يتحدثون عن تقوى الناس وعن أنفسهم لا يعلمون
أنه لأمر عجيب عند أغلب الناس وخاصة المسلمين الذين يتحدثون عن سرائر الناس وعن أمانهم وعن تقواهم وعن أماكنهم في الجنة، وكأن هؤلاء الناس الذين يدافعون عن السابقون أو عن أشخاص في هذا العصر وكأنهم يعيشون بداخل أنفاس من يدافعون عنهم، وكأنهم رأوا كل من يتحدثون عنهم، أي من الممكن أن يقضي هؤلاء الناس ساعات وأيام وسنين في جدل مع غيرهم من الناس يدافعون عن أشخاص لم يروهم ويحلفون بالله أن هؤلاء الأشخاص هم من أتقى أهل الأرض، وهم من الذين قد رضي الله عنهم، وإذا سألت الشخص المجادل عن غيره من الناس، إذا سألته عن نفسه، أي شخصه هو، يقول لك أنا لا اعلم عن نفسي أي شيء ولا اعلم هل أنا من الذين قد رضي الله عنهم أم لا، وهنا نقول لهؤلاء الناس كيف لا تعلم عن نفسك التي تحملها بداخلك أي شيء ثم تدعي بعد ذلك المعرفة عن الآخرين؟!.. وما أعظم من قول الله عن هذا الصنف من الناس، يقول تعالى:
((هَاأَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً)) سورة النساء آية 109.
أي لا يجوز أن تجادل غيرك فالناس جميعاً ليس لهم في هذا الأمر من شيء بما فيهم أنبياء الله، وكان من باب أولى أن يعلم الرسول عن المنافقين أي إن الحكم على المتقون هو من الله وما لنا نحن في الحياة غير ظواهر الأمور إما الباطن لا يعلمه غير الله عن جميع الناس، يقول تعالى:
((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً)) سورة النساء آية 49.
لم يقول الله في الآية الكريمة الرسول يزكي فليس لأي إنسان أن يزكي غيره من الناس أو أن يزكي نفسه مهما وصل من علم، يقول تعالى:
((الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)) سورة النجم آية 32.
وما لا يدركه الأغلبية من الناس أن الأمان شيء والتقوى شيء آخر، وما أعظم قول الله حين أمر الرسول أن يعلن للناس بعدم معرفته بهذا الأمر، هذا أمر لا يعلم به إلا الله، يقول تعالى:
((قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ)) سورة الأحقاف آية 9.
وطالما أن الرسول لا يعلم ما الذي سوف يحدث له أو لغيره بالتالي هو لا يعلم أيضا من التقي، فمن يتقول على الله بعد ذلك ويقول أن فلان هذا من أهل الجنة أو أن فلان هذا من اتقى أهل الأرض، هو في الحقيقة لا يؤمن بكلام الله في القران الذي قد نفي معرفة سرائر الناس حتى على الأنبياء، ولا يعلم بذلك غير الله، يقول تعالى:
((قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)) سورة هود آية 46.
فمن يرى من الناس انه أفضل من أنبياء الله الذين لم يتكلموا في هذا الأمر؟!.. والشيء الغريب والعجيب والذي لم أجد له تفسير ولا دليل لدى هؤلاء الناس هو كيف يتحدثون عن تقوى الناس وعن أنفسهم لا يعلمون، ألا يعد ذلك جنون بدعواهم هذا الكذب.