" يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ
القلب، العقل والفؤاد فى القرءآن الكريم

محمد صادق في الخميس ١٤ - أكتوبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

القلب، العقل والفؤاد فى القرءآن الكريم

بسم اللـــه الرحمــن الرحيــم

يقول المولى عز وجل:

"يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ  * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ"  الشعراء 89  

 القلب محل نظر الرب تبارك وتعالى وقبول العمل ورده، والإثابة عليه بالنظر إلى نية العبد فى e;عبد فى قلبه من فى الدنيا فاز صاحب القلب المُخبت إلى اللــــه ، الذى ليس فيه إلا اللـــه ويحب للــــه ويحب فى اللــــه، القلب الذى يعتمد ويتوكل على اللــــه. لا يرائي صاحب المال لكثرة ماله ولا يتملق صاحب السطوة والسلطة لسطوته وسلطانه ولا يداهن صاحب الحظوة والوجاهة صاحب الجاه لحظوته ووجاهته وجاهه.

القلب الذى لا يخاف صاحبه فى اللـــه لومة لائم.

فالقلب إما أن يكون سليما وإما يكون سقيما، سليما من الشرك أو سقيما بالشرك، سليما من الكفر أو سقيما بالكفر، سليما من النفاق والملق والرياء أو سقيما بالرياء والملق والنفاق. وقد فاز ونجى وربح صاحب القلب السليم، وزل وضل وغوى صاحب القلب السقيم الذى ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون فصاروا لكثرة ذنوبهم عن ربهم محجوبون. حُجبوا عن قلوبهم أنوار ذكر الرحمــن وأنوار هداية القرءآن فعاشوا فى ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها. لأن من لم يجعل اللـــه له نورا فما له من نور، إن القلوب تحيا بأعمال الإيمان والقرءآن.

إن  القلب كائن حى له سمع وبصر وفهم وفقه وفؤاد، قال تعالى:

" أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)الحج

وقوله تعالى:

" وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) الأعراف

فالقلب الذاكر للـــه فيه من اللـــه الطمأنينة والسكون والسكينة والسعادة والقلب الغافل عن ذكر اللــــه فيه بإذن اللـــه الإضطراب والتعاسة والشقاء والعناء.

القلب فى قواميس اللغة العربية

القاموس المحيط: القلب هو الفؤاد أو أخص منه والعقل ومحض كل شيئ.

لسان العرب: القلب تحويل الشيئ عن وجهه قلَبَه يقلبُه قلبا والقلب مضخة من الفؤاد، قوله تعالى: " نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194)الشعراء

أى نزل به جبريل عليه السلام، على قلب النبى فوعاه وثبت فى قلبه فلا ينساه بعون اللـــه تعالى.

وقد يُعَبر بالقلب عن العقل كما فى قوله تعالى: " إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ" سورة ق 37. وقيل من له قلب أى تفهم وتدبر.وما سمى القلب قلبا إلا لكثرة تقلبه.

من المشاع بين الناس، ان القلب تتراوح معانيه بين الجانب العاطفى فى الإنسان الذى يمثل المشاعرالوجدانية من حب وكره وشجاعة وخوف والم وفرح ...الخ وبين الجانب العقلانى الذى يمثل الهداية والضلال والإسرار والإعلان وإطاعة أومر اللــه أو عصيانه وتلقى الوحى والإلهام والتذكر والتدبر.

وأيضا مشاعاً ان الطبيعة الإنسانية تنقسم إلى قسمين: عاطفى وعقلى ويُسند إلى القلب الجانب العاطفى فى الإنسان ويُسند إلى العقل الجانب العقلى ويمكن القول أن العقل يمثل الإرادة والقلب يمثل العاطفة وأنه إذا تحرك القلب بطل عمل العقل أى إذا طغت العاطفة على النفس البشرية سلبت الإرادة كل قواها لأنه كما يُفال الحب أعمى. 

  القلب فى القرءآن

هل يمكننا أن نذهب مع العرف الشائع بأن العقل يمثل الإرادة وأن القلب يمثل العاطفة، وأنه إذا تحرك القلب بطل عمل العقل؟ أى بمعنى إذا طغت العاطفة على النفس البشرية سلبت الإرادة كل قواها، لأنهم كما يقولون فى الأمثلة العربية " الحب أعمى ".

هذا التقسيم لا يُقره القرءآن، لأنه يحول الإنسان إلى مناطق نفوذ كل منطقة لها نفوذها وقوتها وسيطرتها، فالعقل منطقة ذات نفوذ خاص والقلب منطقة أخرى ذات نفوذ مناقض لنفوذ العقل، وهكذا تتصارع مناطق النفوذ فى النفس البشرية على أساس مادى ومحدد، والغلبة فى النهاية تكون لهذا الجانب أو ذاك.

إن القلب فى القرءآن يبدو مغايرا لهذه المفاهيم جميعها، بحيث تصبح الإجابة على الأسئلة السابقة إجابة سطحية وساذجة إذا أجبنا بنعم أم أجبنا بلا. لأن القلب فى القرءآن عالم قائم بذاته، إتسعت معانيه وتعددت جوانبه، حتى لم يعد بإمكاننا حصره فى المعانى العاطفية وحدها أو فى المعانى العقلية، بل إنه يتجاوز هذا الجانب إلى الجانب الآخر، أو يحصل العكس تماما أو يلتقيان معا.

إن القرءآن يحتوى على 122 آية ذكر فيهن كلمة القلب، وهن يتحدثن عن جوانب كثيرة فى النفس البشرية بحيث تشعرنا أحيانا أننا أمام صورة من صور العقل، أو أمام العقل ذاته، وأحيانا أخرى نشعر أننا أمام العاطفة والأحاسيس والمشاعر الوجدانية، وأحيانا ثالثة نجد أنفسنا أمام جانب يجمع بين الجانبين العقلى والعاطفى ويزيد عليهما عمقا وبعدا آخر.

إننا سنقف إذن أمام النص القرءآنى ونحاول أن نتدبر متحررين من الآراء التى عرفها الجمهور، سنقف أمام النص وجها لوجه نحاول أن نستشف منه المعانى الحقيقية للفظ  " القلب " وسوف نبدأ بالآية التى تعتبر فى نظرى – واللــه أعلم – أهم آية فى القرءآن بالنسبة لهذا البحث والتى تبين إلى أى مدى يلتقى العقل والقلب ويتحدان فى معنى واحد، يعبر تعبيرا عميقا عن حقيقة موجودة فى الإنسان تقف وراء العقل والقلب معا.

العقل والقلب

هذه الآية التى نحن بصدد ذكرها وتحليلها هى نقطة الإلتقاء بين العقل والقلب، وهى آية وردت فى سورة الحج  46  وهى قوله تعالى:

"أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ".

أمامنا هنا عدة أمور:

 أولا- دعوة إلى السير فى الأرض، سير الباحثين عن الحقيقة، المتأملين فى مظاهر الوجود، الدارسين للتاريخ الإنسانى بما مضى فيه من أحداث وعبر ومواقف.

ثانيا- ولكن من الذى يقوم بالتأمل، والدرس والمعرفة والإتعاظ؟ إنه القلب الذى يعقل، لأن القلب أسند إلى فعل العقل فى هذه الآية الكريمة فقال " قلوب يعقلون بها "مع إضافة شيئ يدل على الإصغاء إلى نداء باطنى رغم التعبير عن ذلك بحاسة ظاهرة وهى قوله " أو آذان يسمعون بها ".

فهل قصد بلفظ القلب مسندا إليه فعل العقل بأنه هو العقل ذاته؟ إنه يبدو فى الظاهر أنه كذلك، ولكنه فى الحقيقة والواقع شيئ أعمق من هذا وذاك. فلا القلب قصد به العقل ذاته، ولا الأذن قصد بها الأذن ذاتها، والدليل هو الأمر الثالث فى الآية الذى يفسر ويشرح ما سبق.

ثالثا- إنه الإشارة إلى شيئ هام ، إلى معنى دقيق: " فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور ". بحيث أسندت " العماية " إلى هذا العضو الذى يوجد فى الصدر، إلى القلب.

 

إذن هناك بصر وبصيرة، هناك رؤية عينية ورؤية قلبية، فقد يمر الإنسان ببصره على كثير من الآيات والدلائل على القدرة الإلهية ولا يحس بها ولا يدرك حقيقتها لأن " بصيرته " مظلمة، لأن قلبه أعمى، وقد تنكشف الحقائق فيراها أمامه جلية واضحة، يراها بقلبه، يراها ببصيرته التى فى أعماق نفسه، فيدرك أبعادها وبفهم دقائقها فيعرف ما ورائها من حكمة.

 

إنها " البصيرة " إذن، إنها القلب، ولكن القلب هنا قلب مبصر، قلب مشرق ومضيئ، قلب يعقل ويدرك، قلب تنكشف أمامه الحقائق كما يسلط النور على الأشياء فتتضح وسط الظلمة. إنه عقل من ناحية وإنه وجدان من ناحية ثانية، أو إنه تلك القوة التى تقف وراء العقل ولا نستطيع تحديدها ماديا والتى نسميها " الإلهام " أحيانا ويعرفها الشعراء والأدباء والملهمون والعباقرة، وكذلك يعرفها المؤمنون الذين رزقوا شفافية النفس ورقة الشعور.

 

إنها لدى " المؤمن " تلك " الرؤية الإيمانية " التى تضيئ القلب بنور الإيمان فيرى الوجود بعين البصيرة لا بعين البصر، ويدرك الحقيقة إدراكا من الداخل لا من الخارج أو الظاهر، وهذا ما يعبر عنه الكسيس كاريل صفحة 145 بقوله:

" فالحقيقة المستمدة من العلم تختلف إختلافا تاما عن تلك المستمدة من الإيمان. فالأخيرة أكثر عمقا ولا يمكن التشكيك فيها بالمجادلات. إنها تشبه الحقيقة التى يعطيها البصر المغناطيسى ، ولكن مما يدعو للغرابة أن هذه  الحقيقة ليست غريبة على العلم. إذ من الواضح أن الإكتشافات الكبيرة ليست نتاج العقل فقط. فإن العباقرة يملكون إلى جانب قوتهم على الملاحظة والفهم – صفات أخرى مثل البصيرة والخيال المبتدع – فعن طريق البصيرة يتعلمون أشياء يجهلها الآخرون، ويدركون العلاقات بين الظواهر شبه المنفصلة، كما يحسون بطريقة لا شعورية بوجود الكنز غير المعروف."

وأيضا ما يعبر عنه الدكتور مصطفى محمود بقوله:

" لا بد – إذن – أن يشف القلب وترق الحواس لترتفع الحجب ويستطيع الإنسان أن يرى بعين البصيرة وليس بعينه البشرية ويتجاوز سجن الواقع المحدود بالأسباب والمسببات ليطل على ما ورائه " كتاب لغز الموت ص 60

المسؤلية فى القلب

 

لفظ البصيرة فى القرءآن ارتبط بمعنى الإحاطة بكوامن النفس البشرية لذلك ورد فى سورة القيامة آية 14 ليعبر عن المسؤولية الكاملة بالنسبة للإنسان " بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ ". فإذا كانت فى أبعادها أعمق من العقل وحده، وضح لماذا إستخدم القرءآن لفظ القلب فى تحديد المسؤولية عن العمل.

يقول اللـــه سبحانه: " لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ۗ....." البقرة 225

ويقول أيضا "..ۚ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَٰكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ .....". الأحزاب 5

 

 فالكسب والعَمْد لفظان يدلان على إرادة الفعل، والأول يرتبط بالنية ومحلها القلب، والثانى يدل على العزم والتصميم والقصد وهذا مناط المسؤولية فى الإسلام، لأن اللـــه رفع المسؤولية عن إتيان العمل خطأ ودون قصد.

وهذا يفرق بين الجبر والإختيار لرفع المسؤولية عمن أخطأ دون إرادة ذلك الخطأ، وعمن نسى فى نفس الوقت، وهذا جانب ينطبق عليه جانب الجبر بينما الآيات تربط المسؤولية بالقصد والإرادة وهذا ينطبق عليه جانب الإختيار. فالقلب المبصر هو المؤشر الحقيقى للتفرقة بين الخطأ والصواب وبين الخير والشر.

 

إثم القلب

 

إذا تتبعنا جانب المسؤولية فى القرءآن فإننا نجد أن " الإثم " يُسند إلى القلب وذلك فى قوله تعالى: ....وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ " البقرة 283

فالكتمان وهو إسرار الشيئ وإخفاؤه عمل من أعمال القلب، وهو يناط بإرادة الإنسان ونيته وضميره، ولذلك كان كتمان الشهادة وعدم أدائها إثما وذنبا يُحاسب عليه الإنسان، لأن اللـــه يعلم ما تخفى الأنفس وما تكتم، "  يعلم السر وأخفى " طه 7. وهذا التعارض بين الإعلان والإسرار والتناقض بين الظاهر والباطن هو ما يسمى بالنفاق..وهذا هو الذى يحدد حقيقة الإنسان هل هو مؤمن أم لا؟.

 

الإيمان والإسلام

 

إن الآية التى تعالج موضوع إظهار الإسلام باللسان وحكمه فى القرءآن، هذه الآية الكريمة هى أيضا من ركائز الدين لأنها تشعرنا بأهمية القلب، بأهمية النية، بأهمية السريرة، فليس ما يعلنه الإنسان هو ما يُعبر عن حقيقته بل ما يبطنه.

إن الفرق كبير بين الإيمان وبين إعلان الإسلام، فانظر إلى قول اللـــه تعالى: "  قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ..... ." الحجرات 14

وهى قضية أساسية أن يقول الإنسان إنه مسلم، هذا لا يكفى ليتحقق إسلامه. لأن المدار ليس على القول وحده بل الإيمان، وهذا الإيمان مركزه القلب. وكانت طريقة المنافقين هى أن يتظاهروا بالإسلام وأن يخفوا فى نفوسهم العداء للدين والنبى، فأظهر القرءآن هذا النفاق بقوله تعالى: "  وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ". البقرة 204

فى هذه الآية الكريمة كشْف لفريق من الناس يُبالغ فى تمثيل مظاهر الإيمان حتى يخدع الآخرين " لأنه يشهد اللــه على ما فى قلبه " مع أن قلبه ملئ بالحقد على العقيدة وعلى أهلها.

وهذا يؤكد أن القلب هو جوهر الإنسان، وهو الذى يقصد إلى الإخفاء أو الإعلان، وهو الذى يقصد إلى الخداع والنفاق.

 

نفاق القلب

 

تتعدد الآيات التى تظهر التناقض بين القول والعمل أو بين القول والنية والقصد، فتؤكد أن هذا العمل هو نفاق من ناحية وهو كفر من ناحية أخرى، لأن النفاق نوع من التلون، والكفر نوع من إخفاء الحقيقة، وكلاهما إخفاء شيئ وإظهار شيئ آخر يختلف عنه، أو أن كليهما إخفاء للحقيقة.

والقرءآن يوجه هذا الإتهام إلى قوم فيقول " وليعلم الذين نافقوا " ثم يصفهم بأنهم " يقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبهم " مع العلم انه يقرر أنهم للكفر- وهم على هذه الحالة- أقرب منهم للإيمان. يقول سبحانه:

" وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ " آل عمران(167).

الفريق الآخر يوجه إليه تهمة الكفر مباشرة فيقول سبحانه فى سورة المائدة آية 41:

" يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ۛ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا ۛ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ".

 

وهوعزوجل يخبر المؤمنين ويحذرهم فى نفس الوقت من هذا النوع الخطر من الأعداء الذين يكيدون للإسلام وأهله بأنهم " يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم ". يقول عز من قائل فى سورة التوبة آية 8 :

" كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ".

فقول باللسان يختلف عما فى القلب، وإعلان للإيمان مع عدم إرادة ذلك من القلب، وإرضاء بالفم ورفض بالقلب.

كلذلك يوضح مدى أهمية الدور الذى يلعبه القلب فى قضية الإيمان والكفر والقصد إليهما، ومدى مسؤولية الإنسان عما يكتم فى قلبه وإرتباط هذه المسؤولية بعقيدته.

 

أما النوع الثالث من النفاق فهو يتمثل بأولئك الذين يتقاعسون عن أداء واجب الجهاد من الأعراب، ويدعون بأن أعمالهم وأولادهم وأموالهم شغلتهم عن هذه المهمة ويطلبون المغفرة تظاهرا بالإيمان، فيقرر القرءآن أيضا أنهم " يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم " ويخفون الحقيقة التى تؤكد عدم صدق إيمانهم وعدم إخلاصهم للعقيدة. وهذا النوع يرفضه الإسلام حتى ولو صدر من قوم مؤمنين إذ يقول فى مكان آخر " يَا  “أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ  * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ

يقول اللـــه عز وجل:" سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا ۚ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا ۚ بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا "  الفتح 11

  ولما كان النفاق ظاهرة إجتماعية كريهة وصفة أخلاقية ممقوتة، ولما كانت هذه الظاهرة تعتمد الكذب والتضليل

فإن المنافق فى العادة يبدو خائفا من إفتضاح أمره وكشف مكنونات قلبه لعلمه بحقيقة الدور المتناقض الذى يقوم به، لذلك فإن القرءآن ينذر المنافقين بأن حقيقتهم ستُكْشف أمام اللـــه حيث يظهر ما يضمرون. يقول عز وجل:

" يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ "(64)التوبة

أما الفريق الآخر، فهو الذى يكون فيعاهد اللـــه على أداء الزكاة والصدقة إذا أغناه اللـــه من فضله ورَزَقَه الثروة،

فإذا تم لهذلك نكث عهده وبخل وضن بماله، فهذا الفريق ينذره المولى بأشد العقاب فيقول:

وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ  * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ "التوبة 75-77

 

مرض القلب

 

عندما يتعرض القرءآن لظاهرة النفاق، يتعرض لها كظاهرة مرضية، ولكن هذه الظاهرة مكانها القلب لأنه محل التقلب والتغيير والتلون، وهو مصدر الكفر وإخفاء الحقائق الثابتة.

1- إن القرءآن يصور حالات النفاق هذه فى مختلف الظروف والأحوال التى تعبر عنها ، وفى القسم الأول من سورة البقرة يقدم لنا نموذجا من هذه الحالة المرضية فيقول سبحانه:

" وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) سورة البقرة 8-10

أمامنا أربعة مظاهر من مظاهر النفاق فى الآية الكريمة:

ا- إدعاء الإيمان مع إخفاء نقيضه.

ب- المنافق يخدع نفسه وهو يظن أنه يخدع اللــه والمؤمنين.

ج- علم اللــه أن المنافق مصاب بحالة مرضية فى قلبه، فزاده مرضا حتى يتناسب مع العقوبة التى يستحقها مرضى النفاق.

د- النفاق والكذب توأمان..وعقوبتهما واحدة.

2- إن مريض القلب إنتهازى، تتسم تصرفاته بإنعدام الإخلاص وإنعدام الثبات على مبدأ، لذلك فهو يلجأ إلى مراءاة أعداء الإسلام متخذا لنفسه حججا واهية تدل على الإنتهازية ومنها مراعاة هؤلاء الأعداءخوفا من فشل الدعوة الإسلامية وتحسبا للمستقبل ليظل على صلة بهم. والقرءآن ينذر مرضى القلوب بأن اللــه سيكشف ما أسروا فى أنفسهم من النفاق. وهذا التأكيد على كشف السر يدل على أن القلب مكانه ومحله.

يقول عز من قائل: "  فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ " سورة المائدة آية 52

3-أما الظاهرة التى يتميز بها المنافق أو مريض القلب فهى ضعف إعتقاده ويقينه، فهو يسخر من المؤمنين وهو يراهم على قلتهم يواجهون الكثرة من الكفار فيتهمهم بالغرور إستهزاءا وإستنكارا لشجاعتهم وصدق إيمانهم. إن ضعف اليقين باللــه حالة نفسية تؤدى إلى الجبن والخوف وهى صفة المنافقين فى مواقفهم من الدعوة. وفى المقابل نجد أن المؤمنين يتصفون بالشجاعة والإقدام لثقتهم باللــه القوى ويقينهم بنصره لهم.

يقول سبحانه وتعالى: " إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَٰؤُلَاءِ دِينُهُمْ ۗ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" سورة الأنفال 49

4-ومن صفات مرضى القلوب الريبة والشك، لأن القرءآن يضع إلى جانب مرض القلب صفات أخرى تساوى هذا المرض أو تترتب عليه منذلك قول اللــه تعالى: " أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ۚ بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ " النور(50).  يجيئ ذلك فى معرض التنديد بهم وهم يعرضون عن الإصغاءلحكم اللــه تعالى، فهم إما يشكون فى حقيقة الدين أو يخافون أن يأتى الحكم وفيه ظلم لهم من جانب اللــه سبحانه ورسوله. وكلا الموقفين يدل على الريبة وضعف اليقين. يقول اللــه عز وجل:

" وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ* أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ۚ بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ "النور 48-50

              5- ثم لماذا التأكيد المستمر على ربط صفة النفاق بمرض القلب؟ أليس هذا دليلا على إرتباط الأعمال التى تتسم بالنفاق والكذب والرياء والشك والريبة، وكلها أمور مضمرة يظهر الإنسان فيها غير ما يبدى.

أليس ذلك يدل على أن محلها القلب ومكانها هذا المجال الخفى عن الأعين؟

 

إنهذه الظاهرة فى القرءآن الكريم تؤكدها قول اللـــه عز وجل:

" وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا " الأحزاب  12    

  إن الظاهرتين تعبران عن شيئ واحد وهما مصدر الشرور والآثام ومبعث الكيد والتآمر،لذلك كانت الإشاعات المغرضة وإثارة الشكوك فى أوساط المسلمين وأحوالهم تنبع من المنافقين والذين فى قلوبهم مرض.

فالقلب هو مصدر الشر كما أنه مصدر الخير، وهو مصدر الكفر كما أنه مصدر الإيمان، لذلك شدد القرءآن النكير على المنافقين والذين فى قلوبهم مرض، ولعنهم وهددهم بأشد أنواع العذاب. ليس هذا فحسب بل جاء ذكر مرضى القلوب والكافرين فى سياق واحد وهو يتحدث عن إرتياب الطرفين وعدم إيمانهم بما يضرب اللــه تعالى من أمثال وعبر. يقول سبحانه:الأحزاب 60  

" لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا "  

ويقول أيضا فى سورة المدثر الآية 31

"  وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً ۙ وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ۙ وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ ۙ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ "   

6- وهذا معناه أن النفاق والكفر من أمراض القلب، وأن الأمراض التى تمس عقيدة الإنسان وإيمانه ويقينه هى أمراض متساوية الدرجة وأن القلب مركزها ومحلها جميعا.

7- إن القرءآن يصور مظاهر القلب تصويرا دقيقا عند دعوة المؤمنين إلى الجهاد فى سبيل اللــه تعالى، لأن الحرب فيها إمتحان للقلوب... إنه يدعوهم إلى القيام بواجبهم نحو عقيدتهم، ولكن مرضى القلوب يريدون التهرب من حمل المسؤولية فيطالبون بأن تنزل آية فيها نص عن الجهاد، فإذا نزلت الآية تراهم من جبنهم وخوفهم وترددهم ينظرون نظرة المغشى عليه خوفا من الموت. يقول سبحانه:

" وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ ۖ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ ۙ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ۖ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ "  محمد 20

الطبع على القلوب وإقفالها

وتستمر الآيات فى تصوير أحوال المنافقين،فإذا هم قوم قد لعنهم اللـــه فأصم آذانهم عن سماع الحق وأعمى أبصارهم عن رؤية نور الإيمان والهداية، فلم يتأثروا بآيات القرءآن ودعوته لأن قلوبهم قد أقفلت، يقول سبحانه:

" أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا " محمد24

والتعبير بالأقفال والأكنة والطبع والختم، وسد منافذ الهداية على القلب، كل ذلك يشعرنا بأن القلب هو الذى يفتح أبوابه لسماع الحق أو يغلقها وهو يُطبع عليه فلا يصغى لنداء الوجدان، أو تغشاه الغواش من حب الدنيا والإقبال على   الشهوات فلا يستجيب لداعى الإيمان.

نلاحظ عندما يربط القرءآن بين صمم الآذان وعماية الأبصار وإقفال القلوب، وكأن ذلك يحدث فى وقت واحد مما يؤكد الصلة بين الحواس وبين القلب، فإذا رجعنا إلى مبحث العقل  وجدنا الظاهرة نفسها حيث يأتى الصمم والبكم والعماية مع نفى صفة العقل، وهذا يؤكد إرتباط العقل بالقلب، وإرتباط الإثنين معا بالحواس فإما هى مغلقة وإما هى مفتوحة على الحق والنور والهداية.

وفى سورة البقرة الآية 6،7 تبين لنا كيف يرتبط الكفر بالختم على القلوب والأسماع والأبصار، فإنذار الكافر وعدم إنذاره سواء، لأن هذا الإنذار لا يجد الأدوات الحسية الصالحة لأن تنقل إلى القلب صوت الحق. يقول سبحانه:

" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ  " (7)

إمتحان القلب

ولما كان القلب هو محل الإيمان والكفر، ومركز الهداية والضلال، فإنه يتعرض للمواقف الكبيرة التى تظهر حقيقته، لأن اللـــه يمتحن هذه القلوب ليقيم الحجة على أصحابها، يمتحنها بالإبتلاء والإختبار والفتنة. قانون إلهى يقول سبحانه: " أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ  " العنكبوت (2)

 فالقتال والجهاد فى سبيل اللــه نوع من الإمتحان والإبتلاء، وفى معركة أُحد عندما خالف الرماة الأوامر طلبا للغنيمة، تحول النصر إلى هزيمة، فتسرب اليأس إلى قلوب المنافقين، بينما ثبت المؤمنون فى الميدان إلى جانب النبى هذا الإختبار كشف صدق المؤمنين وكذب المنافقين. وهنا بدأ التشكيك من قبل المنافقين " ..... يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا .... " وهذا هو الهاجس الذى يجيش فى النفوس التى لم تخلص للـــه وللعقيدة حينما تصطدم فى موقعة من المواقع بالهزيمة وحينما تعانى آلام الهزيمة. وهنا يجيئهم التصحيح العميق للأمر كله. أمر الحياة والموت ولأمر الحكمة الكامنة وراء الإبتلاء:" ..... قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ۖ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ " آل عمران 154

قل لو كنتم فى بيوتكم ولم تخرجوا للمعركة، وكان أمركم كله لتقديركم، لبرز الذين كُتب عليهم القتل إلى مضاجعهم.. إن هنالك أجلا مكتوبا لا يستقدم ولا يستأخر. وإن هنالك مضجعا مقسوما لا بد أن يجيئ إليه صاحبه فيضجع فيه..إذا حم القضاء والأجل، سعى صاحبه بقدميه إليه، وجاء إلى مضجعه برجليه لا يسوقه أحد إلى أجله المرسوم لا يدفعه أحد إلى مضجعه المقسوم.

ويا للتعبير العجيب ... " إلى مضاجعهم " فهو مضجع إذن ذلك المكان الذى تستريح فيه الجنوب، وتسكن فيه الخطى، وينتهى إليه الضاربون فى الأرض. مضجع يأتون إليه بدافع خفى لا يدركونه ولا يملكونه، إنما هو يدركهم ويملكهم ، ويتصرف فى أمرهم كما يشاء. والإستسلام له أروح للقلب وأهدأ للنفس وأريح للضمير، إنه قـدر اللــــه ووراءه حكمته: "وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ".

القلب والإستدلال المنطقى

إذا بحثنا عن اليقين المستند إلى العقل وجدنا ذلك فى حوار إبراهيم مع ربه: قال إبراهيم: رب أرنى كيف تحيى الموتى؟ قال اللــــــه: أو لم تؤمن؟ قال: بلى، ولكن ليطمئن قلبى؟

إن الأدلة التى يطلبها إبراهيم عقلية، ولكنه إستخدم تعبير " ليطمئن قلبى " فبين أن الإيمان مكانه القلب، وأن اليقين محله الوجدان، لأن الطمأنينة أمر نفسى يساعد العقل على الوصول بإستنتاجاته المنطقية السليمة. أن إبراهيم ليس شاكا فى قدرة اللــــه ولكنه يبحث عن المعرفة العقلية لترتاح نفسه ويطمئن قلبه. سورة البقرة 260

" وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ".

القلب والفؤاد

خمسة عشر آية فى القرءآن الكريم جاء فيها لفظ الفؤاد، وهو فى أهميته لا يقل عن أهمية القلب ودوره، بل إنه يؤكد المعانى التى يتضمنها لفظ القلب، من حيث التعبير عن العقل وإرتباطه بالمسؤولية وإشتراكه مع الحواس فى العمل.

خلق اللـــه سبحانه الإنسان وجعل له السمع والبصر والفؤاد ليستعين بهم على المعرفة، فيشكر نعمة اللـــه ويؤمن به، ويطيعه، ولكن الإنسان الكافر يجحدهذه النعمة فلا يستفيد من وجود هذه القدرات والملكات فيعطلها ويجحد بآيات اللــه سبحانه.

  " وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ "(78)النحل

" وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ" الأحقاف 26

الفؤاد والقرءآن

يقول اللـــه سبحانه وتعالى فى سورة الفرقان الآية32:" وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ".

  وكذلك سرد التاريخ وأنباء الرسل السابقين التى قصها القرءآن على محمد عليه السلام، لتثبيت فؤاده من ناحية ولتكون موعظة وذكرى للمؤمنين، فيقول سبحانه فى سورة هود 120 : وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ (120)                                                 

 والفؤاد مسؤول، فيحذر القرءآن الإنسان من تتبع أسرار الآخرين لأن سمعه وبصره وفؤاده مسؤؤول عنذلك وسيشهدون عليه يوم القيامة. قى سورة الإسراء يقول رب العالمين فى الآية 36: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ".

وعندما نزل الوحى على قلب الرسول حاول الكفار تكذيب النبى، كان اللـــه سبحانه بالمرصاد لهم فقال فى سورة النجم الآيات 11و12 " مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ ".

وها هو إبراهيم عليه السلام، بعد أن ترك إبنه إسماعيل مع أمه هاجر فى الصحراء، يدعو ربه قيقول:" رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ "  إبراهيم 37

وعندما يصغى ضعيف الإيمان إلى وسوسة الشيطان وهو يغريه بزخرف القول، يسند الإصغاء إلى الأفئدة:

" وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ " الأنعام 113

 لفظ الصدر فى القرءآن

إحدى وأربعون آية جاء فيهن لفظ الصدر، وإستُعْمل مكان لفظ القلب من باب الإستعارة، إذ أن الصدر هو محل القلب، ولأننا لا نستطيع إعتباره من المترادفات – لأن ليس فى القرءآن مترادفات – لأنه يطلق على القلب الصدر مجازا.  يخاطب اللـــه سبحانه الرسول فيقول " ألم نشرح لك صدرك " معناه التوسعة فى الصدر حتى يستقبل نور الإيمان والآية التالية توضح معنى " الشرح " والتى يجيئ لفظ الضيق مقابل لفظ الشرح: " فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ"  الأنعام 125

والتوسعة من أجل أن يستقبل الصدر نور الإيمان، يوضحها قوله سبحانه: " أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ۚ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ "  الزمر22

وقول موسى عليه السلام يدعو ربه: " قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي " طه 25.

 وفى مكان آخر يخاطب ربه فيقول: " قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ "  الشعراء 12-13

الصدر وما فيه

1- الغلُ فى الصدر "  وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ..... " الأعراف 43

2- وسوسة الشيطان "الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ " الناس 5

3- أعمال الإنسان "وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ " العاديات 10، أى فى يوم القيامة

4- رغبات الناس "وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ " غافر80

5- الرهبة "لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ " الحشر 13

6- العطاء السمح "......وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " الحشر 9

7- لا يحاسب إنسان مكان إنسان "......وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ" الزمر 7

القلب فى الصدر

الإنسان لا يحمل قلبين فى جوفه ومكان القلب هو الصدر وهذا شيئ بديهى، ولكن القرءآن يؤكد  هذا المعنى "لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ" وهذا يفسر إستخدام الصدر مكان القلب أحيانا كثيرة.

ولكن هل المقصود من القلب على هذا الأساس هو العضو نفسه؟ أم أن المقصود هو شيئ أعمق من هذا وأشمل وأوسع ؟ هل المقصود فى القلب هو النفس البشرية ككل ويكنى عنها بالعقل أو اللُب أو الفؤاد أو الصدر؟ أم المقصود هو ذات القلب أوذات العقل؟

هذا ما نحتاج إلى معرفته لأن إستخدام الجزء وإرادة الكل هو أحد أساليب اللغة العربية ، والتعبير بمختلف الألفاظ عن تلك القوة أو الملكة التى تتشكل بها أعمال الإنسان وتصرفاته من خير أو شر، سواء كان بإستخدام الألفاظ والتى تدل على الفكر المجرد كالعقل واللب أو التى تدل على النفس وما يتصل بها من أحاسيس ومشاعر كالقلب والفؤاد. يؤكد لنا أن القرءآن الكريم ينظر إلى الإنسان نظرة شاملة لكل قواة وملكاته.

وإستخدام القلب بإعتباره المركز الرئيسى فى الإنسان والذى تتصل به قضايا الحياة والموت، والصحة والضعف، والحب والكره، والرغبة والرهبة، وكل ما يتصل بالفكر أو العاطفة، يشبه إلى حد كبير إستخدام لفظ النفس فى القرءآن وهو يعنى الكائن الحى عقلا وفكرا وحسا وشعورا، ويعنى كل ما يتصل به أيضا من إرادة الخير أو إرادة الشر.

ولما كان القلب يقع من النفس البشرية فى صميمها فإننا لا نستطيع أن نقول إنه العقل مجردا، إذ يبدو المعنى فى غاية الضيق هنا، ولكننا نستطيع أن نقول إن القلب أعمق وأشمل، لأن القرءآن أسند إليه وظائف تتصل بالتفكير والعقل تارة، وأسند إليه وظائف تتصل بالإلهام والإحساس والمشاعر الفياضة الذى يعبر عن ضمير الإنسان ووجدانه.

إنه البصيرة التى تكون عند خاصة المؤمنين والأتقياء والصالحين، وإنه الفطرة التى فطر الناس عليها .

فى الختام

بين مفهوم العقل ومفهوم القلب فى القرءآن، يمكننا أن نقول – واللـــه أعلم – بوجود عموم وخصوص بين اللفظين، فهما يشتركان فى الناحية الفكرية، ويختص القلب بالناحية الوجدانية، أى أننا لا نستطيع أن نؤيد القول الذى جاء به العلماء من أن القلب هو العقل وإلا لكان العكس صحيحا، أى كان العقل هو القلب لكل المعانى التى  تتصل بالمشاعر والأحاسيس والعواطف الإنسانية، بينما يقتصر العقل على التفكر والتأمل والدراسة والفهم والمعرفة.

" يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ  * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ"  الشعراء 89

اجمالي القراءات 151357