ضمن مشواره التنويرى العظيم أنشأ استاذنا الدكتور منصور(بارك الله فى عمره ) رواق إبن خلدون بمركز إبن خلدون للدراسات الإنمائية فى يناير 1996، الذى أصبح بفضله منارة ثقافية وتعليمية فى مصر ،وإنبثقت منه وعلى منواله منارات ثقافية أخرى فى مراكز وجمعيات المجتمع المدنى فى مصر ، وتخرج فيه كوكبة عظيمة من الباحثين فى شتى العلوم والمعارف ساهموا بها فى إثارة وإثراء الحركة الفكرية فى مصر ،وخاصة فى المجالين الدينى والسياسى... وكان لى الشرف أن أعيش معهم هذه الفترة الذهبية للرواق كمستمع ،ثم كمشارك فى المداخلات والتعقيبات ،ثم كمحاضر ومساهم بمقال شهرى بمجلة المجتمع المدنى للمركز حتى 2006 ،ثم كمديرللرواق فى النصف الثانى من 2004. ولم تنقطع صلتى بالرواق وندواته وأهله منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم .
وبعد محاضرتى الأولى بالرواق عن (سلبيات فى قطاع الدواء فى مصر ) ، طلب منى استاذى الدكتور منصور ، أن أُحضر لندوة أخرى عن (الطب فى البخارى).وذلك بعد كتابتى سلسلة من المقالات بجريدة الأحرار المصرية تحت عنوان (محاكمة البخارى). وأثارت هذه الندوة لغطاً كثيرا ومشاكل أكثر فى حينها.
الاحاديث الطيبة فى البخارى
أثارت هذه الندوة الكثير من الشغب بسبب اعتراض قطب اخوانى حاول ان يفرض وصايته على الرواق بحيث لا يناقش الرواق ما يختلف مع عقيدة الاخوان ، لذلك كان يقاطع المتحدث متجاوزا ما استقر عليه الرواق من مبادئ واسس ،اهمها حرية التعبير وحرية الاختلاف مع عدم التكفير وعدم التخوين ،وان يعرض المتحدث وجهة نظره كاملة دون مقاطعة ، ثم يتحدث المعقبون بكل حرية دون ان يقاطع احد احدا . ومع الشغب المثار الا ان الندوة انتهت خصوصا وأن المتحدث د. عثمان محمد على كان قد قام بتصوير ندوته وتصوير احاديث البخارى محل البحث ، ووزعها على الحاضرين وتحمل الشغب الذي ثار ضده بصبر واحتمال، ونجحت الندوة ليس فقط فى داخل الرواق ،ولكن تم نشرها تباعا فى جريدة الاحرار خلال شهرى اغسطس وسبتمبر لتثير الكثير من الجدل والشغب من اولئك الذين يرفضون حرية الفكر ويقدسون البخارى ويعتبرونه معصوما من الخطأ لا تجوز مناقشة كتابه .
وقد بدأ د.عثمان ندوته بإعطاء معلومات موثقة عن البخارى ، اذ عاش فيما بين (194 : 256 هــ ) وروى عن الف شيخ ، روى عن كل واحد منهم عشرة الاف حديث بأسانيدها ، اى روى حوالى 10 مليون حديث انتخب منها 600 الف حديث ، ثم ثم كتب فى صحيحه 7008 حديث بالمكرر، وبدون التكرار هى 2362 حديثا ، كلها منسوبة للنبي ، وقد مات البخارى دون ان ينظمها فى كتابه ، وقد قام بتبويبها تلميذه الفربوى ، وكل روايات االبخارى سماعية ، اى بالسماع وليس بالنقل عن كتب مدونة .
ثم استعرض د. عثمان بعض احاديث البخارى التى لا تتفق مع العلم مثل حديث " كان أول الحيض على بنى اسرائيل" أى لم تكن النساء تحيض من قبل !!! ثم توقف مع احاديث البخارى الطبية موضحا تناقضها مع حقائق الطب وتأثيرها الهدام فى تخلف المسلمين مثل حديث " الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا من السأم ، أى الموت " ومعنى ذلك أن هذه الحبة السوداء تغنى عن كليات الطب والصيدلة والاطباء والبحوث والعلوم طالما هى اكسير الحياة " وحديث " من تصبح سبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر" أى إذا أكل الانسان سبع تمرات فإن السم لا يؤثر فيه " وحديث العسل الذى يشفي البطن، وحديث " لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ، وفر من المجذوم كما تفر من الاسد" وقد أوضح د. عثمان ما فى الحديث من تناقض ، إذ نفي تأثير العدوى ثم يأمر بالفرار من المجذوم خشية العدوى ، ثم إن نفي تأثير العدوى لا يتفق مع حقائق الطب والفيروسات الناقلة للعدوى ، وهذا ما كان معروفا حتى فى العصور الوسطى ، من الخوف من العدوى ، وحديث " اذا وقع الذباب فى إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فإن فى أحد جناحيه شفاء وفى الآخر دواء" وحديث يسأل أحدهم النبي –فيما يزعمون- عن رمى الصيد ، ثم يعثر على الصيد ميتا بعد يومين وفيه السهم ، ويزعمون ان النبي قال " يأكل منه إن شاء " ان يجيز الاكل من الحيوان بعد تحلله وموته ، وحديث الرقية ، أو أن يرقى أحدهم المريض بتعويذة ، وحديث الرجل الكبير يرضع من المرأة وتصبح المرأة أما له من الرضاع وتحرم عليه !! وهذه مجرد نماذج عرضها وناقشها د. عثمان محمد على . وأوضح للرواق أنه يؤمن بأن هذه احاديث اخترعها البخارى ، ولم يقلها النبي عليه الصلاة والسلام ، وأنه يتحدى أن يثبت أحدهم أن هذه الاحاديث ليست فى البخارى أو أنها تتفق مع حقائق العلم والطب .
وأثناء الشغب الذى أثاره القطب الاخوانى رد أن هذه المحاضرة تسيء للدين ، ورد عليه مدير الرواق د. احمد صبحى منصوربأنه على العكس فإن هذه الندوة تبرئ الاسلام من تلك الخرافات المنسوبة كذبا للنبي عليه الصلاة والسلام ، وان هناك فارقا بين دين الاسلام المحفوظ فى القرآن ، وبين فكر المسلمين المكتوب فى العصر السياسي من تفاسير واحاديث ، وان البخارى وغيره يعبرون عن ثقافة عصرهم ، وقد اسندوها افتراء للنبي عليه السلام بعد موت النبي بقرون ، اما من يقول ان نقد البخارى اساءة للدين فهو يعتبر البخارى جزءا من الدين ، ويعتبر كائنا مقدسا معصوما من الخطأ ، وهذا يتناقض مع الاسلام الذي لا تقديس فيه إلا لله تعالى وحده ، ولا عصمة فيه لبشر بعد النبي فى أمور الوحى ، وقال أن مهمة هذا الرواق الاجتهاد فى اطار الفكر الدينى لتصحيح المفاهيم ، حيث يرتبط الجهل بالتعصب واستغلال الدين فى أغراض سياسية ، ولعل هذا ما يزعج المتاجرين بالدين ، إذ أنهم يجهلون حقائق الدين فى التسامح والعلم والاستنارة ، ولا يريدون لاحد ان يظهر جهلهم بحقائق الاسلام ، كما يريدون اغلاق هذه القضايا الاجتهادية ليتفرغ الناس فى تأييدهم لبلوغ هدفهم السياسي .. وهكذا فهو موقف سياسي عقيدى معقد ومركب ، يدفعهم للوقوف ضد حركة الاجتهاد التى تريد تجلية حقائق الاسلام حرصا على تحقيق طموحاتهم ..
وقال د. محمد ابو الاسعاد : ان الباحث انتقى الجانب السلبي ، وهناك اشارات طبية ايجابية ، وقال اننا فى حاجة إلى تنقية التراث وليس إلى إلغائه ... ورد د. عثمان بأنه توجد هناك فوائد طبية فى بعض الاحاديث خارج البخارى ،ولكن لا يوجد فى البخارى منها شيء، وقال ان التراث يعبر عن عصره بما فيه من ايجابيات وسلبيات ونأخذه كله على هذا الاساس دون تنقية ، ولكن نؤمن بأن الرسول عليه الصلاة والسلام لا شأن له به .
وقال د. حسن عيسى: اندفع الباحث الشاب فى جرأة ينتقد البخارى مع عدم المامه باللغة والاسناد ومراجعة النصوص البخارى على نصوص اخرى كما يفعل المتخصصون ، ورد الباحث بأنه لا شأن له بالاسناد أو اللغة ، وانما يعرض الاحاديث الطبية فى موضوعها الطبي على حقائق الطب المعروفة ، وقد اتضح تناقضها مع حقائق الطب . ويكفى أنه نقل هذه الاحاديث الطبية فى موضوعها الطبي على حقائق الطب المعروفة ، وقد اتضح تناقضها مع حقائق الطب . ويكفى أنه نقل هذه الاحاديث من اسطوانة ليزر
C.D
تنتجها شركة سعودية معنية بالحفاظ على البخارى والتراث .
وقال ماجد صلاح الدين: انه يشكر المتحدث على تعريته لهذه الاسرائيليات المخالفة للاسلام ، ودعا العلماء لمراجتعها خصوصا وان أولئك الرواه غير معصومين من الخطأ .
وقال رفعت بيومى: انها احاديث اسرائيليات تخالف السنة ، وقد حذر النبي عليه السلام من الكذب عليه والقرآن هو شفاء للمؤمنين .
وقال طه الشريف : ان الحبة السوداء احاطت بها الدعاية لتضخم من آثارها بدون حق ، وكانوا يصفونها شفاء لمعظم الامراض .
وقال حسن الشامى : ان النبي عليه السلام حذر من الكذب عليه ، ولكن بعض الفقهاء وضعوا احاديث كثيرة بحسن نية مثل الترغيب والترهيب وفضائل قراءة القرآن .
--- من ندوات رواق إبن خلدون 10 اغسطس 1999