1 ـ إتفقت مع صديقى المصرى على موعد أزوره فى بيته ، ثم حدث الهجوم على موقع (أهل القرآن ) فدخلت فى طوارىء من الاجتماعات و المقابلات ، وكان لزاما أن أعتذر لصديقى عن موعد زيارته فى بيته لأنه قد جدّت لى ارتباطات أخرى حتمية . فوجئت به يرفض بشدة لأن تغيير الموعد بعطى فكرة سيئة لزوجته الأمريكية عن العرب والمسلمين ، ويؤكد أنهم لا يوفون بالوعد ولا يحافظون على شرف الكلمة.
تعجبت مرتين :الأولى أننى فى علاقنى بهذا الصديق لم أتخلف عن موعد قط ،بل أبادر بالذهاب &THOve; قبل أى موعد تحسبا للظروف ، وصديقى يعرف عنى هذا،أى لا تنطبق علىّ القاعدة العربية والمصرية فى التهاون بالمواعيد . الثانية : إن صديقى لا يأبه بالظروف الصعبة التى تواجهنى لأنه مشغول بما هو أهم : ألا تأخذ زوجته الأمريكية فكرة سيئة عن قومه المصريين..
كثيرون من المصريين والعرب الأمريكيين على هذه الشاكلة.
وكثيرون منهم أيضا تخطى هذه المرحلة.
أعرف من بينهم صديقى رفيق رحلة الكفاح د. سعد الدين ابراهيم . وقد حكى لى أنه بعد أن تعرف على باربارا واتفقا على الزواج من حوالى أربعين عاما اشترط عليها أن تسافر أولا الى بلده الريفى فى محافظة الدقهلية فى مصر لتتعرف على اهله . كان سعد وقتها ممنوعا من دخول مصر وقد أسقط عبد الناصر عنه الجنسية . صمم أن تذهب فتاته أولا لترى أهله و لتتعرف عليهم طالما تريد فعلا الارتباط به .وكانت قريته فى ذلك الوقت بلا كهرباء وبلا صرف صحّى وبلا تليفونات وبدون طرق مرصوفة أوسائل مريحة للمواصلات . وكان أهله مثل أهالينا من الفلاحين الغلابة. وفعلا ذهبت الفتاة الأمريكية الجامعية بربارا الى القاهرة ، وعانت الكثير حتى وصلت الى قرية ( بدين ) فى الدقهلية ،وهناك التقت بوالدة د. سعد واخوته وأهله ، وقضت معهم أسابيع ، ثم عادت الى امريكا تحمل إسما جديدا هو ( بركة ) بدلا من باربارا ، أطلقته عليها أم د. سعد . عادت منشرحة سعيدة وكلها تصميم على ان تتزوج من سعد برغم كل الظروف .
د. باربارا من أعظم الشخصيات الأمريكية التى قابلتها ، ومعرفتنا بها على مستوى الأسرة ، واعتزازها بأسرة د. سعد جعلها تخصص جناحا فى بيتهم فى المعادى لاستضافة أقارب د. سعد حين يقدمون الى القاهرة ، ولازلت أتذكر حديثها عن زوجة أخ د. سعد وهى تنطق بالمصرية قائلة عنها ( دى سلفتى ) بنفس النطق المصرى الفلاحى.
2 ـ د. سعد تحرر من عقدة الخواجة ، ومن عقدة أخرى كنا نطلق عليها فى مركز ابن خلدون ( عقدة الشعور بالعار ).
( الخواجة ) هو كل غربى أوربى أو أمريكى . وعقدة الخواجة هى أن تحاول بكل ما تستطيع أن تعطى عن نفسك وبلدك وأهلك ووطنك صورة حسنة أمام ذلك الخواجة لتثبت أنك لست أقل منه . ولأن ذلك يخالف الحقيقة فإن عقدة الخواجة ترتبط بعقدة أخرى هى ( الشعور بالعار ) إذا نشر الاعلام (بعض الغسيل القذر ) للذى يحدث من المصريين و العرب و المسلمين ، هنا يؤرق أؤلئك الناس الطيبين الشعور بالعار كما لو كانوا مسئولين عما يحدث .
3 ـ من التجليات المحلية لهذه الثقافة عدم نبش تاريخ الأسلاف ـ خصوصا الصحابة و السلف الصالح . وقد عانيت الكثير ـ ولا زلت ـ لأننى قد نذرت حياتى لتعرية هذا ( السلف الصالح ) من واقع المكتوب عنهم فى التراث . وذات مرة كتبت عن الشذوذ الجنسى الذى ساد مصر و العالم ( المسلم ) فى العصرين العباسى و المملوكى ، فثار أحد الجهّال من الصحفيين وكتب مستنكرا كيف يكون أسلافنا شاذين جنسيا . ورددت عليه بأن يقرأ تاريخ الأسلاف ليعرف بنفسه حتى لا يتكلم بكل هذا الجهل .
وبسب الاصرار والاستمرار خلال ثلاثين عاما على نشر المسكوت عنه من تاريخ الأسلاف تقلصت مساحة الاحتجاج ، فلم يعد هناك إعتراض على نشر الغسيل القذر لأولياء الصوفية ، ثم سكت الاعتراض جزئيا على نشر الغسيل القذر لأئمة السنة ، ولكن لا يزال هناك إعتراض على نشر الغسيل القذر للصحابة .
هنا تتضافر عقدة الشعور بالعار مع عقدة أخرى هى عبادة الأبطال ، واعتبارهم ذواتا مقدسة لا يجوز الاقتراب من تاريخهم إلا بالتحميد والتمجيد . ليس مهما إن كان تاريخهم هو هكذا ، وليس مهما إن كان هذا هو تاريخهم المكتوب الذى لا يمكن إنكاره ، وليس مهما أننا لا نفترى عليهم كذبا وأننا ننقل المكتوب لنستفيد منه العبرة. ليس كل هذا مهما لأن جذور تقديس الأسلاف وعبادة الأبطال أقوى من كل تعقل.
وأيضا بسبب الاصرار على نقد تاريخ الصحابة و نشر غسيلهم القذر فقد سكت بعضهم ، ولكن لا يزال له تحفظ ، هو أنه لا ينبغى للخواجة معرفة هذه الصفحة من تاريخ (الاسلام ) لأنه يرى أولئك الناس ممثلين للاسلام . ثم تتسع تلك العقدة و تتشعب لتصل الى التحرج من نقد المسلمين فى امريكا أو ترجمة نقدنا للعرب والمسلمين حتى لا نفضح أنفسنا عند الخواجة.
4 ـ أولئك الناس الطيبون يعرفون أن ثقافة ( أمجاد يا عرب أمجاد ) وثقافة ( الخير فىّ وفى أمتى الى يوم القيامة ) جعلت العرب والمسلمين ظاهرة صوتية كلامية تتخصص فى المدح والفخر بينما تتوالى الصفعات على أقفيتهم منذ قرون ـ ولا يزالون.
أولئك الناس الطيبون يعرفون أن القرآن الكريم حفل بالنقد للمنافقين ـ وهم صحابة ـ وللكثير من الأنبياء و المرسلين وهم صفوة العالمين لأن مهمة القرآن الكريم الاصلاحية هى فى التركيز على علاج المساوىء ، وليس مدح الناس. ولو كان الناس فى غير حاجة الى الاصلاح ما نزل القرآن الكريم أصلا .
أولئك الناس الطيبون يعرفون أن الثقافة الأمريكية تعتمد على الاعتراف بالخطأ ، بل وتعتذر عنه ، وفى كتب التاريخ المقررة على المدارس ـ وقد قرأتها ـ تجد هذا الاعتراف بالخطأ ، بل تتخصص الدراما الأمريكية فى نقد المجتمع الأمريكى وكل ثوابته الدينية و القومية ، وأكثر من الدراما تجد أجهزة الاعلام . ولا تجد هناك من يحتج خوفا على نشر الغسيل الأمريكى القذر أمام العالم . وبهذا يلعب الاعلام و التعليم الأمريكى دورا هاما فى الاصلاح .
أولئك الناس الطيبون يعرفون المبدأ القرآنى الاسلامى (ألاّ تزر وازرة وزر أخرى )، ويعرفون أنه أيضا مبدأ أمريكى وغربى ، وأن أمريكا لا تزال تعانى من عقدة إضطهادها لمواطنيها الأمريكان الذين هم من أصل يابانى بعد هجوم اليايابان على بيرل هاربر فى الحرب العالمية الثانية . وبسبب هذه العقدة فقد تحرزوا من تكرار نفس الخطأ فى التعامل مع العرب و المسلمين الأمريكيين بعد جريمة 11 سبتمبر . وبالتالى فالعربى والمسلم والمصرى المستقيم الناجح ليس مسئولا عن أى جريمة ارتكبها أو يرتكبها أو سيرتكبها عربى أو مسلم أو مصرى آخر ، وليس له أن يشعر بالعار لأن الأغلبية من قومه فى أمريكا سيئى السمعة ،لأن الفردية أساس فى الاسلام وفى الثقافة الغربية ، فأنت تولد فردا وتموت فردا و تأتى يوم القيامة أمام الله تعالى فردا ، و لا ينفعك أحد يوم القيامة و لن تنفع أحدا يوم القيامة ، حتى لو كنت من الأنبياء المرسلين . وأعتقد أن كل من يهتم بالقرآن قد قرأ قوله تعالى لخاتم المرسلين (وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ ) ( الأنعام 52 ) فخاتم المرسلين ليس عليهم شىء من حساب أصحابه يوم القيامة ، و أصحابه ليسوا مسئولين من شىء يختص بحسابه عليه السلام يوم القيامة. كل فرد مسئول عن نفسه (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا )( مريم 95 ) وكل نفس تاتى لتجادل عن نفسها وليس عن غيرها (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَت) ( النحل 111 ).
ولهذا فإن ما يجب أن يهتم به الداعية للاسلام ولاصلاح المسلمين أن يقول ما يراه حقا ، وأن ينقد ما يراه خطأ لأنه سيأتى يوم القيامة أمام الواحد القهار ليسأله هل كتم الحق أم أوضحه ؟
وحين يتذكر الداعية ذلك الموقف العظيم القادم لا محالة فإنه لا يتوانى عن فضح كل اخطاء قومه وبكل اللغات ما أمكنه ذلك ليكون ما يكتبه حجة على قومه ، وليؤدى واجبه ولينقذ نفسه من اللعنة و الخلود فى النار. هنا لا مكان لمراعاة شعور هذا أو ذاك ، و لا مكان للحرص على الستر والتغطية على أفعال وجرائم من تقوم أعماله بتشويه صورته .
نحن لا نشوّه صورة أحد ، نحن فقط ننقل بعض ما نراه من خطايا العرب والمسلمين وبعض ما نقرؤه فى التراث ، ونعبر عنه فى خطاب واحد موحد باللغتين العربية و الانجليزية ، طلبا لاصلاح المسلمين و أكثرية المسلمين فى الغرب يقرأ الانجليزية .
فإن لم ينصلح المسلمون فقد أدينا مهمتنا ، وأجرنا على الله جل وعلا. .