خلق وموت وبعث الكون كله :
لكل نفس بشرية جسدان ( 4 ) بعث الجسد الآخر

آحمد صبحي منصور في الأحد ٠٣ - أكتوبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة :

1 ـ لكل نفس بشرية جسدان ،أولهما مادى ينتمى الى هذا العالم ،أى من ماء وتراب ، والآخر هو طاقة ـ أى عمل الانسان ، وستتجسد تلك الطاقة لتكون ثوبا ترتديه النفس حين البعث ، بعد أن تأخذ حظها فى الحياة على هذا الكوكب ثم تموت .

2 ـ خلق الانسان وموته وبعثه مرتبط بخلق وموت وبعث الكون ، كلها تفصيلات فى خريطة البداية و النهاية التى أنشأها وفطرها الخالق جل وعلا، الذى لم نقدره حق قدره فجعلنا بعض مخلوقاته قرينا له ..سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا.

/p>

3 ـ والانسان الظالم لربه جل وعلا والذى لم يقدر ربه جل وعلا ينكر البعث ، ويرد عليه رب العزة بالتذكير بأن الذى خلق السماوات والأرض ـ بلا تعب ـ قادر على أن يحييهم بعد موتهم : ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ( الأحقاف 33 ). وفى تفصيل آخر يقول جل وعلا:(  وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ( الروم 25 " 27 )، فالبعث أهون من خلق السماوات والأرض وتدميرهما وإعادة خلقهما ، فهذا هو المثل الأعلى لما سيجرى للانسان من خلق ثم موت ثم بعث.

ولأن كل شىء محسوب بأدق ما يمكن تصوره من تفصيلات فإن خلق الانسان ونفسه وجسده الأول وجسده الأخير كلها تفصيلات فى منظومة كبرى غاية فى التعقيد وغاية فى التنظيم والحساب والتقدير. دعنا نبدأ قصة الكون من أولها الى نهايتها من خلال القرآن العظيم:

 

أولا : خلق الكون : ( الانفجار الأول : انفجار الميلاد )

 

1  : يقولون بنظرية الانفجار الكونى الهائل ، أى إن الكون كان فى بدايته على هيئة مادة مكدسة الى أبعد الحدود ، ولما زاد الضغط عليها انفجرت وتناثرت وأخذت تتمدد وتنتشر الى يومنا هذا ، ونشأ عنها الكون المعروف لنا من الأرض والكواكب والنجوم والمجرات .ونشرت جريدة الأخبار بتاريخ 14 نوفمبر 1989 ان وكالة الفضاء الأمريكية ناسا تبدأ فى ذلك الوقت تنفيذ برنامج علمى يتكلف 400 مليون دولار يستخدم قمرا صناعيا لدراسة الاشعاعات المتخلفة عن الانفجار الاكبر الذى وقع منذ 15 مليار عام ، وتمخض عنه الكون بما فيه من نجوم ومجرات .

وهناك رأى آخر يجعل حدوث الانفجار الأول من 18 مليار عام ، وقد اكتشف العلماء عام 1965 صدى لموجات كهرومغناطيسية ضعيفة فسروها بأنها صدى هذا الانفجار الأول ، وأنه يمكن رصدها حتى الآن .وفى 11 ابريل عام 1990 نشرت الأخبار أن التليسكوب العملاق هابل تم إطلاقه فى مهمة تستغرق 15 عاما لتحديد تاريخ نشأة الكون ، من وقت الانفجار الأكبر الذى يتراوح بين 10 اى 20 مليار سنة ضوئية.

2 : وقبلهم يقول رب العزة (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا )( الأنبياء 30 ). ( الرتق ) اى الذى لا مسام فيه ، و( الفتق ) هو الانفجار الآتى من الداخل ، وهو تصوير معجز لمادة مكثفة مكدسة تفجرت من داخلها ، وجاء التعبير مكثفا بأقل كلمات ممكنة باللغة العربية فى وصف ما يسمونه بالانفجار الأكبر (  Big bang).

 3 : ولكن رب العزة يضيف لنا مقدما ما لم نصل الى معرفته بعد .

*فالانفجار لا يقتصر على ما نسميه بالكون ( أى الكواكب والنجوم والمجرات ) ولكن يشمل السماوات السبع ، وهى التى لم يصل اليها علمنا الراهن بعد .

*كما إنه لم يصل بعد الى حكمة التخصيص الدائم للأرض وجعلها مقرونة بتلك السماوات .

بل إن الأرض تتكون من سبع أرضين ، لا نعرف منهن سوى التى نعيش عليها : (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ) ( الطلاق 12 ).

*بل إن هذا الكون ـ  بنجومه ومجراته والذى تعتبر الأرض حبة رمل فى صحرائه ـ لا يساوى فى التقييم الالهى سوى فاصل يقع بين الأرض والسماوات ،أو هو ( ما بينهما ) :(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) ( السجدة 4)

 

ثانيا : تخليق كونين متناقضين يجريان ، واتساعهما وامتدادهما فى اتجاهين مختلفين :

  

1 ـ أكّد رب العزة أنه جل وعلا هو الأحد الصمد الذى لازوجة له بينما يوجد زوج أو نقيض لكل المخلوقات من جماد وطاقة وحيوان ونبات وانسان وجن وملائكة وكون ونجوم ومجرات وارض وسماوات ،يقول جل وعلا :(وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا) ( الزخرف 12 ).

2 ـ وهذه الزوجية تصاحب توسع الكون وامتداداته ، يقول جل وعلا: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ  ) ( الذاريات  47 : 49 )، فهنا تأكيد على اتساع الكون :(وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ )، وهذا التوسع والامتداد فى المجرات وفى السماوات يرتبط بقانون الزوجية ، أى خلق الله جل وعلا خلال هذا التوسع والامتداد زوجين من كل شىء : (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ )، أى فكل شىء نعرفه أو لا نعرفه له زوج أو نقيض ، نفهم هذا من قوله جل وعلا :(سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ  ) ( يس 36 ) أى إن قانون الزوجية ـ أو التناقض ـ يسرى على كل الكائنات والمخلوقات ، من الانسان ( ذكروأنثى ) ومن النبات ـ ومما لا يعرفه البشر.

ثالثا : ( الانفجار الثانى : انفجار الموت ): تلاقى الكونين المتناقضين وانفجارهما وتدميرهما والعودة الى نقطة الصفر:

 

 يقول جل وعلا (  يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) ( الأنبياء 104 ) التشبيه هنا غاية فى الايجاز والاعجاز ، أى من نقطة الصفر انفتح الكتاب ، ثم أعيد قفله بالتقاء الطرفين المتباعدين ، بما يعنى شيئين : أن البداية من الصفر والنهاية الى الصفر ، وأن الامتداد محسوب الى (أجل مسمى ) حيث يسير الطرفان النقيضان ( الزوجان ) فى مسار مقوس ينتهى ىبهما الى الالتقاء ، والالتقاء يعنى الصدام ، والصدام يعنى الانفجار ، والانفجار يعنى العودة لنقطة الصفر ، أى مجىء الانفجار الثانى بالموت بعد أن جاء الانفجار الأول بالميلاد .

إن كتاب الكون بعد أن يكتمل انفتاحه وتوسعه تلتقى حافتاه فيحدث الانفجار الثانى ويتدمر أو يموت راجعا الى نقطة الصفر الأولى .

رابعا :البعث والقيامة يعنى مجىء الله جل وعلا ولقاؤه :

ويبدأ بعدها خلق أو بعث عالم جديد ، يقول جل وعلا :(يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ  ) ( الأنبياء 104 : 105 )، فانفجار الموت يعنى بعثا لكون جديد بأرض جديدة يرثها العباد الصالحون ، وكما بدأ الله جل وعلا أول خلق فهو يعيد خلقه بالبعث ، غاية ما هناك أن تأتى أرض خالدة وسماوات  خالدة لتحل محل الأرض الزائلة و السماوات الزائلة.

وهذا العالم الخالد الجديد هو الذى يتحمل مجىء الواحد القهار:(يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار ) ( ابراهيم 48 ). إنه يوم القيامة حين يقوم الناس لرب العالمين ، والذى ينكره الظالمون (أَلا يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) ( المطففين 4 : 6 ). فيه تتدمر الأرض ويأتى ربك والملك صفا صفا وتأتى جهنم ويندم الانسان المخطىء الخاسر: ( كَلاَّإِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُوَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي )( الفجر 21 : 24).

خامسا : يومان : يوم الدنيا ويوم الآخرة :إذن هما يومان ، يوم زائل ويوم خالد .

1 ـ اليوم الزائل له بداية ونهاية ، من الانفجار الأكبر الأول الى الانفجار الثانى بتدمير هذه الأرض والسماوات ومابينهما وما يتخللهما من عوالم البرزخ . اليوم الآخر الذى لا ثالث له هو اليوم الخالد الذى يبدأ ببعث أو إعادةخلق الارض والسماوات وبعث البشر، ورجوعهم الى الله جل وعلا  ، فاليه المصير واليه ترجعون ، ويكون حسابهم ومآلهم ـ حسب عملهم ـ خالدين فى الجنة أو خالدين فى النار .

2 ـ فى اليوم الأول الزائل ( الدنيا ) يكون للانسان جسدان ، أحدهما مادى تتخلله النفس والآخر يخلقه الانسان بعمله خلال المدة التى يعيشها فى هذه الدنيا ، ثم يموت جسده المادى ويعود الى الأرض وتعود نفسه الى البرزخ وينتظرها عملها ، ولكن حين يتم البعث يكون للنفس جسد واحد ، إذ ترتدى النفس ثوب عملها الذى عملته ،فإن كان صالحا ونورنيا أصبحت به صالحة لدخول الجنة .وإن كان شرا وظلما وظلاما اسود به وجهها ودخلت به النار تتعذب فيها أبد الآبدين .

3 ـ فى اليوم الأول يتمتع البشر بالحرية المطلقة فى التفكير والتدبير والطاعة والمعصية والايمان والكفروالقول والفعل وعدم الفعل. ويفقدون هذه الحرية عند الاحتضار ، ويؤتى بهم جميعا فى اليوم الآخر فاقدى الحرية فى البعث والحشر والعرض والحساب . وبعدها ينقسمون الى قسمين ، من يدخل الجنة يستعيد حريته ويقضى حياته منعما حرا ، ومن يدخل النار يتجرع العذاب ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ، ولا يستطيع الفرار ولا أمل له فى التخفيف أو الامهال أو الانتظار أو حتى الموت ..ويظل هكذا أبد الآبدين .

سادسا :مقدار اليوم الأول

1 ـ يبقى التساؤل الهام : إذا كان اليوم الأول الزائل له بداية وله نهاية ، فكم مقداره من بدايته الى نهايته ؟ كم هو عمر هذه الدنيا من بداية الانفجار الكبير الأول الى تدمير العالم بالانفجار الثانى القادم ؟ يمكن أن نعرف الاجابة من بداية سورة المعارج : (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا ) ( المعارج 1 ـ ).

2 ـ نتصورمن خلال فهمنا القاصر للقرآن الكريم أن الله جل وعلا أخذ قطعة ضئيلة من الزمن الخالد وفجّرها فكان منها الانفجار الأول الأكبر حيث تحولت تلك القطعة الضئيلة من الزمن الخالد الى زمن متحرك يتخلل مادة وطاقة منبعثة منه بأبعادها الثلاثة ويصبح الزمن فيها الضلع الرابع المصاحب للمادة . ولأنه أصبح زمنا متحركا فتختلف درجات هذا الزمن باختلاف سرعة المادة وحركتها ودرجة اهتزاز ذراتها . ويتوسع الكون بجزئيه المتناقضين ويستمر التوسع المقوس الى ان يلتقى النقيضان فيحدث الاتفجار ويتم تدمير هذا العالم الحادث الزائل ويبقى منه الأصل وهو تلك القطعة الزمنية المأخوذة من الزمن الأبدى الخالد ،وقد التصق بها عمل كل انسان فى بطاقته الخاصة به ، والتى ستكون الوصلة بالنفس حين البعث. قطعة الزمن هذه ستعود الى الأصل الذى جاءت منه ، وهو الزمن الخالد  والذى يكون أساس وجود اليوم الآخر الذى لاماض فيه ولا مستقبل . زمن حال مضارع راهن لا نستطيع تصوره .

 

3 ـ هذه القطعة المأخوذة من الزمن الخالد ـ بعد تفجيرها الى مادة وطاقة تم مدها لتغطى مادة الكون وتتخلله ، وفى امتدادها تحولت الى زمن متحرك طوله خمسون ألف عام بالحساب الالهى ، وليس بحسابنا البشرى ،  خلال هذه الزمن أوكل الله تعالى للروح ( جبريل ) والملائكة تصريف هذا العالم فيما يخص الانسان ، فالروح لنفخ النفس والوحى الالهى والنزول بالحتميات ، وهناك ملائكة لحفظ الأعمال وملائكة للموت . وهم يصحبون الكون فى هذا اليوم ويعرجون به الى الله جل وعلا ، وحين تنتهى مدته ( الخمسون ألف عام بالحساب الالهى ) يكون لقاء الله جل وعلا وحساب البشر :( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ  ).

4 ـ الخمسون الأف عام هى بالحساب الالهى وليس بحسابنا ، إنه الحساب الذى على أساسه خلق الله السماوات والأرض فى ستة أيام:( وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ )( هود7 ). ستة أيام غير أيامنا بالطبع . ومعروف اختلاف اليوم الأرضى عن أيام الكواكب الأخرى فما بالك بالنجوم والمجرات وبلايين السنوات الضوئية ؟ وما هو الحال فيما وراء ذلك فى البرزخ ؟ وفى السماوات السبع التى لا يعرف العلم الحديث عنها شيئا بعد ؟ 

جدير بالذكر ذلك الاختلاف فى تقديرات الزمن حسب مستويات العوالم، يقول جل وعلا (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ) ( الحج 47 ). هم يستعجلون العذاب ، والرد أنه آت ، وأن يوما بالتقدير الالهى مثل ألف سنة بالتقدير البشرى .( لاحظ كلمة ( مثل ) أى مجرد تشبيه هنا وليس باسلوب التقرير الدقيق ). وفى تدبير الأمر الالهى بين السماء والأرض وعروجه للرحمن يقول جل وعلا : (يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ )( لاحظ عدم استعمال كلمة (مثل ) هنا لارتباطها بليلة القدر وتقدير الحتميات المحسوبة بدقة للبشر ).

ولكن فى الحالتين قال جل وعلا (مِّمَّا تَعُدُّونَ ). ولكن فى موضوع الخمسن ألف عام لم يقل مما تعدون ،أى الخمسون ألف عام هى زمن الاهى يستحيل علينا تخيله.

5 ـ ومع ذلك فهو قريب :(إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا ).

لقد اقترب موعد هذا اليوم ، ومن 14 قرنا نزلت آخر رسالة الاهية للبشر دليلا على اقتراب القيامة  وفى هذا الكتاب جاء التأكيد بأن الله جل وعلا خلق السماوات والأرض ليختبر الانسان : (وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) ( هود  7)وأن الله جل وعلا سيدمر السماوات والأرض واليه سيرجع الخلق .

وما بين هذا وذاك وخلال الخمسين ألف عام من الحساب الالهى ستتلقى الملائكة أوامر الرحمن بتدبير الحتميات الأربع الخاصة بالبشر، وهى الميلاد والوفاة و الرزق والمصائب ، وتنزل بها سنويا فى ليلة القدر . يقول جل وعلا :(  يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ) ( السجدة 5 ).( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ  ) ( سورة القدر )

ما يذكره القرآن الكريم غيوب ستتحقق . ربما يصل العلم لبعضها قبل اليوم الآخر ، ولكننا سنراها متحققة واقعة عين اليقين يوم الدينن وسنعلمها علم اليقين (كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ  ) ( التكاثر5 : 7 ).عندها سنعرف أن القرآن الكريم هو الحق اليقين: (وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ ) (  الحاقة 51) .

والعلم الحديث وصل الى مشارف بعض ما أخبر به رب العزة فى القرآن الكريم

أخيرا : بعض ماتوصل اليه العلم من حقائق القرآن الكريم:

 

ننقل من كتاب د/ عبد المحسن صالح ( الكون والكون النقيض ) هذه المعلومات عن طبيعة الكون المعروف لنا من نجوم ومجرات :

 

خلق الكون من مادة وطاقة :

فالكون المعروف لنا يتكون من مادة وطاقة،وكل ما حولك وما فيك قد اتخذ شكل المادة ولكنها مادة مجسدة من طاقات جبارة أو أشعاعات مدمرة، والمادة والطاقة وجهان لشسئ واحد وتقود أحداهما للأخرى ، وبهذا تنبات أحدى معادلات النظرية النسبية التى تقول :الطاقة = الكتلة في مربع سرعة الضوء بالسنتيمتر في الثانية ،أو (ط= ك في س2 ). فالطاقة الرهيبة المدمرة التي تظهر عن التفجير هي جزء ضئيل من المادة تحول إلى طاقة تفوق تصورات البشر، وكذلك فإن الشمس والنجوم تحول جزءا من مادتها إلى طاقة . والكون كله مادة وطاقة وهما وجهان لشيء واحد ، فإذا إختفت المادة ظهرت على هيئة طاقة او موجات،وإذا تجسدت الطاقة ظهرت في صورة مادة ..

 

 خلق الكون كونين : كون وكون نقيض ( قانون الزوجية فى القرآن : "وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ")

1 ـ أشارت معادلة ديراك إلى إمكان تجسيد الطاقة وتحويلها من قبسة ضوء جارفة واشعة جاما غير المنظورة إلى جسمين  سويين أحدهما نقيض الآخر .

واستطاع العلماء تخليق اللكترون ونقيضه في معاملهم الأرضية بالبلايين . 

في اكتوبر 1955 استطاع الأمريكان تخليق البروتون النقيض ، وقد انطلق بسرعة 10 الف كم في الثانية ومات بعد ان قطع مسافة 12 متر في 51 جزء من الف مليون جزء من الثانية . ومات لأنه لا ينتمي لهذا العالم .

وفى سنة 1977 توصل العلماء إلى تخليق نواة نقيضة لذرة الهيدروجين عندما نجحوا في السيطرة على تجميع بروتين نقيض مع نيترون نقيض في نواة ولكن النواة النقيضة ما لبثت أن ماتت في لحظة خاطفة لتتحول إلى موجات كهرومغناطيسية .وأصبح بالإمكان تخليق الأيدروجين النقيض والكربون النقيض والأوكسجين النقيض والنيتروجين النقيض.

2 ـ والذرة النقيضة لا تختلف عن الذرة العادية في صفاتها الطبيعية او الكيميائية، فلا تستطيع أن تفرق بين الذهب والذهب النقيض أو الماء والماء النقيض ، ولكن الفارق بين الذرة في عالمنا والذرة النقيضة هو أن الذرة النقيضة معكوسة الشحنات والمجالات والأقطاب المغناطيسية وحركة الدوران .

3 ـ وليس هناك مكان واحد امين على كوكبنا يستطيع أن يحتفظ  فيه بقطرة ماء نقيض ، اللهم إلا أذا أوجدنا لها فراغا مطلقا على أرضنا لتقف معلقة فيه بحيث لا تقربها ذرات عالمنا . والانسان مهما بلغت وسائله العلمية لا يستطيع أن يتوصل إلى  خلق فراغ مطلق ، ولهذا لا يمكن أن تعيش أي ذرة نقيضة في عالمنا إلا لحظة واحدة وبعدها تفني بمجرد ملامستها لأي ذرة أرضية وتختفي مادتها على هيئة موجات إشعاعية تنطلق في الكون بسرعة الضوء .

4 ـ المادة والمادة النقيضة لابد أن تتساويا تماما ، بمعنى أن نصف الأجرام السماوية من المادة ونصفها الآخر من مادة نقيضة . وهنا نستطيع القول بأن مبدأ الأزدواجية قد أكتمل على مستواه الكوني.

(أو بتعبير آخر : عندما حدث الانفجار الأكبر انقسم الى فرعين متناقضين ، جرى كل منهما فى اجاه مناقض للآخر ، وتوسع كلاهما بنجومه ومجراته مبتعدا عن الآخر ، لأنه لو التقيا فسينفجران .)

 

اتساع الكون : ( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ )

 

تقول نظرية الميل الأحمر : كلما زادت سرعة النجم ابتعادا عن الأوض كان لونه ضاربا للحمرة وكلما ازدادت سرعته نحو الأرض أقترب لونه من الأزوق .

على أساس هذه النظرية قدر العلماء عمر الكون الذي بدأ بإنفجار هائل من حوالي 18  الف بليون سنة ، ومنذ ذلك الوقت بدأ الكون يتسع ، وبطريقة غير معروفة تكونت المجرات من المواد التي تخلفت عن الانفجار . والرأي السائد حاليا ان الكون سيستمر  في الاتساع والتمدد. وزيادة الميل إلى الأحمر يدل على أن الكون آخذ في الأتساع والتمدد .ويقول العالم البريطاني فرايد أنه كلما اتسع الكون ظهرت منه تكوينات جديدة من النجوم لملء الفراغ .

 ونظرية النسبية تقول أن الكون في حالة تمدد مستمر وانه مقوس وأثبت ذلك بالمعدلات الرياضية .

وأعلن العالم الروسي فريدمان 1922 تاكيد النظرية النسبية في تمدد الكون وانه في حالة حركة .وبعد ابحاث عشرين عاما قال العالم الأمريكي الين سانديج ان سرعة تمدد الكون 235 مليون ميل في الدقيقة وان تمدد الكون قد بدأ منذ 18 الف مليون سنة ومع ذلك فإن الكون تمدد بسرعة منتظمة وسريعة جدا وفي جميع الاتجاهات .

فى عام 1974 اعلن اربعة علماء متخصصون في الفلك برئاسة دكتور ريتشارد جوث من جامعة تكساس الامريكية في دراسة علمية هامة استغرقت سنوات طويلة ان الكون في حالة تمدد غير محدد المدى أي حالة تمدد لا نهائي وانه ليس معروفا ما سيحدث بعد ذلك وهل عندما يصل الكون اإلى حد معين هل سوف يبدأ في الأنكماش على نفسه مرة اخرى ولكن يقولون طبقا لنظرية اينشتاين في ان الكون مقوس فإنه سياخذ الشكل الدائري بالتقاء الأقواس أو انه اتخذ الشكل المقوس فعلا من ملايين السنيين .)

(الوفد 29 يولية 1987)

 والقرآن الكريم سبقهم فى إلتقاء طرفى الكونين ( الكون والكون النقيض ) (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ) وعندها سيحدث الانفجار الثانى ويتلاشى العالم .

كيف ؟

عندما يلتقى الجسم مع مضاده في الفضاء يتلاشى الأثنان وتنطلق طاقة هائلة .  فإذا تقابل اليكترون بضده فلابد ان يفني أحدهما الآخر فناء تاما وتتحول مادتهما إلى حالة موجية أو الى ومضتين حارقتين تجريان في الكون بسرعة الضوء . فالألكترون ونقيضه يولدان معا في نفس اللحظة ونفس المكان ويموتان معا لو تقابلا في أي زمان ومكان .ولكي يولد الألكترون ونقيضه البوزيثرون لابد أن تصطدم كميه محدودة من الطاقة بهدف وعندئذ تتوقف وتتجسد إلى هيئة اليكترون ونقيضه ، والنقيض لا يستطيع أن يعيش في عالمنا لحظة واحدة .

فلابد أن يتقابل مع الألكترون في لمحة خاطفة ويأكل احدهما الآخر ويفنيان كمادة وتنطلق الطاقة من جديد .   

 ولنفرض انك كنت تمسك بيدك زجاجة بها لتر لبن وأنك خلطته – مجرد فرض ـ مع لتر آخر من لبن نقيض ، عندئذ يختفي كل اللبن ويختفي كل ما حولك حتى ولو كان مدينة كبيرة بها ملايين البشر، فقد تحول اللبن ونقيضه من حالتهما المادية إلى طاقات جبارة تهلك الناس والحجارة .

ونظرية النسبية تقول : ان الطاقة = الكتلة بالجرامات في  مربع سرعة الضوء بالسنتيمتر في الثانية ..أى :2 لتر لبن = 200 جرام وسرعة الضوء بالسنتيمتر في الثانية 30 الف مليون سم أذن فالطاقة = 2000 في 30 الف مليون في  30 الف مليون أرج . والأرج وحدة قياس الطاقة .أي يساوي 18 وأمامها 23  صفرا .وبالمعنى العملي = 44 مليون طن من مادة ال  ت  ن  ت  شديد الأنفجار .أو 220 قنبلة ذرية من نوع هيروشيما .  ماذا يحدث لو التقى نجم مع نقيضه .. لالتهم احدهما الآخر بعنف لا يمكن تصوره وكأنها القيامة . )

المصدرالعلمى  : كتاب الدكتور عبد المحسن صالح (هل لك فى الكون من نقيض ؟ الكون والكون النقيض ) : 31 ، 43 ، 48 ، 120 ،52 – 53 ، عبدالمحسن 30 ، 4 ، 49 ،20 ، 21 ، 55 ، 142 .  

 

نسأل نحن :

فماذا سيحدث يوم القيامة الفعلية حين يلتقى الكون بكل مجراته وسماواته بالكون النقيض المماثل له ؟

لا يستطيع العلم الاجابة .

موعدنا مع الاجابة القرآنية فى مقال قادم .

اجمالي القراءات 19034