في المناطق الرعوية ذات المروج الخضراء تنتشر قطعان من الماشية وكل قطيع من هذه القطعان مسؤول عنه راعي قد تكون ملكة أو يكون هذا الراعي بعمل لدى احد الملاك الكبار أو الصغار .
بعض المحترفين في مهنة الرعي يستطيعون إيجاد لغة تفاهم مع هذه القطعان مثلا في الصباح يشدو بأغنية بلحن معين حين يسمعها القطيع يخرج من الحظيرة إلى المرعى ويعد ساعات يشدو بأغنية أخرى بلحن آخر معناها الحضور لشرب الماء وأغنية أخرى بلحن خاص في المساء تعني العودة للحظيرة وهكذا وقد يوجد أصوات أخرى تعني سلوك معين يقوم به القطيع حسب توجيهات المالك .
هذه للأسف الشديد هي العلاقة بين الشعوب العربية (القطيع) إلى من رحم الله منهم والإعلام ورجال الدين (الرعاة) والحكام ورجال السياسة (الملاك) بضم الميم وشد اللام
وكما أن الراعي يوجه القطيع بالحان مختلفة فأن الإعلام ورجال الدين يوجهون القطيع بأوامر عليا من الحكام باستخدام الشعارات الدينية تارة والشعارات الوطنية تارة أخرى,
نرجع للقطيع الذي يسيطر علية الراعي بأغاني مختلفة لأعمال مختلفة المهم يلتزم الراعي باللحن ولا يهم الكلمات ويمكن يغير الكلمات كل يوم لان القطيع لا يفهم الكلمات وإنما بفهم الصوت والنعيق أو اللحن .
ومعظم الشعوب العربية تسير بالشعارات الدينية أو الوطنية مثال طالما أن ما يحدث في العراق جهاد إذا هو شرعي والذين يقومون به مجاهدين وقتلاهم شهداء وكما لم تستوعب الماشية إلا اللحن دون الكلمات فإن هذه الجماهير العربية المسكينة استوعبت فرضية الجهاد وفضلة دون محاولة فهم ما يجري فعلا هل هو جهاد أم إجرام وإفساد في الأرض .؟؟ ودائما يخلف هذا الجهاد المزعوم ضحايا من الأطفال والشيوخ والفقراء المطحونين ولا يختلف كل البشر الأسوياء على إنكار القتل وخصوصا عندما يكون الضحايا من الأبرياء الذين ليس لهم ناقة أو جمل في الواقع السياسي ..
حاولت أن أثير هذا الموضوع مع بعض المتعاطفين مع جهاد العصر ومع القاعدة وادعوه لمشاهدة التلفزيون وماذا خلفت تلك العملية فيرد على أن شاهد الضحايا على التلفزيون واسأله مستنكرا ولازلت تصر على أن هذا جهاد قال نعم ويقول أن الانتحاري الذي قام بذلك الجرم هو شهيد وأخيرا توقفت عن حواره بعد أن تذكرت الآية القرآنية الكريمة التي تتحدث عن هذه النوعية من البشر والموجودين في كل مكان وزمان ولكنهم بشكل كبير جدا في هذا الزمن قال تعالى(وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) 171البقرة
وهنا بدأت أقارن بين سياسة القطيع وسياسة الدول العربية فهمت لماذا حرمت المواد التعليمية التي تنشط العقل كالفلسفة وعلوم المنطق في بعض دول العالم العربي ووجودها بالاسم فقط في دول عربية أخرى وبمحتوى فارغ لا يعمل على إيجاد تعديل في السلوك الفكري لدى التلميذ العربي وبالتالي إيجاد عقول يمكن السيطرة عليها توجيهها بمفهوم سياسة القطيع حسب مصلحة الحكام أو المنتفعين من بقاء الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر أن يلبس حزاما ناسفا ويفجر نفسه حسب تعليمات خلفاء الزرقاوي .
في قناة الجزيرة كنت أتابع برنامج الاتجاه المعاكس وكان موضوع الحلقة عن مشروع الشرق الأوسط الجديد والدعوة الأمريكية لدمقرطة المنطقة وهل هو مشروع امبريالي لإعادة استعمار المنطقة أم هو مشروع يصب في مصلحة الجماهير العربية ودخولها لعصر الحريات والديمقراطية وصدمت عندما صوت 99% من الشعب العربي المطحون ضد دمقرطة المنطقة وبالتالي ضد نيل حريته وضد وضوح مستقبل أطفاله وعموما كان يفترض أن تكون هذه النسبة المرتفعة جدا مع المشروع وليس ضده لان الشعب العربي يعيش في القاع ولا يوجد لديه ما يخسره فلو تحقق هذا المشروع واوجد ديمقراطية جديدة فهذا خير وبركة وان لم يتم فلن تخسر شيئا لأنك لا تملك ما خسره أصلا
في الانتخابات الرئاسية المصرية تصورت أن الشعب المصري لن يضيع هذه الفرصة التاريخية للتخلص من حكم مبارك الجاثم على صدورهم من 25 عاما أو يزيد وبشكل سلمي وبدون قطرة دم واحدة وبدون احتلال كما حدث في العراق وبنفس سيناريو تصويت الجزيرة اختار المصريون مبارك وبدون مبرر منطقي وبالتالي ضياع فرصة قد لا تتكرر في المستقبل القريب .
في الخمسينات والستينات أضاعونا الحكام وفي أوائل القرن الواحد والعشرين أضاعت الشعوب العربية نفسها بتوجيه من السلطة وإعلامها الذي يعج بدعاة التخلف وكل ما يتعارض مع الإسلام ومع العقل البشري تحت شعارات فارغة مثل الصمود ورفض كل ما هو أمريكي حتى لو كان يصب في مصلحة الشعوب لا الأنظمة أو شعارات دينية كالجهاد والولاء والبراء ونصرة النبي محمد عليه الصلاة و السلام على الرغم من أن ما يمارس تحت هذه الشعارات واضحا كالشمس بأنه مخالف ليس للإسلام فقط بل لكل قيمة بشرية جميلة وسجل يا تاريخ بأننا نستحق لعنات أجيالنا القادمة
عبدالله أمين
Q1409@hotmail.com