نشرت الجزيرة يوم الأربعاء السابع من ديسمبر 2005 خبرين من مصر واسرائيل . نحللهما لنتعرف على بعض ملامح الحضيض الذى وصلنا اليه.
الخبر الأول نقلته الجزيرة بالصوت والصورة عن جولة الاعادة فى المرحلة الأخيرة لانتخابات مجلس الشعب المصرية وقد قام البوليس المصرى بضرب الجماهير المصرية بالرصاص والقنابل لأنها توجهت للادلاء بصوتها وممارسة حقها الانتخابى الذى يمليه القانون. مجلة المصريون الاليكترونية قالت : " بلغ عدد القتلى برصاص الشرطة في المراحل الثلاث للانتخابات 14 قتيلا فضلا عن فقد 12 مواطنا لإبصارهم من جراء الرصاص المطاطي وإصابة أكثر من ألفي شخص... إلى ذلك كشفت مصادر أمنية لـ "المصريون" عن استخدام قوات الأمن المركزي أنواع جديدة من الذخائر هي نفسها التي تستخدمها إسرائيل ضد الانتفاضة الفلسطينية ، خاصة قنابل الغاز التي تبقى أثارها السامة في الدم لفترات طويلة مسببة أذى شديدا للجهاز التنفسي وتسمم في الدم يؤدي للوفاة في بعض الحالات.وأكدت المصادر على خطورة الطلقات المطاطية التي أطلقت بكثافة على المواطنين فتلك الطلقات هي نوع من أنواع الذخائر الحية التي تسبب الوفاة ولها قدرة على اختراق جسم الإنسان وإحداث إصابات بالغة .وقالت المصادر إن قوات الأمن المركزي أطلقت في مراحل الانتخابات الثلاث أكثر من 5 آلاف طلقة رش وقنبلة مسيلة للدموع وما يسمى بالطلقات المطاطية وفقا لما تم تبليغه لوزارة الداخلية من قيادة قوات الأمن المركزي لتعويض رصيد الذخائر لقوات الأمن المركزي". انتهى .. ".http://www.almesryoon.com
وموجز الخبر الثانى فى الجزيرة ان اسرائيل فى معرض الرد على عملية نتانيا ـ التى قتل فيه الفلسطينيون عشوائيا بعض المدنيين ـ قامت بتوجيه صاروخ من طائرة على سيارة بعض لجان المقاومة الفلسطينية فقتلته وتسبب تدمير السيارة فى جرح بعض الصبية.
التعليق:
1 ـ الخبر الأول أتى فى سياق السبق الانتخابى للاخوان المسلمون الذى احرج مبارك فألجأه لاطلاق النار على المصريين الناخبين .كان مبارك يحث المصريين على الخروج من سلبيتهم المعهودة ليشاركوا فى الانتخابات. كانوا غيرمتحمسين للذهاب للانتخاب لاقتناعهم بأنها خديعة لا تستحق عبء المشاركة فيها . كان الحضور القليل يشجع الحكومة على التلاعب بالانتخابات لينفرد الحزب الوطنى بالأغلبية المقررة سلفا. كان مبارك يغطى هذه اللعبة بحث المصريين على الذهاب الى الانتخابات كنوع من ابراء الذمة وهو يعلم أن أحدا لن يذهب طالما تصر الحكومة على انجاح نفسها بنفسها .
تغير هذا مؤخرا بفضل النضال الذى قاده مركز ابن خلدون برعاية الدكتور سعد الدين ابراهيم والناشط الكاتب الشاب شريف منصور ـ وهو ابنى رقم 2 ـ ومعهما بعض الجمعيات الأهلية. بهذا النضال اضطرت الحكومة المصرية للموافقة على مراقبة الانتخابات. وبدأ هذا فعلا فى انتخابات الرئاسة نفسها فاقتنع المصريون بجدوى الذهاب للتصويت فى انتخابات مجلس الشعب، فقد تشجعوا بعد ما شاهدوا جسارة الأبطال المصريين يمارسون حقهم فى الرقابة على انتخابات الرئاسة نفسها برغم ارهاب مباحث امن الدولة والبوليس المصرى. كان قائد مراقبة الانتخابات شريف منصور هو المنسق العام للجنة مراقبة الانتخابات التى تكونت من عدة منظمات أهلية فى مقدمتها مركز ابن خلدون. قام شريف منصور طيلة شهور مضت ـ وقبل انتخابات الرئاسة ـ بتدريب الآف المراقبين ووزعهم على كل الدوائر الانتخابية فى مصر ، وجعل غرفة عملياته فى مركز ابن خلدون تتابع كل صغيرة وكبيرة مما يحدث، ويصدر بها تقارير باللغتين العربية والانجليزية . فعل ذلك فى انتخابات الرئاسة ، ثم فى انتخابات مجلس الشعب.
جاء هذا التطوراتطورالخطير فى صالح الاخوان المسلمين ـ وهم عبقرية مصرية فى الدهاء والتقية والمكر والتلاعب السياسى بالدين والتلاعب الدينى بالسياسة.ـ استفادوا منه كما استفادوا من قبل من سياسة مبارك نحوهم. قام مبارك بتربية الوحش الوهابى والاخوانى ليخيف به الغرب فى الخارج والمعارضة المدنية فى الداخل فجاء الآن دور الوحش ليلتهم مبارك بالديمقراطية أولا ثم بالأصولية والسيفين المتقاطعين ثانيا.
قام مبارك بربط ثقافتهم الوهابية بالاسلام بنشرها عبر المساجد والأزهر والتعليم والاعلام بينما حاصر الأحزاب فى مقراتها تكلم نفسها. استفاد الاخوان المسلمون أكثر من اضطهاده لهم بالاعتقال والملاحقة الأمنية فقدمهم للمجتمع على انهم ضحايا . ملاحقتهم أمنيا أعفتهم من كشف أوراقهم للشعب كحزب معروف بالضبط قياداته وأعضاؤه وموارده المالية وعلاقاته الداخلية والخارجية، اذلا يمكن فى ظل الملاحقة ألأمنية مطالبة الأخوان بقوائم محددة لأعدادهم وأسمائهم و كشوف حساباتهم المالية . بهذا قدم مبارك الاخوان المسلمين للناخبين فى الصورة التى يريدها الاخوان بالضبط فأصبحوا البديل الفعلى للنظام ، يختاره معظم الناس فى أى انتخابات حرة اما رغبة فيه أو كراهية فى النظام القائم.
بنى مبارك حساباته بالفوز معتمدا على رفضه لأى رقابة داخلية أو خارجية على الانتخابات وصموده ضد الضغط الدولى ، ولكن كان صمود الدعاة لمراقبة الانتخابات أقوى ، ومساندة المجتمع الدولى لهم أكبر من ان يتحداها مبارك ، فاضطر لقبول المراقبة المحلية وفى صحبتها جاءت أجهزة الاعلام العالمية والمراقبة الدولية للانتخابات. وجود المراقبة على الانتخابات شجعت الشعب على الحضور فوضعت مبارك فى مأزق اضطر معه لاستعمال السلاح لطرد الناخبين فى الدوائر التى لخصومه فيها نفوذ وحضور. استعمال السلاح ضد الناخبين كان فضيحة عالمية أثبتت وصول النظام للحضيض أمام أعين العالم.
فهم الآخوان مبكرا ان مبارك لا بد أن ينصاع فى النهاية للضغط الدولى ويقبل الرقابة على الانتخابات فركزوا على استثمار المتاح لتحقيق أكبر نجاح ممكن فى انتخابات مجلس الشعب. تحركوا فى الشارع المصرى يرتبون لها قبل وقتها بأشهر، فاختاروا الدوائر المناسبة لهم واختاروا مرشحين رئيسيين واحتياطيين. وفى الانتخابات ظهر المارد الاخوانى فجأة يهز عرش مبارك المتداعى فكان بين خيارين أحلاهما مر علقم : أن لا يتدخل فى الانتخابات وحينئذ يفوز الاخوان بالأغلبية ، واما أن يتدخل بجنده لضرب الشعب ـ الذى يمارس حقه الانتخابى ـ أمام أعين العالم .
تبقى الصورالتى نقلتها الجزيرة لبطولات الشرطة المصرية وهى تضرب المصريين العزل بالرصاص. هى صورة حية لا تختلف من حيث الشكل عن الفلسطينيين ومعاركهم فى الانتفاضة ضد الجيش الاسرائيلى ، نفس الجماهير بالطوب ونفس منظر الجنود بأسلحتهم ومدرعاتهم . الفارق المؤلم هو أن الاسرائيليين أعداء للفلسطينيين يتقاتلون على أرض ووطن ، ومع ذلك فان الطرف الأقوى وهو اسرائيل أكثر رحمة بالفلسطينيين فلا تطلق النار عشوائيا ، بل تتحسب حتى تحصر الخسائر فى أضيق عدد ممكن. أما نظام مبارك ـ الذى ظل ربع قرن يحث المصريين على التوجه الى صندوق الانتخابات ـ فهو نفسه الذى يطلق عليهم الرصاص من جنده المدرعين ومن قناصته فوق الأسطح .!!
ان المستبد هو العدو الحقيقى لشعبه ووطنه وأمته. وطبقا لهذا العداء تعامل حسنى مبارك مع المصريين بالرصاص ناسيا أنه المسئول عن حمايتهم وخدمتهم. هذا أيضا يؤكد أن اسرائيل أكثر رفقا باعدائها العرب من الحكام العرب ، وهذا يدخل بنا على تحليل الخبر الثانى.
2 ـ الاقتتال مستمر بين الجيش الاسرائيلى ـ وهو أكفأ جيش فى الشرق الأوسط ـ وبين المنظمات الفلسطينية ما ظهر منها وما بطن. يحاول الفلسطينيون الوصول بالانتحاريين الى أى تجمع بشرى من الاسرائيليين فى شارع أو سوق أو مقهى أو مطعم ليفجروه قتلا عشوائيا للمدنيين، ولا يخلو أن يكون بينهم أطفال ونساء وشيوخ. لا ترد اسرائيل بالقتل العشوائى ، ولو فعلت لقضت طائراتها فى ضربة واحدة على مئات الألوف فى قطاع غزة وحده وهو من أكثر مناطق العالم ازدحاما بالسكان . اسرائيل لا تقتل الفلسطينيين عشوائيا كما يفعل الانتحاريون الفلسطينيون أو كما يفعل بوليس حسنى مبارك بالمصريين. انها تحاول ما استطاعت قتل الجناة المطلوبين فقط دون أن تصيب الآخرين، وليس هذا سهلا. لذا فانها تستغل مخابراتها وعملاءها الفلسطينيين أنفسهم، وهم الذين يتتبعون الهدف المراد اصطياده لوضع جهاز على سيارته دون ان يعلم ، حتى اذا أطلقت الطائرة الاسرائيلية صاروخها استقر فى السيارة المرادة. كل هذه الدقة وكل هذا العناء فى التجنيد والتسلل تفعله اسرائيل لهدف واحد هو أن تصيب الجانى وحده دون غيره. لكن يظل ذلك متعذرا بسبب شدة الزحام فى المدن الفلسطينية خصوصا قطاع غزة ، وغالبا يترتب على تفجير السيارة جرح أو قتل بعض المارة داخل الشوارع والأسواق المزدحمة. اين ما تفعله اسرائيل مع أعدائها بالمقارنة بالنظام البوليسى لحسنى مبارك وقتله المصريين المسالمين عشوائيا فى الطرقات ؟ كل جريمتهم أنهم أرادوا اختيار من يمثلهم فى الانتخابات .
3 ـ ليس قصدى الدفاع عن اسرائيل ولكن اثبات حقيقة مسكوت عنها هى أن اسرائيل أكثر تحضرا من النظم الاستبدادية العربية فيما يخص التعامل مع العدو، هذا اذا افترضنا أن المواطن المصرى العادى عدو للنظام الحاكم ، فما بالك اذا كان ذلك المواطن المصرى ضعيفا قليل الحيلة يقال له اذهب الى الانتخابات لتنتخب من تشاء فيتشجع ويذهب ليفاجأ بالرصاص يستقبله لاحتمال أنه سيختار من لا يرضى عنهم النظام؟
أقصد أيضا التذكير بحقيقة قرآنية مهجورة ، هى أن نقول الحق حتى لو كان فى صالح عدونا ،أو ضد أنفسنا أو ضد أقاربنا وهى وصايا قرآنية تؤسس للاصلاح الدينى والاجتماعى والسياسى والاقتصادى، فبدون التمسك بالصدق فى القول وشهادة الحق بكل موضوعية لا يمكن ان يقام اصلاح من أى نوع . الوصايا القرآنية هى أروع ما يقال فى فضيلة الصدق وقول الحق فى كل الأحوال . يقول تعالى " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط، ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى ، واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون." المائدة 8 "
هذا يعنى أن تقول الحق حتى لوكان فى صالح عدوك، اذ لا بد أن نشهد بالحق حتى لو كان فى صالح عدوك . اذا فعلنا ذلك كنا فعلا قوامين لله تعالى وشهداء بالقسط والعدل.والله تعالى خبير بما نفعل وشاهد عليه.
والوصايا العشر تجاهلها المسلمون فى تفاسيرهم وفى تراثهم وفى حياتهم ، مع أن الله تعالى ذكرها فى القرآن الكريم، يقول تعالى فى احداها :" واذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى" الانعام 152 " ويؤكد الله تعالى هذه الوصية فى سورة النساء : آية 135 " " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ، ان يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما ، فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا، وان تلووا أو تعرضوا فان الله كان بما تعملون خبيرا"
هذا يعنى أن نشهد بالحق وأن نقول بالعدل والقسط حتى لو كان ضارا بنا أو بأقرب الناس الينا من الوالدين والأقارب ، فاذا فعلنا ذلك فقد استحققنا أن نكون شهداء لله تعالى وقوامين بالقسط ، وان لم نفعل فالله تعالى على كل شىء شهيد ، وحسابنا يوم القيامة عسير .
هذا الأدب الاسلامى القرآنى الرفيع يعمل به الغرب ـ غالبا ـ فى اعلامه، فالاعلام الأمريكى يلتزم باستحضار وجهتى النظر ومراعاة الحياد ، وتلك ثقافة تعود عليها بمثل ما تعودنا نحن المسلمين على المحاباة وتجاهل وجهة نظر العدو والتحامل عليه. قناة الجزيرة لا تراعى الموضوعية فى التعامل مع اسرائيل وأمريكا. مثلا فى موضوع المعارك بين الفلسطينيين واسرائيل تقف المذيعة تلقى تقريرها المتحامل على اسرائيل فى منطقة تسيطر عليها اسرائيل دون أن تتدخل اسرائيل فى حريتها، تنقل الجزيرة مشاهد الضحايا الذين أصابهم الضرب الاسرائيلى وصراخ الأهل والأمهات والأبناء وتعليق الرسميين الفلسطينيين ورجل الشارع الفلسطينى ، وتتجاهل عن عمد استضافة أى مسئول اسرائيلى يفسر ما حدث وانه للرد على هجوم فلسطينى سابق قتل عن عمد مدنيين اسرائيليين منهم أطفال ونساء وشيوخ. ولم يحدث ـ حسب علمى ـ أن ذهبت قناة الجزيرة الى ضحايا العمليات الانتحارية من المدنيين الاسرائيليين بمثل ما تفعله فى الجانب الفلسطينى. الجزيرة أدمنت هذا التحامل فى تغطيتها للصراع الاسرائيلى الفلسطينى دون أن تحاول اسرائيل ابعاد مراسلى الجزيرة. من ناحية أخرى تعرض طاقم الجزيرة للاعتقال والايذاء حين كان يحاول تغطية الانتخابات المصريةالأخيرة حين كان أبطال البوليس المصرى يضربون الناخبين المصريين .
4 ـ الأدب الاسلامى القرآنى الرفيع الذى أشارت اليه الآيات القرآنية السابقة يحرم ويجرم هذا التحامل وينهض حجة على نظم الحكم التى أوصلت المسلمين للحضيض. ولكن الاخوان المسلمين حالهم أفظع ، فالنظم الاستبدادية العسكرية ـ فى حضيضها ـ تتحامل على البشر فقط ، أما الاخوان المسلمون فهم يكذبون على الله تعالى ليجعلوا أنفسهم الوكلاء عنه وليخدعوا البشر ويركبوا ظهورهم باسم الدين .لذا يكون الزيف ـ وليس مجرد التحامل ـ هو مفتاح شخصية الاخوان ، وبه سيهبطون بنا من "الحضيض" الى " أسفل سافلين ". وموعدنا معه ومعهم الاسبوع القادم.