نسيم بسالم
في
الأربعاء ٠٦ - أكتوبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
الحق في القرآن الكريم
* حقَّ الشَّيء في اللُّغة إذا أُحكِم وصحَّ وثبُتَ وطابَق الواقِع المَوضُوعي لَه؛ ومِنه سُمِّي يَوم القِيامَة حاقَّة؛ لأنَّها ساعة لا رَيبَ فيها تُجمَع فيها الخَلائِق للحساب. ويستَعمل الله عزَّ وجل مُفرَدات (حقَّ، حقَّت) كثيرا في القُرآن بالمَعنى المَذكُور.
الخالِق الحق
* الحقُّ مِن أسماء الله تَعالى؛ لأنَّ وُجودَهig;دَه ثابِت لا مِريَة فيه، وأفعالُه صِدق لا مُعقِّبَ لَها ولا مُستَدرك!
{فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}[يونس : 32].
{ ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِين}[الأنعام : 62].
* قَولَه حق وكَلماتُه حق، ووعُودُه حق، وهُو وَحدَه يقُول الحق ويَهدي السَّبيل!
{قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام : 73].
{وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب : 4].
{قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ} [صـ : 84].
{وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} [الأنفال : 7].
{ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [يونس : 55].
* الله يَقضِي بالحقِّ، والذين مِن دُونه لا يَقضُون بشيء!
{وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[غافر : 20].
* الإله الحَق؛ خلَق السماوات والأَرض بِحق؛ أي بإحكام ودِقَّة؛ تحقيقا لِحكم بالِغة...
}وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ{[الأنعام : 73].
}هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ{[يونس : 5]
}أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ{[إبراهيم : 19].
}وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ{[الحجر : 85].
}خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ{[النحل : 3].
}خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ{[العنكبوت: 44].
* وحيَن يُريدُ بعبادِه سوءا؛ فإنَّه يَفعَل ذَلك بالحقِّ!
{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاء فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[المؤمنون: 41].
* أفعالُ الله تعالى وتصرُّفاتُه في مَلكُوتِه حق كلُّها ؛ ولَكنَّ كثيرا مِن أفعالَ البَشَر ليسَت كَذلك! فلِذا نَجد في بَعض الآيات التَّوجيه إلى فِعل الحق والحث عَليه... لنتأمَّل هذه الآيات البيِّنات...
أولا: أفعالُ الله
{مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ}[الحجر : 8].
{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ}[الأنفال : 5].
{وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ. لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}[الأنفال :7- 8].
ثانيا: أفعالُ العباد
{الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [الحج : 40].
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[آل عمران : 21].
{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا}[الأعراف : 146].
*{ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [فصلت : 15].
{ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ}[غافر: 75].
{وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ}[القصص : 39].
{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}[الأعراف : 33].
{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً}[الفرقان : 68].
* ما دامَ أنَّ الله وَحدَه يَقُول الحقَّ ويَهدي السَّبيل؛ وكلُّ مَن سِواه مُهتد لا هاد! فَمن أحقُّ أن يُتَّبعَ ويُستَمسَك بِغرزِه، ويُقتَفى بِه إذنَ؛ الهادي أصالَة؛ أم الذي لا يَهدِّي إلاَّ أن يُهدى؟! فمالِ هؤلاء القَوم لا يكادُون يَفقَهُون حَديثا!
{قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}[يونس : 35].
تعليق: أين محل مَن لا يفتأ يُردِّد عبارَة "البَحث عن الحقيقة" من الإِعراب؟! ما دامَ أنَّ الله تكفَّل بإظهار الحقِّ لِعبادِه؛ ولَم يكُن ليُهلِكهُم حتَّى يُبيِّن لَهُم ما يتَّقُون؟!
فائدة: الفَرقُ بين عبارتَي: "يهدي إلى الحق"، و "يهدي للحق" أنَّ الأولى تُقالُ فيمَن كان بَعيدا عن الحق ويُرادُ أن يُهدى إليه؛ والثانية تُقالُ فيمَن اهتَدى إلى الحق، ولَكن لمَّا تتَّضح له جميع معالمِه؛ فيبتغي التَّعرف عليها؛ فلذا استَعمل الله العبارة الثانية لتدُلَّ على مُنتهى تبيين الحق مِن قِبل الخالق عزَّ وجل.
الكتاب الحق
* القُرآن مصدَر الحقِّ ومَنبعُه؛ ولا يستحقُّ الوَصفَ ب "الحق" على وَجه الكَمال إلا كِتاب الله تعالى!
-{وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً}[الإسراء : 105]
-{وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}[هود : 120].
-{وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ}[فاطر : 31].
-{ وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ}[يونس: 53].
-{ فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات : 23].
-{ إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ. فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة :95- 96].
[البقرة : 213].
{تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}[البقرة : 252].
{تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ}[آل عمران : 108].
}تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ{[الجاثية : 6].
تعليق: واضِح أنَّه لا يستَحق وَصفَ "أهل الحق" إلاَّ مَن رَسَخ في عِلم البيِّنات، وأحاطَ علما بالآيات!
* أرسَل رسُوله بالهُدى ودين الحق ليُظهِره على الدين كلِّه!
-{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً}[النساء : 170].
-{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ}[البقرة: 119].
-{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة : 33].
-{بَلْ جَاء بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ}[الصافات : 37].
-{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}
* قصص القُرآن حق لا زَيف فيها ولا تزوير للحَقائِق والأَحداث!!
{إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللّهُ وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[آل عمران : 62].
* أنباءُ القُرآن كلُّها حق وصِدق!
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ }[المائدة : 27].
{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}[الكهف : 13].
{نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[القصص : 3].
أوصاف الحق
* الحقُّ القُرآني مُبين، وساطِع سُطوع الشَّمس في رابِعة النَّهار؛ إلا مَن جحَده وغطَّاه، بعدَما عَلمَه!
}وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ{[البقرة : 109].
}فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ{[النمل : 79].
* الحقُّ القُرآني لوُضوحِه وجلائِه لا يستَنكِر نُورَه الوهَّاج إلا أعمى البَصيرة!
{أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} [الرعد : 19].
* الحق القُرآني مُبين واضِح مُيسَّر للفَهم؛ على العَكس ممَّا يدَّعي البَعض أن لا إمكانَ لادِّعاء حَقيقَة ما مَهما كانت، وأنَّ كلَّ شيء قابِل للاختِلاف والرَّأي الآخَر، ولو كانَ الأَمر كذَلك؛ لكانَ القُرآن هُلاميَّا مُعرَّضا لنَزعات البَشر وأهوائِهم، ولم يُصبِح الحَكم والميزان والمُهيمِن!
{فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} [النمل : 79].
* الحقُّ القُرآني مُثبِّت للإِنسان أمامَ الزَّعازِع والفِتن والأهواء!
{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}[النحل : 102].
}وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ{[البقرة : 144].
* الحَقُّ ظاهِر، والبَاطل زاهق؛ ولَو طالَ الزَّمان؛ وجَولة الباطِل ساعَة، وصَولَة الحقِّ إلى قيام السَّاعة!
{وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} [الإسراء : 81].
تعليق: الزهق في اللغة هو الذَّهاب القَهري للشَّيء بِلا اختِيار.
{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}[الأنبياء : 18].
{قُلْ جَاء الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ}[سبأ : 49].
* مثلُ الحقِّ والبَاطل في القُرآن كمَثل سَيل لا ينتَفِع النَّاس مِنه إلا بما ارتَوته الأَرض مِن ماء، وأمَّا الزَّبد فيُرغي ويَطفُو ثمَّ يضمحلُّ ويَذهب جُفاء! لنتفيَّأ ظِلالَ هذا المَثل القُرآني الرَّائع الآخِذ بالأَلباب!
{أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ}[الرعد: 17].
* واللَّه تَعالى يُري عِبادَه مِن العجائِب والآيات ما لا يدَع لَهُم مَجالا للشَّك بأنَّ القُرآن حق، ووعودَه حق، والمَصير حق!!
{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت : 53].
* الحقُّ قَوي صَامِد مَهما تلبَّدَت جحَافِل الباطِل مِن حَولِه وسَحرَت أعيُنَ النَّاس واستَرهَبتهُم!
{وَجَاء السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإَنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) قَالُواْ يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122)} الأَعراف.
تعليق: مِمَّا يُستَفادُ مِن هذه الآيات البيِّنات في مُحاوَرة أهل البَاطل أن يَدعهُم الإِنسان يستَفرِغُون ما بِجُعبَتهم ثمَّ يُلقي إليهم بالحقِّ فيَدمَغُ أباطيلَهُم، ويَنسِفُ حُجَجَهم.
{ قَالُواْ يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (118)} الأَعراف.
* القُرآن قادِر على ردِّ كافَّة الشُّبهات والأَضاليل؛ لِقوَّته المُستمدة مِن لدن كبير مُتعال!
{وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً}[الفرقان : 33].
* لو رضَخ الحقُّ الرَّباني لِأهواء البَشر ورُعوناتِهم لاختلَّ النِّظامُ الكَوني بأسرِه، وليسَ النِّظام الاجتماعي الإنساني فَحسب، ولذا أمَرنا الخالِقُ العَظيم أن نُقيمَ الوَزن بالقِسط ولا نُخسرَ الميزان!!
{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ}[المؤمنون : 71].
* الإِنسان مُخيَّر بَعدَ ذَلك إن شاءَ آمَن بالحقِّ وإن شاءَ كَفر بِه؛ الخالِق عَزيز وكِتابُه عَزيز؛ مَن صَعِد إلى أُفُقِه استَنارَ واهتَدى، ومَن أضرَب عَنه صَفحا قَبع في براثِن الظُّلُمات!
{وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} [الكهف : 29].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً}[النساء: 170].
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ} [يونس : 108].
تعامُل المؤمنين مَع الحق
* مِن تَمامِ إدراكِ الحق القُرآني أن يَخر المَرء ساجدا لربِّه، وتفيضَ عيناه بالعبَرات خُشوعا وإجلالا لكلام ربِّ العزَّة سُبحانَه! ونمُوذَج النَّصارى في سُورة المائِدة أروَع مثال!
{وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ. وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ. فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ}[المائدة:83-85].
* "أولُوا العلم" الحقيقيين الجَديرين بهذا اللَّقب؛ هُم الذين خَضعت رِقابُهم ساجدة لكلام باريها في كِتابِه! وأخبتت قُلوبُهم لسماع آيِه!
{وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ : 6].
{وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ} [الأنعام : 114].
{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الحج : 54].
{وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا}[القصص : 53].
* ألم يانِ لنا إذَن أن تَخشَع قُلوبُنا لِذِكر الله وَما نَزل مِن الحق! أما آن لَنا أن نتخلَّى عن الشُّركاء والأَنداد؟!
{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}[الحديد : 16].
* ومِن تمام اعترافنا بحقيقَة القُرآن أن لا نشُكَّ فيه ولا نرتَاب ولَو مِثقالَ ذَرَّة!
}الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ{[البقرة : 147].
}أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ{[الأنعام: 114].
}فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ{[يونس : 94].
* مادامَ القُرآن الكَريم حقا مُطلَقا؛ ناصِعا بيِّنا؛ فلا مَناصَ مِن الاحتكامِ إليه في كلِّ صغيرَة وكبيرَة!
{إنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً} [النساء : 105]
* ولابُدَّ أن لا نَقُول على الله تعالى إلاَّ الحق؛ ونَدع الافتراء والزُّور! كما كانَ الأنبياءُ والمرسَلُون صلَوات ربي عليهم أجمَعُون!
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ} [النساء : 171].
{حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ} [الأعراف : 105]
{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ؟} [الأعراف : 169].
{الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام : 93].
{وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ. مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [المائدة :116- 117].
تعليق: أينُ نَحنُ مِن مَنهج سيِّدِنا عيسى عليه السَّلام (سبحانَك ما يكُون لي أن أقول ما ليس بحق). (ما قُلتُ لَهم إلا ما أمرتَني به؟)؛ هل نحنُ نتقيَّد بالضَّوابط والأُطُر القُرآنيَّة في طُروحاتِنا؟ في مَناهِجنا؟ في مقرَّراتِنا التَّعليميَّة؟ في وسائِلنا الإعلاميَّة؟...
* ليَحذَر المَرء مِن اتِّباع الأَهواء وأفكارَ البَشر على حسابِ الحق القُرآني المُبين!
{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} [المائدة : 48].
* المؤمن الحق لا يستهزئ بكلمة قرآنيَّة، ولا يُهوِّن مِن شَأنِها؛ وفاعِل ذَلك لا يُوفَّق ولا يُهدى إلى الصِّراطِ المُستقيم... لنتأمَّل آية البَعُوضة؛ فهي نص في هذا الشَّأن...
{إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ}[البقرة : 26].
{وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}[الأحزاب : 53].
* كثير من الكلمات القُرآنيَّة لا نَفهَم مَعانيها على وَجه القَطع؛ ولَكن نَحنُ مأمورون أن نُدرِكَ أنَّها الحق ونَخشَع لَها، ولا نَقُول: ماذا أرادَ الله بهذا مَثلا على سبيل التَّعنُّت والتَّحقير للكلمة القُرآنيَّة؟!
فَمن ذَا الذي يَقطَعُ في دلالات هذه الآيات مثلا ويَجزِم؟!
} وَالصَّافَّاتِ صَفّاً (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4){الصافات.
} وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً (5){النازعات.
} َالذَّارِيَاتِ ذَرْواً (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْراً (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً (4){الذَّاريات.
* الحِكمَة من آيَة البَعُوضَة يُكرِّرها الله تعالى في سُورة المُدَّثر بِنفس العبارات تَقريبا في سياق كلمة "تسعة عشر"!
} عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ [المدّثر : 30]. وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ{[المدّثر : 31].
* الخالِق العَظيمُ يَطلُب مِنَّا أن نأخذ الحقَّ القُرآني خالصا صافيا غيرَ مُكدَّر ولا مَشُوب بشيء ينقُضُه ويَهدِم أُسسَه؛ كما كانت طائفة من أهل الكتاب تَفعل!
{وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ}[البقرة : 42].
* وَجب عَلينا أن نُبلِّغ الحقَّ للعالمين ولا نكتُمَه حتى لا نستَحقَّ اللعنات الإلهية! والكِتمانُ هو تغطية الحقائِق القُرآنيَّة، وعدَم تبيينها للنَّاس مَع القُدرَة والاستِطاعة.
} وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ{[البقرة : 42].
}إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{[البقرة : 174].
* وَوجبَ علينا أن نُنذِر بِه الذين يخافُون أن يُحشَروا إلى ربِّهم، ولا نألوا في ذَلكَ جُهدا!
{ألم. تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ . أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ}[السجدة :1- 3].
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ}[البقرة: 119].
* الحقٌّ ثقيل على كثير مِن النُّفوس؛ فلِذا فإنَّه يَحتاجُ إلى تَواص عليه ورِباط وصَبر!
{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} العَصر.
موقف الأشقياء مِن الحق
* ما يتَّبِع أكثَر النَّاس إلاَّ ظنونا وأوهاما وسرابا؛ وذَلك لا يُغنيهِم مِن الحقِّ شَيئا...
{وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} [يونس : 36].
{وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [يونس : 53].
* أكثَرُ النَّاس لا يُومِنون وأكثَرُه للحقِّ كارِهُون!
{فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ} [هود: 17].
{المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ} [الرعد : 1].
{بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}[المؤمنون : 70].
* والسَّببُ أنَّهُم لا يَعلَمُونَه؛ لأنَّهُم لا يَتدبَّرون القُرآن!
{بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ}[الأنبياء : 24].
* وَأكثَر مِن ذَلك؛ يُجادِل الذين كَفروا بالبَاطل ليُدحضُو به الحق، وما أكثَر تجلِّياته في عَصرِنا؛ ويأبَ الله إلا أن يُتمَّ نُورَه وَلو كَره الكافِرون!
{وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُواً} [الكهف : 56].
* ولَكن لا تَزال في جَميعِ الأمم طائِفة تَهدي بالحقِّ وبِه تَعدِل!
{وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}[الأعراف : 181].
{وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف : 159].
* المُعارِضُون للحقِّ يَصِفُونَه بالسِّحر؛ لأنَّهُم يَرون مَفعُولَه فيمَن استَجابَ لِفِطرتِه وانصَاع لَه كمفعول السِّحر في المَمسُوس سواء بِسواء!
{فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَـذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ} [يونس : 76].
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ}[العنكبوت : 68].
* مَن كذَّبَ بالحقِّ القُرآني أخلَط الله أمُوره، ولبَّسَ عليه فِكرَه؛ فكانَ لا يَهتَدي، وأنَّى لَهُ أن يستَبصِر وقَد أعمى الله بَصيرتَه؟!
{بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ} [قـ : 5].
تعليق: المَرج في اللُّغة أصل يدُل على مجيء وذَهاب واضطِراب؛ ومَرِج الخاتَم في الأصبع إذا قَلِق؛ ومَرجت أمانات القَوم وعُهودهم إذا اضطَربَت واختَلطَت.
{فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}[الأنعام : 5].
{وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ. لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}[الأنعام : 66-67].
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ} [العنكبوت : 68].
ظهُور الحق في الآخِرة
* مَن أعرَض عَن الحقِّ لمَّا جاءَه في الدُّنيا؛ أراهُ الله إيَّاه في مَنازِل يَوم القيامَة فاستيقَنه ولكن ولاتَ حينَ مَناص؛ والبداية بالمَوت!!
{وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ [قـ : 19].
* ثمَّ يَأمُر الله تعالى بالنَّفخ في الصُّور فيَسمَع الصَّيحة بالحق!
{يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} [قـ : 42].
* وجاءَ اليَومُ الحق؛ فيا بَختَ مَن قدَّم لِحياتِه، واتَّخذَ إلى ربِّه مآبا!!
{ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً} [النبأ : 39].
* ثمَّ يُسأل الأشقياء؛ ماذا قالَ ربُّكم؟ قالوا الحق؟! ولكن لا تنفعهم مقولُتهم هذه وقَد عاينُوا العذاب!
{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}[سبأ : 23].
{وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} [الشورى : 18].
تعليق: المؤمنُون تيقَّنُوا أنَّها الحق في الدُّنيا فاستَعدوا لَها، وأمَّا الأشقياء فلَم يستيقنوها إلا حينَ لم يستَطيعوا أن يكُفّوا عَن وُجوههم النَّار ولا ظُهورِهم!
* ثمَّ تُوزَن عَليهم أعمالُهم الشِّريرة بالحق؛ ويدَّاركُوا في النَّار كلٌّ حَسب جرائره وما اقترَفته يداه!
{وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف : 8]. وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ}[الأعراف : 9].
* يُقالُ لَهُم: هذه كتُبُكم تنطِق عليكُم بالحق؛ إنا كنا نستنسخ ما كُنتم تعملُون!
{هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[الجاثية : 29].
* ثمَّ يُعرَضُون على جهنَّم، ويُقالُ لَهم: أليس هذا بالحق؟! قالوا بلى وربِّنا!
{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} [الأحقاف : 34].
{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} [الأنعام : 30].
* فهَل ينتَظِر المُستَنكِفُون عَن الحق القُرآني إلا تأويله؟! (أي عاقبتَه)؛ يومَ يأت تأويلُه لا يَنفَع نفسا إيمانُها لم تَكُن آمنَت مِن قبل أو كسبَت في إيمانِها خيرا!
{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} [الأعراف : 53].
بقلم الطَّالب: نسيم بسالم