مفهوم الصلاة على النبي

سامر إسلامبولي في الإثنين ٢٩ - نوفمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

                                    مفهوم الصلاة على النبي

     انتشر مفهوم الصلاة على النبي في تاريخ الأمة الإسلامية انتشار النار في الهشيم على أساس أنه عبارة عن جملة لفظية نكررها دون وعي أو فهم، بل تم تأليف القصائد فيها وإحياء الليالي في الإنشاد والمدح، وأصاب معظم الأمة على مختلف أطيافها لوثة الصلاة على النبي، ويلفظها الصغير والكبير، والعاقل والمعتوه، والعالم والمتعلم، بل وصارت و&Ntrc; ورداً  يُذكر صباحاً ومساءً بمئات المرات، حتى غير المسلمين أصيبوا بها كعدوى ثقافية، فما إن تبدأ بحديث إلاّ وتسمع الآخر يطلب منك الصلاة على النبي.

    لقد أتى الأمر بالصلاة على النبي في القرءان بقوله :{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56

نلاحظ في النص إن الله يصلي على النبي وكذلك الملائكة، وطلبت الصلاة عليه من المؤمنين، فماذا فعل المؤمنون الأذكياء؟  قاموا بتحويل الأمر إلى الله وطلبوا منه أن يصلي هو على النبي رغم أنه أخبرهم أنه يُصلي عليه! ومع ذلك يصر المؤمنون على أن يُصلي الله عليه ويُسلم هو لأوامر النبي، والمدقق في النص لا يجد أن الله يطلب منهم أن يقولوا: اللهم صلّي عليه، وإنما يطلب منهم أن يصلوا هم أنفسهم عليه، ويسلموا لأوامره، فماذا فعل المؤمنون الأذكياء ؟

   بعد أن حوَّلوا أمر الصلاة إلى الله، ورفضوا أمره، جعلوا الصلاة على النبي غناء وثرثرة وسهروا الليالي وهم يتمايلون سخرية، تعالوا ننظر إلى آيات أتت بالصيغة ذاتها أي : بـ (يا أيها الذين آمنوا):

1- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم }البقرة254

هل الأمر هو أن نقول: أنفقنا مما رزقتنا ، ونكررها مرات ومرات ونجعلها وِرداً في الصباح والمساء!

2-{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }آل عمران200

هل الأمر أن نقول: صبرنا وصابرنا وربطنا واتقينا الله، ونكررها مرات كثيرة ونجعلها ورداً يُذكر صباحاً ومساء!

3-{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ }الأنفال20

هل الأمر أن نقول: أطعنا الله ورسوله، ونكررها غناء وإنشاداً، ونجعلها ورداً يُذكر في الصباح والمساء!

انظروا الآن إلى صيغة الأمر بالصلاة على النبي برؤية واعية عاقلة وعظِّموا أمر الله.

-{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56

هل المطلوب هو القول لفظاً : اللهم صلِّ على النبي وسلم له تسليماً؟

مَن وراء تحريف هذا المفهوم؟ ولمصلحة مَن؟

تعالوا لنعرف مفهوم الصلاة أولاً في اللسان العربي والقرءان.

   كلمة الصلاة أصلها ثنائي وهي كلمة صل؛ التي تدل على الحركة المحددة المنتهية بلزوم وبطء، وظهرت بصورة العلاقة والالتزام.

 ومن ذلك قولنا: صلة الرحم، التي تدل على فعل القيام بشؤونهم ومساعدتهم والاطمئنان عليهم سواء عن قرب أم من بُعد- وللأسف تفرغ مفهومها إلى الزيارة فقط وشرب فنجان من القهوة-. ومن هذا المفهوم أتت كلمة الصلاة التي تدل على الصلة بالله سواء بطاعته أو بذكره ودعائه، ومن هذا الوجه فسر فقهاء اللغة الصلاة بالدعاء من باب تفسير الشيء بمآله، وشاع هذا التفسير حتى حل محل المفهوم اللساني لكلمة الصلاة واختفى المفهوم اللساني وترتب على ذلك ضياع كثير من المفاهيم الهامة.

    تعالوا لنرى استخدام القرءان لكلمة الصلاة.

    1- الصلاة بمعنى الالتزام بالدعاء

{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }التوبة103

    2- الصلاة بمعنى الالتزام بالتأييد والنصر والتوفيق

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ }الأحزاب56

    3- الصلاة بمعنى الالتزام بأوامر الله والعلاقة به واتباع شرعه

{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ  *قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ *وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ *وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ *وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ}المدثر 42- 46

    يُسيء كثير من المسلمين فهم الصلاة في هذا النص، وذلك عندما جعلوها الصلاة الشعائرية التعبدية، وأسقطوا ذلك على المسلمين وأدخلوهم سقر، مع أنهم لو قرؤوا النص كاملاً لوجدوا أن الكلام على الذي يُكذِّب بيوم الدّين، وهذا الإنسان الكذّاب لا يؤدي الصلاة التعبدية أصلاً، ولا يسأل عنها؛ لأنه ليس بعد الكفر والتكذيب بيوم الدين ذنب، فنفي الصلاة في النص يقصد بها نفي صلة الإنسان بالدين إيماناً وطاعة والتزاماً، بمعنى أنه قاطع صلته بالله.

 ولا علاقة للمسلم المقصر بأداء الصلاة التعبدية أو الذي تركها كلها كسلاً ، فهو مازال من المصلّين ويعمل الخير ويحب الله ورسوله.

   وكذلك النص التالي أساء فهمه معظم المسلمين، وغالباً يشهرون جملة منه في وجه المسلم المقصر بالصلاة التعبدية وهي {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ}ولم يعلموا أنهم وقعوا بتعضية النص القرءاني ووصلوا إلى مفاهيم باطلة وضالة بسبب عملهم هذا، وكان ينبغي عليهم قراءة النص كاملاً في سياقه وفهمه كله كمنظومة واحدة، والنص كاملاً هو:

{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ *فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ *وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ *فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ *الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ *وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ }الماعون1-7

انظروا كيف بدأ النص بصفة التكذيب بالدين التي تدل على إنكار أوامر الله ورفض شرعه، فهذا الإنسان الكذاب يتابع النص صفاته، يدفع اليتيم ويؤذيه، ولا يُطعم المسكين، بل لا يشجع على إطعامه، فويل لهذا الإنسان الذي يُكذّب بالدين ولا يعمل الخير و لا يشجع عليه، وهو عن صلته بالله ساهٍ غافل، وإذا عمل خيراً فهو للمراءاة وليس من أجل الخير أو الطاعة لله، ويمشي بين الناس يمنع التعاون ونشر المعونة بينهم ، هل هذا إنسان مسلم ؟ هل هذا إنسان مُصلٍٍّ؟ هذا هو محل الخطاب الإلهي {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ}ويل لمن أدرك صلته بالله ثم قطعها كفراً وتكذيباً ومنعاً للخير بين الناس، ويدعو إلى الفساد والمعصية والرذيلة.

   4- الصلاة بمعنى الالتزام بالشيء لصقاً واتصالاً ، ومنه قولنا: صلى اللحم بالنار، إذا تم وضعه على النار دون فاصل بينهما لشوائه.

{فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ *وَتَصْلِيَةُجَحِيمٍ } الواقعة 94

{خُذُوهُ فَغُلُّوهُ *ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ } الحاقة 31

  5- الصلاة بمعنى القيام بالتزام فعل محدد من قيام وركوع وسجود يتخلله ذكر وخشوع لله ضمن وقت معين مستقبلين بوجوهنا المسجد الحرام .

{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ }الحج26

 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ ...}المائدة6

     إذاً؛ لا يقصد بكلمة الصلاة كلما وردت في القرءان الصلاة التعبدية الشعائرية، ولابد من قراءة النص كاملاً حتى نعرف المقصد من دلالة كلمة الصلاة مع الحفاظ على مفهومها اللساني الذي هو الصلة (علاقة والتزام) .

وبعد هذا العرض نصل إلى معرفة أمر الله بالصلاة على النبي {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}

فهي قطعاً ليست الصلاة التعبدية، وكذلك ليست مجرد أقوال وألفاظ، إنها أمر بقيام فعل الصلاة عليه، مثل أي أمر إلهي يبدأ بـ(يا أيها الذين آمنوا) ، فماذا يريد الله منا أن نفعل؟

    يريد الله من المؤمنين أن يُصلّوا على النبي بمعنى الصلة به، أي العلاقة والالتزام بما نزل عليه من شرع ؛ أن ينصروه ويحموه ويدافعوا عنه وعن دعوته ويسلموا لأوامر الله تسليماً، ويتكتلوا معه لنصرة الدين والحق، وهذا الأمر الإلهي مستمر بعد وفاة النبي بانتقال فعل الصلاة للرسالة الإسلامية التي نزلت على النبي محمد المحتواة في القرءان الكريم، ومن بعده لمن يحمل هذه الرسالة من العلماء والقادة الراشدين، يجب أن نصلي عليهم، بمعنى التكتل حولهم ومعهم لنصرة الدين والحق ونشر الوعي بين الناس وحضهم على فعل الخير والمعونة والصلاة على بعضهم بعضاً.

    هل عرفتم مَن حرّف مفهوم الصلاة على النبي ، ولمصلحة مَن؟

اجمالي القراءات 59256