الشريعة الإسلامية وشريعة الإسلام
الشريعة الإسلامية وشريعة الإسلام

أيمـــن اللمـــع في الأحد ٠٣ - أكتوبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

    

قد يبدو هذا العنوان غريبا أو مثيرا ،لكني لم اتعمد اختلاق غرابة أو افتعال اثارة، بل وصلت لهذه النتيجة بعد أن تيقنت  بأننا نحمل شريعة موصوفة بأنها اسلامية لكنها تخلو من تشريع اسلامي واحد، متذكرا قول الإمام محمد عبده بأننا مسلمون بلا إسلام.

 

من الواضح أن ما لدينا من شريعة الآن إنما هي نسخة مقلوبة عن الإسلام إلا أنها توصف بأنها (إسلامية)، لكن مشكلتها في الحقيقة أن أنتمائها للإسلام لا يتعدى الإسم فقط.

إنها شريعة استمدت شرائعها من مكان (آخر) غير الذي نزلت به شريعة الإسلام.

ربما لاحظت أو لم تلاحظ بعد، بأننا نتكلم وندعي صفات لانملكها، فقط لأن هذه الصفات مأخوذة حرفيا من الكتاب الكريم، لكننا في الحقيقة نحمل في داخلنا - ومن خارج الكتاب بالتحديد- ما يتنافى بكل صراحة مع تلك الصفات.

ولو أخذت كلامي هذا على محمل الجد، وعملت على تتبع صفاتنا (الإسلامية) التي نعتز ونتباها بها فستجدها  في الحقيقة عبارة عن كلمات فقط، إنها كلمات مفرغة من معانيها. فمثلا، نحن ندعي التسامح في الوقت الذي نرفض فيه حق الآخرين في الإختيار أو حقهم في الدين أو الحق في الفكر أيضا، لتجد أن ذلك المتسامح يلعن معارضية ويتهمهم بالكفر والمروق، معتبرا بأن الإختلاف والتعددية هو سبب الضعف، وتفكك الأمة.

 

أومثلا، تجد كلمة عدل أوقسط تنتشر بين من يرفضون حق المواطن الذي ينسب الى فئة (أهل الذمة) في حياة كريمة كغيره، وفي المشاركة الكاملة في تقرير مصيره، أو حتى التعبير أوالدعوة لدينه.

أو صفة رحمة بين من يطالبون بانتهاكات لحقوق الأنسان والبهائم على حد سواء، أكانت تلك الأنتهاكات جسدية أو للكرامة.

وإن واصلت التنقيب على هذا النحو فبالتأكيد ستجد نفسك في النهاية محاطا بمسلمين (من السلم والمسالمة) يدعون الله ليل نهار ليعود مجد الحرب والسيف والسلب والغزوات.

  قد يبدو هذا تناقضا في داخل شريعة الإسلام من النظرة السطحية، لكن هذه النتيجة ستتكرر دائما وأبدا إذا لم نفرق بين الشريعتين المختلفتين، بين شريعة الإسلام وتلك الشريعة التي تدعي بأنها اسلامية، والتفريق بينهما ليس أمرا سهلا لأنه وعلى مايبدو بدأ الخلط المتعمد بينهما في وقت مبكر جدا.

الشريعة الموصوفة بـ(الإسلامية) لاتدخر وسعا في قلب الأمور، وتحوير الكلام أو حتى نفيه تماما،خذ مثلا في الحق الديني المطلق الثابت في شريعة الإسلام كقوله: وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً [الكهف : 29]

مؤكدا بأن هذه الحرية مقترنة بإختبار إلاهي وبحساب إلاهي أيضا، وأن النار فقط للظالمين، وليس لأحد سواه أن يعذب بهذه النار.
لكنك ستجد أن الشريعة الأخرى والتي أخذت من المكان (الآخر)، تقول لك وبكل صرامة بأنك لست مخيرا وليس من حقك أن تكفر أو أن ترتد، وأن أربابها الآخرين لديهم ماهو أكثر من تلك النار وعلى استعداد دائم وفي (سبيل الله) بالذات أن ينهوا ذلك الإختبار الإلهي بطريقتهم الخاصة.

 

شريعة الإسلام تعمل على خلق جو إيماني حقيقي وتدعم القيم الأخلاقية وتسمو بها أكثر، وكل ذلك بتربية نفس المسلم بالعمل المتواصل في (تزكيتها)، ويتركز في ذلك خطاب التقوى لتلك النفس.

على العكس تماما تجد الشريعة الأخرى والتي أخذت من المكان الآخر ،تعنى بكل الظواهر والشكليات فقط، ولاتلقي بالا لتلك التقوى، وتجد ذلك واضحا بكل جلاء في مجال العبادات.

 

1.فالصلاة مثلا في شريعة الإسلام هي اتصال كامل بين العبد وربه في جميع الأوقات طلبا للرحمة والهداية، وهذا مايسمى بإقامة الصلاة فهي تبدأ من القوم الى الصلاة –الطقسية- الى المحافظة عليها في مابعد الصلاة-الطقسية-، أي لايقتصر الأمر على وقت الصلاة المحدد بل التأكيد على مايتخللها من أوقات أيضا، هنا تؤدي الصلاة عملها في (تزكية) النفس، ويتحقق فيها قوله عز وجل: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت : 45]، وأن الصلاة التي لاتنهى عن الفحشاء والمنكر ليست إلا حركات معينة في وقت معين.

أما الشريعة الأخرى والتي أخذت من المكان الآخر، فتحيل الصلاة الى طقسا دينيا كاملا لايتعدى الأمر المظاهري الشكلي، فتصب الاهتمام على كيفية أداء ذلك الطقس بحجة أنها لن تقبل إلا إذا كانت على هذا الشكل، وبهذا المنهج أذكر كتابا يتكلم عن 40 مبطلة للصلاة ليس من بينها مبطلة واحدة، فلم يخرج المؤلف عن الإطار الشكلي أبدا.

بل وتجد تلك الشريعة تؤكد بأن الصلاة في حد ذاتها هي الغاية المرجوة، وليست هي وسيلة للهدف المطلوب في تزكية النفس.

لهذا لايعمد التفسير الى تفسير قضية ملفتة للإنتباه وردت في القرآن الكريم في إقتران إيتاء الزكاة بإقامة الصلاة(¹)، إلا من حيث الأداء، فيقول بأن الزكاة هي انفاق المال على وجه التحديد، وأنه أمر واجب على كل مصلي، علما بأن القرآن الكريم كان يفرق في هذه القضية كقوله :(إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ [فاطر : 29] ).

 

2.إنفاق المال هوأيضاً سبب لإيتاء الزكاة ولكنه ليس الزكاة.

عندما يريد المسلم تزكية نفسة بإنفاق المال فسوف يتحرك فيه جانب التقوى، فبقدر إيمانه سينفق ماله، وهنا يظهر التمايز بين المسلمين بدرجة ايمانهم، لكن بمجرد أن تحدد ذلك الإنفاق بقيمة معلومة فسوف تلغي عمل التقوى لتتحول الى ضريبة يفرضها الله على عباده.

قيمة الإنفاق لايجب أن تكون معلومة، لأنه بهذا سيزول دور التقوى والإيمان، وردا على من يحتج بقوله عز وجل (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ )[المعارج : 24]، نشير بأن (الحق المعلوم) ليس هو (القدر المعلوم)، فالمصلي هو الذي يعلم بأن في أمواله حق للسائل والمحروم وليس قيمة مقدرة سلفا.

ومرة أخرى، الزكاة هي حصيلة للأعمال: (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ )[فاطر : 18]، لأنه لن يفلح إلا من زكى نفسه ،بعكس الخائب الذي دساها.

 

وبنفس الآلية يتحول شهر الصيام في رمضان من نظام ديني واجتماعي وإقتصادي لحماية الفقراء ولتزكية نفوس الأغنياء والفقراء، إلى شهر جوع مؤقت لايتعدى غروب الشمس ضاربا الاقتصاد بالذات، ليحول متوسط الحال الى فقير والفقير الى (متسول)، على غرار ماتشاهده في كل عام.

كما أن الحج الى بيت الله كشرعة جماعية عالمية في أشهر معلومات، لتأكيد حرمات الله وأشهره الحرم تنعكس أيضا على زكاتهم لأنفسهم، يصبح على يد تلك الشريعة الى (أيام) معلومات تتكدس فيه جموع (اسلامية) هدفها غسل أدرانهم ليعودوا كما خلقهم الله، حتى يرجعوا الى بيوتهم فيعملوا ما كانوا يعملون، فيتسخون بالأدران مرة أخرى. 

 على يد هذه الشريعة والتي أخذت من المكان الآخر، أصبح دستور التشريع (القرآن الكريم) من بيان للناس فيه آيات بينات الى شريعة مشفرة برموز لايفهمها إلا فئة قليلة اكتسبت هذا (العلم)(²) بالتوارث، وليس لأحد الحق في الإجتهاد فيه سواهم، لدرجة أنهم عندما اكتفوا بإجتهاد الأولين أو عجزوا عنه،((أوقفوا)) الإجتهاد من أساسه، في عملية مضحكة ومؤسفة بذات الوقت تظهر الى أي مدى وصل ذلك الإحتكار.

بينما يكتفي جميع الناس من غير تلك الفئة القليلة بنصوص القرآن تجويدا أملاً في جمع الحسنات أو لفك سحر أوجلبا لرزق ولابعاد الشيطان الرجيم.

كيف لا، وهم بالأصل لايعلمون (علوم) القرآن، تلك العلوم التي تقول بكل صراحة بأن القرآن غير كاف وأن به آيات اختفت وأخر ملغية بحكم (النسخ)، وأن القرآن حمالة أوجه!! أي أن آياته متضاربة قد تتعارض مع بعضها في القضية الواحدة.

أنا أيضا أقول بأن الإسلام هو الحل...لكن بالقطع ليس الحل الذي يقول به فقهاء القديم، والذين يأخذون شريعتهم حرفيا من ذلك المكان الآخر، لأنني أعتقد جازما بأن تلك الشريعة والموصوفة بأنها إسلامية مصممة خصيصا لضرب شريعة الإسلام بالذات.

________

 

¹.اقتران اقامة الصلاة بإيتاء الزكاة في محكم التنزيل: (المائدة : 55، لقمان :4 ، النمل: 2 ،التوبة: 71، البقرة 277،التوبة5، التووبة 11، الحج 41).

².يطلق على التفسير وفقه الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول بعلوم القرآن، بل ويصل الأمر الى حد نسبة مايسمى بمعرفة الرجال أو الجرح والتعديل بأنه علم، في دلالة واضحة تكشف عن ثقافة لاتستطيع أن تعرف أهم صفات العلم عند أولئك العلماء.

 

أيمن اللمع

عمان -الأردن

اجمالي القراءات 19924