخابات الشورى، فى الصيف الماضى.
ورغم أن مركز ابن خلدون هو الأقدم مُمارسة لهذا النشاط فى مصر والوطن العربى، فإنه لم يعد هو وحده الذى يُراقب الانتخابات المصرية، فقد فعل ذلك إلى جانبه هذا العام ثمانى مجموعات مصرية شقيقة. وقد تم التنسيق بينها، بحيث تغطى جميع أرجاء الديار المصرية. هذا فضلاً عن مجموعة من المُراقبين الأجانب، الذين لم تسمح لهم السُلطات المصرية بالمُراقبة رسمياً، وتمت استضافتهم وإعطاؤهم بطاقات هوية مؤقتة، ونفس الزى الرسمى لمُراقبى ابن خلدون.
ومن الواضح أن السُلطات الرسمية كانت تُبيّت النيّة على التزوير الواسع النطاق. لذلك فهى لم ترفض فقط التصريح للمُراقبين الأجانب، بل أصرّت أيضاً على ألا يُسمح بدخول مُراقبين مصريين، إلا إذا كانوا يحملون تصاريح رسمية من البدعة الجديدة المُسماة «المجلس القومى لحقوق الإنسان». وهو كيان حكومى، يُعين أعضاءه، رئيس الجمهورية، بناء على توصية الجهات الأمنية. ولذلك لم يتعطّف هذا الكيان المُشوه (المجلس القومى لحقوق الإنسان) بمنح التصريحات إلا لحفنة من الجمعيات التى تدور فى فلكه الحكومى، والتى أصبح يُطلق عليها تندراً «المنظمات الحكومية غير الحكومية» (Governmental Nongovernmental organizations).
ولكن هذا لم يمنع مركز ابن خلدون من العثور على بدائل، منها الحصول على توكيلات من المُرشحين المُستقلين (أى من غير الحزب الوطنى)، بأن يكون مُراقبو ابن خلدون هم وكلاء هؤلاء المُرشحين داخل لجان ومراكز الاقتراع، وهو حق قانونى لكل مُرشح. وخلاصة الأمر أن مُراقبى ابن خلدون ومن انضموا إليهم من خارج البلاد، تمكنوا من المُراقبة المُباشرة فى أكثر من تسعين فى المائة من اللجان، التى كانت ضمن العيّنة المقصودة إحصائياً.
فماذا خلُص إليه هؤلاء المُراقبون من مركز ابن خلدون ومن انضموا إليهم من الخارج:
أولاً: انخفاض نسبة المُشاركة إلى أدنى مُستوياتها، من أول انتخابات فى مصر الحديثة، أى عام ١٩٢٤ ـ حيث لم تتعد النسبة هذا العام عشرة فى المائة (١٠%)، وهى نصف النسبة التى شاركت فى انتخابات ٢٠٠٥. وقد صادقت على هذه المُلاحظة كل المُنظمات الحقوقية المصرية الشقيقة ـ مثل المُنظمة المصرية لحقوق الإنسان، ومعهد القاهرة لحقوق الإنسان.
ثانياً: التزوير الفاضح والصريح، وذلك بتسويد الآلاف من بطاقات الاقتراع لصالح مُرشحى الحزب الوطنى، وحشوها فى الصناديق مُسبقاً، أى حتى قبل فتح أبواب اللجان للناخبين، أو القيام بذلك، حيثما تغيّب مندوبو المُرشحين المُعارضين أو المُستقلين. وهذا ما يُفسر الأرقام الفلكية المُعلنة لأصوات حصل عليها بعضهم فى لجان لم يدخلها سوى مئات، إن لم يكن عشرات الناخبين.
والخلاصة هى أن انتخابات مجلس الشعب لعام ٢٠١٠، هى مسرحية هزلية. وهى فى ذلك مثلها مثل كل الانتخابات السابقة فى عهد الرئيس محمد حسنى مُبارك ـ اللهم باستثناء واحدة، وهى انتخابات ١٩٨٦، تحت إشراف وزير داخلية محترم هو السيد/ ممدوح سالم. ولكن انتخابات ٢٠١٠ هى الأكثر هزلية على الإطلاق.
ولا يمكن أن يستمر هذا المُسلسل الهزلى الذى يجعل من مصر والمصريين أضحوكة للعالمين ـ لذلك كان حرص أبناء مصر فى الخارج أن يُدلوا بدلوهم من أجل إنقاذ مصر، والخروج بها من ذلك المُستنقع الذى يُصرّ المُستبدون على إبقائها غارقة فيه، ما داموا هم وحدهم يحتكرون السُلطة ويستمتعون بالثروة، ويسبحون أو يطيرون بها إلى عوالمهم الخاصة!
وضمن ذلك، وهو ما أشرنا إليه فى مقالات سابقة، مُبادرة الإصلاح التى تبنتها المنظمات المصرية المُستقلة فى أمريكا الشمالية، وغرب أوروبا، وأستراليا. وصبت تلك المُبادرة فى جهود الجمعية المصرية للتغيير فى السنة التالية، التى تزامنت مع عودة الدكتور محمد البرادعى من فيينا إلى الوطن، فى أواخر عام ٢٠٠٩.
أما آخر مُبادرات المصريين فى الخارج فهى تأسيس إعلام مُستقل، يكون صوتاً، ورديفاً، لحركة التغيير فى الداخل. وقد تجاوب مع هذه المُبادرة عدد كبير ممن قرأوا عنها فى مقالنا، الأسبوع الماضى (السبت ٢٧/١١/٢٠١٠). ومنهم د. محمد صالح المُقيم بالخليج، والدكتور محمود صالح المصرى العائد من ألمانيا، وشريف المصرى، ومحمد يوسف، والسيدة هناء، التى طوّرت المُبادرة باقتراح خطة، ثم بترشيح عدد من الشخصيات العامة لكى يكونوا فى مجلس أمنائها ـ منهم د. يحيى الرخاوى، ود. محمد سليم العوا، ود. مجدى يعقوب، ود. أحمد زويل.
كذلك احتفى بالمُبادرة الفنان محمد أبوسيف، قارئ مصرى مُثابر يعيش فى كندا. ولكنه يقترح تطويرها إلى حركة تغيير ثورية، تبدأ باكتتاب شعبى على نطاق واسع. وقد سألت أصحاب المُبادرة عن الخطوة التالية، فاقترحوا لمن يُريد أن يكتتب:
١ـ أن يطّلعوا على الموقع التجريبى لها وهو «المصرية Elmasriyya».
٢ـ أن يُرسلوا أسماءهم، وحجم ما يُريدون الاكتتاب به، دون إرسال شيكات أو تحويلات إلى أن يتم فتح حسابات مُعتمدة قانونياً فى بنوك فى الداخل والخارج.
أما بعض من تخوفوا من تعنت السُلطات فى مصر، ورفضها المتوقع لمنح أى ترخيصات، فتخوفهم مشروع بل إنه تحديداً هو سبب القيام بهذه المُبادرة من مصريين خارج الوطن الحبيب. وهو أمر يأخذونه فى الحسبان.
ولا يسعنى فى ختام هذا المقال إلا تحية المُبادرين على مُبادرتهم، وتحية القرّاء الكرام على استجاباتهم. وليتذكروا جميعاً ما قاله أبو القاسم الشابى: إذا الشعب يوماً أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر- ولا بد لليل أن ينجلى.. ولابد للقيد أن ينكسر.
فإلى فجر جديد، رغم الظلام الحالك الذى وضعنا فيه الحزب الوطنى المُتحكم.
وعلى الله قصد السبيل