بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على خاتَم الأنبياء والمرسلين
سلسلة المواضيع القرآنية
حقيقة الحياة الدُّنيا في القرآن الكريم
ملاحظة: أعدَدت هذا المَوضوع على شَكل نقاط منهجية، حاَولت فيه التسلسل في الأفكار، والتدرج في المَفاهيم، مع محاولة جَمع أكبَر عدد مِن الآيات المتعلقة بالم´ بالمَوضوع، معَ تعليق بسيط مُمهِّد لفَهم الآية واستيعابها وتَدبُّرِها يَتناسَبُ معَ طبيعَة الدَّرس المَسجدي أو الحلقاتي (أعني حَلقات الذِّكر)، وفي النِّهاية ما هُو إلا جُهد بَشري قابِل للتعديل والمُلاحَظة والإضافَة، أرنو بِه مُساعَدة نَفسي على التركيز المَنهجي، ومُساعَدة الإخوَة الكِرام ممَّن يُريدُ طَرح نَفس المَوضوع، وليسَ بَحثاجَامِعا مُستَوعبا ذو قَالب أدبي... والله مِن وَراء القَصد وهُو يَهدي السّبيل...
الحياة حياتان والموت مَوتان
* حَياةُ الإِنسانِ في هذا الوُجُود حَياتَان حَياة دُنيا وحَياة أُخرى؛ وكلُّ حَياة مَسبُوقة بِمَوت.
]كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ[[البقرة : 28].
* الكُفَّار يَعترفُون بهذه السُّنة الإلهية في أرضِ المَحشر!
]قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ[[غافر : 11].
*الحياةُ الدُّنيا حياة تنقضي بمَوت، والآخِرة حياة خالدة سَرمَديَّة بِلا مَوت!
{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء : 35].
{لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}[الدخان : 56].
* العِلم التفصيلي الحَقيقي الأَكيد لهاتَين الحَياتَين، لا نَجده إلا في كِتاب وَاحد ووَحيد في الكَون؛ كِتاب الذي خَلقَ المَوت والحَياة.
]فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ[[الأعراف : 7].
]لَـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً[[النساء : 166].
* كلُّ مَن لم يَدرُس هَذا العِلم الحَقيقي فإنَّه سَيَفترِي عَلى الله الكَذِب لا مَحالة، وَويل لِمَن هَذا شَأنُه!
]وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ[[آل عمران : 78].
]قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ[[يونس : 69].
]إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ[[النحل : 105].
]وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ[[الصف : 7].
* لنستَمع إلى مَا يَقُول الكُفَّار فِي مَوضوع الحَياة الدُّنيا، لنُدرِك بيَقين أنَّه بِدُون عِلم الله تَعالى والاهتِداء بِوَحيه يَشتَطُّ الإنسان اشتِطَاطا بَعيدا؛ إلى دَرجَة أنَّه يَقِفُ في الوَجه المُقابِل للحقيقَة تماما!
]وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ [[الأنعام : 29].
]وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ[[الجاثية : 24].
* وهَذا شأنُ كلُّ مَن أعرَض عَن كتابِ ربِّه، وهَجر كلامَه؛ لا خَير فيما يَقُول ولا فيما يُفكِّر!! إن هُو زُخرفٌ مِن القَول وغُرور تَصغى إليه الأَنفُس الفارِغة مِن عِلم الوَحي!
{إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النحل :104- 105].
*ولِذا أمَر الله سُبحانَه وتعالى رَسُولَه أن يُعرِضَ عمَّن توَلَّى عَن ذِكر الله تعالى، وهَجر كِتابَه العَزيز؛ لأنَّ تصوُّراتِه عَن الكَون والوُجود لا مَحالة زائغة عَن سبيلِ الحق!
]فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى[[النجم :29- 30].
{ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف : 28].
* لم يَبقَ أولئِك الكُفَّار في مُستوى التَّصَور؛ بل تَعدَّوا إلى الفِعل الذي هُو وَليد التَّصَوُّر والمُوجِّه لِحرَكة الإِنسان!
]وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ[[البقرة : 96].
* لَو أطاعَ الإنسان أكثَر الخَلقِ في تَصوير حقيقَة الحياة الدُّنيا، أو في غَيرِها مِن مَواضيع التَّصوُّر للوُجودِ والغيبِ والإنسان.. الخ لتنكَّبُوا بِه عَن طريقِ الحق؛ لأنَّهم إن يتَّبِعُون إلا الظن، وإن هم إلا يَخرُصون!
]وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ[[الأنعام : 116].
تعليق: الخَرص هُو التَّخمين والتَّقدير مِن غير قَطع ولا جَزم؛ كما هُو معروف مِن خَرص النَّخيل؛ وهل يُعقَل أن يقُول الإنسان: أرى أو أظنُّ أو يبدو لي في مَواضيع فَصلَ فيها الوَحي؟! هذه هِي الطَّامة الكُبرى التي ابتُليَ بِها العالَم الإسلامي والله المُستعان!
{وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}[يونس : 36].
* في الوَاقع يُقَال: فلان خَبر الدُّنيا وخبَرته؛ أو يُقال فُلان مُجرِّب ومُعمِّر فاقصِده فهُو الذي يُعلِّمُكَ كيفَ تعيشُ حياتَك؛ وهَذا الكَلام ليسَ على إطلاقِه؛ بل فيه تَفصيل؛ فإن كَانت تِلك الخِبرة والتَّجربة بِنور الوَحي كَانت نافِعة ومُفيدة، وإن كَانَت في غيابِ الوَحي فَلا خَيرَ فِيها.
مَتاع الحياة الدُّنيا
* يَصِفُ الله لنَا مَتاع الحَياة الدُّنيا وزُخرُفَها في آيات بَديعة جامِعة، مُزهِّدا فيها، مُرغِّبا للإنسان فيمَا عِندَ الله تعالى؛ فقَمِنٌ بالإِنسان أن يكُون مَتاعُه في الدنيا مَتاعُ جَوارِح (بضوابِط شَرعيَّة)، والقَلبُ مُخلَصٌ بخالِصة ذِكرى الدَّار !
{وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت : 64].
{وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى. يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر :23- 24].
* حبُّ الشَّهوات والملذَّات مَركُوز في فِطرَة الإِنسان كَما بيَّن الله تعالى في آية سورة آل عِمران!
]زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ[[آل عمران : 14].
تعليق: كلُّ أجناسِ الملذَّات المُستَحدثَة تَندَرِج في إحدَى المُسمَّيات السَّابِقة في الآية عِند التَّحقيق.
* قمَّة نِعم الدُّنيا وزينتُها "المالُ والبَنُون"؛ فلِذا أفرَدهما الله بالذِّكر في سُورة الكَهف، وقَرنهُما ببعضِهِما في أكثَر مِن آية مِن كِتابِ الله!
]الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً[[الكهف : 46].
* تَصوير بَديع لمُنتَهى ما يصِل إليه الإنسَان مِن نَعيم ورفاه في سُورة الزُّخرف.
]وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ. وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ. وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ[[الزخرف :33- 35].
معنى الآية في تَقديري "والله أعلَم"؛ أنَّه لولا إرادَة الله الأَزليَّة بِأن يُعامِل عِبادَه بميزان وَاحد، ولا يُظهِر فَرقا ماديا ظاهِرا بينَ المُؤمن والكافِر؛ لجَعَل لكلِّ مَن لا يُؤمن بالله وكَفرَ بِه كل تلك النَّعائِم المَذكُورة في الآيَة؛ إظهارا لِعزَّة الله تعالى؛ وتأكيدا على أنَّ الدُّنيا وحُطامَها لا يُساوي شَيئا عِند الخالق العَظيم سُبحانَه؛ وأنَّ ما في الآخِرة للمُتقين المُنيبين خَير وأبقى!
* لاحِظ في كلِّ مَرة يَصِف فيها الله سُبحَانه الحياة الدنيا، يُدَلِّلُنا أنَّ ما هُنالِك أولى وأبقَى، وأجَدر باهتِمام المُسلِم؛ ألا وَهي الدَّار الآخِرة وما أعدَّ الله فيها مِن نَعيم!
]فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ[[التوبة : 38].
]قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً[[النساء : 77].
]فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ[[الشورى : 36].
متاع الدُّنيا قَليل... لماذا؟
* لماذا مَتاع الدنيا قَليل مُقارَنة مَع الآخِرة؟! لأنَّ كلَّ شيء فيها سيتَحطَّمُ ويَفنى، وكلُّ لذَّة ستنقضي وتنتَهي؛ والمُستَقَر الأخير هُو الآخِرة؛ إن في الجَنَّة أو في السّعير!
]مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ[[النحل : 96].
{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ. وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن : 26-27].
{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[القصص : 88].
* مُؤمِن آلِ فِرعون أدرَك هذه الحقيقَة وأوصَى قَومَه بها!
]يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ[[غافر : 39].
* أما السُّعَداء فنِعم مُستَقرهم!
]أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً[[الفرقان : 24].
* وأمَّا الأشقياء فساءَ مثواهم!
]إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً[[الفرقان : 66].
* الآخِرة هِي دَار القرار، وأمَّا الدنيا فَهي مُستَقر نَعم؛ ولَكن إلى حين!
]اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ[[غافر : 64]
{وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ[[البقرة : 36].
* كَثير مِن الناس يتَحدث عَن مُستَقره في الدنيا، ويرنو إلى الاستقرار المَعيشي والوَظيفي والنفسي والعائلي (وَهُو مَطلَب مَشرُوع بضَوابِطه)، ولكِنَّه سَادر غافل عن المُستَقر الحَقيقي في جَنَّة الخُلد إن كَان مِن الصالحين، أو في دارِ الشقاء إن كان مِن الظالمين!
]إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ. يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ[[القيامة:12- 13].
وَصف الباري عزَّ وجل لحقيقَة الحياة الدُّنيا
* لنستَمِع إلى الباري عزَّ وجل وَهو يَصِف لنا هذه الدنيا الفَانية، ويُصوِّرها أبدَع تَصوير!
]وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً[[الكهف : 45].
تعليق: نُلاحِظ كيف طَوى الله كثيرا مِن مَراحِل نُمو النبات في الآية؛ وفي هذا أعظَم دَلالَة على أن زَمن الدنيا لا يُقارَن أبدا بِزمن الآخِرة، وأن الأمر أعجَل ممَّا يُتوَقَّع.
]إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً. وَنَرَاهُ قَرِيباً[[المعارج :6- 7].
]وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ[[يونس : 45].
]وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ[[الروم: 55].
* آية أخرى في سورة يونس عليه السلام!
]إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ[[يونس : 24].
تعليق: في الآية تشبيه تمثيلي رائع لما بين مُباغتَة المَوت للإنسان، وإهلاك الله للقُرى التي أينَعت وأخضَرت وظنَّ أهلُها أن لا تبيدَ هذه أبدا!
* يشبِّه الله تعالى كَذلك الحياة الدنيا بالزَّهرة؛ وهو تَشبيه في غَاية الإبدَاع والحُسن؛ فمَعلُوم أنَّ الزَّهر أكثَر نباتُ الأَرض جمالا ورونَقا، وأسرَعُها ذُبولا في نَفس الوَقت!
]وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى[[طه : 131].
تفصِيل مَتاعِ الدُّنيا
* المَتاع في الدُّنيا نَوعان؛ مَتَاع الأشقِياء ومَتاع السُّعَداء؛ فأمَّا السُّعداء فَمتَاعُهم حقيقي نافِع يَمتَد إلى الآخِرة!
]وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ[[هود : 3].
]فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ[[يونس : 98].
* وأمَّا الأشقِياء فَمتَاعُهم شَكلي ظاهري مُؤقت، وليس بِحقيقة؛ لنتدبَّر هذه البيِّنات!
]أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ. ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ. مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ. ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ[[الشعراء : 209].
]لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ[[العنكبوت : 66].
]كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ[[المرسلات :46- 47].
]نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ[[لقمان : 24].
]وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ[[الزمر : 8].
]قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً[[الفرقان : 18].
]وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ[[الأحقاف : 20].
]إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ[[محمد : 12].
]أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ[[القصص : 61].
* الفُصُول الأَربعة تَشرَح لَنا حقيقَة الحياة الدُّنيا!
]اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ[[الحديد : 20].
تعليق: أشياء الدُّنيا تَبدأ حُلوَة خضِرة؛ تغُرُّ بِمتاعِها وتسُرُّ النَّاظرين، وتسلِب عُقولَ الغافِلين، ثمَّ يُطبَّقُ عَليها قانُون الحُطام تَدريجيا حتَّى تَفنى وتَزُول في سُلَّم تصاعُدي تنازُلي عَجيب؛ وهذه آية عُظمَى مِن آيات الله التي تدُل على أسمائِه: المُهيمن، الباقي، الوارِث، الحي، الصَّمَد...الخ.
- يشتَري الإِنسان سيَّارة جديدة مِن المَعرض من آخر طِراز (غيث أعجب الكفار نباته)، ثمَّ يَزيدُها لمَعانا وزينة ليستَمتع بها أكثَر (ثم يهيج)، ثمَّ تبدأ العيوب تَظهَر مَع مُرور الوَقت (فتراه مُصفرا)، حتَّى تتعطَّل عَن المَسير نِهائيا، ويُزجُّ بها في مَقبرة السيارات (ثم يكون حُطاما)!
-يبني الإنسان قصرا مَشيدا بِه أحسَن أنواع الزَّخارف والطِّلاء، ومُوظِّفا فيه آخر تقنيات "هندَسة البِناء" (غيث أعجَب الكُفار نباتُه)، ثمَّ يَبثُّ فيه أروَع أنواع الأَثاث والفُرش والزرابي حتَّى يُصبِح كأمتَع ما أنتَ راء (ثم يهيج)، وبعدَ مُدَّة مِن الزَّمن تتصدَّع الحيطان، ويتقشَّر الطّلاء، ويبلى الأَثاث (فتراه مُصفرا)، إلى أن يُحتاجَ في وَقت مِن الأَوقات لتَهديمِه وإعادَة بنائِه مِن جديد (ثم يكُون حُطاما) إيذانا بأنَّ هذه الدُّنيا دار ممَر لا مُستقر، ودار فناء لا دارُ بقاء! وأنَّ على المَرء أن يَشتاقَ إلى الغُرف العالية، والنمارق المَصفُوفَة، والزرابي المَبثُوثة في جنات الخُلد غدا يَوم القيامة!
-يتزوَّج المَرء فَتاة شابَّة بديعَة الحُسن والجَمال (غيث أعجَب الكُفار نباته)، ثمَّ تزدادُ بأساورها ولآلئها وخِصابِها حُسنا ورونَقا (ثمَّ يَهيج)، ثمَّ يَنقُص ذَلك البريقُ الأخَّاذ مَع مُرور الوَقت؛ بكبَر السِّن وتعاقُب الأَولاد (فتراه مُصفرا)، إلى أن تَظهر التجاعيد في وَجهها، والدَّوالي في ساقَيها؛ وتبلُغَ سن اليأس؛ كأن لَم تَغنَ بالأَمس؛ إيذانا من الله تعالى أن لا مُتمسَّك للإنسان في مَتاع هذه الدُّنيا، وأنَّ الشَّوقَ ينبغي أن يَحدُوه إلى الحُور العين والجَواري الحِسان والفُرش المَرفُوعة في الجنَّة إن صَدق مَع ربِّه وبر!!
-كل شَيء مِن أشياء الدُّنيا يَنطَبقُ عليه قانُون الحُطام؛ حتَّى الإِنسان نفسُه؛ يبدأ صبيا حدَثا؛ كنبات في مُستَهل حياتِه؛ ثمَّ يكُون شابا يافِعا مَوفُور القُوَّة؛ ثمَّ يكُون كَهلا، ثمَّ يُردُّ إلى أرذَل العُمر لكيلا يَعلَم مِن بَعد علم شيئا؛ وكلّ هذَا تَذكير للإِنسان لأن يكُونَ همُّه الدَّار الآخِرة، ولا يكُن مَبلَغُ عِلمِه الحياة الدُّنيا!
{وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ} [يس : 68].
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ}[الروم : 54].
تفصيل آية سُورة الحديد
{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ}
-هَل الحياة الدنيا في حدِّ ذَاتِها لَعب بالنسبة للسَّعيد وبالنسبة للشقي؟!
* نَجد باستِقراء الكَلمة في مَوارِدها أنها تختص بالشقي، وأما السَّعيد فَحياتُه كلُّها جِد وعَطاء!
]وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ[[الأنعام: 32].
]وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ[[العنكبوت : 64].
]إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ[[محمد : 36].
تعليق: في هذه الآيات إشَارة إلى أن المتقين والعالمين بالوَحي لا يعنيهم أمر اللعب في شيء، وأنَّهم بِمنأى عَنه؛ وَهُم في عَمل دائِم مُتواصِل ابتغاءَ ما عِندَ الله في الآخرة!
]وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ[[القصص : 55].
* الشقي حين يَستهزئ بالدِّين وشعائِره وأوامِره فإنه يُعتَبَر عِند الله بمثابَة مَن يلعب ويَلهو.
]وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ[[المائدة : 58].
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ[[المائدة : 57].
* معنى لَعب الشقي أن قلبَه غافل لاه عَن ذكر الله سُبحانَه وتَعظيمِه، مستهزئ بآياتِه، مُنكب عَلى حُطامِ الدُّنيا الفاني! وأكثَر ناسِ الأَرض على هذه الحالة نسألُ الله العافِية.
]اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ. مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ. لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ[[الأنبياء : 1-3].
]وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ[[التوبة : 65].
* لَقطات الكَون تَشرَح قَوانين القُرآن؛ يُبرِز الله تعالى لَنا لَعبَ الشقي بأَوضح صُورة في لَعب الأَطفال.
]أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[[يوسف : 12].
تعليق: ترى الصَّبي يلعَبُ بمُجسَّمات، ويُمثِّل مَسرَحيَّات؛ لا يشُكُّ طَرفَة عَين أنَّه حَقيقَة! فتجده يقول ببراءته: سيارتي، دراجتي، زوجتي... ولكن البالِغ الرَّاشِد يُدرِك بَداهة أنها مُجرَّد ألعاب صبيانية لا حقيقَة لَها... كذَاك الشَّأن بالنِّسبة للمُفتتن بالدُّنيا ومباهِجها مَع مَن آتاه الله نُورَ الوَحي؛ وهذا مَعنى قَوله تعالى في شأن القُرآن بأنَّه يَهدي إلى الرُّشد!
{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً. يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً} [الجن :1- 2].
* ما جَر الشقي إلى اللَّعب واللَّهو، والابتِعاد عَن الجدية إلا اغتِرارُه وافتتانه بالدنيا!
]الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ[[الأعراف : 51].
* وَيل للشقي الذي اتخذ دينَه لعبا ولَهوا في الدنيا قَبل الآخِرة!
]أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ. أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ[[الأعراف :97- 98].
]بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ. فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ[[الدخان : 9-10].
]وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ[[الأنعام: 70].
* إذا عَرفنا حَقيقَة اللعب؛ فلا يَنبَغي أن تَغرَّنا الدنيا بِمتَاعها الزَّائل؛ بل لابُد أن نَكون دَوما على استِعداد لِيوم الحِساب!
]يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ. إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ[[فاطر:5- 6].
]لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ. مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ[[آل عمران : 196-197].
]يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ[[الأنعام : 130].
* الله سُبحانه وتعالى لا يلهو لا يَلعب؛ فكيف يَسُوغ لنا أن نَلهُو ونلعب على حِساب المُهمَّة الجَوهريَّة التي خُلقنا مِن أجلِها؟!
]وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ. لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ[[الأنبياء : 16-17].
{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ. مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}[الدخان :38- 39].
اللهو
* كَذلكمُ الأشقِياء مُولَعُون باللَّهو والعَبث وتضييع الأوقات فيما لا يُجدي!!
]وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ[[الجمعة : 11].
تعليق: ما نَراه في الواقِع مِن انتِشار الأَلعاب والمُسابقات والبُطولات والكُؤوس المُختلفة، وألعاب الفيديو والسينيما والأَغاني والحفلات... الخ بِشَكل رَهيب؛ وانغماس النَّاس فيها إلى الأذقان؛ ممارسة، ومتابعة؛ وَلاء ومُناصَرة؛ لمُؤشِّر واضِح أنَّ حقيقَة الحياة الدُّنيا لَم تتجذَّر في القُلوب؛ وأنَّ كِتاب الله تَعالى فِعلا مَهجُور!
وزينَة
* الزينة لَيست بممنوعة في ذَاتها؛ لأن الله هُو الذي جَعَلها كَذَلك، وقد امتَن بِها عَلينا في أكثَر مِن مُناسبة!!
]وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ[[الملك : 5].
]أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ[[قـ : 6].
{وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ}[الحجر : 16].
]إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ[[الصافات : 6].
]وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ[[فصلت : 12].
]وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ [النحل : 6].
{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ[[النحل : 8].
* الآن إذا أخذنا الزينة وَفق ما أمَر الله وشَرع؛ فَهذا أمر مَحمود لا مَغبة فيهِ ولا حَرج؛ بل يُشجَبُ عَلى مَن حرَّم شَيئا مِنها!
]يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ[[الأعراف : 31].
]قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [الأعراف : 32].
* ولَكن لا ينبغي أن يَعزُبَ عنَّا أن تِلك الزينة بِأنواعِها وأشكالِها ابتِلاء من الله سبحانه وتعالى لِينظُر أيُّنا أحسَن عَملا!!
]إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا. وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً[[الكهف :7- 8].
* وأنَّ أشيَاء تِلك الزِّينَة قَد قَسَمها الرازِق الحَكيم بينَ عِبادِه بدِقَّة عجيبة، وحِكمَة لا مُتناهِية.
]أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ[[الزخرف : 32].
* وَإن لم ننضبط بِشرع الله سُبحانه في قضية الزِّينة انقَلبت تَرفا وخُيلاء وتَمتعا زَائدا، وكل هَذا ممَّا نَهى الله سُبحَانَه عَنه؛ والذي يَقِف وَراءَ هذا التزيين هُو الشيطان الرَّجيم!
]زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ[[البقرة : 212].
]وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ[[فصلت : 25].
]إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ. أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ[[النمل :4- 5].
* انظر إلى زِينة فِرعَون لَم تُغنِ عَنه زِينتُه شَيئا، ولم تَدفَع عَنه عَذابا؛ بل أردَته في قاع النيران، والعَذاب السَّرمدي!!
]وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ[[يونس : 88].
* وانظر أيضا إلى قَارون؛ كيفَ أشِر وبَطِر؛ وكيفَ أهلَكه الله تَعالى وخَسفَ بِه وبِدارِه الأَرض!
]فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ. فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ[[القصص :79-81].
تعليق: لاحِظ أنَّ عِلم الوَحي هُو الفَاصِل في القَضية! ما أحلاها وما أدقَّها مِن عبارة "أوتوا العِلم"!! كَم هِي دَقيقَة في البَيان القُرآني؛ وكَم مُيِّعت حقيقتُها في الواقِع!
* التَّرف مَذمُوم غَير مَحمُود في البيَان القُرآني؛ وعَادة مَا يُورِده الله تعالى في سياق الأشقياء المُكذّبين المُعرِضين!!
]وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ[[المؤمنون : 33].
{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ} [سبأ : 34].
تعليق: يُفرِّقُ أحَد عُلماء اللُّغة بين المُنعَم عليه (الحقيقي)، وبين (المُترِف)؛ أن الأوَّل لا يُطلَق إلا على الذَّاكر الشَّاكر، وإن أُطلِق على الثَّاني فمَجازا؛ وأمَّا الثاني (أي المُترف) فيُطلَق على مَن جحَد الفَضل، وكفَر النِّعمة!
وتفاخُر بينَكُم
* إذا لم يُدرِك الإنسان قيمة الدنيا وأشيائها، ولم يضعها في المَحل اللائِقِ بها انقَلبت تفاخُرا ومباهاة واختِيالا!
]إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً[[النساء : 36].
]وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ[[لقمان : 18].
تعليق: الاختِيال مُشتق مَعناه مِن الخَيل بِجامِع التَّمايل والتَّباهي؛ فسُبحان الذي شرَح بِعالم الشَّهادَة حقائِق القُرآن! كتاب مَسطُور وآخَر مَنظُور!
وتكاثُر في الأَموال والأولاد
* إذا لَم يُدرِك الإنسان قَانون الحُطام يستَكثِر مِنه، ويتَكاثَر بِه.
]أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ. حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ[[التكاثر :1- 2].
* هُو مَرضُ كُفّار قُريش!
]وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ[[سبأ : 35].
* وهُو مَرضُ صاحِب الجنَّتين!
]وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً[[الكهف : 34].
* هُنالِك قَانون في القُرآن مُهم غَفِل عَنه كَثير مِن النَّاس هُو قَانون الرجوع إلى الوَراء، والافتقارُ بَعدَ غِنى؛ بِسبب مَرض التكاثر؛ ولنا في قِصة صاحب الجنتين عِبرَة!
]وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً[[الكهف : 42].
* كَم مِن الناس أُحيطَ بِما لَديهم مِن مَال؛ مِن جاه، مِن صِحة، مِن جَمال؛ من عِلم؛ بِسبب تَكاثُرِهم ومباهاتِهم بِما لَديهم... أُحيطَ بِهم!!
العلاقَة بينَ الدُّنيا والآخِرة
* دَائِما السُّؤال هُو في الآخِرة؟! ماذا أعدَدنا لَها؟!
]وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ[[الحديد : 20].
]يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ[[لقمان : 33].
* رغم تَفصِيل الله سُبحَانه لَحقيقَة الدنيا وزينَتِها أروَع تَفصِيل وأبيَنَه إلا أنّه يبيِّن أن أكثَر النَّاس عن هذه الحَقيقة غافِلون سادِرُون، وأنَّهم يُؤثِرون الدنيا على الآخرة!
]بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى. إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى. صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى[[الأعلى : 16- 19].
]وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ. الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ[[إبراهيم :2- 3].
]كَلّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ. وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ[[القيامة :20- 21].
]إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً. نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً[[الإنسان :27- 28].
* مَن آثَر الحَياة الدُّنيا وأخلَد إلَيها، ورَكن إلى مَلذَّاتِها وشَهواتِها وغَفل عن ذِكرِ الدَّار الآخِرة فإنَّ جَهنَّم مَثوَاه!
]فَأَمَّا مَن طَغَى. وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى. وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى[[النازعات :37- 41].
* هَل يَعني هَذا أنَّ استِمتاعَنا بِأشيَاء الدنيا وزينَتِها مُحرَّم على الإنسان؟! أم أن المَقصُود شيء آخَر؟! هَذا هُو الجَواب الرَّباني!
]وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ[[القصص : 77]؛ أي حَاول أن تتَّخذ مِن كلِّ ما أنعَم الله عَليك مَطية لإحراز الدرجات العُلى في جنان الخُلد.
تعليق: ] وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ، ولا تنس نصيبك من الدنيا[كلمات مُوجَزة يتمثل فيها اعتدال المنهج الإلهي القويم؛ المنهج الذي يعلق قلب واجد المال بالآخرة، ولا يحرمه أن يأخذ بقسط من المتاع في هذه الحياة؛ بل يحضه على هذا ويكلفه إياه تكليفا، كي لا يتزهد الزهد الذي يهمل الحياة ويضعفها.
لقد خلق الله طيبات الحياة ليستمتع بها الناس؛ وليعملوا في الأرض لتوفيرها وتحصيلها، فتنمو الحياة وتتجدد، وتتحقق خلافة الإنسان في هذه الأرض. ذلك على أن تكون وجهتهم في هذا المتاع هي الآخرة ، فلا ينحرفون عن طريقها ، ولا يشغلون بالمتاع عن تكاليفها . والمتاع في هذه الحالة لون من ألوان الشكر للمنعم ، وتقبل لعطاياه ، وانتفاع بها. فهو طاعة من الطاعات يجزي عليها الله بالحسنى. .. وهكذا يحقق هذا المنهج التعادل والتناسق في حياة الإنسان ، ويمكنه من الارتقاء الروحي الدائم من خلال حياته الطبيعية المتعادلة التي لا حرمان فيها ولا إهدار لمقومات الحياة الفطرية البسيطة.
تعليق2: مِن مَعاني قَوله تعالى: ]ولا تنسَ نصيبك من الدنيا[... أي أنفِق ممَّا حَبَاك الله مِن أيِّ شَيء ابتِغاء جَنَّتِه؛ فإنَّ ذَلك نَصيبَك وزادَكَ مِن الدنيا إلى الآخِرة!
* وليَعلم الإنسان أنَّه مَا هُو إلا مُستَخلَف فيمَا وَهبَه الله تَعالى لَه؛ فليُنفِق إذن، وليَدَّخِر عِندَه لِيَوم المَعاد.
]وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ[[الحديد : 7].
]وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِين. وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[[المنافقون : 10-11].
تعليق: لابُدَّ مِن التَّأكيدِ هُنا عَلى ضَرُورة الضَّبط الشَّرعي الدَّقيق لمَفاهيم؛ الإنفاق، الادِّخار، الاكتِناز، الصَّدقة؛ وتأصيلِها قُرآنيا حتَّى يتصرَّف الإنسان في المَال المُستَخلفِ فيهِ عَن عِلم وبَصيرة!
* ألا يَستَحق هَذا الإله المُحسن المَنَّان أن نُحسِن أعمالنا وتصرفاتنا وأقوالِنا مِن أجلِ مَرضاته، وهو الذي يٌحسِن إلينَا في كلِّ لحظة؟!.
]قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ[[الأنبياء: 42].
]قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ[[يونس: 31].
جزاءُ المُدرِك لحقيقَة الحياة الدُّنيا
* مَن فَهِم حقيقَة الحَياة الدنيا وكَان كيِّسا عَمَّالا لِما بَعد المَوت أحياه الله حياة طيبة في الدُّنيا قَبل الآخِرة، وتَوفَّاه الله تَعالى طيِّبا!
]مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ[[النحل : 97].
]الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ[[النحل : 32].
* وآتَاه الله حَسنَة الدنيا والآخِرة!
]وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ[[النحل : 30].
]وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ[[النحل : 41].
]قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ[[الزمر : 10].
* ونَصَره الله في الدنيا والآخِرة!
]إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ[[غافر : 51].
* وتَولاه الله في الدنيا والآخرة!
]أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ. لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[[يونس :62- 64].
* وكانت المَلائِكة عَونا لَه ورِفدا وسَندا في الدنيا والآخِرة!
]إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ. نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ[[فصلت:30- 31].
* يا وَيح مَن ارتَاب في هَذه الحَقائِق الغيبية اليقينية!
]مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ. وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ[[الحج :14- 15].
أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده
* يُعطِينا الله نَمُوذَجا بإبرَاهيم الخَليل عليه السلام وكيفَ أنَّ الله بمنّه وفَضلِه آتاه حَسنة الدنيا والآخِرة!
]إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. شَاكِراً لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ. وَآتَيْنَاهُ فِي الْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ[[النحل:121- 122].
]وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ[[العنكبوت : 27].
]وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُـشْرَى قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ[[هود : 69].
* وعلى نَفس السَّنن كانََ سيِّدُنا يوسف عليه السَّلام!
]رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ[[يوسف : 101].
* وسيِّدُنا عيسى عليه السَّلام!
]إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ[[آل عمران : 45].
* والصابِرون المُخلِصون أتباعَ كل نبي ورسول!
]وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ. وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[[آل عمران :146- 148].
* كلُّ هَذا الخَير بِبَركَة الوَحي والاستِمساكِ بِه؛ ولذَا فإنَّ مِن أسماء القُرآن الكَريم البُشرى.
]وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ[[النحل : 89].
]قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ[[النحل : 102].
]وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ[[الأحقاف : 12].
* مِن دَيدَن السُّعَداء أنَّهم يَدعُون لِدُنياهُم وأُخراهم؛ وأما الأشقِياء فَهمُّهم العَاجلة وَزخارِفَها!
]فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ. وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. أُولَـئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ[[البقرة :200- 202].
]وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ[[الأعراف : 156].
مصير الأَشقياء الجاهِلين بحقيقَة الحياة الدُّنيا
* وأما الأشقِياء المٌريدين للعَاجِلة، الحاصِرين همَّهم في هذه الحَياة فإنَّ الله يُوفِّيهم فيها أعمَالهم، ولا يَبخَسُهم جُهودَهُم؛ وِفقَ قَوانِينِه وحِكمته المُطلَقة سُبحَانَه، ولَكن لا حَظَّ لَهم في الآخِرة إلا النار وبيسَ القَرار.
]مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ [هود : 15]. أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ[[هود : 16].
]مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً. وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً. كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً. انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً[[الإسراء : 18- 21].
]مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ[[الشورى : 20].
]وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ[[آل عمران : 145].
* لَكن نَعيمَهُم في الدنيا شَكلي ظَاهِري (حَواسِّي)، لا نَعيم قَلبي حَقيقي.
]وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ[[محمد : 12].
]الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ[[الرعد : 28].
]فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ. الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ[[الأنعام :81- 82].
* والله تَعالى يُعذِّبُهم بأموالِهم وأولادِهم عَذابا شَديدا ألِيما؛ فمُتعَهم المَادية إذَن مَشُوبَة بِمُنغِّصَات ومُكدِّرات ومَصَائِب.
]فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ[[التوبة : 55].
]وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ[[التوبة : 85].
]لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِن وَاقٍ[[الرعد : 34].
]فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ[[آل عمران : 56].
]مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ[[يونس: 70].
]وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ[[الحشر : 3].
* يُخزيهِم الله ويُذل كِبرياءَهم في الدنيا قَبل الآخِرة!
]فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ[[الزمر:26].
]إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ[[الأعراف : 152].
]ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ[[الحج : 9].
]ثُُمَّ أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ[[البقرة : 85].
]يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ[[المائدة : 41].
* يَلعنُهم الله في الدُّنيا والآخِرة!
]وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ[[هود : 60].
* يَضِل سَعيُهم في الدنيا والآخِرة وهُم يَحسِيُون أنَّهم يُحسنون صُنعا!
]قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً[[الكهف :103- 104].
* يُحبِطُ الله أعمَالهم في الدنيا والآخِرة!
]أُولَـئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ[[آل عمران: 22].
]مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِـذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[[آل عمران : 117].
*ما ألجَأ العَاقل الحَصيف إلى هَذه الوَيلات والمَطبَّات؛ وعند الله خَزائن الدنيا والآخِرة، وعِند الله ثَواب الدنيا والآخِرة؟!
]مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً بَصِيراً[[النساء : 134].
* فليَصرِف المُؤمِن كلَّ همَّه إلى ابتِغاء مَا عِند الله؛ يَوم لا يَنفَع مَال ولا بَنُون وَلا شيء من حُطام الدنيا!
]إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[[التوبة : 111].
* وليُحَاوِل أن يَبتَعد عَن جَنابِ كلِّ مَن رَضِي بالدنيا وزينَتِها، ورَكَن إلى مَتاعٍها وزُخرفِها؛ ولَنا في رَسول الله rأروع أُسوَة لِمن كانَ يَرجو الله واليَوم الآخِر؛ فقَد أمرَه الله تَعالى أن يُخيِّر نِساءَه بين التطلع إلى الآخِرة ونَعيمِها، والرِّضى بالدنيا ومبَاهِجِها!
]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً [الأحزاب : 28]. وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً[[الأحزاب : 29].
* كمَا حذَّر الله تَعالى سيِّدَنا مُوسى أن يَصُدَّه أحَد عَن العَمل للآخِرة، والإعداد لِسَاعة اللِّقاء.
]إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى. فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى[[طه :15- 16].
* اتباع الهَوى نتيِجة مِن نَتائِج الركون إلى الدنيا وعَدم فِقه كُنهِها وحقيقتَها؛ ولِذا أمر الله تعالى نبيه الكَريم صلوات ربي وسَلامه عليه أن يُصابِرَ نَفسَه بالغَداة والعَشِي مَع إخوَانِه المُسلِمين؛ ممَّن يَرجو لِقاء رَبِّه، ويُحذِّره أن تعدُ عينَاه عَنهم تُريد زينة الحياة الدنيا؛ لأن ذَلك من أمارات اتباع الهَوى، والزُّهد فيما عِند الله؛ كمَا أن ذَلك نذير شُؤم بانفِراط الأمور وشَتات الأحوال!
]وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً[[الكهف : 28].
مَوقِف الإنسان مِن حقيقَة الحياة الدُّنيا وأثَرُه في سُلوكِه
- في القُرآن نَمَاذِج عَديدة تُبيِّن لَنا أن الفَيصَل الفَارِق بين الطاعة المُطلَقة لِلخالِق الدَّيان، وعَصيَانُه والتمرد على أوَامره وَنواهِيه؛ إنما هُو في المَوقف الذي يتَّخذه الإنسانُ لنَفسِه تُجاهَ الحَياة الدُّنيا؛ وهَذه بَعض الأمثِلة.
* ففي أَمر القِتَال مَثلا أكَّد الباري عزّ وجل أن الذي يُقدِم على التَّضحية بروحه في سَبيل الله إنَّما هُو ذَلِك الذي شَرى حياتَه الدنيا ابتِغاء الآخِرة!
]فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً[[النساء : 74].
*وفي المُقابِل يبيِّن الله عزَّ وجَل أن الذين يتَملَّصون وينكُصون عن الجِهاد والقِتال إنَّما هُم أولئكَ الذين أشرِبوا في قُلوبِهم حُب الدنيا ومَلذَّاتِها!
]أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً[[النساء : 77].
* التثاقُل إلى الأَرض وعَدم الرِّضى بالجِهاد، وبَذل النفس والمَال في سبيل الله سَببه حب الإنسان للدنيا!
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ. إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[[التوبة: 38- 39].
* الفَشل والتَّنازُع وذَهاب الريح في القُرآن الكَريم سَببه الركون إلى الدنيا وابتغاء الغنائم، يَظهَر هَذا جليا مِن خلال قِصة أُحد التي أوردَها الباري عزَّ وجل في سُورة آل عِمران.
]وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ[[آل عمران : 152].
* عدَم إلقَاء السَّلام لِمن طَلبه في الحَرب، ورَفض إيمَانه سببه ابتغاء الدنيا وأشيائِها دَوما.
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً[[النساء : 94].
* والله عَاتَب المُسلمين في أسرى بَدر أن أخَذُوهم بَدل أن يَقتُلوهم استِمراء للفِدية المُبتغاة!
]مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[[الأنفال : 67].
* عَدم الصَّبر في مَجالِس الذَّاكِرين الرَّاجين مَا عِند مَولاهُم بالغَداة والعشي إنَّما هُو ابتِغاء الحَياة الدنيا وزِينتُها!
]وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً[[الكهف : 28].
* سبب ثَباتُ السَّحرة أمَام قُوة فِرعُون وجبروته هُو إدرَاكُهم العَميق لقيمة الدنيا أمَام متَاع الآخِرة.
]قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [طه : 72]. إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى[[طه : 72- 73].
* إكرَاه الفَتيات على البِغاء، وإجبارِهن على الاستِرزاق بِفروجهن (والعياذُ بالله) سَببه ابتِغاء عَرض الحياة الدُّنيا؟!
]وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ[[النور : 33].
* سَبب المَعاصي عُموما هُو حب الدنيا وإيثارُها على الآخِرة، ولنَا في قِصة بني إسرائيل عِبرة وأيَّة عِبرة!
]ثُمَّ أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ. أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ [البقرة : 85-86].
* وسَبب البَغي والظُّلم، والفَسَاد في الأَرض حبُّ الدنيا والتشبث بِها!
]يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ[[يونس : 23].
* وسَبب الكُفر استِحباب الحَياة الدنيا على الآخِرة!
]وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ[[النحل :106-107].
* وسَبب عِبادة الأوثان الحجرية والبَشرية البَقاء في ظَاهر الحَياة الدنيا، وعَدم فِقه حقيقَتِها!
]وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ[[العنكبوت : 25].
]يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ[
B
#بقلم الطَّالب: نسيم بسالم