دور أكبر للمجتع المدنى فى كشف الفساد
بقلم حمدى البصير
ميزة كبيرة يمتاز بها الشعب المصرى وأنا منهم ،ولا أعرف إن كانت نعمة أم نقمة ؟ وهى " النسيان "، وتجاوز الأحداث مهما كانت الوقائع والمصائب أو حتى الأفراح ، بل نحن ننسى ونتكيف سريعا مع الواقع الجديد ،أو مابعد الأحداث ،وننسى فى غمرة ذلك إستخلاص الدروس المستفادة ،أو التعلم من الأخطاء أوحتى من النجاح .
أقول ذلك بمناسبة خفوت هوجة أزمة مدينتى ،بل وإستبد&CceEcirc;بدال أحداثها بجانب أخر من حياة مالكها هشام طلعت مصطفى ، وإنشغلنا بالحكم عليه 15 عاما ونجاته من حبل المشنقة ،بل وسلمنا بأن قرار الحكومة بإعادة تقييم سعر الأرض وكتابة عقد جديد مع مجموعة طلعت مصطفى وتحديد سعر الأرض فيه بحوالى 10 مليارات جنيه ، هو العدل وحل توافقى يرضى الجميع ، وكأن القضية فى أساسها كانت حصول الحكومة على مليارات الجنيهات فى خزينتها من أجل سد العجز فى ميزانياتها ،ودون أن يستفيد الشعب إستفادة مباشرة من مليارات مدينتى .
ولكن قضية مدينتى - وبعيدا عن التعليق على أحكام القضاء - مليئة بالدروس المستفادة ،والتى يمكن مع إستيعابها جيدا ،وبعيدا عن نقمة النسيان ،نستطيع أن ندشن منهجا جديدا وألية مبتكرة لمكافحة الفساد ،والحصول على حقوق المواطنين سواء من أصحاب السلطة ، أو من أباطرة المال والأعمال ،الذين إغتصبوا بالقانون بعض حقوق البسطاء البسيطة ،وأهمها الحق فى المسكن ، بل والمأكل أحيانا .
فمن النادر أن يلجأ مواطن بسيط إالى القضاء ويرفع دعوى أما أمبراطورية عقارية حصلت على ملايين الأمتار بسعر زهيد ،فى الوقت الذى فشل فيه المواطن الحصول على أمتار قليلة وبسعر أعلى كى يقيم منزلا صغيرا له ولأسرته .
فقد كان جنونا أن يقف حمدى الفخرانى أمام هشام طلعت مصطفى ، فى قضية مدينتى ،لعدم التكافؤ فى كل شىء ،ولكن إيمان الفخرانى بأنه ينشد العدل ، وإن صاحب الحق دائما هو الأقوى، وأيضا ثقته فى القانون ورجال القضاء اللامحدودة جعلته يكمل مشواره على مدى سنوات عديدة ،وفى النهاية حصل على مبتغاه وما كان يصبو إليه ،وما جناه لم يكن قطعة أرض أو منفعة شخصية له، بل حكم عام سيستفيد منه عامة الشعب ،بل وسيفتح الباب كى تأخذ الدولة حقها فى أراضى بيعت لحيتان كبار فى غفلة من الزمن ،وتحت ستارالإستثمار والتعمير ، وتحولت أراضى الدولة إلى منتجعات سكنية فاخرة لم يستفد منها عامة الشعب ،وهم أصحاب الأرض الأساسين وليس وزير التعمير الحالى أو السابق أوالأسبق .
وبالتالى فإن كفاح الفخرانى هو بداية لترسيخ مبدأ محاربة الأفراد للفساد وكشف المظالم بالقانون وعن طريق القضاء ، بل فتح الفخرانى الباب كى يبدأ المجتمع المدنى ككل فى محاربة الفساد ،ولاسيما فى ظل ضعف دور نواب البرلمان - المنتمى معظمهم إلى الحزب الوطنى الحاكم - فى كشف الفساد ،بل وغياب المعارضة وتقاعس المستقلين عن القيام بهذا الدور ،إلافيما ندر ومن بعض نواب لايتعدوا أصابع اليد ، وأيضا عدم فاعلية الصحافة وأجهزة الإعلام المختلفة فى كشف قضايا فساد حقيقية، ولاسيما فى ظل الجراءة الشكلية لبعض الفضائيات الخاصة ، وأصبح بالتالى كشف قضايا الفساد الثقيلة يأتى من خلال الحكومة وأجهزتها الرقابية ،وهى قضايا محسوبة بالورقة والقلم ولها أبعاد سياسية فى بعض الأحيان ، ولكن تعبر فى الحقيقة عن جهود الدولة " العادية " فى محاربة الفساد .
ولكن هناك علامات إستفهام حول صمت أو عدم الأخذ بما كشفه الجهاز المركزى للمحاسبات ورئيسه المستشار جودت الملط ،عن أرض مدينتى ،بعد توقيع العقد مباشرة ، بل لماذا توضع معظم تقارير الجهاز عامة فى ثلاجة مجلس الشعب وأدراج بعض كبار كبار المسؤلين ؟.
فبعد الحكم النهائى من المحكمة الأدارية العليا فى قضية مدينتى ، خرج المستشار جودت عن صمته ،وطالب بمعاقبة محمد إبراهيم سليمان وزير الاسكان السابق لقيامه بالتوقع على عقد مدينتي، ولكونه المسئول الاول عن اهدار المال العام وسوء استخدام وتوزيع أراضي الدولة ،وقال لابد ان يحاسب ويعاقب على ذلك ..
واوضح أن توقيعه هذا - أى سليمان - تسبب في إلحاق خسائر استثمارية للدولة بلغت قيمتها 78 مليار جنيه مصري فقدتهم الدولة بسبب تقييم الاراضي باسعار عام 2006
واستنكر الملط من ما فعله محمود محي الدين - وزير الاستثمارالسابق - الذي وافق على تقسيط قيمة الغرامة الجزائيه التي أقرتها لجنة المخالفات لاسترداد حق الدولة وقيمته 2000 جنيه مصري للفدان أي ما يعادل 47 قرش للمتر المربع ،ولم يتم تحصيل هذه الغرامة فورية بل تسدد على خمس سنوات
والأدهى من ذلك انه - أى محى الدين - اعتبر هذه الغرامة نهائية ولا يجوز مطالبة المخالفين بأي غرامات أخرى . .
كما أوضح الملط إن جهاز المحاسبات هو أول من كشف عن مخالفات عقد مدينتي وسيقوم بتشكيل لجنة لاعداد ملف كامل عن اراضي الدولة.
وقد اشاد المستشار جودت الملط بحكم الإدارية العليا بتأييد حكم القضاء الإداري ببطلان عقد بيع أرض مدينتي ووصف الحكم بأنه إنتصر لتقرير المركزي للمحاسبات بعد أن شكك البعض فيه .
ومن يقرأحيثيات حكم الإدارية العليا يجد أن هناك فساد مقنن حدث فى بيع أرض مدينتى ، كما يكشف حجم الإنجاز الذى قام به مواطن مصرى مثابر وشريف ، فى أخذ حقه وحق الدولة بالقانون ،يعطى لنا أملا فى إمكان أى مواطن أن يكشف بنفسه أى فساد مادام يسلك طريقا قانونيا ويثق فى قضا ءبلده ، ويعطى أيضا الامل لمنظمات المجتمع المدنى المنوط بها حماية الحقوق وكشف الفساد فى أن تقوم بدورها دون يأس وكلل ،وكذلك يجعلنا نعيد الثقة والإعتبار لأجهزتنا الرقابية بصفة عامة والجهاز المركزى للمحاسبات بصفة خاصة ،والذى دق ناقوس الخطر عند بيع أرض مدينتى بثمن بخس ،ولم يلتفت إليه أحد لأن أصحاب المصالح من أعضاء البرلمان كان صوتهم أعلى بكثير وقتئذ .
ولكن لاصوت يعلو على صوت القضاء المصرى الذى أعطى الحماية الكافية لجنود محاربة الفساد سواء كانوا أفرادا أو مجتمعا مدنيا ، أو حتى اجهزة رقابية حكومية .
فقد جاء فى حيثيات حكم مدينتى ، التى أخرجتهاالمحكمة في 39 صفحة :أن عقد مدينتى وملحقه انصبا على تصرف هيئة المجتمعات العمرانية الى الشركة العربية للمشروعات والتطوير العمرانى (إحدى شركات هشام طلعت مصطفي ) في 8 آلاف فدان لإقامة مشروع مدينتى وإقامة وحدات سكنية من الاسكان الحر لبيعها للغير ومن ثم يكون هذا العقد عقد بيع مما يخاطبه قانون المناقصات والمزايدات في أدنى صوره وأضافت المحكمة أن هذا العقد أبرم في 1-8-2005 وملحقه في 21-9-2005 في ظل العمل بأحكام قانون المناقصات والمزايدات ومن ثم يكون خاضعا لأحكامه
ولفتت المحكمة أنه بمقارنة البيع الذى تم في تلك الحالة المعروضة فإن الوضع بدا وكأنه أمر عجب ففي حالة عقد مشروع مدينتى بدا التصرف في المال العام محاطا بالكتمان لايعلم أحد من أمره شيئا إلا طرفاه فتمخض الأمر على بيع أراضي الدولة بمقابل عينى ضئيل جدا يتم أداؤه خلال 20 عاما ويمكن زيادتها الى 25 عاما فضلا عن اشتمال العقد علي شروط مجحفة
وشددت المحكمة على أن العقد بدأ بالتصرف في 5 ألاف فدان زيدت في ملحقه الى 8 ألاف فدان إضافة الى تقرير حق شركة هشام طلعت مصطفي في الاستحواذ على مساحة 1800فدان بالشفعة
وشددت المحكمة على أنه بالنسبة للحالات الأخري فقد جري الاعلان عنها داخل مصر وخارجها بل جرت حملة إعلانية ضخمة للإخبار عن مزادات بيع تللك الأراضي ومواعيدها حيث وصل الاعلان عن ذلك الى ذروته وغايته قصدا لتحقيق الشفافية والعلانية وتكافئ الفرص حيث تنافس الجميع وحصلت الدولة على أفضل الأسعار وفق أنسب الشروط وأكدت المحكمة أن بدل الفارق بدا شاسعا بين عقد مدينتى وسعر البيع في الحالات الأخري اللاحقة رغم أن البيع اشتمل في بعض الأحيان على أراضي في ذات منطقة القاهرة الجديدة الكائن بها مشروع مدينتى وأن هذه البيوع تمت بفاصل زمنى في بعضها لا يزيد عن بضعة أشهر
وأوضحت المحكمة أنه بدا أن مقابل بيع أرض مدينتى ضئيلا جدا وغير متناسب مع قيمة الأرض المبيعة حيث يتم أداؤه وفق مراحل زمنية تصل الى 20 عاما أو تزيد أما في الحالات الأخري فقد بدا ثمن الأرض المبيعة عادلا ومتوافقا مع سعر السوق والذى تحدد خلال مزادات عامة علم بها من في الداخل ومن في الخارج فانبثق الأمل واتسع الرجاء وبدت صحاري مصر أراضي سكنية وجتمعات عمرانية بدت وكأنها كنوز لا تنفذ ومعين لا ينضب جديرة بحمايتها والحرص عليها من أن تبدد بأثمان بخسة
ولفتت المحكمة الى أنه في حالة أرض مدينتى اهتزت الثقة في السوق العقارى إثر علم المستثمرين بظروف وملابسات بيع أرض مشروع مدينتى ومقابله وشروطه وداخل الناس الشك في أسلوب وكيفية إخراج المال العام من ذمة الدولة الى الغير وتحديا الى مستثمر بعينه ( هشام طلعت مصطفي ) أما في الحالات الأخري فقد أقبل المتنافسون في المزادات في وضح النار فزادت موارد البلاد وأخذ الاستثمار العقاري طريقه الى النمو والازدهار.
وقالت المحكمة أن عقد مدينتى هو عقد بيع ورغم ما اشتمل عليه البيع من بيع مساحات شاسعة تكفي لانشاء مدينة بأكملها فقد جرى إبرامه بالأمر المباشر في خروج سافر وأهدار للمال العام ولأحكام قانون المناقصات والمزايدات وما تقضيه أصول الادارة الرشيدة من أن يجرى إبرامه من خلال مزايدة علنية أو مظاريف مغلقة يتبارى فيها المتنافسون وهو ما يعيب الإدارة التى انعقد بموجبها العقد ويلقي بظلاله على التوازن المالي مقابلا وشروطا للعقد وهو ما من شأنه أن يسئ العقد بوصفه بالبطلان
وأوضحت المحكمة أن المتعاقدين تعاملوا مع بائع ظاهر ( هشام طلعت ) بحسن نية ولن يضاروا من أثار الحكم وعلى الجهات المختصة مراعاة ذلك عند إعمال أثار الحكم والذى مؤداه إعادة أرض مدينتى ( 8 ألاف فدان ) الى هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة مع تقييد التصرف فيها بإتباع الاجراءات القانونية السليمة وبالمقابل العادل في الوقت الحالى والذى تسفر عنه هذه الاجراءات المنصوص عليها في قانون المناقصات والمزايدات
وتطرقت المحكمة الى الأراضي المخصصة بالأرض المباشر للأشخاص الطبيعين ( النقابات المهنية ) مؤكدة أنه لا صحة للقول بأن حكم بطلان عقد مدينتى سيلقي بظلاله على كل ما سبق أن خصصت له قطعة أرض من الأشخاص الطبيعيين أو النقابات أو النوادى وغيرها من الجهات التى تقوم على تأدية الخدمات لأعضائها ولا تستهدف الربح مضيفة أن التخصيص الذى تم لهؤلاء قد جري وفقا للقواعد المقررة بهيئة المجتمعات العمرانية ولائحتها العقارية بشأن الاسكان الاجتماعى لخروجه عن مفهوم البيع الذى يخضه لقانون المناقصات والمزايدات
وأختتمت الادارية العليا حكمها بالتأكيد على أنه لا ينال من حكمها أن نيابة الأموال العامة قررت حفظ التحقيقات في بلاغ إهدار المال العام في صفقة بيع أرض مدينتى خاصة وأن أمر بطلان عقد مدينتى من عدمه مسألة مستقلة عن هذا التحقيق الذى يتعلق بالمسئولية الجنائية وعما إذا كان هناك إهدرا للمال العام من عدمه
وأنا من جانبى لا أستطيع أن أعلق بكلمة بعد كلام المحكمة الرائع ، الذى أتمنى أن نستفيد منه أيما إستفادة ،ولا ننسى كالعادة.
حمدى البصير
elbasser2@yahoo.com